المفيد لم يذكر ما ذكره الطوسي
صفحة 1 من اصل 1
المفيد لم يذكر ما ذكره الطوسي
مأساة الزهراء عليها السلام ج 1 - العلامة السيد جعفر مرتضى العاملي - ص 171
المفيد لم يذكر ما ذكره الطوسي :
يقول البعض : " إذا كان الشيخ الطوسي ينقل اتفاق الشيعة على ضرب وإسقاط جنين الزهراء ، فإن الشيخ المفيد الرجل الشيعي الصلب في حجاجه مع مخالفيه في المذهب معاصر للطوسي ، وهو لم يذكر في كتبه ما عدا الاختصاص - الذي يشك في نسبته إليه - قضية كسر الضلع وغيرها مما يقال في هذا المجال أبدا " .
ويزيد هذا البعض فيقول : " لقد تتبعت الموارد التي ذكرت فيها الزهراء في كتبه - أي في كتب الشيخ المفيد - فلم أجد حديثا عن كسر الضلع ، وإسقاط الجنين ، ونحو ذلك . . ولا أدري إذا كان تتبعي دقيقا " .
والجواب : إننا قبل كل شئ نود أن نسجل هنا الملاحظة التالية : وهي : أن هذا البعض يصر هنا على التصريح بكسر الضلع مع أن نقضه لكلام الطوسي بكلام المفيد في عبارته الأولى ، يدل على أنه بصدد إنكار كل ما ذكره الطوسي من ضرب الزهراء وإسقاط المحسن .
ولم يتحدث الطوسي عن كسر الضلع في تقريره للاجماع ، وتقريره لتضافر الروايات به : فما المبرر لإقحام كسر الضلع في هذا المورد ؟ ! .
- ص 172 -
وبعد هذه الملاحظة نقول : إن الشيخ المفيد قد ذكر مظلومية الزهراء ، وكثيرا مما جرى عليها في كتبه . وفي مجال مناقشة ما قاله ذلك البعض حول هذا الأمر نقول :
أولا : لم نفهم المقصود بالأمور التي أشار إليها هذا المتحدث بكلمة " وغيرها " التي عطفها على " كسر الضلع " فهل المقصود هو ضربها عليها السلام ؟ أو إسقاط جنينها ؟ أو إحراق بيتها ، حتى أخذت النار في خشب الباب ؟ !
ثانيا : إن عدم ذكر المفيد لشئ من ذلك في كتبه - لو سلمنا صحته - لا يدل على أنه ينكره ، لأن السكوت وعدم ذكر شئ لا يدل على إنكاره من الأساس . بل قد قلنا : إن تقرير الطوسي الذي هو تلميذ المفيد ، للإجماع ، وإرساله ذلك إرسال المسلمات ، يدل على أن أستاذه كان على رأس القائلين به ، والمتحمسين له ، إذ لا يصح من الشيخ الطوسي ذكر هذا الأمر بهذا الجزم والحزم والوضوح التام ، إذا كان أحد أساتذته الذين لا يشك أحد ، من موافقيه ومخالفيه ، في تضلعه في هذه القضايا يخالف في هذا الأمر وينكر وجود الإجماع من الأساس .
أما إذا كان هذا الأستاذ - الذي هو المفيد بالذات - يقول بأن أفرادا قليلين قد قالوا بهذا القول ، فإن القضية - أعني دعوى الإجماع - تصبح أكثر إشكالا ، لأن دعوى الطوسي للإجماع في هذه الحالة . . ، ستكون من أوضح مصاديق الكذب والافتراء منه على شيوخ المذهب ورموزه ، والطوسي أجل من أن يتوهم في حقه ذلك .
ثالثا : إن المفيد حين يريد أن يخاطب الشيعة ، ويؤلف كتابا لهذه
- ص 173 -
الطائفة ، فإنه لا يتوانى عن الجهر والتصريح بتفاصيل ما جرى على الصديقة الطاهرة عليها السلام .
فقد روى في " الاختصاص " ، عن عبد الله بن سنان عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : إن أبا بكر كتب للسيدة الزهراء عليها السلام كتابا برد فدك ، فخرجت والكتاب معها ، فلقيها عمر . فقال : يا بنت محمد ما هذا الكتاب الذي معك ؟ فقالت : كتاب كتب لي أبو بكر برد فدك . فقال : هلميه إلي . فأبت أن تدفعه إليه ، فرفسها برجله ، وكانت حاملة بابن اسمه " المحسن " فأسقطت المحسن من بطنها ، ثم لطمها ، فكأني أنظر إلى قرط في أذنها حين نقفت ( 1 ) .
ثم أخذ الكتاب فخرقه . فمضت ومكثت خمسة وسبعين يوما مريضة مما ضربها عمر ، ثم قبضت ( 2 ) .
وروى أيضا رحمه الله في ذلك الكتاب - أعني الاختصاص - رواية ثانية ذكرت : أن " الثاني " قد ضرب الباب برجله فكسره ، وأنه رفس فاطمة برجله ، فأسقطت المحسن ( 3 ) .
( 1 ) نقفت : كسرت .
( 2 ) الاختصاص : ص 185 والبحار : ج 29 ص 192 .
( 3 ) راجع الاختصاص : ص 344 . والبحار : ج 29 ص 192 ، و ج 28 ص 227 و ج 7 ص 270 . ( * )
- ص 174 -
وروى أيضا حديثا آخر في الكتاب نفسه ، جاء فيه : عن أبي عبد الله ( ع ) قوله : " وقاتل أمير المؤمنين ، وقاتل فاطمة ، وقاتل المحسن ، وقاتل الحسن والحسين " ( 1 ) .
وأما عن صحة نسبة كتاب الاختصاص للشيخ المفيد ، فقد قلنا في الإجابة على سؤال يأتي : إن التشكيك في صحة نسبته للشيخ المفيد في غير محله ، وبلا مبرر مقبول أو معقول ، وقلنا أيضا : إنه يظهر أن المفيد قد اختار هذا الكتاب من كتاب الاختصاص ، لابن عمران ، وبناء على هذا يصبح اختياره رحمه الله لهذا الحديث بالذات ، لأجل مزية رآها فيه رجحته على غيره .
رابعا : قد تحدث الشيخ المفيد رحمه الله عما جرى على الزهراء في أكثر من مورد في كتبه الأخرى أيضا .
فلاحظ ما يلي :
1 - قال الكنجي الشافعي عن الشيخ المفيد رحمه الله : " إنه قد زاد على الجمهور : إن فاطمة عليها السلام أسقطت بعد النبي ذكرا ، وكان سماه رسول الله ( ص ) محسنا ، وهذا شئ لم يوجد عند أحد من أهل النقل إلا عند ابن قتيبة ( 2 ) " .
فالكنجي إذن ، ينسب القول بإسقاط المحسن إلى المفيد رحمه الله بالذات ، إلا أن يكون مراده الإشارة إلى نفس ما ذكره رحمه الله في الإرشاد . مع الاحتمال القوي بأن يكون قد أشار إلى ما ورد في
( 1 ) الاختصاص : ص 344 ، وكامل الزيارات : ص 327 بسند آخر ، والبحار : ج 7 ص 270 و ج 8 ص 213 . ونقل أيضا عن بصائر الدرجات للصفار .
( 2 ) كفاية الطالب : ص 413 . ( * )
- ص 175 -
الاختصاص .
غير أننا نقول للكنجي هنا : إن مراجعة بسيطة للنصوص المنقولة عن أهل النقل ، تظهر أن كثيرين غير ابن قتيبة قد نقلوا ذلك أيضا ، وسنذكر إن شاء الله شطرا كبيرا من هذه النصوص في بعض فصول الكتاب .
2 - لقد ذكر الشيخ المفيد في كتابه " المقنعة " الذي هو كتاب في الفقه الشيعي ، وكذا في كتاب " المزار " زيارة الصديقة الطاهرة ، التي تنص على أنها عليها السلام قد كانت شهيدة ، فقد جاء فيها : " السلام عليك أيتها البتول الشهيدة الطاهرة " ( 1 ) . فهل هناك من سبب لاستشهادها عليها السلام سوى ما جرى عليها من هؤلاء القوم ؟ فهل استشهدت عليها السلام بمرض ألم بها ! ! أم بحادث عرض لها ، كسقوطها عن سطح منزلها ! ! أو أنها تعرضت لحادث اغتيال من مجهول ؟ ! ! وستأتي النصوص التي أوردها المفيد رحمه الله ، في مواضعها في قسم النصوص إن شاء الله .
3 - قد ذكر المفيد قدس الله سره الشريف محاولات إحراق بيت الزهراء في كتابه " الأمالي " : عن الجعابي ، عن العباس بن المغيرة ، عن أحمد بن منصور الرمادي ، عن سعيد بن عفير ، عن ابن لهيعة ، عن خالد بن يزيد ، عن أبي هلال ، عن مروان بن عثمان ، قال : " لما بايع الناس أبا بكر دخل علي عليه السلام والزبير ، والمقداد ، بيت فاطمة عليها السلام ، وأبوا أن يخرجوا . فقال عمر بن الخطاب : أضرموا
( 1 ) المقنعة : ص 459 ، وراجع البحار : ج 97 ص 195 . والبلد الأمين : ص 198 . ( * )
- ص 176 -
عليهم البيت نارا ، فخرج الزبير ، ومعه سيفه . . إلى أن قال : وخرج علي بن أبي طالب عليه السلام نحو العالية ، فلقيه ثابت بن قيس بن شماس ، فقال ما شأنك يا أبا الحسن ؟ ! . فقال : أرادوا أن يحرقوا علي بيتي ، وأبو بكر على المنبر يبايع له ولا يدفع عن ذلك ولا ينكره الخ . . . فقال له ثابت : لا تفارق كفي يدك حتى أقتل دونك . فانطلقا جميعا حتى عادا إلى المدينة ، فإذا فاطمة عليها السلام واقفة على بابها ، وقد خلت دارها من أحد من القوم ، وهي تقول : لا عهد لي بقوم أسوأ محضرا منكم ، تركتم رسول صلى الله عليه وآله وسلم جنازة بين أيدينا وقطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا ، وصنعتم بنا ما صنعتم ، ولم تروا لنا حقا ( 1 ) " .
وهذا الحديث صريح بمحاولة اقتحام البيت ، وبأنهم قد اعتدوا على أهله ، وذلك لقوله ( ع ) : " وأبو بكر على المنبر يبايع له ، ولا يدفع عن ذلك ولا ينكره " ، فقد كان هناك هجوم يحتاج إلى دفع ، واعتداء يحتاج إلى إنكار . كما أن التعبير ب " أرادوا أن يحرقوا " يستبطن أنهم قد بذلوا المحاولة ، وجمعوا الحطب مثلا .
خصوصا مع قوله عن أبي بكر : " لا يدفع ذلك ولا ينكره " ، أي لا ينكر ولا يدفع ما أرادوا أن يفعلوه من إحراق بيته . إذن فلم تكن القضية مجرد تهديد بالقول . ويؤيد ذلك أيضا أنه قال : " أرادوا " حيث لم يقل : " هددوا
( 1 ) الأمالي للمفيد : ص 59 / 50 . ( * )
- ص 177 -
بإحراق بيتي " .
كما أن هذه الرواية صريحة في أن البيت الذي هم بصدد مهاجمته قد كان في داخل المسجد ، في مقابل منبر رسول الله صلى الله عليه وآله ، حيث كان أبو بكر جالسا على المنبر يبايع له هناك ، بعد أن عاد من السقيفة مع أصحابه يزفونه إلى المسجد ، ويجبرون الناس على البيعة له ، ثم جرى أمامه ما جرى ولم يدفع ذلك ولم ينكره .
ومن الواضح : أن قبر رسول الله ( ص ) قد كان في بيت فاطمة لا في بيت عائشة كما حققناه ( 1 ) ، فلم يراعوا حرمة القبر ، ولا المسجد ، ولا البيت ، ولا الزهراء .
4 - وقال المفيد أيضا في كتاب الجمل : " لما اجتمع من اجتمع إلى دار فاطمة عليها السلام ، من بني هاشم ، وغيرهم ، للتحير على أبي بكر ، وإظهار الخلاف عليه ، أنفذ عمر بن الخطاب قنفذا ، وقال له : أخرجهم من البيت ، فإن خرجوا ، وإلا فاجمع الأحطاب على بابه ، وأعلمهم : أنهم إن لم يخرجوا للبيعة أضرمت البيت عليهم نارا .
ثم قام بنفسه في جماعة منهم المغيرة بن شعبة الثقفي ، وسالم مولى أبي حذيفة ، حتى صاروا إلى باب علي عليه السلام ، فنادى : يا فاطمة بنت رسول الله ، أخرجي من اعتصم ببيتك ليبايع ، ويدخل فيما دخل فيه المسلمون ، وإلا - والله - أضرمت عليهم نارا ( 2 ) ، في حديث مشهور " .
وقد تقدم ما ذكره رحمه الله في كتاب الإرشاد ، فلا داعي للإعادة . => لمتابعة الموضوع اضغط على الصفحة التالية أدناه
( 1 ) راجع : كتابنا دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام : ج 1 ص 169 . البحث الذي هو بعنوان : أين دفن النبي ، في بيت عائشة أم في بيت فاطمة ( ع ) .
( 2 ) الجمل : ط جديد ، ص 117 و 118 . ( * )
المفيد لم يذكر ما ذكره الطوسي :
يقول البعض : " إذا كان الشيخ الطوسي ينقل اتفاق الشيعة على ضرب وإسقاط جنين الزهراء ، فإن الشيخ المفيد الرجل الشيعي الصلب في حجاجه مع مخالفيه في المذهب معاصر للطوسي ، وهو لم يذكر في كتبه ما عدا الاختصاص - الذي يشك في نسبته إليه - قضية كسر الضلع وغيرها مما يقال في هذا المجال أبدا " .
ويزيد هذا البعض فيقول : " لقد تتبعت الموارد التي ذكرت فيها الزهراء في كتبه - أي في كتب الشيخ المفيد - فلم أجد حديثا عن كسر الضلع ، وإسقاط الجنين ، ونحو ذلك . . ولا أدري إذا كان تتبعي دقيقا " .
والجواب : إننا قبل كل شئ نود أن نسجل هنا الملاحظة التالية : وهي : أن هذا البعض يصر هنا على التصريح بكسر الضلع مع أن نقضه لكلام الطوسي بكلام المفيد في عبارته الأولى ، يدل على أنه بصدد إنكار كل ما ذكره الطوسي من ضرب الزهراء وإسقاط المحسن .
ولم يتحدث الطوسي عن كسر الضلع في تقريره للاجماع ، وتقريره لتضافر الروايات به : فما المبرر لإقحام كسر الضلع في هذا المورد ؟ ! .
- ص 172 -
وبعد هذه الملاحظة نقول : إن الشيخ المفيد قد ذكر مظلومية الزهراء ، وكثيرا مما جرى عليها في كتبه . وفي مجال مناقشة ما قاله ذلك البعض حول هذا الأمر نقول :
أولا : لم نفهم المقصود بالأمور التي أشار إليها هذا المتحدث بكلمة " وغيرها " التي عطفها على " كسر الضلع " فهل المقصود هو ضربها عليها السلام ؟ أو إسقاط جنينها ؟ أو إحراق بيتها ، حتى أخذت النار في خشب الباب ؟ !
ثانيا : إن عدم ذكر المفيد لشئ من ذلك في كتبه - لو سلمنا صحته - لا يدل على أنه ينكره ، لأن السكوت وعدم ذكر شئ لا يدل على إنكاره من الأساس . بل قد قلنا : إن تقرير الطوسي الذي هو تلميذ المفيد ، للإجماع ، وإرساله ذلك إرسال المسلمات ، يدل على أن أستاذه كان على رأس القائلين به ، والمتحمسين له ، إذ لا يصح من الشيخ الطوسي ذكر هذا الأمر بهذا الجزم والحزم والوضوح التام ، إذا كان أحد أساتذته الذين لا يشك أحد ، من موافقيه ومخالفيه ، في تضلعه في هذه القضايا يخالف في هذا الأمر وينكر وجود الإجماع من الأساس .
أما إذا كان هذا الأستاذ - الذي هو المفيد بالذات - يقول بأن أفرادا قليلين قد قالوا بهذا القول ، فإن القضية - أعني دعوى الإجماع - تصبح أكثر إشكالا ، لأن دعوى الطوسي للإجماع في هذه الحالة . . ، ستكون من أوضح مصاديق الكذب والافتراء منه على شيوخ المذهب ورموزه ، والطوسي أجل من أن يتوهم في حقه ذلك .
ثالثا : إن المفيد حين يريد أن يخاطب الشيعة ، ويؤلف كتابا لهذه
- ص 173 -
الطائفة ، فإنه لا يتوانى عن الجهر والتصريح بتفاصيل ما جرى على الصديقة الطاهرة عليها السلام .
فقد روى في " الاختصاص " ، عن عبد الله بن سنان عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : إن أبا بكر كتب للسيدة الزهراء عليها السلام كتابا برد فدك ، فخرجت والكتاب معها ، فلقيها عمر . فقال : يا بنت محمد ما هذا الكتاب الذي معك ؟ فقالت : كتاب كتب لي أبو بكر برد فدك . فقال : هلميه إلي . فأبت أن تدفعه إليه ، فرفسها برجله ، وكانت حاملة بابن اسمه " المحسن " فأسقطت المحسن من بطنها ، ثم لطمها ، فكأني أنظر إلى قرط في أذنها حين نقفت ( 1 ) .
ثم أخذ الكتاب فخرقه . فمضت ومكثت خمسة وسبعين يوما مريضة مما ضربها عمر ، ثم قبضت ( 2 ) .
وروى أيضا رحمه الله في ذلك الكتاب - أعني الاختصاص - رواية ثانية ذكرت : أن " الثاني " قد ضرب الباب برجله فكسره ، وأنه رفس فاطمة برجله ، فأسقطت المحسن ( 3 ) .
( 1 ) نقفت : كسرت .
( 2 ) الاختصاص : ص 185 والبحار : ج 29 ص 192 .
( 3 ) راجع الاختصاص : ص 344 . والبحار : ج 29 ص 192 ، و ج 28 ص 227 و ج 7 ص 270 . ( * )
- ص 174 -
وروى أيضا حديثا آخر في الكتاب نفسه ، جاء فيه : عن أبي عبد الله ( ع ) قوله : " وقاتل أمير المؤمنين ، وقاتل فاطمة ، وقاتل المحسن ، وقاتل الحسن والحسين " ( 1 ) .
وأما عن صحة نسبة كتاب الاختصاص للشيخ المفيد ، فقد قلنا في الإجابة على سؤال يأتي : إن التشكيك في صحة نسبته للشيخ المفيد في غير محله ، وبلا مبرر مقبول أو معقول ، وقلنا أيضا : إنه يظهر أن المفيد قد اختار هذا الكتاب من كتاب الاختصاص ، لابن عمران ، وبناء على هذا يصبح اختياره رحمه الله لهذا الحديث بالذات ، لأجل مزية رآها فيه رجحته على غيره .
رابعا : قد تحدث الشيخ المفيد رحمه الله عما جرى على الزهراء في أكثر من مورد في كتبه الأخرى أيضا .
فلاحظ ما يلي :
1 - قال الكنجي الشافعي عن الشيخ المفيد رحمه الله : " إنه قد زاد على الجمهور : إن فاطمة عليها السلام أسقطت بعد النبي ذكرا ، وكان سماه رسول الله ( ص ) محسنا ، وهذا شئ لم يوجد عند أحد من أهل النقل إلا عند ابن قتيبة ( 2 ) " .
فالكنجي إذن ، ينسب القول بإسقاط المحسن إلى المفيد رحمه الله بالذات ، إلا أن يكون مراده الإشارة إلى نفس ما ذكره رحمه الله في الإرشاد . مع الاحتمال القوي بأن يكون قد أشار إلى ما ورد في
( 1 ) الاختصاص : ص 344 ، وكامل الزيارات : ص 327 بسند آخر ، والبحار : ج 7 ص 270 و ج 8 ص 213 . ونقل أيضا عن بصائر الدرجات للصفار .
( 2 ) كفاية الطالب : ص 413 . ( * )
- ص 175 -
الاختصاص .
غير أننا نقول للكنجي هنا : إن مراجعة بسيطة للنصوص المنقولة عن أهل النقل ، تظهر أن كثيرين غير ابن قتيبة قد نقلوا ذلك أيضا ، وسنذكر إن شاء الله شطرا كبيرا من هذه النصوص في بعض فصول الكتاب .
2 - لقد ذكر الشيخ المفيد في كتابه " المقنعة " الذي هو كتاب في الفقه الشيعي ، وكذا في كتاب " المزار " زيارة الصديقة الطاهرة ، التي تنص على أنها عليها السلام قد كانت شهيدة ، فقد جاء فيها : " السلام عليك أيتها البتول الشهيدة الطاهرة " ( 1 ) . فهل هناك من سبب لاستشهادها عليها السلام سوى ما جرى عليها من هؤلاء القوم ؟ فهل استشهدت عليها السلام بمرض ألم بها ! ! أم بحادث عرض لها ، كسقوطها عن سطح منزلها ! ! أو أنها تعرضت لحادث اغتيال من مجهول ؟ ! ! وستأتي النصوص التي أوردها المفيد رحمه الله ، في مواضعها في قسم النصوص إن شاء الله .
3 - قد ذكر المفيد قدس الله سره الشريف محاولات إحراق بيت الزهراء في كتابه " الأمالي " : عن الجعابي ، عن العباس بن المغيرة ، عن أحمد بن منصور الرمادي ، عن سعيد بن عفير ، عن ابن لهيعة ، عن خالد بن يزيد ، عن أبي هلال ، عن مروان بن عثمان ، قال : " لما بايع الناس أبا بكر دخل علي عليه السلام والزبير ، والمقداد ، بيت فاطمة عليها السلام ، وأبوا أن يخرجوا . فقال عمر بن الخطاب : أضرموا
( 1 ) المقنعة : ص 459 ، وراجع البحار : ج 97 ص 195 . والبلد الأمين : ص 198 . ( * )
- ص 176 -
عليهم البيت نارا ، فخرج الزبير ، ومعه سيفه . . إلى أن قال : وخرج علي بن أبي طالب عليه السلام نحو العالية ، فلقيه ثابت بن قيس بن شماس ، فقال ما شأنك يا أبا الحسن ؟ ! . فقال : أرادوا أن يحرقوا علي بيتي ، وأبو بكر على المنبر يبايع له ولا يدفع عن ذلك ولا ينكره الخ . . . فقال له ثابت : لا تفارق كفي يدك حتى أقتل دونك . فانطلقا جميعا حتى عادا إلى المدينة ، فإذا فاطمة عليها السلام واقفة على بابها ، وقد خلت دارها من أحد من القوم ، وهي تقول : لا عهد لي بقوم أسوأ محضرا منكم ، تركتم رسول صلى الله عليه وآله وسلم جنازة بين أيدينا وقطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا ، وصنعتم بنا ما صنعتم ، ولم تروا لنا حقا ( 1 ) " .
وهذا الحديث صريح بمحاولة اقتحام البيت ، وبأنهم قد اعتدوا على أهله ، وذلك لقوله ( ع ) : " وأبو بكر على المنبر يبايع له ، ولا يدفع عن ذلك ولا ينكره " ، فقد كان هناك هجوم يحتاج إلى دفع ، واعتداء يحتاج إلى إنكار . كما أن التعبير ب " أرادوا أن يحرقوا " يستبطن أنهم قد بذلوا المحاولة ، وجمعوا الحطب مثلا .
خصوصا مع قوله عن أبي بكر : " لا يدفع ذلك ولا ينكره " ، أي لا ينكر ولا يدفع ما أرادوا أن يفعلوه من إحراق بيته . إذن فلم تكن القضية مجرد تهديد بالقول . ويؤيد ذلك أيضا أنه قال : " أرادوا " حيث لم يقل : " هددوا
( 1 ) الأمالي للمفيد : ص 59 / 50 . ( * )
- ص 177 -
بإحراق بيتي " .
كما أن هذه الرواية صريحة في أن البيت الذي هم بصدد مهاجمته قد كان في داخل المسجد ، في مقابل منبر رسول الله صلى الله عليه وآله ، حيث كان أبو بكر جالسا على المنبر يبايع له هناك ، بعد أن عاد من السقيفة مع أصحابه يزفونه إلى المسجد ، ويجبرون الناس على البيعة له ، ثم جرى أمامه ما جرى ولم يدفع ذلك ولم ينكره .
ومن الواضح : أن قبر رسول الله ( ص ) قد كان في بيت فاطمة لا في بيت عائشة كما حققناه ( 1 ) ، فلم يراعوا حرمة القبر ، ولا المسجد ، ولا البيت ، ولا الزهراء .
4 - وقال المفيد أيضا في كتاب الجمل : " لما اجتمع من اجتمع إلى دار فاطمة عليها السلام ، من بني هاشم ، وغيرهم ، للتحير على أبي بكر ، وإظهار الخلاف عليه ، أنفذ عمر بن الخطاب قنفذا ، وقال له : أخرجهم من البيت ، فإن خرجوا ، وإلا فاجمع الأحطاب على بابه ، وأعلمهم : أنهم إن لم يخرجوا للبيعة أضرمت البيت عليهم نارا .
ثم قام بنفسه في جماعة منهم المغيرة بن شعبة الثقفي ، وسالم مولى أبي حذيفة ، حتى صاروا إلى باب علي عليه السلام ، فنادى : يا فاطمة بنت رسول الله ، أخرجي من اعتصم ببيتك ليبايع ، ويدخل فيما دخل فيه المسلمون ، وإلا - والله - أضرمت عليهم نارا ( 2 ) ، في حديث مشهور " .
وقد تقدم ما ذكره رحمه الله في كتاب الإرشاد ، فلا داعي للإعادة . => لمتابعة الموضوع اضغط على الصفحة التالية أدناه
( 1 ) راجع : كتابنا دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام : ج 1 ص 169 . البحث الذي هو بعنوان : أين دفن النبي ، في بيت عائشة أم في بيت فاطمة ( ع ) .
( 2 ) الجمل : ط جديد ، ص 117 و 118 . ( * )
مواضيع مماثلة
» كتاب الاختصاص للشيخ المفيد
» مراد الشيخ المفيد في كتاب الارشاد
» * الفصل الرابع : ماذا يقول الشيخ المفيد رحمه الله تعالى *
» مراد الشيخ المفيد في كتاب الارشاد
» * الفصل الرابع : ماذا يقول الشيخ المفيد رحمه الله تعالى *
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى