الثابت عند السيد شرف الدين
صفحة 1 من اصل 1
الثابت عند السيد شرف الدين
مأساة الزهراء عليها السلام ج 1 - العلامة السيد جعفر مرتضى العاملي - ص 206
الثابت عند السيد شرف الدين :
ينقل البعض عن العالم العلم الحجة السيد عبد الحسين شرف الدين : أنه قال له : الثابت عندنا أنهم جاؤا بالحطب ليحرقوا باب البيت ، فقالوا : إن فيها فاطمة ، قال : " وإن " . . . ويضيف هذا البعض في تأييد ذلك قوله : " ولم يذكر السيد عبد الحسين في النص والاجتهاد ، ولا في المراجعات ، أي شئ من هذا الذي يقال . راجعوا ! ! " .
ونقول في الجواب :
أولا : إن السيد عبد الحسين شرف الدين لم يكن في تآليفه بصدد تفصيل هذا الأمر وتحديد ما هو الثابت منه ، وما ليس بثابت ، بل إنه لو أراد أن يبحث بهذه الطريقة فلربما كان قد أساء إلى الهدف الذي كان يسعى له ، من وراء تآليفه تلك .
وقد قال الله سبحانه : * ( ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) * ( 1 ) ومراعاة المشاعر ، وعدم تكدير الخواطر من هذا القبيل ، إلا إذا كان المقام مقام وضع النقاط على الحروف ، حتى في الأمور الحساسة حيث يخاف من ضياع الحق ، وتمس الحاجة إلى عملية جراحية حتى في المواضع الحساسة والخطيرة ، ولم يكن الأمر بالنسبة
( 1 ) سورة النحل : 124 . ( * )
- ص 207 -
للسيد شرف الدين فيما تصدى له من هذا القبيل ولأجل ذلك : نجده رحمه الله يذكر هذا الأمر بصورة عابرة وسريعة ، فيقول : " فهل يكون العمل بمقتضيات الخوف من السيف ، أو التحريق بالنار إيمانا بعقد البيعة ؟ ! ومصداقا للإجماع المراد من قوله ( ص ) : لا تجتمع أمتي على الخطأ ؟ ! " ( 1 ) .
ويقول : " وما إن فاؤا إلى مواراته حتى فاجأوا أولياءه وأحباءه بالبيعة ، منهم أو التحريق عليهم ، كما قال شاعر النيل حافظ إبراهيم في قصيدته السائرة : وقولة لعلي قالها عمر أكرم بسامعها أعظم بملقيها . حرقت دارك لا أبقي عليك بها إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها ما كان غير أبي حفص بقائلها أمام فارس عدنان وحاميها ( 2 ) " ثم إنه رحمه الله قد قال في هامش كتابيه : المراجعات ، والنص والاجتهاد : " تهديدهم عليا بالتحريق ثابت بالتواتر القطعي " ( 3 ) .
( 1 ) المراجعات : ص 346 ، تحقيق وتعليق ، الشيخ حسين آل راضي .
( 2 ) النص والاجتهاد : ص 79 ، منشورات مؤسسة الأعلمي .
( 3 ) هامش كتابي النص والاجتهاد : ص 79 . والمراجعات : ص 346 . ( * )
- ص 208 -
ثم ذكر رحمه الله في هامش الكتابين المذكورين مصادر كثيرة تعرضت لضرب " الثاني " لها عليها السلام ، وإسقاط جنينها ، وغير ذلك من أمور ، فإذا اطلع عليها مراجعها ، فلسوف يدرك أنه قد أحسن إليه حين لم يحرجه بهذا الأمر الخطير ، ولو أنه أحرجه بأمر كهذا فلسوف نجده يلتمس المسارب ، والمهارب ، والتأويلات ، بعصبية وانفعال ، يمنعه من استيعاب الفكرة بصورة عفوية وطبيعية .
ولو كان السيد شرف الدين رحمه الله لا يهدف إلى ذلك لكان عليه أن يقتصر على المصادر التي تحدثت عن خصوص التهديد بالإحراق . وإهمال ما عداها . .
والخلاصة : إن النقاش والاحتجاج والحوار يستبطن معه شعورا بالتحدي للشخص في قناعاته ، فيندفع بطريقة لا شعورية للدفاع عن أمرين : عن الفكرة ، وعن نفسه .
فإن كان ثمة مستمع للمتحاورين فإنه سيستوعب الفكرة مجردة عن حالة التحدي ، وسوف يقبل ويستسلم للحق قبل ذينك المتحاورين ، لأنه لا يشعر بحساسية ، ولا يواجه مشكلة وراء فهم الحوار وتقييمه ، ولا يطلب منه التراجع عن شئ ، ولا يشعر بالتقصير ، أو بالإدانة الشخصية على قلة التثبت ، أو عدم الدقة ، أو ما أشبه ذلك .
وقد كان السيد شرف الدين يحرص على أن لا يحرج من يحاوره ، وأن لا يضطره إلى هذا الخيار الصعب .
ثانيا : إن ما نقل شفاها عن السيد شرف الدين ، لا يمكن التعويل عليه هنا ، إذ لعله رحمه الله لم يكن في مقام نفي الثبوت لما سوى التهديد بالتحريق ، بل كان رحمه الله يريد التأكيد على ثبوت هذا
- ص 209 -
الشق والسكوت عما عداه لمصلحة يراها في هذا السكوت ، هي نفس المصلحة التي منعته عن الدخول في تفاصيل هذا الأمر في كتبه .
والشاهد ، بل الدليل على ما نقول ما يلي :
1 - إن هذا الأمر لم يسجله السيد في كتبه ، ولم ينقل لنا أحد من العلماء الآخرين أنه قاله له ، فلماذا اختصه - إذن - بهذا السر الخطير ، الذي يطال قضية حساسة جدا ، مع أنه كان لا يزال شابا مراهقا ، في مقتبل عمره ، حيث كان له من العمر حوالي سبعة عشر عاما ، إذا كان قد قاله له في أوائل الخمسينات ، وإن كان قد عاد فقال : أنه ذكر له ذلك في أواسطها أي في سنة 1995 م ، لكن الغريب أنه قال هنا أيضا : إن عمره 23 أو 24 سنة مع العلم بأنه قد ولد في سنة 1935 م ! ! ولم يبلغ هذا المقدار من العمر حتى في سنة وفاة السيد شرف الدين أي سنة 1957 م .
2 - إن الرواية التي ذكرها بعنوان " الثابت عندنا . . إلى أن قال : فقالوا إن فيها فاطمة فقال : وإن . . ! ! " إنما ذكرت في كتاب الإمامة والسياسة ، وهو لم يذكر لها سندا ، وغيرها من الروايات أكثر تداولا ونقلا ، وأصح سندا ، وأكثر عددا ، حتى إنها لتعد بالعشرات ، ولها طرق وأسانيد كثيرة ومتنوعة ، فكيف يعتبر السيد شرف الدين تلك الرواية هي ما ثبت عندنا ، ويترك سائر الروايات والنصوص الكثيرة والمسندة ، والتي تعد بالعشرات فلا تكون ثابتة ؟ ! وبالنسبة لروايات التهديد بالاحراق لماذا تكون هي الثابتة ، ولا تكون روايات ضربها ، وإسقاط جنينها ثابتة معها أيضا .
مع أن الروايات تلك ليست بأكثر ولا أصح من هذه ؟ ! وقد ذكر عدد من الروايات أن كل تلك الأمور قد حصل . كما يتبين لك في هذا الكتاب .
- ص 210 -
ثالثا : من الذين يقصدهم آية الله شرف الدين بقوله : " عندنا " هل يقصد " عندنا " نحن الشيعة ؟ ! أم يقصد نفسه فقط ؟ ! .
فإن كان مراده الأول ، فإن ذلك لا يصح ، وقد تقدم كلام الطوسي وكاشف الغطاء حول ذلك ، كما أن تتبع كلمات علماء المذهب في مؤلفاتهم - وقد أوردنا شيئا منها في هذا الكتاب - يكشف لنا أن ما قاله الطوسي في تلخيص الشافي هو الأجدر بالرضا ، وبالنقل ، والقبول .
وإن كان مراده الثاني ، فقد يكون صحيحا إذا أخذنا بنظر الاعتبار : حجم المصادر التي كانت بحوزته رحمه الله تعالى ، والتي يستشف من هوامش كتبه أنها قليلة ومحدودة بالنسبة لما هو متوفر في أيدي الناس في هذه الأيام .
بالإضافة إلى ما استجد من مصادر كانت في عداد المخطوطات ، غير المتداولة ثم أخذت طريقها إلى التحقيق والنشر ، ولم يتسن للسيد شرف الدين أن يطلع على شئ منها ، وهذا يجعلنا نستبعد أن يكون قد اكتفى بما نسب إليه " أنه ثبت عنده ، وهو رواية : وإن " ، فإن المفروض فيه وهو العالم البحاثة أن يستقصي البحث في المصادر ، ولا يستعجل في إصدار حكمه لو صح أنه قد حكم .
رابعا : إن عدم ثبوت ذلك عند آية الله شرف الدين ، لا يعني أنه لا يمكن أن يثبت أصلا ، إذا أمكن للباحث أن يتتبع نصوص هذه القضية ويحشد لها من القرائن والشواهد ما يكفي للعالم المنصف . فربما كانت له رحمه الله انشغالات كبيرة وكثيرة تحجزه عن
- ص 211 -
التتبع في كثير من القضايا التي تحتاج إلى ذلك ، إذا كانت لا تقع في دائرة اهتماماته الفعلية . وحتى لو لم يكن الأمر كذلك ، فإن الإشكال العلمي يرد على السيد شرف الدين ، كما يرد على غيره ، فإن القضايا العلمية والدينية تابعة للدليل والبرهان . إلا إذا كان المعصوم هو الذي يقرر ويتحدث .
خامسا : إننا لا نستطيع أن نحدد طبيعة السؤال الذي وجه إلى السيد ، لأن السؤال هو الذي يتحكم في وجهة الجواب ومداه .
فقد يكون السؤال : هل أحرقوا دار الزهراء ؟ ! فيأتي الجواب هكذا : الثابت عندنا هو التهديد بالاحراق لا نفس الإحراق ، أما إسقاط الجنين ، فلا سؤال عنه ولا جواب ، أي أن الجواب يريد أن ينفي الإحراق فعلا ، ويثبت التهديد به فقط ، ولكنه ساكت بالنسبة لإسقاط الجنين ، وبالنسبة لضربها ، وغير ذلك من أمور حيث لا يتعرض لها لا بنفي ولا بإثبات ، فهو كما لو قلت : زيد طويل ، فإنه لا يعني أنه ليس بأسمر اللون ، أو ليس بعالم .
وقد يكون السؤال هكذا : هل ضربت الزهراء وأسقط جنينها . فيأتي الجواب : الثابت هو التهديد بالإحراق . . فيدل على نفي ثبوت ما عدا التهديد ، وهو ما ينقله ذلك البعض عن السيد شرف الدين . وعليه فمع عدم إحرازنا طبيعة السؤال الموجه فلا نستطيع أن ننسب للسيد شرف الدين أنه ينفي ما عدا التهديد بالإحراق .
وسادسا : إن الناقل لهذا الكلام الخطير قد كان شابا حين وجه
- ص 212 -
السؤال إلى السيد وسمع منه الجواب ، وربما لا يزيد عمره آنئذ على السبعة عشر عاما - كما أشرنا إليه - ولم يكن قد خبر الأساليب العلمية التي تمتاز بالدقة ولا اعتاد عليها ، فلعله قد وقع في خطأ في فهم الأسلوب العلمي ، أو قدم كلمة أو أخرها ، فاختلف المعنى ، وهو إنما ينقل عن أمر يقول إنه قد كان قبل حوالي خمسة وأربعين عاما ، كما صرح به في بعض رسائله المؤرخة في سنة 1414 ه . على أن احتمال النسيان ، أعني نسيان نص الإجابة وارد هنا .
والشاهد على أن السؤال : إنما كان عن وقوع الإحراق ، أو التهديد به - كما هو الاحتمال الثاني - أن الإمام السيد شرف الدين نفسه ، قد أشار - كما تقدم - إلى أنه قد كان ثمة خوف من السيف أو من التحريق . مع أنه لم يشر إلى السيف في إجابته لسائله عن هذا الأمر .
ثم إن قول هذا البعض : إنه عثر أخيرا على رواية في البحار . . . يدل على أنه لم يكن منذ وفاة السيد شرف الدين بصدد التحقيق في هذا الأمر ، إذ لا يعقل أن يبقى أكثر من أربعين سنة يبحث في هذا الأمر الذي تدل عليه عشرات الروايات عن المعصومين ، وعشرات بل مئات النصوص عن غيرهم . . ثم لا يعثر في هذه المدة كلها إلا على رواية واحدة ! ! .
شواهد ودلائل أخرى : وبعد ، فإن نفس السيد شرف الدين رحمه الله قد ذكر أنهم
- ص 213 -
أخرجوا عليا كرها ، وذكر أيضا كشف بيت فاطمة ( 1 ) ثم هو يذكر مهاجمتهم البيت ، وكانوا جمعا كثيرا ، أرسلهم أبو بكر ردءا لعمر وخالد ، وأن الناس اجتمعوا ينظرون ، وامتلأت شوارع المدينة بالرجال ، فلما رأت فاطمة ما صنع عمر صرخت ، وولولت ، واجتمع معها نساء كثير من الهاشميات وغيرهن ، فخرجت إلى باب حجرتها ، ونادت ، يا أبا بكر ، ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله الخ . . ( 2 ) .
وذكر أيضا رحمه الله حديث أبي الأسود : أن عمر وأصحابه اقتحموا الدار وفاطمة تصيح وتناشدهم ( 3 ) .
فهو يذكر ذلك كله ، ويذكر أسماء المشاركين في الهجوم على بيت الزهراء ، ويذكر الخوف من السيف ، ويرسله إرسال المسلمات ، ولا يبدي أي تحفظ تجاهه .
فكيف إذن يقول البعض : إن السيد شرف الدين رحمه الله تعالى . " لم يذكر في المراجعات ولا في النص والاجتهاد ، أي شئ من هذا الذي يقال - راجعوا " فها نحن قد راجعنا ووجدنا خلاف ما يقول ! !
والخلاصة : إن ذلك كله يدل على أنه رحمه الله يقول : إنهم قد تجاوزوا حدود التهديد إلى الممارسة العملية ، التي وصلت إلى درجة اقتحام البيت ، وغير ذلك مما ذكرناه آنفا . ولعله رحمه الله قد قال لهذا الناقل نفس ما قاله في كتابيه
( 1 ) النص والاجتهاد : هامش ص 82 ، ط مؤسسة الأعلمي .
( 2 ) المصدر السابق ، وشرح نهج البلاغة للمعتزلي : ج 6 ص 50 عن كتاب السقيفة لأبي بكر الجوهري .
( 3 ) المصدران السابقان . ( * )
- ص 214 -
المراجعات ، والنص والاجتهاد من أن التهديد بالتحريق ثابت بالتواتر القطعي .
وهذه العبارة تختلف عن عبارة : الثابت عندنا هو التهديد بالتحريق . . وكل ما ذكرناه يؤيد العبارة الأولى ويشد من أزرها ، ويضعف العبارة الأخرى ، فإن ذكره للمصادر في الهامش في صفحة واحدة ومنها ما يشير إلى كل الموضوع ومنه قضية الضرب وإسقاط الجنين يشير إلى رغبته في اطلاع المراجع عليها . . . إلى آخر ما قدمناه . .
الثابت عند السيد شرف الدين :
ينقل البعض عن العالم العلم الحجة السيد عبد الحسين شرف الدين : أنه قال له : الثابت عندنا أنهم جاؤا بالحطب ليحرقوا باب البيت ، فقالوا : إن فيها فاطمة ، قال : " وإن " . . . ويضيف هذا البعض في تأييد ذلك قوله : " ولم يذكر السيد عبد الحسين في النص والاجتهاد ، ولا في المراجعات ، أي شئ من هذا الذي يقال . راجعوا ! ! " .
ونقول في الجواب :
أولا : إن السيد عبد الحسين شرف الدين لم يكن في تآليفه بصدد تفصيل هذا الأمر وتحديد ما هو الثابت منه ، وما ليس بثابت ، بل إنه لو أراد أن يبحث بهذه الطريقة فلربما كان قد أساء إلى الهدف الذي كان يسعى له ، من وراء تآليفه تلك .
وقد قال الله سبحانه : * ( ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) * ( 1 ) ومراعاة المشاعر ، وعدم تكدير الخواطر من هذا القبيل ، إلا إذا كان المقام مقام وضع النقاط على الحروف ، حتى في الأمور الحساسة حيث يخاف من ضياع الحق ، وتمس الحاجة إلى عملية جراحية حتى في المواضع الحساسة والخطيرة ، ولم يكن الأمر بالنسبة
( 1 ) سورة النحل : 124 . ( * )
- ص 207 -
للسيد شرف الدين فيما تصدى له من هذا القبيل ولأجل ذلك : نجده رحمه الله يذكر هذا الأمر بصورة عابرة وسريعة ، فيقول : " فهل يكون العمل بمقتضيات الخوف من السيف ، أو التحريق بالنار إيمانا بعقد البيعة ؟ ! ومصداقا للإجماع المراد من قوله ( ص ) : لا تجتمع أمتي على الخطأ ؟ ! " ( 1 ) .
ويقول : " وما إن فاؤا إلى مواراته حتى فاجأوا أولياءه وأحباءه بالبيعة ، منهم أو التحريق عليهم ، كما قال شاعر النيل حافظ إبراهيم في قصيدته السائرة : وقولة لعلي قالها عمر أكرم بسامعها أعظم بملقيها . حرقت دارك لا أبقي عليك بها إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها ما كان غير أبي حفص بقائلها أمام فارس عدنان وحاميها ( 2 ) " ثم إنه رحمه الله قد قال في هامش كتابيه : المراجعات ، والنص والاجتهاد : " تهديدهم عليا بالتحريق ثابت بالتواتر القطعي " ( 3 ) .
( 1 ) المراجعات : ص 346 ، تحقيق وتعليق ، الشيخ حسين آل راضي .
( 2 ) النص والاجتهاد : ص 79 ، منشورات مؤسسة الأعلمي .
( 3 ) هامش كتابي النص والاجتهاد : ص 79 . والمراجعات : ص 346 . ( * )
- ص 208 -
ثم ذكر رحمه الله في هامش الكتابين المذكورين مصادر كثيرة تعرضت لضرب " الثاني " لها عليها السلام ، وإسقاط جنينها ، وغير ذلك من أمور ، فإذا اطلع عليها مراجعها ، فلسوف يدرك أنه قد أحسن إليه حين لم يحرجه بهذا الأمر الخطير ، ولو أنه أحرجه بأمر كهذا فلسوف نجده يلتمس المسارب ، والمهارب ، والتأويلات ، بعصبية وانفعال ، يمنعه من استيعاب الفكرة بصورة عفوية وطبيعية .
ولو كان السيد شرف الدين رحمه الله لا يهدف إلى ذلك لكان عليه أن يقتصر على المصادر التي تحدثت عن خصوص التهديد بالإحراق . وإهمال ما عداها . .
والخلاصة : إن النقاش والاحتجاج والحوار يستبطن معه شعورا بالتحدي للشخص في قناعاته ، فيندفع بطريقة لا شعورية للدفاع عن أمرين : عن الفكرة ، وعن نفسه .
فإن كان ثمة مستمع للمتحاورين فإنه سيستوعب الفكرة مجردة عن حالة التحدي ، وسوف يقبل ويستسلم للحق قبل ذينك المتحاورين ، لأنه لا يشعر بحساسية ، ولا يواجه مشكلة وراء فهم الحوار وتقييمه ، ولا يطلب منه التراجع عن شئ ، ولا يشعر بالتقصير ، أو بالإدانة الشخصية على قلة التثبت ، أو عدم الدقة ، أو ما أشبه ذلك .
وقد كان السيد شرف الدين يحرص على أن لا يحرج من يحاوره ، وأن لا يضطره إلى هذا الخيار الصعب .
ثانيا : إن ما نقل شفاها عن السيد شرف الدين ، لا يمكن التعويل عليه هنا ، إذ لعله رحمه الله لم يكن في مقام نفي الثبوت لما سوى التهديد بالتحريق ، بل كان رحمه الله يريد التأكيد على ثبوت هذا
- ص 209 -
الشق والسكوت عما عداه لمصلحة يراها في هذا السكوت ، هي نفس المصلحة التي منعته عن الدخول في تفاصيل هذا الأمر في كتبه .
والشاهد ، بل الدليل على ما نقول ما يلي :
1 - إن هذا الأمر لم يسجله السيد في كتبه ، ولم ينقل لنا أحد من العلماء الآخرين أنه قاله له ، فلماذا اختصه - إذن - بهذا السر الخطير ، الذي يطال قضية حساسة جدا ، مع أنه كان لا يزال شابا مراهقا ، في مقتبل عمره ، حيث كان له من العمر حوالي سبعة عشر عاما ، إذا كان قد قاله له في أوائل الخمسينات ، وإن كان قد عاد فقال : أنه ذكر له ذلك في أواسطها أي في سنة 1995 م ، لكن الغريب أنه قال هنا أيضا : إن عمره 23 أو 24 سنة مع العلم بأنه قد ولد في سنة 1935 م ! ! ولم يبلغ هذا المقدار من العمر حتى في سنة وفاة السيد شرف الدين أي سنة 1957 م .
2 - إن الرواية التي ذكرها بعنوان " الثابت عندنا . . إلى أن قال : فقالوا إن فيها فاطمة فقال : وإن . . ! ! " إنما ذكرت في كتاب الإمامة والسياسة ، وهو لم يذكر لها سندا ، وغيرها من الروايات أكثر تداولا ونقلا ، وأصح سندا ، وأكثر عددا ، حتى إنها لتعد بالعشرات ، ولها طرق وأسانيد كثيرة ومتنوعة ، فكيف يعتبر السيد شرف الدين تلك الرواية هي ما ثبت عندنا ، ويترك سائر الروايات والنصوص الكثيرة والمسندة ، والتي تعد بالعشرات فلا تكون ثابتة ؟ ! وبالنسبة لروايات التهديد بالاحراق لماذا تكون هي الثابتة ، ولا تكون روايات ضربها ، وإسقاط جنينها ثابتة معها أيضا .
مع أن الروايات تلك ليست بأكثر ولا أصح من هذه ؟ ! وقد ذكر عدد من الروايات أن كل تلك الأمور قد حصل . كما يتبين لك في هذا الكتاب .
- ص 210 -
ثالثا : من الذين يقصدهم آية الله شرف الدين بقوله : " عندنا " هل يقصد " عندنا " نحن الشيعة ؟ ! أم يقصد نفسه فقط ؟ ! .
فإن كان مراده الأول ، فإن ذلك لا يصح ، وقد تقدم كلام الطوسي وكاشف الغطاء حول ذلك ، كما أن تتبع كلمات علماء المذهب في مؤلفاتهم - وقد أوردنا شيئا منها في هذا الكتاب - يكشف لنا أن ما قاله الطوسي في تلخيص الشافي هو الأجدر بالرضا ، وبالنقل ، والقبول .
وإن كان مراده الثاني ، فقد يكون صحيحا إذا أخذنا بنظر الاعتبار : حجم المصادر التي كانت بحوزته رحمه الله تعالى ، والتي يستشف من هوامش كتبه أنها قليلة ومحدودة بالنسبة لما هو متوفر في أيدي الناس في هذه الأيام .
بالإضافة إلى ما استجد من مصادر كانت في عداد المخطوطات ، غير المتداولة ثم أخذت طريقها إلى التحقيق والنشر ، ولم يتسن للسيد شرف الدين أن يطلع على شئ منها ، وهذا يجعلنا نستبعد أن يكون قد اكتفى بما نسب إليه " أنه ثبت عنده ، وهو رواية : وإن " ، فإن المفروض فيه وهو العالم البحاثة أن يستقصي البحث في المصادر ، ولا يستعجل في إصدار حكمه لو صح أنه قد حكم .
رابعا : إن عدم ثبوت ذلك عند آية الله شرف الدين ، لا يعني أنه لا يمكن أن يثبت أصلا ، إذا أمكن للباحث أن يتتبع نصوص هذه القضية ويحشد لها من القرائن والشواهد ما يكفي للعالم المنصف . فربما كانت له رحمه الله انشغالات كبيرة وكثيرة تحجزه عن
- ص 211 -
التتبع في كثير من القضايا التي تحتاج إلى ذلك ، إذا كانت لا تقع في دائرة اهتماماته الفعلية . وحتى لو لم يكن الأمر كذلك ، فإن الإشكال العلمي يرد على السيد شرف الدين ، كما يرد على غيره ، فإن القضايا العلمية والدينية تابعة للدليل والبرهان . إلا إذا كان المعصوم هو الذي يقرر ويتحدث .
خامسا : إننا لا نستطيع أن نحدد طبيعة السؤال الذي وجه إلى السيد ، لأن السؤال هو الذي يتحكم في وجهة الجواب ومداه .
فقد يكون السؤال : هل أحرقوا دار الزهراء ؟ ! فيأتي الجواب هكذا : الثابت عندنا هو التهديد بالاحراق لا نفس الإحراق ، أما إسقاط الجنين ، فلا سؤال عنه ولا جواب ، أي أن الجواب يريد أن ينفي الإحراق فعلا ، ويثبت التهديد به فقط ، ولكنه ساكت بالنسبة لإسقاط الجنين ، وبالنسبة لضربها ، وغير ذلك من أمور حيث لا يتعرض لها لا بنفي ولا بإثبات ، فهو كما لو قلت : زيد طويل ، فإنه لا يعني أنه ليس بأسمر اللون ، أو ليس بعالم .
وقد يكون السؤال هكذا : هل ضربت الزهراء وأسقط جنينها . فيأتي الجواب : الثابت هو التهديد بالإحراق . . فيدل على نفي ثبوت ما عدا التهديد ، وهو ما ينقله ذلك البعض عن السيد شرف الدين . وعليه فمع عدم إحرازنا طبيعة السؤال الموجه فلا نستطيع أن ننسب للسيد شرف الدين أنه ينفي ما عدا التهديد بالإحراق .
وسادسا : إن الناقل لهذا الكلام الخطير قد كان شابا حين وجه
- ص 212 -
السؤال إلى السيد وسمع منه الجواب ، وربما لا يزيد عمره آنئذ على السبعة عشر عاما - كما أشرنا إليه - ولم يكن قد خبر الأساليب العلمية التي تمتاز بالدقة ولا اعتاد عليها ، فلعله قد وقع في خطأ في فهم الأسلوب العلمي ، أو قدم كلمة أو أخرها ، فاختلف المعنى ، وهو إنما ينقل عن أمر يقول إنه قد كان قبل حوالي خمسة وأربعين عاما ، كما صرح به في بعض رسائله المؤرخة في سنة 1414 ه . على أن احتمال النسيان ، أعني نسيان نص الإجابة وارد هنا .
والشاهد على أن السؤال : إنما كان عن وقوع الإحراق ، أو التهديد به - كما هو الاحتمال الثاني - أن الإمام السيد شرف الدين نفسه ، قد أشار - كما تقدم - إلى أنه قد كان ثمة خوف من السيف أو من التحريق . مع أنه لم يشر إلى السيف في إجابته لسائله عن هذا الأمر .
ثم إن قول هذا البعض : إنه عثر أخيرا على رواية في البحار . . . يدل على أنه لم يكن منذ وفاة السيد شرف الدين بصدد التحقيق في هذا الأمر ، إذ لا يعقل أن يبقى أكثر من أربعين سنة يبحث في هذا الأمر الذي تدل عليه عشرات الروايات عن المعصومين ، وعشرات بل مئات النصوص عن غيرهم . . ثم لا يعثر في هذه المدة كلها إلا على رواية واحدة ! ! .
شواهد ودلائل أخرى : وبعد ، فإن نفس السيد شرف الدين رحمه الله قد ذكر أنهم
- ص 213 -
أخرجوا عليا كرها ، وذكر أيضا كشف بيت فاطمة ( 1 ) ثم هو يذكر مهاجمتهم البيت ، وكانوا جمعا كثيرا ، أرسلهم أبو بكر ردءا لعمر وخالد ، وأن الناس اجتمعوا ينظرون ، وامتلأت شوارع المدينة بالرجال ، فلما رأت فاطمة ما صنع عمر صرخت ، وولولت ، واجتمع معها نساء كثير من الهاشميات وغيرهن ، فخرجت إلى باب حجرتها ، ونادت ، يا أبا بكر ، ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله الخ . . ( 2 ) .
وذكر أيضا رحمه الله حديث أبي الأسود : أن عمر وأصحابه اقتحموا الدار وفاطمة تصيح وتناشدهم ( 3 ) .
فهو يذكر ذلك كله ، ويذكر أسماء المشاركين في الهجوم على بيت الزهراء ، ويذكر الخوف من السيف ، ويرسله إرسال المسلمات ، ولا يبدي أي تحفظ تجاهه .
فكيف إذن يقول البعض : إن السيد شرف الدين رحمه الله تعالى . " لم يذكر في المراجعات ولا في النص والاجتهاد ، أي شئ من هذا الذي يقال - راجعوا " فها نحن قد راجعنا ووجدنا خلاف ما يقول ! !
والخلاصة : إن ذلك كله يدل على أنه رحمه الله يقول : إنهم قد تجاوزوا حدود التهديد إلى الممارسة العملية ، التي وصلت إلى درجة اقتحام البيت ، وغير ذلك مما ذكرناه آنفا . ولعله رحمه الله قد قال لهذا الناقل نفس ما قاله في كتابيه
( 1 ) النص والاجتهاد : هامش ص 82 ، ط مؤسسة الأعلمي .
( 2 ) المصدر السابق ، وشرح نهج البلاغة للمعتزلي : ج 6 ص 50 عن كتاب السقيفة لأبي بكر الجوهري .
( 3 ) المصدران السابقان . ( * )
- ص 214 -
المراجعات ، والنص والاجتهاد من أن التهديد بالتحريق ثابت بالتواتر القطعي .
وهذه العبارة تختلف عن عبارة : الثابت عندنا هو التهديد بالتحريق . . وكل ما ذكرناه يؤيد العبارة الأولى ويشد من أزرها ، ويضعف العبارة الأخرى ، فإن ذكره للمصادر في الهامش في صفحة واحدة ومنها ما يشير إلى كل الموضوع ومنه قضية الضرب وإسقاط الجنين يشير إلى رغبته في اطلاع المراجع عليها . . . إلى آخر ما قدمناه . .
مواضيع مماثلة
» قضية النقل عن السيد شرف الدين
» التقول على السيد شرف الدين مجدداً !
» اللهم صل على محمد وال محمد
» محاظرات سماحة السيد هاشم الهاشمي8
» محاظرات سماحة السيد هاشم الهاشمي10
» التقول على السيد شرف الدين مجدداً !
» اللهم صل على محمد وال محمد
» محاظرات سماحة السيد هاشم الهاشمي8
» محاظرات سماحة السيد هاشم الهاشمي10
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى