الحلقة الثالثة: شعيرة اللطم
alzahra2 :: الفئة الأولى :: قسم الشبهات والردود :: مقالات العلماء :: مقالات سماحة السيد هاشم الهاشمي
صفحة 1 من اصل 1
الحلقة الثالثة: شعيرة اللطم
أهم ما دار في خمس حلقات من برنامج "ليالي عاشوراء" الذي بث على قناة "الأنوار" الفضائية في شهر محرم الحرام من عام 1426هـ حول الشعائر الحسينية، مع لفت الأنظار إلى وجود بعض الزيادة أو النقيصة غير المخلة بين ما هو مدون هنا وما هو مبثوث على القناة كما هي العادة الجارية في اللقاءات التلفزيونية التي تتحكم فيها أمور متغيرة توجب عدم الاقتصار على نص الأسئلة والأجوبة، وخاصة مع ملاحظة ضيق وقت البرنامج الموجب لعدم التطرق لبعض المقاطع في بعض الأجوبة، وأحيانا حذف بعض الأسئلة والأجوبة المعدة لها بالكامل، والتي بلغت في بعض الحلقات النصف تقريبا، مما دعا إلى إدراجها مع أجوبتها تعميما للفائدة.
الحلقة الثالثة: شعيرة اللطم
* اللطم وحرمة الضرر
سؤال: ألا ينطبق على اللطم في ذكرى استشهاد سيد الشهداء الحسين مبدأ (لا ضرر ولا ضرار) في الإسلام؟
الجواب:
إن حديث لا ضرر ولا ضرار من الأحاديث التي وردت في مصادر الفريقين السنة والشيعة، وقد تناوله الفقهاء ضمن بحوث عميقة، وذكروا له أربعة أو خمسة معاني متفاوتة، هل هو بمعنى النفي أم النهي، وإذا كان بمعنى النفي فما هو المنفي هل هو الحكم الضرري أم الحكم بلسان نفي الموضوع وأقوال ليس هذا مقامها.
ما يمكن أن يقال فيما يرتبط بجواب هذا التساؤل هو أنه ليس المقصود من حديث لاضرر هو نفي أي ضرر وإن كان ضئيلا، بل المقصود هو نفي الضرر الذي يعتد به العقلاء، مثل إتلاف النفس أو قطع عضو من أعضاء البدن أو حدوث مرض لايتحمل عادة، أما الأضرار البسيطة والصغيرة فغير مشمولة بحديث لا ضرر.
مثلا هل يحرم علي إذا ما أخذت موسى وشققت مقدارا قليلا من يدي وأخرجت الدم، فهل يقال لمثل هذا ضررا؟ وإن قيل له فهل يعد محرما؟
لقد ذكر العلماء سنة وشيعة جواز ثقب الأذن للمرأة والبنت والطفل مع ما يشوبه من الألم ويتسبب به في بعض الحالات من خروج الدم لمجرد وضع الزينة والحلي فيه، وكذلك قال بعض علماء أهل السنة في خصوص ثقب الأنف، (الشرح الكبير لأبي البركات ج4 ص369، والبحر الرائق لابن نجيم المصري ج8 ص375، والدر المختار للحصفكي ج6 ص741 وسبل السلام لابن حجر العسقلاني ج4 ص 99) فهل يجوز ذلك ولايعد ضررا من أجل الزينة مع أنه لم يرد في رواية عن الرسول الأكرم (ص) بجوازه ولايجوز في إقامة عزاء سيد الشهداء (ع) حزنا على مصابه، ذلك المصاب الذي ناحت فيه الجن أيضا، فقد روى الهيثمي عن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها قالت:
«سمعت الجن تنوح على الحسين (ع).»
قال الهيثمي:
"رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح". (مجمع الزوائد ج9 ص199)
وذلك المصاب الذي روى الهيثمي فيه عن ابن عباس «أنه رأى النبي في عالم المنام أشعث أغبر معه قارورة فيها دم، فسأله ابن عباس: ما هذا؟ فقال: هذا دم الحسين وأصحابه، فلم أزل أتتبعه منذ اليوم».
قال الهيثمي:
"رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد رجال الصحيح". (مجمع الزوائد ج9 ص194)
وأي ضرر يلحق الإنسان باللطم حتى الشديد منه والمؤدي إلى اسوداد الجلد أو احمراره بل وحتى الإدماء؟؟
القرآن الكريم يحدثنا أن نبيا معصوما من الذنوب وهو النبي يعقوب (ع) قد بكى على فراق ابنه يوسف (ع) وليس على فقده حتى ذهبت عيناه، قال تعالى:﴿ وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم * قالوا تالله تفتؤا تذكر يوسف حتى تكون من الهالكين * قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون * يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيئسوا من روح الله ﴾ (يوسف / 84 –87) فطلب النبي يعقوب (ع) من أبنائه التحسس على يوسف (ع) وأخيه يكشف عن علمه بحياته، ومع ذلك يثني عليه القرآن الكريم ويعتبره صابرا بالصبر الجميل، فلماذا لايجوز أن يفعل المفجوع بمصاب سيد الشهداء (ع) بأقل مما فعله النبي يعقوب (ع) بنفسه؟
ثم إن هنا أصلا كليا وهو أن المسلمين اختلفوا في كثير من المسائل الفقهية، لأسباب كثيرة، سواء من جهة أن سند هذا الحديث مقبول عند هذا وغير مقبول عند ذاك، أو لأنهم اختلفوا في فهم الحديث أو في كيفية الجمع بين الأحاديث المتعارضة أو لأسباب أخرى، وكانت طريقتهم في التعامل في تلك المسائل الفقهية هو أن يعرض كل طرف دليله وينقض الرأي الآخر، ولكنهم في مقام العمل كانوا يعذرون الآخر فيما توصل إليه، مع أنه كانت بعض المذاهب تنفرد برأي واحد يخالف الآخرين، وكمثال: هل الحجامة من مبطلات الصوم، انفرد الحنابلة بذلك وخالفهم أصحاب المذاهب الثلاثة الأخرى المعروفة وقالوا أنه غير مفطر.
فلماذا ينكر على أتباع مذهب أهل البيت (ع) - وهم الذين أمرنا رسول الله (ص) في حديث الثقلين بالتمسك بهم – عملهم بموجب هذا المذهب في مسألة فقهية كمسألة جواز اللطم على الإمام الحسين (ع) حتى لو افترضنا أن للمذاهب الأخرى رأيا آخر فيها.
ولقد ثبت عند فقهاء الإمامية جواز اللطم باعتبار أن الأصل في الأشياء الإباحة إلا أن يثبت العكس وما ذكر من أدلة لحرمة اللطم كلها ضعيفة عندهم، بل ثبت لديهم استحبابه على الإمام الحسين (ع) لأدلة كثيرة بعضها عام من قبيل إحياء أمر الدين أو المواساة أوتعظيم شعائر الله أي علاماته، وبعضها خاص مثل الرواية المعتبرة التي رواها الشيخ الطوسي عن سادس أئمة أهل البيت الإمام جعفر الصادق (ع) أن كل الجزع مكروه سوى الجزع على الحسين (ع) (الأمالي المجلس السادس الحديث 20 ص162) واللطم من مصاديق الجزع بلا شك.
وكذا ما ورد عن الإمام الصادق (ع):« ولقد شققن الجيوب ولطمن الخدود الفاطميات على الحسين بن علي (ع)، وعلى مثله تلطم الخدود وتشق الجيوب».
* اللطم وتعذيب الذات
سؤال: ما الفائدة المرجو من اللطم؟ وهل هو تعذيب للذات؟
الجواب:
اللطم من مظاهر الحزن الطبيعية كما هو البكاء أو شق الجيب أو حثو التراب على الرأس، وكذلك هو وسيلة إعلامية لنشر مبادئ المدرسة الحسينية، ومن المعلوم أن كل مدرسة تتخذ أسلوبا إعلاميا لنشر قضاياها، والمدرسة الحسينية مفعمة بمبادئ العزة والكرامة والإيثار والتضحية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتقديم الغالي والنفيس من أجل الدين، والمدرسة الحسينية تنشر مبادئها من خلال إقامة الشعائر الحسينية وهي وسيلتها الإعلامية كإقامة المجالس والبكاء واللطم والتطبير ولبس السواد وغير ذلك، وهي من خلال هذه الوسائل تبقي جذوة النهضة الحسينية حية وماثلة في النفوس.
فإذن إحياء تلك الشعائر إحياء لأمر الدين.
واللاطم على الإمام الحسين (ع) يواسي الإمام الحسين (ع) ويواسي فاطمة الزهراء وأهل البيت عليهم السلام بما جرى على صدر الحسين (ع) عندما لم يكتف الظالمون بما فعلوه مع الجسد الشريف من الطعن والضرب بالسيوف حتى أن الضربة كانت تأتي على الضربة.
روى الشيخ الصدوق في أول حديث من المجلس 31 من الأمالي بسند صحيح عن الإمام محمد بن علي الباقر خامس أئمة أهل البيت عليه السلام وهو ممن حضر واقعة كربلاء يقول:
«أصيب الحسين بن علي ووجد به ثلاثمائة وبضعة وعشرون طعنة برمح أو ضربة بسيف أو رمية بسهم، »لم يكتف الظالمون بأن ذبحوه عطشانا حتى أمروا بأن توطأ الخيل على صدره الشريف، فيالها من مصيبة وما أعظمها من بلية.
أما مسألة تعذيب الذات فهي غير واردة لأن المفجوع لايعذب ذاته بل يبرز المكنون من عواطفه، وما دام لا توجد موانع شرعية من إبراز تلك العواطف فإن أي مظهر للعاطفة جائز من غير محذور.
وما دام أن هناك ترغيبا في إظهار الجزع على الحسين (ع) فإن شبهة تعذيب الذات تسقط، فالنبي (ص) تورمت قدماه في العبادة كما هو المروي في صحيح البخاري ولا نقول أنه عذب ذاته لأن في قيامه الليل عبادة، وما نقوله أن البكاء على الحسين (ع) واللطم عليه أيضا عبادة.
لعل التعبير بتعذيب الذات ينطبق على من يريد أن يختلق وجود مصيبة وهي غير موجودة، أو يريد أن يضخم من مصيبة صغيرة، فيبدي حزنا على أمر مفتعل لا وجود له فيكون قد عذب ذاته، أما إذا كانت الفاجعة في حد ذاتها عظيمة، وهي من الحجم بحيث سمعت أم سلمة صوت بكاء رسول الله (ص) وهي خارج حجرتها وقبل أن تقع المصيبة، وبلغت حدا أن ناحت الجن عليها، وبحد أن كسفت الشمس وخرج الدم العبيط من تحت الحجر، وكما جاء ذلك في الروايات التي اعترف الهيثمي بصحتها فالتفاعل معها هو الأمر الطبيعي وعدم التفاعل معها هو غير الطبيعي، فالأم المفجوعة بولدها لا يقال لها لم أنت تبكين وتصرخين، والمحبون للإمام الحسين يظهرون بعض عواطفهم في حبهم للحسين (ع).
* مضامين قصائد اللطم
سؤال: ماذا تقول قصائد وأبيات اللطم ... هل هي مستندة إلى أحاديث أم هي أحاسيس الشاعر؟
الجواب:
الأشعار التي تلقى في القصائد منها ما هو باللغة العربية الفصحى ومنها ما هو باللغة الشعبية الدارجة، وهي أشعار تكثر بلهجة أهل العراق والبحرين والقطيف والإحساء.
وهذه القصائد تتضمن إظهار التوجع والتفجع على مصاب سيد الشهداء، وكذلك تتضمن إظهار العزة والكرامة والبطولة الحسينية، وفيها الكثير من المفاهيم الإسلامية العامة المأخوذة من القرآن وأحاديث النبي وأهل البيت عليهم السلام، ولكنها تركز أكثر شيء على إظهار جوانب الظلامة والفجيعة والتأثر.
وهذه الأبيات تجمع بين نقل نفس ما جرى في كربلاء مضموما إلى أحاسيس الشاعر والأسلوب الشعري، وبين نقل لسان الحال وما يصوره الشاعر من أحاسيس يتصورها في حق الإمام الحسين (ع) أو ما يجيش في صدر زينب بنت أمير المؤمنين (ع).
وفي الغالب تستقى قصائد اللطم من الشعراء الذين أنشدوا في الرثاء على الحسين (ع) من السابقين والمعاصرين، وفي العقود الأخيرة قام محبو الإمام الحسين (ع) جزاهم الله خيرا بكتابة قصائد لأجل قراءتها في اللطم خصيصا.
وأنا أختار بعض الأبيات المختصرة من تلك الأشعار التي تقرأ في اللطم.
يقول الشريف الرضي المتوفى سنة وهو بالحائر الحسيني يرثي جده الحسين (ع)، وأنا اختزلت بعض الأبيات اختصار:
كربلا لا زلت كربا وبلا * ما لقي عندك آل المصطفى
كم على تربك لما صرعوا * من دم سال ومن دمع جرى
يا رسول الله لو عاينتهم * وهم ما بين قتل وسبا
من رميض يمنع الظل ومن * عاطش يسقى أنابيب القنا
ومسوق عاثر يسعى به * خلف محمول على غير وطا
لرأت عيناك منهم منظرا * للحشى شجوا وللعين قذى
ليس هذا لرسول الله يا * أمة الطغيان والبغي جزا
جزروا جزر الأضاحي نسله * ثم ساقوا أهله سوف الإما
يا قتيلا قوض الدهر به * عمد الدين وأعلام الهدى
قتلوه بعد علم منهم * أنه خامس أصحاب الكسا
وصريعا عالج الموت بلا * شد لحيين ولا مد ردا
غسلوه بدم الطعن وما * كفنوه غير بوغاء الثرى
ومن الشعر الشعبي في اللطميات ما أنشده الشاعر الألمعي وخطيب الخليج والبحرين الملا عطية الجمري المتوفى سنة 1401هـ، يقول في قصيدته "وين الكفين" وهو يحكي لسان حال الإمام الحسين (ع) وهو يسأل أخاه أبا الفضل العباس عندما قطعت يداه في كربلاء بعد أن خاض الشريعة ليأتي بالماء لأطفال الحسين (ع) العطاشى ولم يشرب شيئا من ماء الفرات:
ليش ما رويت قلبك * يوم طبيت الشريعة
قال يا مظلوم تدري * بالوفا شيمة وطبيعة
شلون عباس يتروى * وينسى بو سكنه ورضيعه
طفلك يا حسين * شعبني بونته * طفلك يا حسين
وين أرجع وين * وروي مهجته * وين الكفين
* الاهتمام بالشعائر الحسينية وإهمال الواجبات
سؤال: هناك الكثير من الناس يرى بعد سماعه عظمة الشعائر الحسينية يعتبر أنه قد طهر نفسه من الذنوب ويستمر بالمعاصي والاعتداء على حرمات الله عز وجل ... وقد يهمل في واجبات كالصلاة مثلا؟ فهل هذا صحيح؟
الجواب:
الإنسان العاقل هو الذي لا يفسد ما جناه من أرباح، فالبكاء على الإمام الحسين (ع) وبقية الشعائر فيها الكثير من الأجر، وعلماؤنا يؤكدون على صحة ما ورد في ذلك الأجر من أنه يغفر الذنوب وغير ذلك، وليس من حق أحد أن يعترض على الأجر الذي جعله الله فيها.
ونحن نجد في الأحاديث الكثير من الأعمال التي تقول أن من عملها غفرت له ذنوبه كلها وكان كيوم ولدته أمه كما روى البخاري في صحيحه عن رسول الله (ص): من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه.
وعلى المغفور له أن لا يعاود جمع الذنوب على ظهره مرة ثانية.
ثم أن ارتكاب المعاصي يتنافى مع ما أعلنه الإمام الحسين (ع) من دوافع لنهضته من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإعزاز الدين وإقامة الفرائض، فكيف يصح أن نخالف تلك الأهداف والمقاصد السامية؟!
ولكن ما أود إلفات الأنظار إليه أننا نلمس أن الناس وخاصة الشباب منهم ينجذبون نحو الإمام الحسين (ع) والشعائر الحسينية خاصة في شهر محرم، ولمسنا أن كثيرا تغير سلوكهم ببركة الإمام الحسين (ع) والمجالس والشعائر الحسينية، ولا عجب فالحسين (ع) مصباح الهدى وسفينة النجاة، فلا ينبغي أن ننفر الشباب من سبيل الهداية بل ينبغي أن نجذبهم نحو الدين والالتزام وننبههم في نفس الوقت إلى خطورة ارتكاب المعصية لا أن نقول لهم لا تبكوا على الإمام الحسين (ع) او لا تأتوا إلى الحسينيات، فالشخص الذي يرتكب فعلا حسنا كالتصدق على الفقراء ويرتكب فعلا محرما كشرب الخمر أو الكذب لا نقول له لا تتصدق بل نقول لاتشرب الخمر ولا تكذب، وقد تعلم أن شخصا ما يشرب الخمر ولكن فيه صفات حسنة فأنت تأخذه إلى المسجد بغرض هدايته، ومن محاولة خلطه بالأجواء الإيمانية تحاول أن تصرفه عن المحرم، كذلك الأمر في المقبل على الشعائر الحسينية تحاول جذبه نحوها وتبقيه في أجوائها فيتأثر بها.
الحلقة الثالثة: شعيرة اللطم
* اللطم وحرمة الضرر
سؤال: ألا ينطبق على اللطم في ذكرى استشهاد سيد الشهداء الحسين مبدأ (لا ضرر ولا ضرار) في الإسلام؟
الجواب:
إن حديث لا ضرر ولا ضرار من الأحاديث التي وردت في مصادر الفريقين السنة والشيعة، وقد تناوله الفقهاء ضمن بحوث عميقة، وذكروا له أربعة أو خمسة معاني متفاوتة، هل هو بمعنى النفي أم النهي، وإذا كان بمعنى النفي فما هو المنفي هل هو الحكم الضرري أم الحكم بلسان نفي الموضوع وأقوال ليس هذا مقامها.
ما يمكن أن يقال فيما يرتبط بجواب هذا التساؤل هو أنه ليس المقصود من حديث لاضرر هو نفي أي ضرر وإن كان ضئيلا، بل المقصود هو نفي الضرر الذي يعتد به العقلاء، مثل إتلاف النفس أو قطع عضو من أعضاء البدن أو حدوث مرض لايتحمل عادة، أما الأضرار البسيطة والصغيرة فغير مشمولة بحديث لا ضرر.
مثلا هل يحرم علي إذا ما أخذت موسى وشققت مقدارا قليلا من يدي وأخرجت الدم، فهل يقال لمثل هذا ضررا؟ وإن قيل له فهل يعد محرما؟
لقد ذكر العلماء سنة وشيعة جواز ثقب الأذن للمرأة والبنت والطفل مع ما يشوبه من الألم ويتسبب به في بعض الحالات من خروج الدم لمجرد وضع الزينة والحلي فيه، وكذلك قال بعض علماء أهل السنة في خصوص ثقب الأنف، (الشرح الكبير لأبي البركات ج4 ص369، والبحر الرائق لابن نجيم المصري ج8 ص375، والدر المختار للحصفكي ج6 ص741 وسبل السلام لابن حجر العسقلاني ج4 ص 99) فهل يجوز ذلك ولايعد ضررا من أجل الزينة مع أنه لم يرد في رواية عن الرسول الأكرم (ص) بجوازه ولايجوز في إقامة عزاء سيد الشهداء (ع) حزنا على مصابه، ذلك المصاب الذي ناحت فيه الجن أيضا، فقد روى الهيثمي عن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها قالت:
«سمعت الجن تنوح على الحسين (ع).»
قال الهيثمي:
"رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح". (مجمع الزوائد ج9 ص199)
وذلك المصاب الذي روى الهيثمي فيه عن ابن عباس «أنه رأى النبي في عالم المنام أشعث أغبر معه قارورة فيها دم، فسأله ابن عباس: ما هذا؟ فقال: هذا دم الحسين وأصحابه، فلم أزل أتتبعه منذ اليوم».
قال الهيثمي:
"رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد رجال الصحيح". (مجمع الزوائد ج9 ص194)
وأي ضرر يلحق الإنسان باللطم حتى الشديد منه والمؤدي إلى اسوداد الجلد أو احمراره بل وحتى الإدماء؟؟
القرآن الكريم يحدثنا أن نبيا معصوما من الذنوب وهو النبي يعقوب (ع) قد بكى على فراق ابنه يوسف (ع) وليس على فقده حتى ذهبت عيناه، قال تعالى:﴿ وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم * قالوا تالله تفتؤا تذكر يوسف حتى تكون من الهالكين * قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون * يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيئسوا من روح الله ﴾ (يوسف / 84 –87) فطلب النبي يعقوب (ع) من أبنائه التحسس على يوسف (ع) وأخيه يكشف عن علمه بحياته، ومع ذلك يثني عليه القرآن الكريم ويعتبره صابرا بالصبر الجميل، فلماذا لايجوز أن يفعل المفجوع بمصاب سيد الشهداء (ع) بأقل مما فعله النبي يعقوب (ع) بنفسه؟
ثم إن هنا أصلا كليا وهو أن المسلمين اختلفوا في كثير من المسائل الفقهية، لأسباب كثيرة، سواء من جهة أن سند هذا الحديث مقبول عند هذا وغير مقبول عند ذاك، أو لأنهم اختلفوا في فهم الحديث أو في كيفية الجمع بين الأحاديث المتعارضة أو لأسباب أخرى، وكانت طريقتهم في التعامل في تلك المسائل الفقهية هو أن يعرض كل طرف دليله وينقض الرأي الآخر، ولكنهم في مقام العمل كانوا يعذرون الآخر فيما توصل إليه، مع أنه كانت بعض المذاهب تنفرد برأي واحد يخالف الآخرين، وكمثال: هل الحجامة من مبطلات الصوم، انفرد الحنابلة بذلك وخالفهم أصحاب المذاهب الثلاثة الأخرى المعروفة وقالوا أنه غير مفطر.
فلماذا ينكر على أتباع مذهب أهل البيت (ع) - وهم الذين أمرنا رسول الله (ص) في حديث الثقلين بالتمسك بهم – عملهم بموجب هذا المذهب في مسألة فقهية كمسألة جواز اللطم على الإمام الحسين (ع) حتى لو افترضنا أن للمذاهب الأخرى رأيا آخر فيها.
ولقد ثبت عند فقهاء الإمامية جواز اللطم باعتبار أن الأصل في الأشياء الإباحة إلا أن يثبت العكس وما ذكر من أدلة لحرمة اللطم كلها ضعيفة عندهم، بل ثبت لديهم استحبابه على الإمام الحسين (ع) لأدلة كثيرة بعضها عام من قبيل إحياء أمر الدين أو المواساة أوتعظيم شعائر الله أي علاماته، وبعضها خاص مثل الرواية المعتبرة التي رواها الشيخ الطوسي عن سادس أئمة أهل البيت الإمام جعفر الصادق (ع) أن كل الجزع مكروه سوى الجزع على الحسين (ع) (الأمالي المجلس السادس الحديث 20 ص162) واللطم من مصاديق الجزع بلا شك.
وكذا ما ورد عن الإمام الصادق (ع):« ولقد شققن الجيوب ولطمن الخدود الفاطميات على الحسين بن علي (ع)، وعلى مثله تلطم الخدود وتشق الجيوب».
* اللطم وتعذيب الذات
سؤال: ما الفائدة المرجو من اللطم؟ وهل هو تعذيب للذات؟
الجواب:
اللطم من مظاهر الحزن الطبيعية كما هو البكاء أو شق الجيب أو حثو التراب على الرأس، وكذلك هو وسيلة إعلامية لنشر مبادئ المدرسة الحسينية، ومن المعلوم أن كل مدرسة تتخذ أسلوبا إعلاميا لنشر قضاياها، والمدرسة الحسينية مفعمة بمبادئ العزة والكرامة والإيثار والتضحية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتقديم الغالي والنفيس من أجل الدين، والمدرسة الحسينية تنشر مبادئها من خلال إقامة الشعائر الحسينية وهي وسيلتها الإعلامية كإقامة المجالس والبكاء واللطم والتطبير ولبس السواد وغير ذلك، وهي من خلال هذه الوسائل تبقي جذوة النهضة الحسينية حية وماثلة في النفوس.
فإذن إحياء تلك الشعائر إحياء لأمر الدين.
واللاطم على الإمام الحسين (ع) يواسي الإمام الحسين (ع) ويواسي فاطمة الزهراء وأهل البيت عليهم السلام بما جرى على صدر الحسين (ع) عندما لم يكتف الظالمون بما فعلوه مع الجسد الشريف من الطعن والضرب بالسيوف حتى أن الضربة كانت تأتي على الضربة.
روى الشيخ الصدوق في أول حديث من المجلس 31 من الأمالي بسند صحيح عن الإمام محمد بن علي الباقر خامس أئمة أهل البيت عليه السلام وهو ممن حضر واقعة كربلاء يقول:
«أصيب الحسين بن علي ووجد به ثلاثمائة وبضعة وعشرون طعنة برمح أو ضربة بسيف أو رمية بسهم، »لم يكتف الظالمون بأن ذبحوه عطشانا حتى أمروا بأن توطأ الخيل على صدره الشريف، فيالها من مصيبة وما أعظمها من بلية.
أما مسألة تعذيب الذات فهي غير واردة لأن المفجوع لايعذب ذاته بل يبرز المكنون من عواطفه، وما دام لا توجد موانع شرعية من إبراز تلك العواطف فإن أي مظهر للعاطفة جائز من غير محذور.
وما دام أن هناك ترغيبا في إظهار الجزع على الحسين (ع) فإن شبهة تعذيب الذات تسقط، فالنبي (ص) تورمت قدماه في العبادة كما هو المروي في صحيح البخاري ولا نقول أنه عذب ذاته لأن في قيامه الليل عبادة، وما نقوله أن البكاء على الحسين (ع) واللطم عليه أيضا عبادة.
لعل التعبير بتعذيب الذات ينطبق على من يريد أن يختلق وجود مصيبة وهي غير موجودة، أو يريد أن يضخم من مصيبة صغيرة، فيبدي حزنا على أمر مفتعل لا وجود له فيكون قد عذب ذاته، أما إذا كانت الفاجعة في حد ذاتها عظيمة، وهي من الحجم بحيث سمعت أم سلمة صوت بكاء رسول الله (ص) وهي خارج حجرتها وقبل أن تقع المصيبة، وبلغت حدا أن ناحت الجن عليها، وبحد أن كسفت الشمس وخرج الدم العبيط من تحت الحجر، وكما جاء ذلك في الروايات التي اعترف الهيثمي بصحتها فالتفاعل معها هو الأمر الطبيعي وعدم التفاعل معها هو غير الطبيعي، فالأم المفجوعة بولدها لا يقال لها لم أنت تبكين وتصرخين، والمحبون للإمام الحسين يظهرون بعض عواطفهم في حبهم للحسين (ع).
* مضامين قصائد اللطم
سؤال: ماذا تقول قصائد وأبيات اللطم ... هل هي مستندة إلى أحاديث أم هي أحاسيس الشاعر؟
الجواب:
الأشعار التي تلقى في القصائد منها ما هو باللغة العربية الفصحى ومنها ما هو باللغة الشعبية الدارجة، وهي أشعار تكثر بلهجة أهل العراق والبحرين والقطيف والإحساء.
وهذه القصائد تتضمن إظهار التوجع والتفجع على مصاب سيد الشهداء، وكذلك تتضمن إظهار العزة والكرامة والبطولة الحسينية، وفيها الكثير من المفاهيم الإسلامية العامة المأخوذة من القرآن وأحاديث النبي وأهل البيت عليهم السلام، ولكنها تركز أكثر شيء على إظهار جوانب الظلامة والفجيعة والتأثر.
وهذه الأبيات تجمع بين نقل نفس ما جرى في كربلاء مضموما إلى أحاسيس الشاعر والأسلوب الشعري، وبين نقل لسان الحال وما يصوره الشاعر من أحاسيس يتصورها في حق الإمام الحسين (ع) أو ما يجيش في صدر زينب بنت أمير المؤمنين (ع).
وفي الغالب تستقى قصائد اللطم من الشعراء الذين أنشدوا في الرثاء على الحسين (ع) من السابقين والمعاصرين، وفي العقود الأخيرة قام محبو الإمام الحسين (ع) جزاهم الله خيرا بكتابة قصائد لأجل قراءتها في اللطم خصيصا.
وأنا أختار بعض الأبيات المختصرة من تلك الأشعار التي تقرأ في اللطم.
يقول الشريف الرضي المتوفى سنة وهو بالحائر الحسيني يرثي جده الحسين (ع)، وأنا اختزلت بعض الأبيات اختصار:
كربلا لا زلت كربا وبلا * ما لقي عندك آل المصطفى
كم على تربك لما صرعوا * من دم سال ومن دمع جرى
يا رسول الله لو عاينتهم * وهم ما بين قتل وسبا
من رميض يمنع الظل ومن * عاطش يسقى أنابيب القنا
ومسوق عاثر يسعى به * خلف محمول على غير وطا
لرأت عيناك منهم منظرا * للحشى شجوا وللعين قذى
ليس هذا لرسول الله يا * أمة الطغيان والبغي جزا
جزروا جزر الأضاحي نسله * ثم ساقوا أهله سوف الإما
يا قتيلا قوض الدهر به * عمد الدين وأعلام الهدى
قتلوه بعد علم منهم * أنه خامس أصحاب الكسا
وصريعا عالج الموت بلا * شد لحيين ولا مد ردا
غسلوه بدم الطعن وما * كفنوه غير بوغاء الثرى
ومن الشعر الشعبي في اللطميات ما أنشده الشاعر الألمعي وخطيب الخليج والبحرين الملا عطية الجمري المتوفى سنة 1401هـ، يقول في قصيدته "وين الكفين" وهو يحكي لسان حال الإمام الحسين (ع) وهو يسأل أخاه أبا الفضل العباس عندما قطعت يداه في كربلاء بعد أن خاض الشريعة ليأتي بالماء لأطفال الحسين (ع) العطاشى ولم يشرب شيئا من ماء الفرات:
ليش ما رويت قلبك * يوم طبيت الشريعة
قال يا مظلوم تدري * بالوفا شيمة وطبيعة
شلون عباس يتروى * وينسى بو سكنه ورضيعه
طفلك يا حسين * شعبني بونته * طفلك يا حسين
وين أرجع وين * وروي مهجته * وين الكفين
* الاهتمام بالشعائر الحسينية وإهمال الواجبات
سؤال: هناك الكثير من الناس يرى بعد سماعه عظمة الشعائر الحسينية يعتبر أنه قد طهر نفسه من الذنوب ويستمر بالمعاصي والاعتداء على حرمات الله عز وجل ... وقد يهمل في واجبات كالصلاة مثلا؟ فهل هذا صحيح؟
الجواب:
الإنسان العاقل هو الذي لا يفسد ما جناه من أرباح، فالبكاء على الإمام الحسين (ع) وبقية الشعائر فيها الكثير من الأجر، وعلماؤنا يؤكدون على صحة ما ورد في ذلك الأجر من أنه يغفر الذنوب وغير ذلك، وليس من حق أحد أن يعترض على الأجر الذي جعله الله فيها.
ونحن نجد في الأحاديث الكثير من الأعمال التي تقول أن من عملها غفرت له ذنوبه كلها وكان كيوم ولدته أمه كما روى البخاري في صحيحه عن رسول الله (ص): من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه.
وعلى المغفور له أن لا يعاود جمع الذنوب على ظهره مرة ثانية.
ثم أن ارتكاب المعاصي يتنافى مع ما أعلنه الإمام الحسين (ع) من دوافع لنهضته من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإعزاز الدين وإقامة الفرائض، فكيف يصح أن نخالف تلك الأهداف والمقاصد السامية؟!
ولكن ما أود إلفات الأنظار إليه أننا نلمس أن الناس وخاصة الشباب منهم ينجذبون نحو الإمام الحسين (ع) والشعائر الحسينية خاصة في شهر محرم، ولمسنا أن كثيرا تغير سلوكهم ببركة الإمام الحسين (ع) والمجالس والشعائر الحسينية، ولا عجب فالحسين (ع) مصباح الهدى وسفينة النجاة، فلا ينبغي أن ننفر الشباب من سبيل الهداية بل ينبغي أن نجذبهم نحو الدين والالتزام وننبههم في نفس الوقت إلى خطورة ارتكاب المعصية لا أن نقول لهم لا تبكوا على الإمام الحسين (ع) او لا تأتوا إلى الحسينيات، فالشخص الذي يرتكب فعلا حسنا كالتصدق على الفقراء ويرتكب فعلا محرما كشرب الخمر أو الكذب لا نقول له لا تتصدق بل نقول لاتشرب الخمر ولا تكذب، وقد تعلم أن شخصا ما يشرب الخمر ولكن فيه صفات حسنة فأنت تأخذه إلى المسجد بغرض هدايته، ومن محاولة خلطه بالأجواء الإيمانية تحاول أن تصرفه عن المحرم، كذلك الأمر في المقبل على الشعائر الحسينية تحاول جذبه نحوها وتبقيه في أجوائها فيتأثر بها.
مواضيع مماثلة
» الحلقة الرابعة:النذور
» الحلقة الخامسة:الزيارة
» الحلقة الثانية: البكاء والتباكي
» الحلقة الأولى : لماذا نقيم العزاء على الإمام الحسين (ع)؟
» الحلقة الخامسة:الزيارة
» الحلقة الثانية: البكاء والتباكي
» الحلقة الأولى : لماذا نقيم العزاء على الإمام الحسين (ع)؟
alzahra2 :: الفئة الأولى :: قسم الشبهات والردود :: مقالات العلماء :: مقالات سماحة السيد هاشم الهاشمي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى