الاختصاص وكتاب سليم
صفحة 1 من اصل 1
الاختصاص وكتاب سليم
مأساة الزهراء عليها السلام ج 1 - العلامة السيد جعفر مرتضى العاملي - ص 89
الاختصاص وكتاب سليم
ومن المؤاخذات التي أشيعت : إن من بين المصادر التي اعتمدناها كتاب الاختصاص ، وكتاب سليم بن قيس ، وليس بالضرورة أن يكون هذان الكتابان معتمدين لدى أولئك الذين يثيرون هذه القضايا ، مع رجوع أكثر الروايات الدالة على قضية الزهراء ( ع ) إلى هذا الثاني .
ونقول :
1 - إن المصادر التي سجلت الأحداث التي جرت على الزهراء لا تنحصر في هذين الكتابين ، ولا تنتهي إليهما ، وإن أدنى مراجعة لكتابنا : " مأساة الزهراء ( ع ) " ولأسانيد ومضامين الروايات التي أوردناها فيه ، والتي رواها أهل السنة والشيعة . . كفيلة بإظهار خطأ هذا القول وفساده .
حيث يظهر للمتأمل أن الروايات متضافرة ، ومتواترة ، قد رويت من طرق مختلف المذاهب .
وما روي عن كتاب سليم لا يزيد على نصوص يسيرة ، ربما لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة .
واختلاف الروايات في سياق الخبر ، وفي رجال الأسانيد شاهد صدق على أن النقل لم يكن من كتاب واحد ، هو كتاب سليم الذي قد تجد لدى البعض حساسية خاصة تجاهه .
- ص 90 -
2 - أما بالنسبة لكتاب الاختصاص فنقول : إن نفس ذلك البعض قد اعتمد على هذا الكتاب مصرحا بنسبته إلى الشيخ المفيد . ( 1 ) وقد تحدثنا في كتاب المأساة عن الشبهات التي أثيرت وحوله وقد ظهر أنها كلها مما لا يصح الالتفات إليه .
3 - إن توثيق كتاب سليم بن قيس ، وقبول رواياته لا يتوقف على توثيق الطريق إليه بصورة صريحة ومباشرة ، إذ يكفي لقبول رواياته تلقي العلماء له بالقبول والرضا ، والأخذ منه واعتمادهم الظاهر عليه مع عدم التفاتهم إلى ما يقال حول رجال الطريق إليه ، شاهد قوي على أن هذا الكتاب فوق مستوى النقد ، وأن له من الثبات ، والقوة ما قد قامت القرائن عندهم على صحته إلى درجة أنه لم يكن ثمة أية شبهة يعتد بها يمكن أن تخدش عندهم في صحته . . وإذا ما ناقش بعضهم في إحدى الروايات فيه ، فهو كمناقشاتهم في بعض الروايات التي في الكافي ، أو التهذيب ، كما صرح بذلك الإمام الخوئي رحمه الله في معجم رجال الحديث .
بل إن المعيار - بنظر نفس ذلك البعض ، الذي نحن بصدد مناقشة مقولاته - هو الخبر الموثوق ، لا خبر الثقة ، فلا حاجة عنده إلى وثاقة الطريق . إذ يكفي وثاقة المضمون والاطئمنان إليه ، وما ذكره مبررا للشك في المضمون من استحسانات عقلية ،
( 1 ) راجع : تأملات في آفاق الإمام الكاظم ( ع ) : ص 40 . ( * )
- ص 91 -
لا ينهض على مطلوبه كما أوضحناه في كتاب المأساة ، وأشار إليه الإمام الخوئي في معجم رجال الحديث .
والحاصل : إننا قد قلنا : إن كتاب سليم قد تلقته الأمة بالقبول والرضا . كما تلقت غيره من كتب الإمامية المعتمدة ، وإن كان بعض العلماء قد ناقش ببعض ما ورد فيه من روايات . . وهذا هو ما قصده آية الله العظمى السيد الخوئي رحمه الله حين دافع عن مضمون الكتاب تارة ، ثم حكم بضعف الطريق إليه أخرى وإنما صدر منه ( ره ) ما صدر باعتبار كونه قائلا بحجية خبر الثقة لا الخبر الموثوق .
ولعمري . . إن من يقرر الأخذ بروايات أهل السنة من دون تحفظ أو تدقيق في أسانيدها ( 1 ) ، إذا حصل له الوثوق بصحة مضمونها وانعدمت في نظره دواعي الكذب فيها ، لا يحق له النقاش في كتاب سليم الذي هو من أهم الكتب التي تلتزم أصول المذهب الحق ، ولا تشذ عنها .
ثم إنه كيف يحصل له الوثوق بمرويات كتب أهل السنة في الأمور الفقهية بحجة أنه لا داعي للكذب فيها ، ولا يحصل له الوثوق في كتب أهل السنة أيضا وفي أمور ذكروها عن أشخاص لا يحبون إدانتهم في شئ ، مع عدم وجود داع للكذب فيها أيضا ، بل الداعي يسوقهم إلى عدم التصريح بتلك الأمور ،
( 1 ) كتاب النكاح : ج 1 ص 58 . ( * )
- ص 92 -
وعدم ذكرها ؟ ! ! ! انطلق بطريقة غير شرعية : وعدا عن ذلك كله ، فإن أطرف ما سمعناه عن كتاب المأساة هو ما ذكره البعض حين سئل عن الكتاب فقال : " لا أعلق على هذا الكتاب ، أنا لا أرد على كثير من الأشياء التي تنطلق بطريقة غير شرعية ، وغير مسؤولة " .
ولم يتضح لنا المراد من هذه الإجابة ، فهل يعني بالطريقة غير الشرعية أن الكاتب بدل أن يمسك القلم باليد اليمنى أمسكه باليد اليسرى ؟ أو أنه قد كتب بحبر مغصوب ، وقلم مغصوب على ورق مغصوب ؟ أو أننا بدل أن نبدأ من أعلى الصفحة بدأنا من أسفلها .
ولماذا لا يقال : إن الشتائم والاتهامات الباطلة التي توجه للآخرين بمناسبة وبغير مناسبة هي الأخرى تنطلق بطريقة غير شرعية ؟ ! أم أن باء البعض تجر وباء غيره لا تجر ؟ ! !
وهل ما قاله وكتبه الآخرون كردود على كتاب " مأساة الزهراء " من أباطيل وأكاذيب ، وتزوير للحقائق ، وخيانة للأمانة ، وإيهام للناس وتلبيس عليهم ، وسائر ما اشتملت عليه كتبهم ومقالاتهم من شتائم وافتراءات ، ثم توزيع ما كتب مجانا ، وإثارة
- ص 93 -
ضجة إعلامية للترحيب به ؟ ؟ هل أن كل ذلك قد انطلق بطريقة شرعية ؟ ! ! إننا نريد أن لا ندري ولعل الفطن الذكي يعرف ويدري .
توثيق النصوص : وقد واجهنا بعض العتب من إخوة لنا على عدم توثيق أقوال ذلك البعض ، بنسبة تلك الأقوال إلى مصادرها ، أو تواريخ صدورها ، أو إذاعتها ، على اعتبار أن ذلك من الأمور الفنية التي تكمل الكتاب ، وتبعث على طمأنة القارئ بصحة تلك النسبة إلى صاحبها .
ونقول : إننا لم نجد حاجة إلى ذلك لأسباب :
أولها : إننا لم نرد التركيز على الأشخاص ، حنى لا ينسب ذلك إلى الاستهداف الشخصي لأحد من الناس .
ثانيها : إننا أردنا أن لا نساهم في ذيوع نسبة هذا الأمر إلى هذا البعض أو ذاك ، أكثر مما ذاع ، وذلك صيانة له عن التعرض لما
- ص 94 -
لا نحب أن يتعرض له . وصيانة لبعض الطيبين من الناس من الوقوع في الشبهة والخطأ .
ثالثها : إن ما ذكرناه في كتابنا قد أصبح له من الشهرة والذيوع ما يغني عن الإحالة إلى مصادره ومآخذ . ولا نظن ، أن يتمكن ذلك البعض من إنكار أي من مقولاته التي أشرنا إليها ، وهو أعرف الناس بنوع وحجم ما صدر عنه من تصريحات مكتوبة ، ومسجلة ، ومذاعة ، يتداولها الناس ، في أطراف العالم الإسلامي ، وفي البلاد التي يتواجد فيها المسلمون . . ومن المضحك المبكي : أن نجد بعض من يريد الانتصار لصاحب تلك المقولات يطالبنا في موارد يسيرة جدا بمصادر ما نقلناه .
ولو أنه راجع كتابات صاحبه ، أو تصريحاته المنشورة والمتداولة ، فلربما أغناه ذلك عن التفوه بما تفوه به .
لا داعي لأي تغيير : وبعد . . فقد نجد البعض يقترح : أن في تمهيد الكتاب بعض الحدة ، فلو أمكن تخفيفها في الطبعات التالية للكتاب ؟
ونقول : إن تمهيد الكتاب إنما هو إجابات على مقولات أطلقها البعض في سياق إقناع الناس بآرائه حول قضية الزهراء ( ع ) .
- ص 95 -
وقد جاء الجواب عن هذه المقولات علميا واضحا وصريحا ، ولم نجد ضرورة للتعمية على القارئ الكريم ، بعد أن كانت هذه المقولات قد نشرت وأذيعت عبر أجهزة الإعلام .
ولا نجد في هذا التمهيد أي سباب لأحد . اللهم إلا إذا كانت الحقيقة العلمية تمثل صدمة لهم ، ويعتبرون الجهر بها أو الإجابة عنها سبابا وشتما .
ولماذا جاز لذلك البعض أن يعترض على كل علماء الأمة ، من أول الإسلام إلى يومنا هذا ويجرح فيهم ، وينال منهم ؟ ثم جاز له أن يواصل اتهام العلماء المخلصين بالتخلف وبسوء الفهم ، وبالعقد النفسية ، وبالعمالة للمخابرات ، أو الوقوع تحت تأثيرها ، وبأنهم بلا دين ، وما إلى ذلك مما حفل به قاموسه ؟ .
ولم يجز للآخرين أن يجهروا - جوابا على ذلك - بالحقيقة العلمية المبددة لكل شكوكهم وأوهامهم ، وأن يوقفوهم على أخطائهم في حق هذا الدين بصورة صريحة وواضحة ؟ ! .
أليس ذلك البعض هو الذي تحدث عن هذه الأساليب على أنها أساليب الكفار في مواجهة النبي ( ص ) والمؤمنين ؟ فهو يقول : " فقد نحتاج إلى أن نتعلم من هذا الموقف : كيف نواجه الاتهامات التي تتحرك بها حرب الأعصاب التي يوجهها أعداء الله إلى العاملين في سبيله : من السخرية ، والاستهزاء ، والاتهامات بالرجعية ، والتأخر ، والتخلف ، والبعد عن ركب
- ص 96 -
الحضارة ، ومستوى العصر ، إلى غير ذلك من الكلمات غير المسؤولة التي تتمثل بتهمة العمالة للأجنبي ، أو السير في ركابه ، مما يراد منه تحطيم أعصابنا لننسحب من خط العمل ، ونترك الدعوة إلى الله . . " ( 1 ) .
ويقول أيضا : " إننا نجد إلى جانب المفردات الدينية من كفر وزندقة وهرطقة كلمات كالرجعية والخيانة ، والعمالة ، والسقوط ، وما إلى ذلك ، مما جعلنا نستهلك جماع القاموس المتوافر حتى أصبحنا نفزع إلى قاموس المفردات الأجنبية من إنكليزية وفرنسية ككلمة نازي ، فاشي ، توتاليتاري ، وما أشبه ذلك .
لذلك بت أتصور أن الحدة التي يعيشها الإنسان الديني المسلم في الشرق ، هي الحدة نفسها التي يعيشها الإنسان العلماني في هذا الشرق ، لا سيما ما يتصل بالمفردات التي تدور حول موضوعات عامة كالتقدمية والرجعية أو الكلمات التي تدور حول المسائل السياسية المباشرة .
من خلال ذلك نفهم أن هذه الظاهرة ليست ظاهرة دينية محضة بما هو المضمون الديني في العمق ، وإن كان له دور في ذلك ، ولكنها ظاهرة تتصل بالحالة الانفعالية الشرقية التي
( 1 ) رسالة التآخي : رقم 1 من دروس السيرة النبوية . في ذكر المولد : ص 22 و 23 . ( * )
- ص 97 -
استطاعت الماركسية أن تزيدها عمقا ، من خلال الأسلوب الماركسي في مواجهة الفكر المضاد أو الإنسان المضاد .
وإنني أزعم بأن الإسلاميين عندما لجأوا إلى بعض الأساليب الحادة فإنهم كانوا في المسألة السياسية ، يختزنون الأسلوب الماركسي في ممارستهم للإسلام ( 1 ) .
وبعدما تقدم نقول : إننا لا ندري كيف جاءت هذه الكلمات لتجعلنا أمام سؤال حرج ، عن وجه الحكمة في أن يمارس بعض المؤمنين ضد بعضهم ، الأساليب التي يمارسها أعداء الله ضد المؤمنين ؟ ! وقبل أن أختم كلامي هنا ، فإنني أذكر القارئ الكريم بأمور ثلاثة :
الأول : أنني أعده بأن يشهد من جديد هجمة شرسة علينا فيها الكثير من الشتائم ، والاتهامات ، وإثارة الأجواء وتعبئة النفوس ضدنا بحجة أن ثمة تجريحا بشخص فلان من الناس ، وبحجة أن الطرح لم يكن علميا ولا موضوعيا .
الثاني : ستجدهم يتمسكون بأمور صغيرة وجانبية للتعمية على الموضوعات الحساسة والهامة وتمييع القضايا .
( 2 ) المرشد : العددان 3 - 4 ص 198 و 199 . ( * )
- ص 98 -
الثالث : أنهم سيعتبرون هذا الدفاع المشروع عن الحق والحقيقة إثارة للفتنة من جانب واحد ، علما بأننا لم نتعرض إلى مقولاته الكثيرة في مختلف قضايا الدين والإيمان وهي حساسة وخطيرة كما المحنا إليه .
ولسوف لن يتذكروا الإثارات المتتابعة وبمزيد من الإصرار من قبله والتحدي لعلماء الأمة ومراجعها لتلك القضايا الحساسة والهامة . التي أشرنا إليها أكثر من مرة ، وإن غدا لناضره لقريب .
عصمنا الله من الزلل في الفكر والقول والعمل .
نسأل الله سبحانه أن يجمعنا على الخير والهدى والصلاح وهو حسبنا ونعم الوكيل .
27 ربيع الثاني 1418 ه . الموافق 31 آب 1997 م .
جعفر مرتضى العاملي
الاختصاص وكتاب سليم
ومن المؤاخذات التي أشيعت : إن من بين المصادر التي اعتمدناها كتاب الاختصاص ، وكتاب سليم بن قيس ، وليس بالضرورة أن يكون هذان الكتابان معتمدين لدى أولئك الذين يثيرون هذه القضايا ، مع رجوع أكثر الروايات الدالة على قضية الزهراء ( ع ) إلى هذا الثاني .
ونقول :
1 - إن المصادر التي سجلت الأحداث التي جرت على الزهراء لا تنحصر في هذين الكتابين ، ولا تنتهي إليهما ، وإن أدنى مراجعة لكتابنا : " مأساة الزهراء ( ع ) " ولأسانيد ومضامين الروايات التي أوردناها فيه ، والتي رواها أهل السنة والشيعة . . كفيلة بإظهار خطأ هذا القول وفساده .
حيث يظهر للمتأمل أن الروايات متضافرة ، ومتواترة ، قد رويت من طرق مختلف المذاهب .
وما روي عن كتاب سليم لا يزيد على نصوص يسيرة ، ربما لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة .
واختلاف الروايات في سياق الخبر ، وفي رجال الأسانيد شاهد صدق على أن النقل لم يكن من كتاب واحد ، هو كتاب سليم الذي قد تجد لدى البعض حساسية خاصة تجاهه .
- ص 90 -
2 - أما بالنسبة لكتاب الاختصاص فنقول : إن نفس ذلك البعض قد اعتمد على هذا الكتاب مصرحا بنسبته إلى الشيخ المفيد . ( 1 ) وقد تحدثنا في كتاب المأساة عن الشبهات التي أثيرت وحوله وقد ظهر أنها كلها مما لا يصح الالتفات إليه .
3 - إن توثيق كتاب سليم بن قيس ، وقبول رواياته لا يتوقف على توثيق الطريق إليه بصورة صريحة ومباشرة ، إذ يكفي لقبول رواياته تلقي العلماء له بالقبول والرضا ، والأخذ منه واعتمادهم الظاهر عليه مع عدم التفاتهم إلى ما يقال حول رجال الطريق إليه ، شاهد قوي على أن هذا الكتاب فوق مستوى النقد ، وأن له من الثبات ، والقوة ما قد قامت القرائن عندهم على صحته إلى درجة أنه لم يكن ثمة أية شبهة يعتد بها يمكن أن تخدش عندهم في صحته . . وإذا ما ناقش بعضهم في إحدى الروايات فيه ، فهو كمناقشاتهم في بعض الروايات التي في الكافي ، أو التهذيب ، كما صرح بذلك الإمام الخوئي رحمه الله في معجم رجال الحديث .
بل إن المعيار - بنظر نفس ذلك البعض ، الذي نحن بصدد مناقشة مقولاته - هو الخبر الموثوق ، لا خبر الثقة ، فلا حاجة عنده إلى وثاقة الطريق . إذ يكفي وثاقة المضمون والاطئمنان إليه ، وما ذكره مبررا للشك في المضمون من استحسانات عقلية ،
( 1 ) راجع : تأملات في آفاق الإمام الكاظم ( ع ) : ص 40 . ( * )
- ص 91 -
لا ينهض على مطلوبه كما أوضحناه في كتاب المأساة ، وأشار إليه الإمام الخوئي في معجم رجال الحديث .
والحاصل : إننا قد قلنا : إن كتاب سليم قد تلقته الأمة بالقبول والرضا . كما تلقت غيره من كتب الإمامية المعتمدة ، وإن كان بعض العلماء قد ناقش ببعض ما ورد فيه من روايات . . وهذا هو ما قصده آية الله العظمى السيد الخوئي رحمه الله حين دافع عن مضمون الكتاب تارة ، ثم حكم بضعف الطريق إليه أخرى وإنما صدر منه ( ره ) ما صدر باعتبار كونه قائلا بحجية خبر الثقة لا الخبر الموثوق .
ولعمري . . إن من يقرر الأخذ بروايات أهل السنة من دون تحفظ أو تدقيق في أسانيدها ( 1 ) ، إذا حصل له الوثوق بصحة مضمونها وانعدمت في نظره دواعي الكذب فيها ، لا يحق له النقاش في كتاب سليم الذي هو من أهم الكتب التي تلتزم أصول المذهب الحق ، ولا تشذ عنها .
ثم إنه كيف يحصل له الوثوق بمرويات كتب أهل السنة في الأمور الفقهية بحجة أنه لا داعي للكذب فيها ، ولا يحصل له الوثوق في كتب أهل السنة أيضا وفي أمور ذكروها عن أشخاص لا يحبون إدانتهم في شئ ، مع عدم وجود داع للكذب فيها أيضا ، بل الداعي يسوقهم إلى عدم التصريح بتلك الأمور ،
( 1 ) كتاب النكاح : ج 1 ص 58 . ( * )
- ص 92 -
وعدم ذكرها ؟ ! ! ! انطلق بطريقة غير شرعية : وعدا عن ذلك كله ، فإن أطرف ما سمعناه عن كتاب المأساة هو ما ذكره البعض حين سئل عن الكتاب فقال : " لا أعلق على هذا الكتاب ، أنا لا أرد على كثير من الأشياء التي تنطلق بطريقة غير شرعية ، وغير مسؤولة " .
ولم يتضح لنا المراد من هذه الإجابة ، فهل يعني بالطريقة غير الشرعية أن الكاتب بدل أن يمسك القلم باليد اليمنى أمسكه باليد اليسرى ؟ أو أنه قد كتب بحبر مغصوب ، وقلم مغصوب على ورق مغصوب ؟ أو أننا بدل أن نبدأ من أعلى الصفحة بدأنا من أسفلها .
ولماذا لا يقال : إن الشتائم والاتهامات الباطلة التي توجه للآخرين بمناسبة وبغير مناسبة هي الأخرى تنطلق بطريقة غير شرعية ؟ ! أم أن باء البعض تجر وباء غيره لا تجر ؟ ! !
وهل ما قاله وكتبه الآخرون كردود على كتاب " مأساة الزهراء " من أباطيل وأكاذيب ، وتزوير للحقائق ، وخيانة للأمانة ، وإيهام للناس وتلبيس عليهم ، وسائر ما اشتملت عليه كتبهم ومقالاتهم من شتائم وافتراءات ، ثم توزيع ما كتب مجانا ، وإثارة
- ص 93 -
ضجة إعلامية للترحيب به ؟ ؟ هل أن كل ذلك قد انطلق بطريقة شرعية ؟ ! ! إننا نريد أن لا ندري ولعل الفطن الذكي يعرف ويدري .
توثيق النصوص : وقد واجهنا بعض العتب من إخوة لنا على عدم توثيق أقوال ذلك البعض ، بنسبة تلك الأقوال إلى مصادرها ، أو تواريخ صدورها ، أو إذاعتها ، على اعتبار أن ذلك من الأمور الفنية التي تكمل الكتاب ، وتبعث على طمأنة القارئ بصحة تلك النسبة إلى صاحبها .
ونقول : إننا لم نجد حاجة إلى ذلك لأسباب :
أولها : إننا لم نرد التركيز على الأشخاص ، حنى لا ينسب ذلك إلى الاستهداف الشخصي لأحد من الناس .
ثانيها : إننا أردنا أن لا نساهم في ذيوع نسبة هذا الأمر إلى هذا البعض أو ذاك ، أكثر مما ذاع ، وذلك صيانة له عن التعرض لما
- ص 94 -
لا نحب أن يتعرض له . وصيانة لبعض الطيبين من الناس من الوقوع في الشبهة والخطأ .
ثالثها : إن ما ذكرناه في كتابنا قد أصبح له من الشهرة والذيوع ما يغني عن الإحالة إلى مصادره ومآخذ . ولا نظن ، أن يتمكن ذلك البعض من إنكار أي من مقولاته التي أشرنا إليها ، وهو أعرف الناس بنوع وحجم ما صدر عنه من تصريحات مكتوبة ، ومسجلة ، ومذاعة ، يتداولها الناس ، في أطراف العالم الإسلامي ، وفي البلاد التي يتواجد فيها المسلمون . . ومن المضحك المبكي : أن نجد بعض من يريد الانتصار لصاحب تلك المقولات يطالبنا في موارد يسيرة جدا بمصادر ما نقلناه .
ولو أنه راجع كتابات صاحبه ، أو تصريحاته المنشورة والمتداولة ، فلربما أغناه ذلك عن التفوه بما تفوه به .
لا داعي لأي تغيير : وبعد . . فقد نجد البعض يقترح : أن في تمهيد الكتاب بعض الحدة ، فلو أمكن تخفيفها في الطبعات التالية للكتاب ؟
ونقول : إن تمهيد الكتاب إنما هو إجابات على مقولات أطلقها البعض في سياق إقناع الناس بآرائه حول قضية الزهراء ( ع ) .
- ص 95 -
وقد جاء الجواب عن هذه المقولات علميا واضحا وصريحا ، ولم نجد ضرورة للتعمية على القارئ الكريم ، بعد أن كانت هذه المقولات قد نشرت وأذيعت عبر أجهزة الإعلام .
ولا نجد في هذا التمهيد أي سباب لأحد . اللهم إلا إذا كانت الحقيقة العلمية تمثل صدمة لهم ، ويعتبرون الجهر بها أو الإجابة عنها سبابا وشتما .
ولماذا جاز لذلك البعض أن يعترض على كل علماء الأمة ، من أول الإسلام إلى يومنا هذا ويجرح فيهم ، وينال منهم ؟ ثم جاز له أن يواصل اتهام العلماء المخلصين بالتخلف وبسوء الفهم ، وبالعقد النفسية ، وبالعمالة للمخابرات ، أو الوقوع تحت تأثيرها ، وبأنهم بلا دين ، وما إلى ذلك مما حفل به قاموسه ؟ .
ولم يجز للآخرين أن يجهروا - جوابا على ذلك - بالحقيقة العلمية المبددة لكل شكوكهم وأوهامهم ، وأن يوقفوهم على أخطائهم في حق هذا الدين بصورة صريحة وواضحة ؟ ! .
أليس ذلك البعض هو الذي تحدث عن هذه الأساليب على أنها أساليب الكفار في مواجهة النبي ( ص ) والمؤمنين ؟ فهو يقول : " فقد نحتاج إلى أن نتعلم من هذا الموقف : كيف نواجه الاتهامات التي تتحرك بها حرب الأعصاب التي يوجهها أعداء الله إلى العاملين في سبيله : من السخرية ، والاستهزاء ، والاتهامات بالرجعية ، والتأخر ، والتخلف ، والبعد عن ركب
- ص 96 -
الحضارة ، ومستوى العصر ، إلى غير ذلك من الكلمات غير المسؤولة التي تتمثل بتهمة العمالة للأجنبي ، أو السير في ركابه ، مما يراد منه تحطيم أعصابنا لننسحب من خط العمل ، ونترك الدعوة إلى الله . . " ( 1 ) .
ويقول أيضا : " إننا نجد إلى جانب المفردات الدينية من كفر وزندقة وهرطقة كلمات كالرجعية والخيانة ، والعمالة ، والسقوط ، وما إلى ذلك ، مما جعلنا نستهلك جماع القاموس المتوافر حتى أصبحنا نفزع إلى قاموس المفردات الأجنبية من إنكليزية وفرنسية ككلمة نازي ، فاشي ، توتاليتاري ، وما أشبه ذلك .
لذلك بت أتصور أن الحدة التي يعيشها الإنسان الديني المسلم في الشرق ، هي الحدة نفسها التي يعيشها الإنسان العلماني في هذا الشرق ، لا سيما ما يتصل بالمفردات التي تدور حول موضوعات عامة كالتقدمية والرجعية أو الكلمات التي تدور حول المسائل السياسية المباشرة .
من خلال ذلك نفهم أن هذه الظاهرة ليست ظاهرة دينية محضة بما هو المضمون الديني في العمق ، وإن كان له دور في ذلك ، ولكنها ظاهرة تتصل بالحالة الانفعالية الشرقية التي
( 1 ) رسالة التآخي : رقم 1 من دروس السيرة النبوية . في ذكر المولد : ص 22 و 23 . ( * )
- ص 97 -
استطاعت الماركسية أن تزيدها عمقا ، من خلال الأسلوب الماركسي في مواجهة الفكر المضاد أو الإنسان المضاد .
وإنني أزعم بأن الإسلاميين عندما لجأوا إلى بعض الأساليب الحادة فإنهم كانوا في المسألة السياسية ، يختزنون الأسلوب الماركسي في ممارستهم للإسلام ( 1 ) .
وبعدما تقدم نقول : إننا لا ندري كيف جاءت هذه الكلمات لتجعلنا أمام سؤال حرج ، عن وجه الحكمة في أن يمارس بعض المؤمنين ضد بعضهم ، الأساليب التي يمارسها أعداء الله ضد المؤمنين ؟ ! وقبل أن أختم كلامي هنا ، فإنني أذكر القارئ الكريم بأمور ثلاثة :
الأول : أنني أعده بأن يشهد من جديد هجمة شرسة علينا فيها الكثير من الشتائم ، والاتهامات ، وإثارة الأجواء وتعبئة النفوس ضدنا بحجة أن ثمة تجريحا بشخص فلان من الناس ، وبحجة أن الطرح لم يكن علميا ولا موضوعيا .
الثاني : ستجدهم يتمسكون بأمور صغيرة وجانبية للتعمية على الموضوعات الحساسة والهامة وتمييع القضايا .
( 2 ) المرشد : العددان 3 - 4 ص 198 و 199 . ( * )
- ص 98 -
الثالث : أنهم سيعتبرون هذا الدفاع المشروع عن الحق والحقيقة إثارة للفتنة من جانب واحد ، علما بأننا لم نتعرض إلى مقولاته الكثيرة في مختلف قضايا الدين والإيمان وهي حساسة وخطيرة كما المحنا إليه .
ولسوف لن يتذكروا الإثارات المتتابعة وبمزيد من الإصرار من قبله والتحدي لعلماء الأمة ومراجعها لتلك القضايا الحساسة والهامة . التي أشرنا إليها أكثر من مرة ، وإن غدا لناضره لقريب .
عصمنا الله من الزلل في الفكر والقول والعمل .
نسأل الله سبحانه أن يجمعنا على الخير والهدى والصلاح وهو حسبنا ونعم الوكيل .
27 ربيع الثاني 1418 ه . الموافق 31 آب 1997 م .
جعفر مرتضى العاملي
مواضيع مماثلة
» العمدة هو كتاب سليم وهو غير معتمد - كتاب سليم معتمد
» كتاب الاختصاص للشيخ المفيد
» منشأ الطعن في كتاب سليم
» * الفصل الثالث : ارهاطات ومحاولات التفاف وطعن في كتاب سليم *
» كتاب الاختصاص للشيخ المفيد
» منشأ الطعن في كتاب سليم
» * الفصل الثالث : ارهاطات ومحاولات التفاف وطعن في كتاب سليم *
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى