كتاب الاختصاص للشيخ المفيد
صفحة 1 من اصل 1
كتاب الاختصاص للشيخ المفيد
مأساة الزهراء عليها السلام ج 1 - العلامة السيد جعفر مرتضى العاملي - ص 171
كتاب الاختصاص للشيخ المفيد :
تقدم أن البعض : قد جعل التشكيك في نسبة كتاب " الاختصاص " للشيخ المفيد ( قده ) ، ذريعة لرفض الاعتماد عليه فيما يرويه عن مظالم الزهراء عليها السلام ، ولرفض نسبة رواية ذلك إلى المفيد رحمه الله .
ونقول : إننا بعد التأمل فيما يثار حول كتاب " الاختصاص " للشيخ المفيد ، وجدنا أن تلك التساؤلات لا تصلح للاعتماد عليها للطعن في صحة هذه النسبة إلى ذلك العالم الجليل . ونحن نجيب فيما يلي بإيجاز عن بعض الأمور التي أثيرت حول هذا الكتاب فنقول :
1 - إن في الكتاب روايات كثيرة تبدأ هكذا : " حدثني جعفر بن الحسين المؤمن " ، فظن البعض : أن الكتاب من تأليف هذا الرجل .
ونقول : إن هناك روايات كثيرة وردت في الكتاب وهي لا تبدأ باسم هذا الرجل ، بل تبدأ بأسماء آخرين ، أو تضيف أشخاصا آخرين بواسطة واو العطف ، وهذا لا يناسب نسبة الكتاب إلى الرجل المذكور .
2 - إن أصحاب الفهارس ، مثل النجاشي في رجاله ، والطوسي في فهرسته ، وابن شهرآشوب في معالم العلماء ، لم يذكروا هذا
- ص 179 -
الكتاب ، في عداد مؤلفات المفيد . ويجاب بأن جميع هؤلاء لم يذكروا جميع مؤلفات المفيد ، بل كل منهم قد عد جملة منها ، وليكن كتاب الاختصاص من جملة ما لم يذكروه . وسيأتي وجه عدم ذكرهم له في عداد مؤلفاته إن شاء الله .
3 - إن النسخ الخطية لهذا الكتاب فيها تشويش ، فإن خطبة الكتاب في نسخة تجدها بعد صفحات من الكتاب في نسخة أخرى . ويجاب عن ذلك بأنه قد تكون بعض النسخ قد انفرط عقدها ، فظمها منظموها حسبما تيسر لهم .
4 - وهنا سؤال آخر أيضا ، وهو أنه يقول : " قال محمد بن محمد بن النعمان " فمن الذي قال ذلك يا ترى ؟ !
والجواب : أنه من قول المؤلف نفسه ، كما جرت عليه عادة المؤلفين القدامى ، وليس قول آخرين نقلوا ذلك عنه رحمه الله . واحتمال أن تكون هذه العبارة قد كتبها البعض توضيحا ، ثم أدخلها النساخ في الأصل اشتباها لا يعتد به ، وهو يحتاج إلى إثبات .
فإن كان اختياره للمفيد دون سواه لأجل وجود بعض مشايخ المفيد في الكتاب ، فإنه يقال له : كما كان هؤلاء من مشايخه فقد كانوا أيضا من مشايخ غيره .
مع أن في الكتاب آخرين لم يعلم أنهم من مشايخ المفيد وهم ثلاثة أضعاف أولئك ، فلماذا استفاد من ذلك العدد القليل من المشايخ ، أن الكتاب للمفيد ، ولم ينظر إلى من تبقى منهم ، وهم أكثر عددا ؟ !
- ص 180 -
5 - كون الكتاب أشبه بكشكول روائي قد جاء معظمه في فضائل أهل البيت عليهم السلام ، ولا يسير الكتاب في ترتيبه ، وفق منهج منطقي منسجم ، والمفيد يمتاز بالدقة والإبداع .
ونقول : إن هذا ليس عيبا في الكتاب ، إذ قد يتعلق غرض بعض المؤلفين بتأليف مجموعات كشكولية ، روائية أو غيرها . والمفيد نفسه هو صاحب كتاب الأمالي الذي هو كتاب حديثي كشكولي أيضا . ودقة وأبداع الشيخ المفيد لا يجب أن تتجلى في كتبه الحديثية كما هو ظاهر . هذا ، مع غض النظر عن حقيقة : إن الكتاب هو اختيار وانتخاب من الشيخ المفيد لكتاب الاختصاص لابن عمران ، كما سنرى . .
6 - توجد في هذا الكتاب بحوث لا تنسجم مع آراء المفيد في سائر كتبه ، ولا يدل إطار الكتاب العام على أنه من تأليف متكلم عقلي كالشيخ المفيد ، بل هو أقرب إلى تأليف أحد المحدثين كالشيخ الصدوق مثلا .
وقد عرف الجواب على هذا مما قدمناه آنفا ، من أن الغرض قد يتعلق بحفظ بعض الأحاديث في ضمن مجموعة كشكولية كما هو الحال في كتب الأمالي - مثلا - التي ألف الشيخ المفيد واحدا منها .
بالإضافة إلى أنه قد يكون جمع هذه الأحاديث قد حصل قبل أن يصبح المفيد إماما في العقائد والفقه وغير ذلك .
- ص 180 -
وقد لا يكون الهدف من جمعها هو أن تكون كتابا منسقا بصورة فنية يتداوله الناس ويعتمدونه . وهذا عدا عن أن الرأي الكلامي والعقيدي لا يمنع من إيراد ما يعارضه ، كإيراد ما يوافقه من أحاديث ، ومن ميزة العالم أن يتقيد بقواعد البحث الكلامي حينما يتصدى للكلام ، وأن يلتزم أيضا بكل الضوابط ، ويراعي كل الأصول المرعية في الحديث ، ونقله واختياره ، حينما يتخذ لنفسه صفة المحدث ، ولأجل ذلك نجد المحدثين يروون الأخبار المتعارضة في كتبهم ، رغم تبنيهم وقبولهم بطائفة منها بخصوصها ، وعلى الأخص في المجال الفقهي ، وبمراجعة كتب الكليني والصدوق وغيرهما من المحدثين يعلم ذلك .
هذا ، وقد رأينا : أن بعض العلماء يؤلف كتبه بأكثر من صفة ، فالفقيه يكتب بصفة المحدث كما وقع للطوسي ( قده ) ، حيث كتب النهاية ، وهي متون أخبار .
وقد يكتب الفيلسوف بلسان العرفاء كما وقع للشيخ نصير الدين الطوسي في بعض رسائله ، وقد يكتب المتكلم بلسان الفيلسوف ، كما جرى للفخر الرازي ، والمتصوف بلسان الفلاسفة كما جرى للغزالي ، وغير هؤلاء كثير .
ومن جهة أخرى نقول : إن بعض الآراء قد تتغير على مر الزمن ، ولا سيما إذا كان صاحب الرأي من العلماء الذين يتمتعون بحيوية فكرية ، ويسيرون في صراط التكامل في وعيهم وفي فكرهم ، وفي معرفتهم . وقد تختلف درجات تنبه المؤلف إلى الحيثيات التي يلاحظها في تآليفه بين فترة زمنية وأخرى .
مع أننا سنذكر أن هذا الكتاب هو اختيار للمفيد من كتاب آخر .
- ص 182 -
7 - قد سجلت ملاحظة أخرى على كتاب " الاختصاص " ، وهي وجود خلل أو عدم وضوح أحيانا في إرجاعه بعض الضمائر فيه ، أو وجود فاصل كبير بين الضمير وبين مرجعه .
وقد أجيب عن ذلك بأن هذا الخلل لا ينحصر في هذا الكتاب ، بل هو موجود في مختلف الكتب ومنها الكافي والتهذيب ، والوسائل أيضا . ولهذا الأمر أسباب مختلفة ، منها : أن المؤلف قد يعثر على رواية فيضعها في مكان من الكتاب ، ثم لا يلتفت إلى ضرورة إعادة النظر في التناسق المفترض أن يكون فيما بين الضمير ومرجعه بين روايتين قد فصل بينهما حديث جديد ، أو كلام جديد .
8 - ومن إيراداتهم على هذا الكتاب : أن مؤلفه قد نقل تارة من الكتب ككتب الصدوق ، وبصائر الدرجات ، وأخرى عن المشايخ ، وإذا نظرنا إلى المشايخ الذين نقل عنهم فسنجد أن خمسة منهم هم من مشايخ المفيد ، وثمة ستة عشر آخرون لم يعثر على رواية المفيد عنهم في غير كتاب الاختصاص أصلا .
ومن جهة أخرى : هناك مشايخ للمفيد لهم مكانتهم المميزة وليس في كتاب " الاختصاص " أية رواية عنهم ، كالجعابي ، وأحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد ، والصيرفي ، وغيرهم .
والجواب عن ذلك :
أولا : إن مؤلف الكتاب هو ابن عمران على الظاهر ، والمفيد قد انتخب واختار منه ما أعجبه ، فمشايخ الكتاب هم مشايخ ابن عمران ، إذن ، لا مشايخ المفيد . وسيأتي مزيد تأييد لهذا إن شاء الله تعالى .
- ص 183 -
ثانيا : إن من الجائز أن يكون مؤلف الكتاب قد كتبه قبل أن يصبح له مشايخ كثيرون ، بل قد يكون رحمه الله قد اختار كل رواياته أو بعضها من الكتب التي توفرت لديه ، وليس في ذلك أي محذور .
ثالثا : قولهم : إن بعض من روى عنهم مؤلف الكتاب لم نجد المفيد يروي عنهم في سائر كتبه ، لا يصلح دليلا على نفي نسبة الكتاب إليه ، إذ قد يروي عن شيخ له هنا شيئا ، لم ينقله له مشايخه الآخرون ، وقد يستفيد شيوخا جددا فيكتب عنهم ، ثم يتركهم ، ويلتزم شيوخا آخرين ، لأسباب تتفاوت بحسب الحالات والظروف ، والأغراض عبر الأزمان . . . وهل في علماء الحديث من يشترط في الراوي أن يروي في كل كتاب عن كل فرد فرد من شيوخه الذين يأخذ عنهم في كل تاريخه العلمي الطويل . ؟
وبعدما تقدم نقول : هناك عدة نسخ لكتاب الاختصاص ، وهي التالية :
1 - النسخة المكتوبة عن نسخة الشيخ الحر ( 1 ) وقد نسبت الكتاب إلى الشيخ المفيد ، دون أي غموض ، حيث كتب عليها . " كتاب الاختصاص للشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان ، منتخب من الاختصاص لأحمد بن الحسين بن عمران " .
( 1 ) وهي نسخة موجودة في الروضة الرضوية المقدسة في مدينة مشهد في ايران ، وسنة كتابة هذه النسخة هو 1085 ه . أو 1087 ه . ( * )
- ص 184 -
وكتب في آخرها : " تم كتاب الاختصاص للشيخ المفيد قدس سره " . أما نسخة الشيخ الحر نفسه فقد كتب عليها تملك الشيخ الحر رحمه الله في سنة 1087 ه . وأما تاريخ كتابتها فغير معلوم ، وهي موجودة في مكتبة آية الله الحكيم رحمه الله في النجف الأشرف .
2 - هناك نسخة أخرى توجد في مكتبة سپه سالار طهران ، تاريخ كتابتها هو سنة 1118 ه . وذكر ناسخها أن هذا الكتاب هو مختصر كتاب الاختصاص لأحمد بن الحسين بن عمران . وهذه العبارة لا تختلف مع ما كتب على نسخة الشيخ الحر ، لأن المقصود بهذه العبارة أن الاختصاص نفسه لابن عمران ، وذلك لا ينافي أن يكون مختصره للشيخ المفيد أيضا .
3 - هناك نسخة قديمة توجد في مكتبة الروضة الرضوية في مشهد الرضا ( ع ) ، تاريخ كتابتها سنة 1055 ه . وهي تذكر بعد عدة صفحات العبارة التالية : " كتاب مستخرج من كتاب الاختصاص ، تصنيف أبي علي أحمد بن الحسين بن أحمد بن عمران رحمه الله " .
ولا تنافي هذه العبارة أيضا ما كتب على نسخة الشيخ الحر لعين ما ذكرناه آنفا ، من أن الاختصاص نفسه من تأليف ابن عمران ، وتلخيصه للشيخ المفيد .
ويبدو أن في هذه النسخة تقديما وتأخيرا في أوراقها ، كما يظهر من ملاحظتها ، وهذا الأمر يحصل لأسباب مختلفة .
- ص 185 -
إذن ، لا مانع من نسبة ما في كتاب الاختصاص المطبوع ، الموافق للنسختين الأوليين إلى الشيخ المفيد ، باعتبار أنه قد اختاره من كتاب ابن عمران وارتضى منه ما راق له .
وقد يكون هذا الاختصار هو السبب في عدم ذكر هذا الكتاب في جملة مؤلفاته رحمه الله ، حيث إنه لم يبادر هو إلى تأليفه ، وإنما استخرجه واختاره من كتاب لشخص آخر . . وعليه فهذا يدل على مدى اهتمامه بالكتاب ، حتى أنه ليبادر إلى انتخاب ما فيه من نفائس الآثار ، واستخراج ما تيسر له منه من درر الأخبار .
ويشهد لذلك : أن كتاب الفصول المختارة ، الذي هو اختيار الشريف المرتضى من كتاب " العيون والمحاسن " للمفيد ، لم يذكر في عداد مؤلفات الشريف . بل بقيت نسبته إلى المفيد أظهر وأوضح ، ولا يزال يعد من مؤلفاته كما هو معلوم .
كتاب الاختصاص للشيخ المفيد :
تقدم أن البعض : قد جعل التشكيك في نسبة كتاب " الاختصاص " للشيخ المفيد ( قده ) ، ذريعة لرفض الاعتماد عليه فيما يرويه عن مظالم الزهراء عليها السلام ، ولرفض نسبة رواية ذلك إلى المفيد رحمه الله .
ونقول : إننا بعد التأمل فيما يثار حول كتاب " الاختصاص " للشيخ المفيد ، وجدنا أن تلك التساؤلات لا تصلح للاعتماد عليها للطعن في صحة هذه النسبة إلى ذلك العالم الجليل . ونحن نجيب فيما يلي بإيجاز عن بعض الأمور التي أثيرت حول هذا الكتاب فنقول :
1 - إن في الكتاب روايات كثيرة تبدأ هكذا : " حدثني جعفر بن الحسين المؤمن " ، فظن البعض : أن الكتاب من تأليف هذا الرجل .
ونقول : إن هناك روايات كثيرة وردت في الكتاب وهي لا تبدأ باسم هذا الرجل ، بل تبدأ بأسماء آخرين ، أو تضيف أشخاصا آخرين بواسطة واو العطف ، وهذا لا يناسب نسبة الكتاب إلى الرجل المذكور .
2 - إن أصحاب الفهارس ، مثل النجاشي في رجاله ، والطوسي في فهرسته ، وابن شهرآشوب في معالم العلماء ، لم يذكروا هذا
- ص 179 -
الكتاب ، في عداد مؤلفات المفيد . ويجاب بأن جميع هؤلاء لم يذكروا جميع مؤلفات المفيد ، بل كل منهم قد عد جملة منها ، وليكن كتاب الاختصاص من جملة ما لم يذكروه . وسيأتي وجه عدم ذكرهم له في عداد مؤلفاته إن شاء الله .
3 - إن النسخ الخطية لهذا الكتاب فيها تشويش ، فإن خطبة الكتاب في نسخة تجدها بعد صفحات من الكتاب في نسخة أخرى . ويجاب عن ذلك بأنه قد تكون بعض النسخ قد انفرط عقدها ، فظمها منظموها حسبما تيسر لهم .
4 - وهنا سؤال آخر أيضا ، وهو أنه يقول : " قال محمد بن محمد بن النعمان " فمن الذي قال ذلك يا ترى ؟ !
والجواب : أنه من قول المؤلف نفسه ، كما جرت عليه عادة المؤلفين القدامى ، وليس قول آخرين نقلوا ذلك عنه رحمه الله . واحتمال أن تكون هذه العبارة قد كتبها البعض توضيحا ، ثم أدخلها النساخ في الأصل اشتباها لا يعتد به ، وهو يحتاج إلى إثبات .
فإن كان اختياره للمفيد دون سواه لأجل وجود بعض مشايخ المفيد في الكتاب ، فإنه يقال له : كما كان هؤلاء من مشايخه فقد كانوا أيضا من مشايخ غيره .
مع أن في الكتاب آخرين لم يعلم أنهم من مشايخ المفيد وهم ثلاثة أضعاف أولئك ، فلماذا استفاد من ذلك العدد القليل من المشايخ ، أن الكتاب للمفيد ، ولم ينظر إلى من تبقى منهم ، وهم أكثر عددا ؟ !
- ص 180 -
5 - كون الكتاب أشبه بكشكول روائي قد جاء معظمه في فضائل أهل البيت عليهم السلام ، ولا يسير الكتاب في ترتيبه ، وفق منهج منطقي منسجم ، والمفيد يمتاز بالدقة والإبداع .
ونقول : إن هذا ليس عيبا في الكتاب ، إذ قد يتعلق غرض بعض المؤلفين بتأليف مجموعات كشكولية ، روائية أو غيرها . والمفيد نفسه هو صاحب كتاب الأمالي الذي هو كتاب حديثي كشكولي أيضا . ودقة وأبداع الشيخ المفيد لا يجب أن تتجلى في كتبه الحديثية كما هو ظاهر . هذا ، مع غض النظر عن حقيقة : إن الكتاب هو اختيار وانتخاب من الشيخ المفيد لكتاب الاختصاص لابن عمران ، كما سنرى . .
6 - توجد في هذا الكتاب بحوث لا تنسجم مع آراء المفيد في سائر كتبه ، ولا يدل إطار الكتاب العام على أنه من تأليف متكلم عقلي كالشيخ المفيد ، بل هو أقرب إلى تأليف أحد المحدثين كالشيخ الصدوق مثلا .
وقد عرف الجواب على هذا مما قدمناه آنفا ، من أن الغرض قد يتعلق بحفظ بعض الأحاديث في ضمن مجموعة كشكولية كما هو الحال في كتب الأمالي - مثلا - التي ألف الشيخ المفيد واحدا منها .
بالإضافة إلى أنه قد يكون جمع هذه الأحاديث قد حصل قبل أن يصبح المفيد إماما في العقائد والفقه وغير ذلك .
- ص 180 -
وقد لا يكون الهدف من جمعها هو أن تكون كتابا منسقا بصورة فنية يتداوله الناس ويعتمدونه . وهذا عدا عن أن الرأي الكلامي والعقيدي لا يمنع من إيراد ما يعارضه ، كإيراد ما يوافقه من أحاديث ، ومن ميزة العالم أن يتقيد بقواعد البحث الكلامي حينما يتصدى للكلام ، وأن يلتزم أيضا بكل الضوابط ، ويراعي كل الأصول المرعية في الحديث ، ونقله واختياره ، حينما يتخذ لنفسه صفة المحدث ، ولأجل ذلك نجد المحدثين يروون الأخبار المتعارضة في كتبهم ، رغم تبنيهم وقبولهم بطائفة منها بخصوصها ، وعلى الأخص في المجال الفقهي ، وبمراجعة كتب الكليني والصدوق وغيرهما من المحدثين يعلم ذلك .
هذا ، وقد رأينا : أن بعض العلماء يؤلف كتبه بأكثر من صفة ، فالفقيه يكتب بصفة المحدث كما وقع للطوسي ( قده ) ، حيث كتب النهاية ، وهي متون أخبار .
وقد يكتب الفيلسوف بلسان العرفاء كما وقع للشيخ نصير الدين الطوسي في بعض رسائله ، وقد يكتب المتكلم بلسان الفيلسوف ، كما جرى للفخر الرازي ، والمتصوف بلسان الفلاسفة كما جرى للغزالي ، وغير هؤلاء كثير .
ومن جهة أخرى نقول : إن بعض الآراء قد تتغير على مر الزمن ، ولا سيما إذا كان صاحب الرأي من العلماء الذين يتمتعون بحيوية فكرية ، ويسيرون في صراط التكامل في وعيهم وفي فكرهم ، وفي معرفتهم . وقد تختلف درجات تنبه المؤلف إلى الحيثيات التي يلاحظها في تآليفه بين فترة زمنية وأخرى .
مع أننا سنذكر أن هذا الكتاب هو اختيار للمفيد من كتاب آخر .
- ص 182 -
7 - قد سجلت ملاحظة أخرى على كتاب " الاختصاص " ، وهي وجود خلل أو عدم وضوح أحيانا في إرجاعه بعض الضمائر فيه ، أو وجود فاصل كبير بين الضمير وبين مرجعه .
وقد أجيب عن ذلك بأن هذا الخلل لا ينحصر في هذا الكتاب ، بل هو موجود في مختلف الكتب ومنها الكافي والتهذيب ، والوسائل أيضا . ولهذا الأمر أسباب مختلفة ، منها : أن المؤلف قد يعثر على رواية فيضعها في مكان من الكتاب ، ثم لا يلتفت إلى ضرورة إعادة النظر في التناسق المفترض أن يكون فيما بين الضمير ومرجعه بين روايتين قد فصل بينهما حديث جديد ، أو كلام جديد .
8 - ومن إيراداتهم على هذا الكتاب : أن مؤلفه قد نقل تارة من الكتب ككتب الصدوق ، وبصائر الدرجات ، وأخرى عن المشايخ ، وإذا نظرنا إلى المشايخ الذين نقل عنهم فسنجد أن خمسة منهم هم من مشايخ المفيد ، وثمة ستة عشر آخرون لم يعثر على رواية المفيد عنهم في غير كتاب الاختصاص أصلا .
ومن جهة أخرى : هناك مشايخ للمفيد لهم مكانتهم المميزة وليس في كتاب " الاختصاص " أية رواية عنهم ، كالجعابي ، وأحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد ، والصيرفي ، وغيرهم .
والجواب عن ذلك :
أولا : إن مؤلف الكتاب هو ابن عمران على الظاهر ، والمفيد قد انتخب واختار منه ما أعجبه ، فمشايخ الكتاب هم مشايخ ابن عمران ، إذن ، لا مشايخ المفيد . وسيأتي مزيد تأييد لهذا إن شاء الله تعالى .
- ص 183 -
ثانيا : إن من الجائز أن يكون مؤلف الكتاب قد كتبه قبل أن يصبح له مشايخ كثيرون ، بل قد يكون رحمه الله قد اختار كل رواياته أو بعضها من الكتب التي توفرت لديه ، وليس في ذلك أي محذور .
ثالثا : قولهم : إن بعض من روى عنهم مؤلف الكتاب لم نجد المفيد يروي عنهم في سائر كتبه ، لا يصلح دليلا على نفي نسبة الكتاب إليه ، إذ قد يروي عن شيخ له هنا شيئا ، لم ينقله له مشايخه الآخرون ، وقد يستفيد شيوخا جددا فيكتب عنهم ، ثم يتركهم ، ويلتزم شيوخا آخرين ، لأسباب تتفاوت بحسب الحالات والظروف ، والأغراض عبر الأزمان . . . وهل في علماء الحديث من يشترط في الراوي أن يروي في كل كتاب عن كل فرد فرد من شيوخه الذين يأخذ عنهم في كل تاريخه العلمي الطويل . ؟
وبعدما تقدم نقول : هناك عدة نسخ لكتاب الاختصاص ، وهي التالية :
1 - النسخة المكتوبة عن نسخة الشيخ الحر ( 1 ) وقد نسبت الكتاب إلى الشيخ المفيد ، دون أي غموض ، حيث كتب عليها . " كتاب الاختصاص للشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان ، منتخب من الاختصاص لأحمد بن الحسين بن عمران " .
( 1 ) وهي نسخة موجودة في الروضة الرضوية المقدسة في مدينة مشهد في ايران ، وسنة كتابة هذه النسخة هو 1085 ه . أو 1087 ه . ( * )
- ص 184 -
وكتب في آخرها : " تم كتاب الاختصاص للشيخ المفيد قدس سره " . أما نسخة الشيخ الحر نفسه فقد كتب عليها تملك الشيخ الحر رحمه الله في سنة 1087 ه . وأما تاريخ كتابتها فغير معلوم ، وهي موجودة في مكتبة آية الله الحكيم رحمه الله في النجف الأشرف .
2 - هناك نسخة أخرى توجد في مكتبة سپه سالار طهران ، تاريخ كتابتها هو سنة 1118 ه . وذكر ناسخها أن هذا الكتاب هو مختصر كتاب الاختصاص لأحمد بن الحسين بن عمران . وهذه العبارة لا تختلف مع ما كتب على نسخة الشيخ الحر ، لأن المقصود بهذه العبارة أن الاختصاص نفسه لابن عمران ، وذلك لا ينافي أن يكون مختصره للشيخ المفيد أيضا .
3 - هناك نسخة قديمة توجد في مكتبة الروضة الرضوية في مشهد الرضا ( ع ) ، تاريخ كتابتها سنة 1055 ه . وهي تذكر بعد عدة صفحات العبارة التالية : " كتاب مستخرج من كتاب الاختصاص ، تصنيف أبي علي أحمد بن الحسين بن أحمد بن عمران رحمه الله " .
ولا تنافي هذه العبارة أيضا ما كتب على نسخة الشيخ الحر لعين ما ذكرناه آنفا ، من أن الاختصاص نفسه من تأليف ابن عمران ، وتلخيصه للشيخ المفيد .
ويبدو أن في هذه النسخة تقديما وتأخيرا في أوراقها ، كما يظهر من ملاحظتها ، وهذا الأمر يحصل لأسباب مختلفة .
- ص 185 -
إذن ، لا مانع من نسبة ما في كتاب الاختصاص المطبوع ، الموافق للنسختين الأوليين إلى الشيخ المفيد ، باعتبار أنه قد اختاره من كتاب ابن عمران وارتضى منه ما راق له .
وقد يكون هذا الاختصار هو السبب في عدم ذكر هذا الكتاب في جملة مؤلفاته رحمه الله ، حيث إنه لم يبادر هو إلى تأليفه ، وإنما استخرجه واختاره من كتاب لشخص آخر . . وعليه فهذا يدل على مدى اهتمامه بالكتاب ، حتى أنه ليبادر إلى انتخاب ما فيه من نفائس الآثار ، واستخراج ما تيسر له منه من درر الأخبار .
ويشهد لذلك : أن كتاب الفصول المختارة ، الذي هو اختيار الشريف المرتضى من كتاب " العيون والمحاسن " للمفيد ، لم يذكر في عداد مؤلفات الشريف . بل بقيت نسبته إلى المفيد أظهر وأوضح ، ولا يزال يعد من مؤلفاته كما هو معلوم .
مواضيع مماثلة
» مراد الشيخ المفيد في كتاب الارشاد
» الاختصاص وكتاب سليم
» العمدة هو كتاب سليم وهو غير معتمد - كتاب سليم معتمد
» لماذا ؟ ! كتاب مأساة الزهراء عليها السلام
» المفيد لم يذكر ما ذكره الطوسي
» الاختصاص وكتاب سليم
» العمدة هو كتاب سليم وهو غير معتمد - كتاب سليم معتمد
» لماذا ؟ ! كتاب مأساة الزهراء عليها السلام
» المفيد لم يذكر ما ذكره الطوسي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى