محاظرات سماحة السيد هاشم الهاشمي5
alzahra2 :: الفئة الأولى :: قسم السيره :: مقالات مقتبسة
صفحة 1 من اصل 1
محاظرات سماحة السيد هاشم الهاشمي5
ما بين يديك أخي العزيز وأختي الفاضلة النص المقارب لما تم بثه على قناة الأنوار الفضائية في شهر جمادى الأولى 1428هـ وما بعده بمناسبة شهادة فاطمة الزهراء عليها السلام ضمن برنامج "الصديقة الشهيدة" الذي بلغت حلقاته 15 حلقة تتناول سيرة الزهراء (ع) مما قبل الميلاد إلى ما بعد الاستشهاد وهذا ما جاء في الحلقة الخامسة وعنوانها : التطرق لفضائل الزهراء (ع) والمسؤوليات العملية، منافاة أو تكامل؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة والسلام على أشرف المرسلين والمبعوث رحمة للعالمين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
تحدثنا في الحلقة الماضية عن فضائل ومقامات فاطمة الزهراء عليها السلام فيما جاء في الروايات المعتبرة في كتب أهل السنة، ولابد في المقابل أن نتوقف قليلا عند مقامات فاطمة الزهراء عليها السلام ومنزلتها ضمن روايات أهل البيت عليهم السلام، وهذه المقامات والفضائل لن تكون مفهومة ومهضومة في الأذهان إذا لم يدرك الإنسان سر أهمية تناول أصل المناقب والفضائل، وهو ما سيكون محور حديثنا في هذه الحلقة إن شاء الله تعالى.
أول سؤال يتبادر إلى الذهن هو:
لماذا التركيز على فضائل فاطمة الزهراء (ع)؟ وما الفائدة من ذلك؟ فإذا كان الغرض من الفضيلة هو التأكيد على مبدأ الاتباع العملي فنحن من قبل أن تتوسعوا في ذكر فضائل فاطمة الزهراء (ع) مذعنون بلزوم متابعة فاطمة الزهراء (ع) فما الحاجة بعد ذلك إلى التوسع في ذكر فضائلها؟
وقد يحلو للبعض أن يقول: لتكن اهتماماتنا في أمور أهم ترتبط بمسؤوليتنا وتكاليفنا ولندع البحث عما نحن غير محاسبين عليه، وأن معرفة أفضلية السيدة الزهراء (ع) على باقي النساء كمريم (ع) إنما هو علم لايضر من جهله ولا ينتفع من علمه وأنه من الترف الفكري.
وحتى نجيب على هذا التساؤل وعلى تلك الشبهة لابد أن نتعرف أولا على موجبات المنزلة عند الله سبحانه وتعالى، لأن ما يوجب الرفعة عند الله تعالى وحصول ثوابه لايمكن أن يكون من الترف الفكري أو من العلم الذي لاينفع من علمه.
العمل الصالح لايوجب لوحده النجاة والرفعة
إننا نجد في عدد كبير من الآيات القرآنية: ضم الإيمان إلى العمل الصالح، كما في قوله تعالى: ﴿ والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ﴾ (البقرة/82)، وقوله تبارك وتعالى:﴿ من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ﴾ (المائدة/69)، وقوله عز من قائل: ﴿ من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ﴾(النمل/79)، وهذا يعني أن الإيمان شيء مغاير للعمل الصالح، وأن الله تعالى يثيب الإنسان على مجموع هذين الأمرين، فكما أن للعمل الصالح قيمته كذلك للإيمان قيمته، ولايكفي أحدهما بمعزل عن الآخر.
تفاوت المنزلة في جانب الإيمان بثلاثة عناصر
وإذا ما جئنا إلى الأمر الأول أي الإيمان فسنجد أنه - وفقا لما دل عليه القرآن والحديث -يشير إلى أمور عدة، عمدتها العلم والمعرفة، والعقل، واليقين في الاعتقاد، وبتفاوت هذه الأمور يتفاوت إيمان الأفراد، ومن الواضح أن الشخص كلما ازداد إيمانه ازدادت درجته عند الله وثوابه في الآخرة.
إذن ليس المقياس في تفاوت الأفراد هو مدى أداء كل واحد لمسؤولياته العملية المرتبطة بالعمل الصالح فقط، لأن هناك أمورا أخرى دخيلة في الرفعة والمنزلة عند الله سبحانه وتعالى مرتبط بالقلب، وهو من حقل متفاوت عن حقل العمل، فقيمة الاعتقاد بالله تعالى هي في نفس الاعتقاد لأن المطلوب فيه من المؤمن نفس الاعتقاد لا العمل، إذ العمل الصالح من دون اعتقاد يعني النفاق أو الكفر.
كما أن هناك أمرا آخر لا ينبغي الغفلة عنه، وهو أن هناك تأثيرا لأحد الحقلين على الآخر، فإذا كانت الأعمال مرتبطة بجوارح الإنسان فإن الإيمان مرتبط بالجوانح وباطن الإنسان، وما بين الباطن (الذي هو الإيمان) والظاهر (الذي هو العمل) توجد علاقة وثيقة، إذ الإيمان يؤثر في العمل، ولو كان إيمان الإنسان أكثر فإن العمل الصالح ستكون له قيمة أكثر عند الله سبحانه وتعالى.
وبمعنى آخر فإن كمال الإيمان له تأثير في كمال العمل، وكلما كمل إيمان الإنسان كمل عمله، ومن هنا كان خاتم النبيين محمد (ص) هو أفضل الخلق لأن ما لديه من الإيمان يفوق ما عند غيره.
تفاوت قيمة الأفراد بتفاوت علمهم
وإذا ما أتينا إلى الأمور الدخيلة في الإيمان، وبالتالي المؤثرة في العمل، بشيء من التفصيل فيمكن أن نشير إلى التالي:
أ – العلم والمعرفة
والناس متفاوتون في مقدار العلم، فهناك من يعلم في الدين خصوص الأحكام الشرعية التي هي مورد ابتلائه وهذا المقدار مما أفتى الفقهاء بوجوب تعلمه، وكذلك ما يجب اعتقاده على كل فرد من أصول العقيدة البسيطة كالاعتقاد بالله تعالى والأنبياء والأئمة والملائكة واليوم الآخر، ولكن هل هذا لايعني أن معرفة بقية العلوم سواء الأحكام الشرعية التي ليست بمورد ابتلائه أو عموم المعارف الدينية مثل معرفة تفسير القرآن والأحاديث الشريفة وتأويلها والعقائد التفصيلية لاقيمة لها، بل إن الأفراد يتفاوتون بحسب هذه العلوم.
فالعالم له فضل كبير على العابد بعلمه، فلو كان عملهما متساويا من جهة الصورة، ولكن فضل العلم على الجهل يجعل لعلم العالم مزية مستقلة، كما أن العالم بالشيء يجعله يقدم على الأمر ببصيرة أكثر.
روى الكليني بسند صحيح عن الإمام الباقر (ع) قال:
«عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد». (الكافي ج1 ص33 ح
سر تقدم العالم على العابد
والروايات الواردة عن أهل البيت (ع) تشير إلى سر هذا التفاوت فهي تؤكد على أن العالم لهم القدرة على دفع الشبه والإشكالات التي ترد على ضعاف النفوس، فيشد قلوبهم بينما العابد ليست لديه هذه القدرة، بل قد يقع بنفسه في الفتنة.
روى الفتال النيشابوري عن رسول الله (ص) أنه قال:
«فضل العالم على العابد بسبعين درجة، بين كل درجتين حضر الفرس سبعين عاما، وذلك أن الشيطان يضع البدعة للناس فيبصرها العالم فينهى عنها، والعابد مقبل على عبادته لا يتوجه لها ولا يعرفها». (روضة الواعظين ص12)
وروى الشيخ الصدوق عن الإمام الصادق (ع) أنه قال:
«إذا كان يوم القيامة بعث الله عز وجل العالم والعابد، فإذا وقفا بين يدي الله عز وجل قيل للعابد: انطلق إلى الجنة، وقيل للعالم: قف تشفع للناس بحسن تأديبك لهم». (علل الشرائع ج2 ص394 ح11)
تفاوت قيمة الأفراد بعقلهم
ب – العقل
وهذا عنصر آخر غير العلم، فقد تجد بعض الناس لديهم مستوى من العلم ولكنك لاتجد لديهم ذلك العقل الراجح، وهناك من الروايات ما يشير إلى ذلك، فمنه ما روي عن أمير المؤمنين (ع):
«العقل أصل العلم وداعية الفهم». (غرر الحكم: 1959)
ومنه ما رواه الكليني عن الإمام الصادق (ع) قال:
«دعامة الإنسان العقل، والعقل منه الفطنة والفهم والحفظ والعلم». (الكافي ج1 ص25 ح23)
معنى العقل والفرق بينه وبين العلم
والعقل هو اصطلاح يطلق في لسان العلماء على أمور، أهمها:
أ - قوة إدراك الخير والشر والتمييز بينهما، والعقل بهذا المعنى مناط التكليف والثواب والعقاب.
ب - حالة في النفس تدعو إلى اختيار الخيرات والمنافع واجتناب الشرور والمضار، وبها تقوى النفس على زجر الدواعي الشهوانية والغضبية والوساوس الشيطانية. (مرآة العقول ج1 ص25، وراجع التبيان للطوسي ج1 ص201)
والعقل بالمعنى السابق متفاوت عن العلم، ومن ثم يقول الشيخ الطوسي لبيان تقدم العقل على العلم:
"والفرق بين العقل والعلم، أن العقل قد يكمل لمن فقد بعض العلوم كفقد من كمل عقله العلم بأن هذه الرمانة حلوة أو حامضة، ولايكمل العلم لمن فقد بعض عقله". (التبيان ج1 ص201)
أهمية العقل في القرآن والحديث
هذا العقل جاء التأكيد الكبير عليه في القرآن الكريم وفي الأحاديث المباركة، قال تعالى: ﴿ أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها ﴾(الحج/46)، وقال تعالى: ﴿ ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون ﴾ (الحج/100).
وروى الكليني بسند صحيح عند جملة من علمائنا (في النوفلي) عن الإمام الصادق (ع) قال:
قال رسول الله (ص):
«إذا بلغكم عن رجل حسن حال فانظروا في حسن عقله، فإنما يجازى بعقله». (الكافي ج1 ص12 ح9)
يقول العلامة المجلسي تعليقا على الحديث:
"قوله (ع): «فإنما يجازى بعقله» ، أي على أعماله بقدر عقله، فكل من كان عقله أكمل كان ثوابه أجزل". (مرآة العقول ج1 ص36 ح9)
أي أن الناس متفاوتون في درجات العقل ومن هنا يحصل الاختلاف في ثوابهم.
ويؤكد هذه الحقيقة ما رواه الشيخ الصدوق بسنده عن محمد بن سليمان الديلمي، عن أبيه، قال قلت لأبي عبد الله الصادق (عليه السلام):« فلان من عبادته ودينه وفضله كذا وكذا.
قال: فقال: كيف عقله؟
فقلت: لا أدري.
فقال (ع): إن الثواب على قدر العقل، إن رجلا من بني إسرائيل كان يعبد الله عز وجل في جزيرة من جزائر البحر خضراء نضرة كثيرة الشجر طاهرة الماء، وإن ملكا من الملائكة مر به، فقال: يا رب أرني ثواب عبدك هذا، فأراه الله عز وجل ذلك فاستقله الملك، فأوحى الله عز وجل إليه أن اصحبه، فأتاه الملك في صورة إنسي، فقال له: من أنت؟ قال: أنا رجل عابد بلغنا مكانك وعبادتك بهذا المكان فجئت لأعبد الله معك، فكان معه يومه ذلك، فلما أصبح قال له الملك: إن مكانك لنزهة، قال: ليت لربنا بهيمة، فلو كان لربنا حمار لرعيناه في هذا الموضع، فإن هذا الحشيش يضيع!! فقال له الملك: وما لربك حمار؟ فقال: لو كان له حمار ما كان يضيع مثل هذا الحشيش، فأوحى الله عز وجل إلى الملك إنما أثيبه على قدر عقله».(الأمالي المجلس 65 ح6 ص504)
ومواصلة الحديث عن العنصر الثالث وهو اليقين في الاعتقاد وتأثيره في رفعة منزلة الإنسان عند الله تعالى ومن ثم الإجابة عن التساؤل المطروح في بداية هذه الحلقة سيكون محط الحديث في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة والسلام على أشرف المرسلين والمبعوث رحمة للعالمين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
تحدثنا في الحلقة الماضية عن فضائل ومقامات فاطمة الزهراء عليها السلام فيما جاء في الروايات المعتبرة في كتب أهل السنة، ولابد في المقابل أن نتوقف قليلا عند مقامات فاطمة الزهراء عليها السلام ومنزلتها ضمن روايات أهل البيت عليهم السلام، وهذه المقامات والفضائل لن تكون مفهومة ومهضومة في الأذهان إذا لم يدرك الإنسان سر أهمية تناول أصل المناقب والفضائل، وهو ما سيكون محور حديثنا في هذه الحلقة إن شاء الله تعالى.
أول سؤال يتبادر إلى الذهن هو:
لماذا التركيز على فضائل فاطمة الزهراء (ع)؟ وما الفائدة من ذلك؟ فإذا كان الغرض من الفضيلة هو التأكيد على مبدأ الاتباع العملي فنحن من قبل أن تتوسعوا في ذكر فضائل فاطمة الزهراء (ع) مذعنون بلزوم متابعة فاطمة الزهراء (ع) فما الحاجة بعد ذلك إلى التوسع في ذكر فضائلها؟
وقد يحلو للبعض أن يقول: لتكن اهتماماتنا في أمور أهم ترتبط بمسؤوليتنا وتكاليفنا ولندع البحث عما نحن غير محاسبين عليه، وأن معرفة أفضلية السيدة الزهراء (ع) على باقي النساء كمريم (ع) إنما هو علم لايضر من جهله ولا ينتفع من علمه وأنه من الترف الفكري.
وحتى نجيب على هذا التساؤل وعلى تلك الشبهة لابد أن نتعرف أولا على موجبات المنزلة عند الله سبحانه وتعالى، لأن ما يوجب الرفعة عند الله تعالى وحصول ثوابه لايمكن أن يكون من الترف الفكري أو من العلم الذي لاينفع من علمه.
العمل الصالح لايوجب لوحده النجاة والرفعة
إننا نجد في عدد كبير من الآيات القرآنية: ضم الإيمان إلى العمل الصالح، كما في قوله تعالى: ﴿ والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ﴾ (البقرة/82)، وقوله تبارك وتعالى:﴿ من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ﴾ (المائدة/69)، وقوله عز من قائل: ﴿ من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ﴾(النمل/79)، وهذا يعني أن الإيمان شيء مغاير للعمل الصالح، وأن الله تعالى يثيب الإنسان على مجموع هذين الأمرين، فكما أن للعمل الصالح قيمته كذلك للإيمان قيمته، ولايكفي أحدهما بمعزل عن الآخر.
تفاوت المنزلة في جانب الإيمان بثلاثة عناصر
وإذا ما جئنا إلى الأمر الأول أي الإيمان فسنجد أنه - وفقا لما دل عليه القرآن والحديث -يشير إلى أمور عدة، عمدتها العلم والمعرفة، والعقل، واليقين في الاعتقاد، وبتفاوت هذه الأمور يتفاوت إيمان الأفراد، ومن الواضح أن الشخص كلما ازداد إيمانه ازدادت درجته عند الله وثوابه في الآخرة.
إذن ليس المقياس في تفاوت الأفراد هو مدى أداء كل واحد لمسؤولياته العملية المرتبطة بالعمل الصالح فقط، لأن هناك أمورا أخرى دخيلة في الرفعة والمنزلة عند الله سبحانه وتعالى مرتبط بالقلب، وهو من حقل متفاوت عن حقل العمل، فقيمة الاعتقاد بالله تعالى هي في نفس الاعتقاد لأن المطلوب فيه من المؤمن نفس الاعتقاد لا العمل، إذ العمل الصالح من دون اعتقاد يعني النفاق أو الكفر.
كما أن هناك أمرا آخر لا ينبغي الغفلة عنه، وهو أن هناك تأثيرا لأحد الحقلين على الآخر، فإذا كانت الأعمال مرتبطة بجوارح الإنسان فإن الإيمان مرتبط بالجوانح وباطن الإنسان، وما بين الباطن (الذي هو الإيمان) والظاهر (الذي هو العمل) توجد علاقة وثيقة، إذ الإيمان يؤثر في العمل، ولو كان إيمان الإنسان أكثر فإن العمل الصالح ستكون له قيمة أكثر عند الله سبحانه وتعالى.
وبمعنى آخر فإن كمال الإيمان له تأثير في كمال العمل، وكلما كمل إيمان الإنسان كمل عمله، ومن هنا كان خاتم النبيين محمد (ص) هو أفضل الخلق لأن ما لديه من الإيمان يفوق ما عند غيره.
تفاوت قيمة الأفراد بتفاوت علمهم
وإذا ما أتينا إلى الأمور الدخيلة في الإيمان، وبالتالي المؤثرة في العمل، بشيء من التفصيل فيمكن أن نشير إلى التالي:
أ – العلم والمعرفة
والناس متفاوتون في مقدار العلم، فهناك من يعلم في الدين خصوص الأحكام الشرعية التي هي مورد ابتلائه وهذا المقدار مما أفتى الفقهاء بوجوب تعلمه، وكذلك ما يجب اعتقاده على كل فرد من أصول العقيدة البسيطة كالاعتقاد بالله تعالى والأنبياء والأئمة والملائكة واليوم الآخر، ولكن هل هذا لايعني أن معرفة بقية العلوم سواء الأحكام الشرعية التي ليست بمورد ابتلائه أو عموم المعارف الدينية مثل معرفة تفسير القرآن والأحاديث الشريفة وتأويلها والعقائد التفصيلية لاقيمة لها، بل إن الأفراد يتفاوتون بحسب هذه العلوم.
فالعالم له فضل كبير على العابد بعلمه، فلو كان عملهما متساويا من جهة الصورة، ولكن فضل العلم على الجهل يجعل لعلم العالم مزية مستقلة، كما أن العالم بالشيء يجعله يقدم على الأمر ببصيرة أكثر.
روى الكليني بسند صحيح عن الإمام الباقر (ع) قال:
«عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد». (الكافي ج1 ص33 ح
سر تقدم العالم على العابد
والروايات الواردة عن أهل البيت (ع) تشير إلى سر هذا التفاوت فهي تؤكد على أن العالم لهم القدرة على دفع الشبه والإشكالات التي ترد على ضعاف النفوس، فيشد قلوبهم بينما العابد ليست لديه هذه القدرة، بل قد يقع بنفسه في الفتنة.
روى الفتال النيشابوري عن رسول الله (ص) أنه قال:
«فضل العالم على العابد بسبعين درجة، بين كل درجتين حضر الفرس سبعين عاما، وذلك أن الشيطان يضع البدعة للناس فيبصرها العالم فينهى عنها، والعابد مقبل على عبادته لا يتوجه لها ولا يعرفها». (روضة الواعظين ص12)
وروى الشيخ الصدوق عن الإمام الصادق (ع) أنه قال:
«إذا كان يوم القيامة بعث الله عز وجل العالم والعابد، فإذا وقفا بين يدي الله عز وجل قيل للعابد: انطلق إلى الجنة، وقيل للعالم: قف تشفع للناس بحسن تأديبك لهم». (علل الشرائع ج2 ص394 ح11)
تفاوت قيمة الأفراد بعقلهم
ب – العقل
وهذا عنصر آخر غير العلم، فقد تجد بعض الناس لديهم مستوى من العلم ولكنك لاتجد لديهم ذلك العقل الراجح، وهناك من الروايات ما يشير إلى ذلك، فمنه ما روي عن أمير المؤمنين (ع):
«العقل أصل العلم وداعية الفهم». (غرر الحكم: 1959)
ومنه ما رواه الكليني عن الإمام الصادق (ع) قال:
«دعامة الإنسان العقل، والعقل منه الفطنة والفهم والحفظ والعلم». (الكافي ج1 ص25 ح23)
معنى العقل والفرق بينه وبين العلم
والعقل هو اصطلاح يطلق في لسان العلماء على أمور، أهمها:
أ - قوة إدراك الخير والشر والتمييز بينهما، والعقل بهذا المعنى مناط التكليف والثواب والعقاب.
ب - حالة في النفس تدعو إلى اختيار الخيرات والمنافع واجتناب الشرور والمضار، وبها تقوى النفس على زجر الدواعي الشهوانية والغضبية والوساوس الشيطانية. (مرآة العقول ج1 ص25، وراجع التبيان للطوسي ج1 ص201)
والعقل بالمعنى السابق متفاوت عن العلم، ومن ثم يقول الشيخ الطوسي لبيان تقدم العقل على العلم:
"والفرق بين العقل والعلم، أن العقل قد يكمل لمن فقد بعض العلوم كفقد من كمل عقله العلم بأن هذه الرمانة حلوة أو حامضة، ولايكمل العلم لمن فقد بعض عقله". (التبيان ج1 ص201)
أهمية العقل في القرآن والحديث
هذا العقل جاء التأكيد الكبير عليه في القرآن الكريم وفي الأحاديث المباركة، قال تعالى: ﴿ أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها ﴾(الحج/46)، وقال تعالى: ﴿ ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون ﴾ (الحج/100).
وروى الكليني بسند صحيح عند جملة من علمائنا (في النوفلي) عن الإمام الصادق (ع) قال:
قال رسول الله (ص):
«إذا بلغكم عن رجل حسن حال فانظروا في حسن عقله، فإنما يجازى بعقله». (الكافي ج1 ص12 ح9)
يقول العلامة المجلسي تعليقا على الحديث:
"قوله (ع): «فإنما يجازى بعقله» ، أي على أعماله بقدر عقله، فكل من كان عقله أكمل كان ثوابه أجزل". (مرآة العقول ج1 ص36 ح9)
أي أن الناس متفاوتون في درجات العقل ومن هنا يحصل الاختلاف في ثوابهم.
ويؤكد هذه الحقيقة ما رواه الشيخ الصدوق بسنده عن محمد بن سليمان الديلمي، عن أبيه، قال قلت لأبي عبد الله الصادق (عليه السلام):« فلان من عبادته ودينه وفضله كذا وكذا.
قال: فقال: كيف عقله؟
فقلت: لا أدري.
فقال (ع): إن الثواب على قدر العقل، إن رجلا من بني إسرائيل كان يعبد الله عز وجل في جزيرة من جزائر البحر خضراء نضرة كثيرة الشجر طاهرة الماء، وإن ملكا من الملائكة مر به، فقال: يا رب أرني ثواب عبدك هذا، فأراه الله عز وجل ذلك فاستقله الملك، فأوحى الله عز وجل إليه أن اصحبه، فأتاه الملك في صورة إنسي، فقال له: من أنت؟ قال: أنا رجل عابد بلغنا مكانك وعبادتك بهذا المكان فجئت لأعبد الله معك، فكان معه يومه ذلك، فلما أصبح قال له الملك: إن مكانك لنزهة، قال: ليت لربنا بهيمة، فلو كان لربنا حمار لرعيناه في هذا الموضع، فإن هذا الحشيش يضيع!! فقال له الملك: وما لربك حمار؟ فقال: لو كان له حمار ما كان يضيع مثل هذا الحشيش، فأوحى الله عز وجل إلى الملك إنما أثيبه على قدر عقله».(الأمالي المجلس 65 ح6 ص504)
ومواصلة الحديث عن العنصر الثالث وهو اليقين في الاعتقاد وتأثيره في رفعة منزلة الإنسان عند الله تعالى ومن ثم الإجابة عن التساؤل المطروح في بداية هذه الحلقة سيكون محط الحديث في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.
مواضيع مماثلة
» محاظرات سماحة السيد هاشم الهاشمي10
» محاظرات سماحة السيد هاشم الهاشمي11
» محاظرات سماحة السيد هاشم الهاشمي12
» محاظرات سماحة السيد هاشم الهاشمي13
» محاظرات سماحة السيد هاشم الهاشمي14
» محاظرات سماحة السيد هاشم الهاشمي11
» محاظرات سماحة السيد هاشم الهاشمي12
» محاظرات سماحة السيد هاشم الهاشمي13
» محاظرات سماحة السيد هاشم الهاشمي14
alzahra2 :: الفئة الأولى :: قسم السيره :: مقالات مقتبسة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى