النشاط الاجتماعي للزهراء عليها السلام
صفحة 1 من اصل 1
النشاط الاجتماعي للزهراء عليها السلام
مأساة الزهراء عليها السلام ج 1 - العلامة السيد جعفر مرتضى العاملي - ص 49
النشاط الاجتماعي للزهراء عليها السلام :
قد يورد البعض ملاحظة ذات مغزى ! تقول : " إننا لا نجد في التاريخ ما يشير إلى نشاط اجتماعي للسيدة فاطمة الزهراء في داخل المجتمع الإسلامي إلا في رواية أو روايتين " .
وتعليقا على هذا نقول : كل زمان له متطلباته وتقنياته ، وأطر نشاطه . وإنما يطالب كل من الرجل والمرأة ويحاسب وفقا لذلك ، ويتم تقويم نشاطاته أيضا على هذا الأساس ، من حيث حجم تأثيرها في الواقع الإسلامي كله .
وبالنسبة لعصر النبوة ، فإن تعليم الزهراء القرآن للنساء ، وتثقيفهن بالحكم الشرعي ، وبالمعارف الإلهية الضرورية . ثم مشاركتها الفاعلة والمؤثرة في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى في المواقع المختلفة ،
- ص 50 -
حتى في المباهلة مع النصارى . ثم دورها الرائد في الدفاع عن القضايا المصيرية ، ومنها قضية الإمامة . ثم خطبتها الرائعة في المسجد ، التي تعتبر مدرسة ومعينا يرفد الأجيال بالمعرفة . . . هذا ، عدا عن إسهامها المناسب لشخصيتها ولقدراتها ، ولظروفها في حروب الإسلام المصيرية .
وعدا عن طبيعة تعاملها مع الفئات المحتاجة إلى الرعاية كاليتيم ، والأسير ، والمسكين ، وهو ما خلده الله سبحانه قرآنا يتلى إلى يوم القيامة . وأعظم من ذلك كله . . موقفها القوي والمؤثر ، الذي وظفت فيه حتى فصول موتها ودفنها لصالح حفظ ثمرات الجهاد ، في سبيل قضية الإسلام الكبرى ، تماما فعلته ابنتها زينب ( ع ) في نطاق حفظها القوي والمؤثر لثمرات الجهاد والتضحيات الجسام للإمام الحسين عليه السلام وصحبه في كربلاء . . نعم ، إن ذلك كله ، ونظائره ، يدل على أن الزهراء ( عليها السلام ) ، قد شاركت في العمل الإنساني ، والسياسي ، والثقافي ، والإيماني بما يتناسب مع واقع ، وحاجات ، وظروف عصرها .
وفي نطاق أطر نشاطاته ، وفقا للقيم السائدة فيه . . وقد حققت إنجازات أساسية على صعيد التأثير في حفظ الدعوة ، وفي نشرها ، وتأصيل مفاهيمها ، وسد الثغرات في مختلف المجالات التي تسمح لها ظروف ذلك العصر بالتحرك فيها .
وهنا الذي حققته قد لا يوازيه أي إنجاز لأية امرأة عبر التاريخ ، مهما تعاظم نشاطها ، وتشعبت مجالاته ، وتنوعت مفرداته ، لأنه استهدف تأصيل الجذور . فكان الأبعد أثرا في حفظ شجرة الإسلام ، وفي منحها المزيد من الصلابة والتجذر ، والقوة . وفي جعلها أكثر غنى
- ص 51 -
بالثمر الجني ، والرضي ، والهني . . فيتضح مما تقدم : أن الاختلاف في مجالات النشاط وحالاته ، وكيفياته بين عصر الزهراء عليها السلام وهذا العصر ، لا يجعل الزهراء في دائرة التخلف والنقص والقصور .
ولا يجعل إنجاز المرأة في هذا العصر أعظم أثرا ، وأشد خطرا . حتى ولو اختلفت متطلبات الحياة ، واتسعت وتنوعت آفاق النشاط والحركة فيها . . لأن من الطبيعي أن يكون عصر التأصيل لقواعد الدين . والتأسيس الصحيح لحقائق الإيمان ، وقضايا الإنسان المصيرية هو الأهم ، والأخطر ، والانجاز فيه لا بد أن يكون أعظم وأكبر . .
وهكذا يتضح : أنه لا معنى للحكم على الزهراء عليها السلام بقلة النشاط الاجتماعي في عصرها قياسا على مجالات النشاط للمرأة في هذا العصر . .
وبعد ما تقدم فإننا نذكر القارئ الكريم بالأمور التالية :
أولا : ليته ذكر لنا الرواية أو الروايتين لنعرف مقصوده من النشاط الاجتماعي . فإن كان المقصود به هو أنها قد تخلفت عن وظيفتها ولم تقم بواجبها كمعصومة وبنت نبي ، وزوجة ولي .
فقد كان على خصومها أن يعيبوها بذلك وكان على أبيها وزوجها أن يسددوها في هذا الأمر وإن كان المقصود بالنشاط في داخل المجتمع الإسلامي هو إنشاء المدارس ، والمؤسسات الخيرية ، أو تشكيل جمعيات ثقافية ، أو خيرية ، أو إقامة ندوات ، واحتفالات ، أو إلقاء محاضرات ، وتأليف كتب تهدى أو تباع ، فإن من الممكن أن لا تكون الزهراء ( عليها السلام ) قد قامت بالكثير من هذا النشاط كما يقوم به بعض النساء اليوم ، ولا يختص ذلك بالزهراء عليها السلام ، بل
- ص 52 -
هو ينسحب على كل نساء ذلك العصر ، والعصور التي تلته .
فإن طبيعة حياة المجتمع وإمكاناته وكذلك طبيعة حياة المرأة آنذاك كانت تحد من النشاط الذي يمكنها أن تشارك فيه إلا في مجالات خاصة تختلف عن المجالات في هذه الأيام ، بقطع النظر عن المبررات الشرعية التي ربما يتحدث عنها البعض بطريقة أو بأخرى .
أما إذا كان المقصود هو أن التاريخ لم يذكر : أنها كانت تجهر بالحق ، لمن أراد معرفة الحق ، ولا تقوم بواجباتها في تعليم النساء وتوجيههن وفي صيانة الدين ، وحياطته ، على مستوى قضايا الإسلام الكبرى ، وغيرها خصوصا ما أثير عنها من معارف نشرتها ، حتى ولو في ضمن أعمالها العبادية وغيرها .
فإن ما أنجزته في هذا المجال كالنار على المنار ، وكالشمس في رابعة النهار . وإن خطبتها في مسجد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ومع نساء الأنصار تعتبر بحد ذاتها مدرسة للأجيال ، ومنبعا ثرا للمعرفة على مدى التاريخ لو أحسن فهمها ، وصحت الاستفادة منها .
هذا مع وجود أبيها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وابن عمها أمير المؤمنين عليه السلام ، اللذين هما محور الحركة الاجتماعية ، والإنسانية والإسلامية وكان نشاطها ( ع ) جزءا من مجموع النشاط العام الذي كان آنئذ .
على أن قوله " إلا في رواية أو روايتين " يبقى غير واضح وغير دقيق . فهناك العديد من الروايات التي ذكرت مشاركتها في أنشطة مختلفة ، اجتماعية وسياسية وثقافية وتربوية ، وقد ذكرنا بعضا من ذلك فيما سبق ، بل إن بعض الروايات تذكر : أنها كانت تشارك حتى في مناسبات غير المسلمين . وذلك حينما دعاها بعض اليهود إلى
- ص 53 -
حضور عرس لهم . وثمة رواية تحدثت عن ذلك الأعرابي الذي أعطته عقدها ، وفراشا كان ينام عليه الحسن والحسين ( ع ) ، فاشتراهما عمار بن ياسر . . . في قصة معروفة .
بل إن الله سبحانه قد تحدث أنها وأهل بيتها ( ع ) من طبيعتهم إطعام الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا . وحين خطبت خطبتها في المسجد جاءت في لمة من النساء كانوا يؤيدونها في ما تطالب به ، بل ويتحدث البعض عن وجود تكتل نسائي لها ( ع ) في مقابل تكتلات مناوئة .
هذا كله عدا عن أن اهتمامها ( بالجار قبل الدار ) يعطينا صورة عن طبيعة اهتماماتها ، وأنها لو وجدت أية فرصة لأي نشاط اجتماعي أو نشاط إنساني أو ثقافي فستبادر إليه بكل وعي ومسؤولية وحرص .
وثانيا : إن تأكيدات النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) للمسلمين بصورة مستمرة قولا وعملا ، على ما لها من مقام ودور ، وموقع في الإسلام والإيمان ، والمعرفة ، قد جعل لها درجة من المرجعية للناس ، وأصبح بيتها موئلا للداخلات والخارجات ( 1 ) وكان " . . يغشاها نساء المدينة ، وجيران بيتها ( 2 ) " . وصار الناس يقصدونها لتطرفهم بما عندها من العلم والمعرفة ( 3 ) .
( 1 ) شرح نهج البلاغة للمعتزلي الشافعي : ج 9 ص 198 .
( 2 ) المصدر السابق : ج 9 ص 193 .
( 3 ) ستأتي حين الحديث عن " مصحف فاطمة " قصة مجئ أحدهم يطلب منها شيئا تطرفه به ، فطلبت صحيفة كان رسول الله ( ص ) قد أعطاها إياها ، فلم تجدها في بادئ الأمر . فانتظر . ( * )
- ص 54 -
وكان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نفسه يوجه حتى بأصحاب الحاجات المادية إلى بيت فاطمة ( عليها السلام ) ، كما في قضية الإعرابي الذي أعطته عقدها ، وفراشا للحسنين كما أسلفنا .
وكان الناس يترددون عليها لطلب المعرفة أيضا ، وكل ذلك من شأنه أن يملأ حياتها عليها السلام بالحركة والنشاط ، الذي يضاف إلى نشاطاتها البيتية ، حيث كانت تطحن حتى مجلت يداها . .
ثالثا : إنه لا يمكن تقييم إنسان ما على أساس إنجازاته ونشاطاته الاجتماعية ، أو ذكائه السياسي ، فهناك أذكياء سياسيون كثيرون ، ولكنهم لا يتمتعون بالقيمة الحقيقة للإنسان ، لأن النشاط الاجتماعي والذكاء لا يعطي الموقف السياسي أو غيره قيمة ، وإنما تتقوم السياسة بمنطلقاتها ومبادئها ، وهي إنما تؤخذ من المعصوم : كالنبي والوصي ، ومن الزهراء أيضا .
فهي عليها السلام تحدد لنا ما به تكون القيمة للسياسة ، أو لأي عمل آخر ، اجتماعيا كان أو غيره ، ولا تكتسب الزهراء قيمتها من سياساتها ، أو من نشاطاتها الاجتماعية ، وإلا لكان بعض المجرمين أو المنحرفين أعظم قيمة حتى من الأنبياء ، والأولياء ، والأصفياء ، إذا قام بنشاط اجتماعي أو سياسي كبير ، بسبب توفر المال ، أو الجاه ، أو السلطة له ، مع عدم توفر ذلك للنبي أو الولي عليهم السلام .
والحقيقة : أن قيمة الإنسان إنما تنبع من داخل ذاته ، ومن قيمه التي يجسدها ، ومن مثله وإنسانيته ، ومن علمه النافع المنتج للتقوى والخشية من الله سبحانه ، وما سوى ذلك فهو في سياق الأسباب والنتائج ، وقد يكون في الطرف الآخر من المعادلة .
رابعا : إننا لا بد أن نتحقق أولا من حقيقة موقع الزهراء عليها
- ص 55 -
السلام فيما يرتبط بإيمان الإنسان المسلم ، ونتحقق أيضا من حقيقة المهام التي يفترض فيها أن تضطلع بها في تأييد هذا الدين وتشييده ، فنقول : إن ولاء الإنسان المسلم للنبي والأئمة والزهراء ( ع ) له دور أساسي ومفصلي في بلورة إيمانه ، وتحقيق هويته وشخصيته الرسالية والإنسانية ، فوجود الزهراء - المرأة - التي ليست هي بإمام ولا نبي ، بصفتها المرأة الكاملة في إنسانيتها هو الذي نحتاجه كضرورة حياتية ، واعتقادية ، وسلوكية ، وحتى منهجية في حياتنا ، أما نشاطها الاجتماعي أو السياسي ، فليس له هذه الدرجة من الأهمية أو الحساسية مع وجود أبيها وزوجها .
إننا نحتاج إلى هذا الوجود لنرتبط به ، وتحنو عليه قلوبنا ، وهو يجسد لنا القيم والمثل ، والكمال الإنساني الذي نحتاج إليه هو الآخر ، لتحتضنه قلوبنا من خلال احتضانها للزهراء ( ع ) ، وليسهم - من ثم - في بناء عقيدتنا ، وتركيز المفاهيم الإسلامية والقيم والمثل في قلوبنا وعقولنا ، لتنتج ولتصوغ عواطفنا وأحاسيسنا وكل وجودنا ، هذا هو دور فاطمة عليها السلام ، وليس دورها ودورهم هو بناء المؤسسات ، أو إنشاء الجمعيات الخيرية أو الإنسانية ، أو ما إلى ذلك ! ! .
خامسا : إنه لا شك في أن للزهراء عليها السلام الدور الكبير والحساس في بقاء هذا الدين ونقائه ، ولولاها لطمست معالمه وعفيت آثاره ، فالزهراء هي نافذة النور ، وهي برهان الحق ، وهي - كما هو زوجها . علي أمير المؤمنين ( ع ) - مرآة الإسلام التي تعكس تعاليمه ، وأحكامه ، ومفاهيمه ، ونظرته للكون وللحياة . فهي مع الحق يدور معها كيفما دارت وتدور معه كيفما دار .
- ص 56 -
إنها المعيار والميزان الذي يوزن به إيمان الناس ، ودرجة استقامتهم على طريق الهدى والخير والخلوص والاخلاص . ونعرف به رضا الله ورسوله ، وغضب الله ورسوله ( ص ) .
وهذا ما يشير إليه قول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : هي بضعة مني وهي قلبي الذي بين جنبي ، من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ، أو يرضيني ما أرضاها ويسخطني ما أسخطها ، أو نحو ذلك .
والملاحظ : أنه ( ص ) قد جعل المرتكز لمقولة يرضيني ما يرضيها أو من آذاها فقد آذاني هو كونها بضعة منه ( ص ) ( 1 ) .
( 1 ) هذا الحديث لا ريب في تواتره وصحته . وصرح بتواتر نقله بين الفريقين الشيخ جعفر كاشف الغطاء في كتابه المعروف كشف الغطاء : ص 12 فراجعه . وبما أن هذا الحديث قد ذكر في مختلف المصادر التي تحدثت عن الزهراء ، فإن استقصاء مصادره متعسر لنا الآن بل متعذر ، ولا نرى حاجة إلى ذلك ، ولذا فسوف نكتفي هنا بذكر ما تيسر منها .
ومن أراد المزيد ، فعليه بمراجعة الكتب التي تتحدث عن سيرة الزهراء ( ع ) أو عن كراماتها ومزاياها ، فسيجد هذا الحديث أمامه أينما توجه . أما المصادر التي نريد الإشارة إليها فهي التالية : فرائد السمطين : ج 2 ص 46 ، ومجمع الزوائد : ج 9 ص 203 ، ومقتل الحسين للخوارزمي : ج 1 ص 52 و 53 ، وكفاية الطالب : ص 364 و 365 ، وذخائر العقبى : ص 37 و 38 و 39 ، وأسد الغابة : ج 5 ص 522 ، وصحيح البخاري ، وصحيح مسلم ، وينابيع المودة : ص 173 و 174 ، و 179 و 198 ، ونظم درر السمطين : ص 176 ، و 177 ومستدرك الحاكم : ج 3 ص 154 و 158 و 159 ، وتلخيصه للذهبي مطبوع بهامشه ، وكنز العمال : ج 13 ص 93 و 96 و ج 6 ، ص 219 ، و ج 7 ص 111 ، والغدير : ج 7 ص 231 - 236 ، وسير أعلام النبلاء : ج 2 ص 132 والصواعق المحرقة : ص 186 و 188 وشرح المواهب للزرقاني : ج 4 ص 335 وغير ذلك كثير . ( * )
- ص 57 -
ومن الواضح : أن كونها جزءا من كيانه الجسدي والمادي من حيث بنوتها النسبية له ، ليس هو السبب في كون ما يرضيها يرضيه ، وذلك لأمرين :
الأول : إنه ( ص ) لا ينطلق في مواقفه من موقع العصبية للقرابة أو للعرق أو ما إلى ذلك ، بل هو ( ص ) إنما يريد أن يكون كل ما لديه من خصوصيات ، أو امتيازات ، أو قدرات مادية أو معنوية في خدمة هذا الدين ، ومن أجله ، وفي سبيله .
الثاني : إن البنوة النسبية أو بالتبني لا تكفي بحسب طبيعتها لاكتساب امتياز بهذا المستوى من الخطورة ، وإن كانت لها أهميتها من حيث أنها تشير إلى صفاء العنصر ، وطهارة العرق ، لأنها ( ع ) كانت نورا في الأصلاب الشامخة ، والأرحام المطهرة ، ولكن من الواضح إن الحفاظ على هذا الطهر بحاجة إلى جهد ، وحين لم يبذل ابن نوح ( ع ) - الذي تحدثت بعض الروايات عن أنه ابن له ( ع ) بالتبني لا بالولادة ( 1 ) - هذا الجهد هلك وضل ، حتى قال الله عنه لأبيه نوح : * ( إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ) * ، ولذلك لم يكن رضا ابن نوح رضا الله ورسوله ، ولا غضبه غضب الله ورسوله .
فالمراد بكونها ( بضعة منه ) لا بد أن يكون معنى يصلح أن يكون مرتكزا لكون رضاها رضاه ( ص ) ، وأذاها أذاه ، خصوصا مع علمنا بأنه ( ص ) قد قال ذلك حينما أجابت عن سؤال : ما خير للمرأة ؟ فقالت : أن لا ترى الرجال ولا يراها الرجال ، كما سيأتي
( 1 ) فلا موقع لما يقوله البعض من أن العاطفة الأبوية لنوح قد أثرت عليه فانساق معها حتى إنه لم يلتفت لخطاب الله له بهذا الشأن . راجع : البرهان في تفسير القرآن : ج 2 ص 220 . ( * )
- ص 58 -
إن شاء الله تعالى .
أو أنه ( ص ) قد قال ذلك لعلي ( عليه السلام ) بحضور أولئك الذين تسببوا في أذى فاطمة ( عليها السلام ) ، حين أخبروها بأنه قد خطب بنت أبي جهل . فقال له علي ( ع ) : والذي بعثك بالحق نبيا ما كان مني مما بلغها شئ ، ولا حدثت بها نفسي . فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : صدقت وصدقت . ففرحت فاطمة عليها السلام بذلك وتبسمت حتى رأى ثغرها . فقال أحد الرجلين لصاحبه : ما دعاه إلى ما دعانا في هذه الساعة الخ . . . ( 1 ) فالنبي إذن أراد أن يقول لمن أخبر فاطمة هذا الخبر الكاذب أنه آذاها وآذاه .
ومهما يكن من أمر ، فإن المراد بهذه الكلمة لا بد أن يكون معنى منسجما مع كون أذاها أذاه . وهو أن مزاياها من مزايا رسول الله ( ص ) وكمالها من كماله ، فالحديث عنها بما هي جزء من كيان النبي ( ص ) ووجوده الإنساني والرسالي بكل ميزاته ، ودقائقه ، وخصوصياته التفصيلية ، كإنسان إلهي كامل ، يمثل الإنسانية والفطرة ، والكمال والصفاء ، والحق والصدق ، بأجلى وأدق هذه المعاني وأسماها .
وواضح أن فاطمة إنما تغضب إذا انتقصت الإنسانية ، والقيم واعتدي عليها ، وترضى إذا كرمت وتكاملت هذه الإنسانية والقيم وتجذرت ، فالاعتداء عليها لا يغضبها من حيث هي شخص بل يغضبها من حيث أنه اعتداء على الإنسانية ، وعلى الكمال الروحي والسمو المعنوي ، ولكون ذلك محاولة للانتقاص ، من هذا
- ص 59 -
الوجود الكريم .
إن العدوان عليها عدوان على الحق ، وعلى الفطرة وعلى الإنسانية ، وعلى الفضل ، وذلك هو الذي يغضبها ، ويغضب الله ورسوله ، وكل عمل يأتي على وفق الفطرة ، ويصون هذا الوجود ، فهو الذي يرضيها ويرضي الرسول ويرضي الله .
وبذلك تصلح أن تكون معيارا وميزانا حين ترضى ، وحين تغضب . ولنا أن نقرب هذا المعنى بالإشارة إلى شاهد قرآني وهو قوله تعالى : * ( مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ) * ( 1 ) .
فإن الجسد الذي هو لحم وعظم لا يزال موجودا ، والذي فقد هو إرادته ، واختياره ، وعقله ، وخصائصه الإنسانية ، من نبل وكرم ، وعواطف ، ومشاعر ، و . . . إن الجسد قد أفرغ من محتواه بواسطة إزهاق روحه .
( 1 ) سورة المائدة : 32 . ( * )
النشاط الاجتماعي للزهراء عليها السلام :
قد يورد البعض ملاحظة ذات مغزى ! تقول : " إننا لا نجد في التاريخ ما يشير إلى نشاط اجتماعي للسيدة فاطمة الزهراء في داخل المجتمع الإسلامي إلا في رواية أو روايتين " .
وتعليقا على هذا نقول : كل زمان له متطلباته وتقنياته ، وأطر نشاطه . وإنما يطالب كل من الرجل والمرأة ويحاسب وفقا لذلك ، ويتم تقويم نشاطاته أيضا على هذا الأساس ، من حيث حجم تأثيرها في الواقع الإسلامي كله .
وبالنسبة لعصر النبوة ، فإن تعليم الزهراء القرآن للنساء ، وتثقيفهن بالحكم الشرعي ، وبالمعارف الإلهية الضرورية . ثم مشاركتها الفاعلة والمؤثرة في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى في المواقع المختلفة ،
- ص 50 -
حتى في المباهلة مع النصارى . ثم دورها الرائد في الدفاع عن القضايا المصيرية ، ومنها قضية الإمامة . ثم خطبتها الرائعة في المسجد ، التي تعتبر مدرسة ومعينا يرفد الأجيال بالمعرفة . . . هذا ، عدا عن إسهامها المناسب لشخصيتها ولقدراتها ، ولظروفها في حروب الإسلام المصيرية .
وعدا عن طبيعة تعاملها مع الفئات المحتاجة إلى الرعاية كاليتيم ، والأسير ، والمسكين ، وهو ما خلده الله سبحانه قرآنا يتلى إلى يوم القيامة . وأعظم من ذلك كله . . موقفها القوي والمؤثر ، الذي وظفت فيه حتى فصول موتها ودفنها لصالح حفظ ثمرات الجهاد ، في سبيل قضية الإسلام الكبرى ، تماما فعلته ابنتها زينب ( ع ) في نطاق حفظها القوي والمؤثر لثمرات الجهاد والتضحيات الجسام للإمام الحسين عليه السلام وصحبه في كربلاء . . نعم ، إن ذلك كله ، ونظائره ، يدل على أن الزهراء ( عليها السلام ) ، قد شاركت في العمل الإنساني ، والسياسي ، والثقافي ، والإيماني بما يتناسب مع واقع ، وحاجات ، وظروف عصرها .
وفي نطاق أطر نشاطاته ، وفقا للقيم السائدة فيه . . وقد حققت إنجازات أساسية على صعيد التأثير في حفظ الدعوة ، وفي نشرها ، وتأصيل مفاهيمها ، وسد الثغرات في مختلف المجالات التي تسمح لها ظروف ذلك العصر بالتحرك فيها .
وهنا الذي حققته قد لا يوازيه أي إنجاز لأية امرأة عبر التاريخ ، مهما تعاظم نشاطها ، وتشعبت مجالاته ، وتنوعت مفرداته ، لأنه استهدف تأصيل الجذور . فكان الأبعد أثرا في حفظ شجرة الإسلام ، وفي منحها المزيد من الصلابة والتجذر ، والقوة . وفي جعلها أكثر غنى
- ص 51 -
بالثمر الجني ، والرضي ، والهني . . فيتضح مما تقدم : أن الاختلاف في مجالات النشاط وحالاته ، وكيفياته بين عصر الزهراء عليها السلام وهذا العصر ، لا يجعل الزهراء في دائرة التخلف والنقص والقصور .
ولا يجعل إنجاز المرأة في هذا العصر أعظم أثرا ، وأشد خطرا . حتى ولو اختلفت متطلبات الحياة ، واتسعت وتنوعت آفاق النشاط والحركة فيها . . لأن من الطبيعي أن يكون عصر التأصيل لقواعد الدين . والتأسيس الصحيح لحقائق الإيمان ، وقضايا الإنسان المصيرية هو الأهم ، والأخطر ، والانجاز فيه لا بد أن يكون أعظم وأكبر . .
وهكذا يتضح : أنه لا معنى للحكم على الزهراء عليها السلام بقلة النشاط الاجتماعي في عصرها قياسا على مجالات النشاط للمرأة في هذا العصر . .
وبعد ما تقدم فإننا نذكر القارئ الكريم بالأمور التالية :
أولا : ليته ذكر لنا الرواية أو الروايتين لنعرف مقصوده من النشاط الاجتماعي . فإن كان المقصود به هو أنها قد تخلفت عن وظيفتها ولم تقم بواجبها كمعصومة وبنت نبي ، وزوجة ولي .
فقد كان على خصومها أن يعيبوها بذلك وكان على أبيها وزوجها أن يسددوها في هذا الأمر وإن كان المقصود بالنشاط في داخل المجتمع الإسلامي هو إنشاء المدارس ، والمؤسسات الخيرية ، أو تشكيل جمعيات ثقافية ، أو خيرية ، أو إقامة ندوات ، واحتفالات ، أو إلقاء محاضرات ، وتأليف كتب تهدى أو تباع ، فإن من الممكن أن لا تكون الزهراء ( عليها السلام ) قد قامت بالكثير من هذا النشاط كما يقوم به بعض النساء اليوم ، ولا يختص ذلك بالزهراء عليها السلام ، بل
- ص 52 -
هو ينسحب على كل نساء ذلك العصر ، والعصور التي تلته .
فإن طبيعة حياة المجتمع وإمكاناته وكذلك طبيعة حياة المرأة آنذاك كانت تحد من النشاط الذي يمكنها أن تشارك فيه إلا في مجالات خاصة تختلف عن المجالات في هذه الأيام ، بقطع النظر عن المبررات الشرعية التي ربما يتحدث عنها البعض بطريقة أو بأخرى .
أما إذا كان المقصود هو أن التاريخ لم يذكر : أنها كانت تجهر بالحق ، لمن أراد معرفة الحق ، ولا تقوم بواجباتها في تعليم النساء وتوجيههن وفي صيانة الدين ، وحياطته ، على مستوى قضايا الإسلام الكبرى ، وغيرها خصوصا ما أثير عنها من معارف نشرتها ، حتى ولو في ضمن أعمالها العبادية وغيرها .
فإن ما أنجزته في هذا المجال كالنار على المنار ، وكالشمس في رابعة النهار . وإن خطبتها في مسجد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ومع نساء الأنصار تعتبر بحد ذاتها مدرسة للأجيال ، ومنبعا ثرا للمعرفة على مدى التاريخ لو أحسن فهمها ، وصحت الاستفادة منها .
هذا مع وجود أبيها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وابن عمها أمير المؤمنين عليه السلام ، اللذين هما محور الحركة الاجتماعية ، والإنسانية والإسلامية وكان نشاطها ( ع ) جزءا من مجموع النشاط العام الذي كان آنئذ .
على أن قوله " إلا في رواية أو روايتين " يبقى غير واضح وغير دقيق . فهناك العديد من الروايات التي ذكرت مشاركتها في أنشطة مختلفة ، اجتماعية وسياسية وثقافية وتربوية ، وقد ذكرنا بعضا من ذلك فيما سبق ، بل إن بعض الروايات تذكر : أنها كانت تشارك حتى في مناسبات غير المسلمين . وذلك حينما دعاها بعض اليهود إلى
- ص 53 -
حضور عرس لهم . وثمة رواية تحدثت عن ذلك الأعرابي الذي أعطته عقدها ، وفراشا كان ينام عليه الحسن والحسين ( ع ) ، فاشتراهما عمار بن ياسر . . . في قصة معروفة .
بل إن الله سبحانه قد تحدث أنها وأهل بيتها ( ع ) من طبيعتهم إطعام الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا . وحين خطبت خطبتها في المسجد جاءت في لمة من النساء كانوا يؤيدونها في ما تطالب به ، بل ويتحدث البعض عن وجود تكتل نسائي لها ( ع ) في مقابل تكتلات مناوئة .
هذا كله عدا عن أن اهتمامها ( بالجار قبل الدار ) يعطينا صورة عن طبيعة اهتماماتها ، وأنها لو وجدت أية فرصة لأي نشاط اجتماعي أو نشاط إنساني أو ثقافي فستبادر إليه بكل وعي ومسؤولية وحرص .
وثانيا : إن تأكيدات النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) للمسلمين بصورة مستمرة قولا وعملا ، على ما لها من مقام ودور ، وموقع في الإسلام والإيمان ، والمعرفة ، قد جعل لها درجة من المرجعية للناس ، وأصبح بيتها موئلا للداخلات والخارجات ( 1 ) وكان " . . يغشاها نساء المدينة ، وجيران بيتها ( 2 ) " . وصار الناس يقصدونها لتطرفهم بما عندها من العلم والمعرفة ( 3 ) .
( 1 ) شرح نهج البلاغة للمعتزلي الشافعي : ج 9 ص 198 .
( 2 ) المصدر السابق : ج 9 ص 193 .
( 3 ) ستأتي حين الحديث عن " مصحف فاطمة " قصة مجئ أحدهم يطلب منها شيئا تطرفه به ، فطلبت صحيفة كان رسول الله ( ص ) قد أعطاها إياها ، فلم تجدها في بادئ الأمر . فانتظر . ( * )
- ص 54 -
وكان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نفسه يوجه حتى بأصحاب الحاجات المادية إلى بيت فاطمة ( عليها السلام ) ، كما في قضية الإعرابي الذي أعطته عقدها ، وفراشا للحسنين كما أسلفنا .
وكان الناس يترددون عليها لطلب المعرفة أيضا ، وكل ذلك من شأنه أن يملأ حياتها عليها السلام بالحركة والنشاط ، الذي يضاف إلى نشاطاتها البيتية ، حيث كانت تطحن حتى مجلت يداها . .
ثالثا : إنه لا يمكن تقييم إنسان ما على أساس إنجازاته ونشاطاته الاجتماعية ، أو ذكائه السياسي ، فهناك أذكياء سياسيون كثيرون ، ولكنهم لا يتمتعون بالقيمة الحقيقة للإنسان ، لأن النشاط الاجتماعي والذكاء لا يعطي الموقف السياسي أو غيره قيمة ، وإنما تتقوم السياسة بمنطلقاتها ومبادئها ، وهي إنما تؤخذ من المعصوم : كالنبي والوصي ، ومن الزهراء أيضا .
فهي عليها السلام تحدد لنا ما به تكون القيمة للسياسة ، أو لأي عمل آخر ، اجتماعيا كان أو غيره ، ولا تكتسب الزهراء قيمتها من سياساتها ، أو من نشاطاتها الاجتماعية ، وإلا لكان بعض المجرمين أو المنحرفين أعظم قيمة حتى من الأنبياء ، والأولياء ، والأصفياء ، إذا قام بنشاط اجتماعي أو سياسي كبير ، بسبب توفر المال ، أو الجاه ، أو السلطة له ، مع عدم توفر ذلك للنبي أو الولي عليهم السلام .
والحقيقة : أن قيمة الإنسان إنما تنبع من داخل ذاته ، ومن قيمه التي يجسدها ، ومن مثله وإنسانيته ، ومن علمه النافع المنتج للتقوى والخشية من الله سبحانه ، وما سوى ذلك فهو في سياق الأسباب والنتائج ، وقد يكون في الطرف الآخر من المعادلة .
رابعا : إننا لا بد أن نتحقق أولا من حقيقة موقع الزهراء عليها
- ص 55 -
السلام فيما يرتبط بإيمان الإنسان المسلم ، ونتحقق أيضا من حقيقة المهام التي يفترض فيها أن تضطلع بها في تأييد هذا الدين وتشييده ، فنقول : إن ولاء الإنسان المسلم للنبي والأئمة والزهراء ( ع ) له دور أساسي ومفصلي في بلورة إيمانه ، وتحقيق هويته وشخصيته الرسالية والإنسانية ، فوجود الزهراء - المرأة - التي ليست هي بإمام ولا نبي ، بصفتها المرأة الكاملة في إنسانيتها هو الذي نحتاجه كضرورة حياتية ، واعتقادية ، وسلوكية ، وحتى منهجية في حياتنا ، أما نشاطها الاجتماعي أو السياسي ، فليس له هذه الدرجة من الأهمية أو الحساسية مع وجود أبيها وزوجها .
إننا نحتاج إلى هذا الوجود لنرتبط به ، وتحنو عليه قلوبنا ، وهو يجسد لنا القيم والمثل ، والكمال الإنساني الذي نحتاج إليه هو الآخر ، لتحتضنه قلوبنا من خلال احتضانها للزهراء ( ع ) ، وليسهم - من ثم - في بناء عقيدتنا ، وتركيز المفاهيم الإسلامية والقيم والمثل في قلوبنا وعقولنا ، لتنتج ولتصوغ عواطفنا وأحاسيسنا وكل وجودنا ، هذا هو دور فاطمة عليها السلام ، وليس دورها ودورهم هو بناء المؤسسات ، أو إنشاء الجمعيات الخيرية أو الإنسانية ، أو ما إلى ذلك ! ! .
خامسا : إنه لا شك في أن للزهراء عليها السلام الدور الكبير والحساس في بقاء هذا الدين ونقائه ، ولولاها لطمست معالمه وعفيت آثاره ، فالزهراء هي نافذة النور ، وهي برهان الحق ، وهي - كما هو زوجها . علي أمير المؤمنين ( ع ) - مرآة الإسلام التي تعكس تعاليمه ، وأحكامه ، ومفاهيمه ، ونظرته للكون وللحياة . فهي مع الحق يدور معها كيفما دارت وتدور معه كيفما دار .
- ص 56 -
إنها المعيار والميزان الذي يوزن به إيمان الناس ، ودرجة استقامتهم على طريق الهدى والخير والخلوص والاخلاص . ونعرف به رضا الله ورسوله ، وغضب الله ورسوله ( ص ) .
وهذا ما يشير إليه قول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : هي بضعة مني وهي قلبي الذي بين جنبي ، من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ، أو يرضيني ما أرضاها ويسخطني ما أسخطها ، أو نحو ذلك .
والملاحظ : أنه ( ص ) قد جعل المرتكز لمقولة يرضيني ما يرضيها أو من آذاها فقد آذاني هو كونها بضعة منه ( ص ) ( 1 ) .
( 1 ) هذا الحديث لا ريب في تواتره وصحته . وصرح بتواتر نقله بين الفريقين الشيخ جعفر كاشف الغطاء في كتابه المعروف كشف الغطاء : ص 12 فراجعه . وبما أن هذا الحديث قد ذكر في مختلف المصادر التي تحدثت عن الزهراء ، فإن استقصاء مصادره متعسر لنا الآن بل متعذر ، ولا نرى حاجة إلى ذلك ، ولذا فسوف نكتفي هنا بذكر ما تيسر منها .
ومن أراد المزيد ، فعليه بمراجعة الكتب التي تتحدث عن سيرة الزهراء ( ع ) أو عن كراماتها ومزاياها ، فسيجد هذا الحديث أمامه أينما توجه . أما المصادر التي نريد الإشارة إليها فهي التالية : فرائد السمطين : ج 2 ص 46 ، ومجمع الزوائد : ج 9 ص 203 ، ومقتل الحسين للخوارزمي : ج 1 ص 52 و 53 ، وكفاية الطالب : ص 364 و 365 ، وذخائر العقبى : ص 37 و 38 و 39 ، وأسد الغابة : ج 5 ص 522 ، وصحيح البخاري ، وصحيح مسلم ، وينابيع المودة : ص 173 و 174 ، و 179 و 198 ، ونظم درر السمطين : ص 176 ، و 177 ومستدرك الحاكم : ج 3 ص 154 و 158 و 159 ، وتلخيصه للذهبي مطبوع بهامشه ، وكنز العمال : ج 13 ص 93 و 96 و ج 6 ، ص 219 ، و ج 7 ص 111 ، والغدير : ج 7 ص 231 - 236 ، وسير أعلام النبلاء : ج 2 ص 132 والصواعق المحرقة : ص 186 و 188 وشرح المواهب للزرقاني : ج 4 ص 335 وغير ذلك كثير . ( * )
- ص 57 -
ومن الواضح : أن كونها جزءا من كيانه الجسدي والمادي من حيث بنوتها النسبية له ، ليس هو السبب في كون ما يرضيها يرضيه ، وذلك لأمرين :
الأول : إنه ( ص ) لا ينطلق في مواقفه من موقع العصبية للقرابة أو للعرق أو ما إلى ذلك ، بل هو ( ص ) إنما يريد أن يكون كل ما لديه من خصوصيات ، أو امتيازات ، أو قدرات مادية أو معنوية في خدمة هذا الدين ، ومن أجله ، وفي سبيله .
الثاني : إن البنوة النسبية أو بالتبني لا تكفي بحسب طبيعتها لاكتساب امتياز بهذا المستوى من الخطورة ، وإن كانت لها أهميتها من حيث أنها تشير إلى صفاء العنصر ، وطهارة العرق ، لأنها ( ع ) كانت نورا في الأصلاب الشامخة ، والأرحام المطهرة ، ولكن من الواضح إن الحفاظ على هذا الطهر بحاجة إلى جهد ، وحين لم يبذل ابن نوح ( ع ) - الذي تحدثت بعض الروايات عن أنه ابن له ( ع ) بالتبني لا بالولادة ( 1 ) - هذا الجهد هلك وضل ، حتى قال الله عنه لأبيه نوح : * ( إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ) * ، ولذلك لم يكن رضا ابن نوح رضا الله ورسوله ، ولا غضبه غضب الله ورسوله .
فالمراد بكونها ( بضعة منه ) لا بد أن يكون معنى يصلح أن يكون مرتكزا لكون رضاها رضاه ( ص ) ، وأذاها أذاه ، خصوصا مع علمنا بأنه ( ص ) قد قال ذلك حينما أجابت عن سؤال : ما خير للمرأة ؟ فقالت : أن لا ترى الرجال ولا يراها الرجال ، كما سيأتي
( 1 ) فلا موقع لما يقوله البعض من أن العاطفة الأبوية لنوح قد أثرت عليه فانساق معها حتى إنه لم يلتفت لخطاب الله له بهذا الشأن . راجع : البرهان في تفسير القرآن : ج 2 ص 220 . ( * )
- ص 58 -
إن شاء الله تعالى .
أو أنه ( ص ) قد قال ذلك لعلي ( عليه السلام ) بحضور أولئك الذين تسببوا في أذى فاطمة ( عليها السلام ) ، حين أخبروها بأنه قد خطب بنت أبي جهل . فقال له علي ( ع ) : والذي بعثك بالحق نبيا ما كان مني مما بلغها شئ ، ولا حدثت بها نفسي . فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : صدقت وصدقت . ففرحت فاطمة عليها السلام بذلك وتبسمت حتى رأى ثغرها . فقال أحد الرجلين لصاحبه : ما دعاه إلى ما دعانا في هذه الساعة الخ . . . ( 1 ) فالنبي إذن أراد أن يقول لمن أخبر فاطمة هذا الخبر الكاذب أنه آذاها وآذاه .
ومهما يكن من أمر ، فإن المراد بهذه الكلمة لا بد أن يكون معنى منسجما مع كون أذاها أذاه . وهو أن مزاياها من مزايا رسول الله ( ص ) وكمالها من كماله ، فالحديث عنها بما هي جزء من كيان النبي ( ص ) ووجوده الإنساني والرسالي بكل ميزاته ، ودقائقه ، وخصوصياته التفصيلية ، كإنسان إلهي كامل ، يمثل الإنسانية والفطرة ، والكمال والصفاء ، والحق والصدق ، بأجلى وأدق هذه المعاني وأسماها .
وواضح أن فاطمة إنما تغضب إذا انتقصت الإنسانية ، والقيم واعتدي عليها ، وترضى إذا كرمت وتكاملت هذه الإنسانية والقيم وتجذرت ، فالاعتداء عليها لا يغضبها من حيث هي شخص بل يغضبها من حيث أنه اعتداء على الإنسانية ، وعلى الكمال الروحي والسمو المعنوي ، ولكون ذلك محاولة للانتقاص ، من هذا
- ص 59 -
الوجود الكريم .
إن العدوان عليها عدوان على الحق ، وعلى الفطرة وعلى الإنسانية ، وعلى الفضل ، وذلك هو الذي يغضبها ، ويغضب الله ورسوله ، وكل عمل يأتي على وفق الفطرة ، ويصون هذا الوجود ، فهو الذي يرضيها ويرضي الرسول ويرضي الله .
وبذلك تصلح أن تكون معيارا وميزانا حين ترضى ، وحين تغضب . ولنا أن نقرب هذا المعنى بالإشارة إلى شاهد قرآني وهو قوله تعالى : * ( مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ) * ( 1 ) .
فإن الجسد الذي هو لحم وعظم لا يزال موجودا ، والذي فقد هو إرادته ، واختياره ، وعقله ، وخصائصه الإنسانية ، من نبل وكرم ، وعواطف ، ومشاعر ، و . . . إن الجسد قد أفرغ من محتواه بواسطة إزهاق روحه .
( 1 ) سورة المائدة : 32 . ( * )
مواضيع مماثلة
» أخبار عن احترام الصحابة للزهراء عليها السلام
» هل الزهراء عليها السلام أول مؤلفة في الإسلام
» لماذا ؟ ! كتاب مأساة الزهراء عليها السلام
» مأساة الزهراء عليها السلام
» قيمة الزهراء عليها السلام
» هل الزهراء عليها السلام أول مؤلفة في الإسلام
» لماذا ؟ ! كتاب مأساة الزهراء عليها السلام
» مأساة الزهراء عليها السلام
» قيمة الزهراء عليها السلام
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى