هل كان بكاء الزهراء ( ع ) جزعا ؟ !
صفحة 1 من اصل 1
هل كان بكاء الزهراء ( ع ) جزعا ؟ !
مأساة الزهراء عليها السلام ج 1 - العلامة السيد جعفر مرتضى العاملي - ص 335
هل كان بكاء الزهراء ( ع ) جزعا ؟ !
ويقول البعض : إنه لا يتصور أن تكون الزهراء ، المنفتحة على قضاء الله وقدره إنسانة ينزعج أهل المدينة من بكائها ( 1 ) - كما يقرأ قراء التعزية - حتى لو كان الفقيد على مستوى رسول الله .
والجواب : إننا لا نتصور أن بكاءها على أبيها هو الذي أزعج المعترضين ، وأثار حفيظتهم ، وإنما الذي أحفظهم وأزعجهم هو ما يثيره وجود الزهراء إلى جانب قبر أبيها على حالة من الحزن والكآبة والانكسار الذي يذكر الناس بالمأساة التي تعرضت لها عليها السلام فور وفاة أبيها ، حيث إن ذلك يمثل حالة إثارة مستمرة للناس الطيبين والمؤمنين والمخلصين ، وهو إدانة لكل ذلك الخط الذي لم يتوقف عن فعل أي شئ في سبيل ما يريده .
فلم يكن البكاء على شخص الرسول ، بقدر ما كان تجسيدا للمأساة التي حاقت بالإسلام وبرموزه بمجرد وفاته وفقده صلوات الله وسلامه عليه .
( 1 ) راجع عن تأذي أهل المدينة ببكاء الزهراء ( ع ) : الخصال : ج 1 ص 272 ، وأمالي الصدوق : ص 121 ، والعوالم : ج 11 ص 449 . وفي هامشه عمن تقدم وعن البحار : ج 43 ص 155 و 177 و 35 و ج 46 ص 109 و ج 11 ص 311 و 204 و ج 12 ص 264 و ج 82 ص 86 ، وإرشاد القلوب : ص 95 ، وتفسير العياشي : ج 2 ص 188 ، وروضة الواعظين : ص 520 ، ومكارم الأخلاق : ص 335 ، ومناقب آل أبي طالب : ( ط المطبعة العلمية ) ج 3 ص 322 ، وكشف الغمة : ج 2 ص 124 . ( * )
- ص 336 -
فالبكاء إذن لم يكن بكاء الجزع من المصاب ، واستعظام فقد الشخص ، لكي يتنافى ذلك مع الانفتاح على قضاء الله وقدره . كما يريد هذا القائل أن يوحي به .
إلا إذا كان هذا القائل يعتبر الاستسلام للقضاء والقدر والسكوت عن وعلى الظلم انفتاحا على القضاء والقدر .
" بيت الأحزان " وإزعاج الناس بالبكاء :
ولا يجد البعض حاجة إلى بيت الأحزان ، لتبكي الزهراء فيه ، فهو لا يتصورها تبكي على أبيها بحيث تزعج أهل المدينة حتى يطلبوا منها السكوت ؟ لأن ذلك يعني أنها كانت تصرخ بصوت عال في الطرقات ؟ ! وهذا الصراخ والازعاج لا يتناسب مع مكانتها عليها السلام ؟ !
ونقول في الجواب :
أولا : هناك رواية ذكرها المجلسي ( 1 ) ، مضعفا لها ، لأنه لم ينقلها - كما قال - عن أصل يعول عليه ، وهي عن فضة ، وفيها : أن فاطمة ( ع ) قد خرجت ليلا في اليوم الثاني لوفاة أبيها ، وبكت ، وبكى معها الناس ، ولما رأى أهل المدينة مدى حزنها طلبوا من علي ( ع ) أن تبكي إما ليلا أو نهارا ، فبنى لها بيت الأحزان في البقيع . وقد تقدمت الإشارة إلى مصادر أخرى لهذه المقولة .
( 1 ) البحار ج 43 ص 174 / 180 . ( * )
- ص 337 -
ومن الواضح : أن رواية فضة لا يصح الاعتماد عليها كما ذكره المقدسي رحمه الله . لا من حيث السند ، ولا من حيث المضمون كما يظهر لمن راجعها .
أما بالنسبة لبيت الأحزان ، فهو " باق إلى هذا الزمان ، وهو الموضع المعروف بمسجد فاطمة ، في جهة قبة مشهد الحسن والعباس ، وإليه أشار ابن جبير بقوله : ويلي القبة العباسية بيت فاطمة بنت رسول الله ( ص ) ، ويعرف ببيت الحزن ، يقال : إنه هو الذي آوت إليه ، والتزمت الحزن فيه منذ وفاة أبيها ( ص ) " ( 1 ) .
ثانيا : إن بكاءها ( ع ) في الليل أكثر إزعاجا للناس الذين يتفرقون في النهار إلى متابعة أعمالهم في مزارعهم ، والاهتمام بمواشيهم ، وقضاء حوائجهم ، فكان الأولى أن تقيم في بيت الأحزان في الليل دون النهار .
ثالثا : إن الحقيقة هي أن بكاء الزهراء لم يزعج أهل المدينة ، وإنما ازعج الهيئة الحاكمة التي كانت بحاجة إلى أن تتواجد في مسجد الرسول ( ص ) إلى جانب منبره الشريف ، الذي يبتعد أمتارا يسيرة تكاد لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة . فكان أن منعها الحكام من ذلك ( 2 ) .
وكان الناس يتوافدون إلى هذا المسجد بالذات ، ويتواجدون فيه
( 1 ) أهل البيت ص 167 - 168 ، تأليف توفيق أبو علم . وراجع : وفاء الوفاء ج 3 ص 918 ، وراجع هامش ص 489 من كتاب عوالم العلوم : ج 11 ، وإحقاق الحق قسم الملحقات : ج 10 ص 476 ، وفاطمة الزهراء في الأحاديث القدسية : ص 184 / 185
( 2 ) ضياء العالمين ( مخطوط ) : ج 2 ق 3 ص 140 . ( * )
- ص 338 -
منذ الفجر إلى وقت متأخر من الليل ، من أجل الصلاة ، ومن أجل متابعة ما يجري من أحداث . فالمسجد هو مركز البلد ، الذي كان صغيرا نسبيا ، حيث قد لا يصل عدد سكانه إلى بضعة آلاف ، لأن مكة التي هي أكبر من المدينة بكثير ، وكانت تسمى أم القرى كانت تجند أربعة آلاف مقاتل على الأكثر ، حسبما ظهر في غزوة الأحزاب ، التي جندت فيها مكة كل طاقاتها ( 1 ) .
وكان النفر للحرب يطال كل قادر على حمل السلاح من سن المراهقة إلى سن الشيخوخة . أما المدينة فغاية ما جندته في حرب الأحزاب هو ما يقرب من ألف مقاتل ، بل أقل من ذلك أيضا ( 2 ) .
وقد أحصي عدد المسلمين في سنة ست للهجرة ، وهو الوقت الذي لم يعد فيه لغير المسلمين في المدينة أية قواعد بشرية تذكر ، فكان عددهم ألفا وخمس مئة أو ألفا وست مئة .
وفي رواية أخرى : ونحن ما بين الألف والست مئة إلى السبع مئة ، وذلك حينما قال لهم رسول الله ( ص ) : اكتبوا لي كل من تلفظ بالإسلام ، قال الدماميني : قيل كان هذا عام الحديبية ( 3 ) .
ولنفرض أن جميع الذي أحصوهم كانوا رجالا ، وأنهم كلهم
( 1 ) راجع : كتابنا الصحيح من سيرة النبي الأعظم ( ص ) ج 9 .
( 2 ) راجع المصدر السابق .
( 3 ) راجع : صحيح البخاري : ج 2 ص 116 ، وصحيح مسلم : ج 1 ص 91 ، ومسند أحمد : ج 5 ص 384 ، وسنن ابن ماجة : ج 2 ص 1337 ، والتراتيب الإدارية ج 2 ص 251 / 252 ، و ج 1 ص 220 - 223 . وعن المصنف لابن أبي شيبة : ج 15 ، ص 69 . ( * )
- ص 339 -
متزوجون ! ! وكلهم له أولاد ، فكم يا ترى يكون عدد أهل المدينة بكل أفرادها .
وقد كان كل أهل المدينة يأتون إلى المسجد للصلاة خلف رسول الله ( ص ) صباحا ، وظهرا ومساء . بل كان الناس يأتون للصلاة من خارج المدينة ، من مسافة أميال مشيا على الإقدام ، وكان المسجد يستوعبهم ، ثم وسعه رسول الله ( ص ) في الفترة الأخيرة . فالمسجد هو مركز هذا البلد الصغير ، الذي كانت شوارعه عبارة عن أزقة ضيقة ، وأبنية متقاربة ، لا سعة ولا انتشار فيها ، لأن ذلك هو ما تقتضيه حالة الأمن للناس ، الذي كانوا بسبب الحروب الداخلية لا يضعون السلاح لا بالليل ولا بالنهار ( 1 ) .
وقد أقام سكان المدينة حول شطر كبير من هذا البلد خندقا منع المشركين في حرب الأحزاب من الوصول إليهم ، وقد استغرق حفره ستة أيام رغم سعته وعمقه . وذلك كله يدل على عدم صحة ما ذكره ابن مردويه وهو يتحدث عن زواج فاطمة عليها السلام : أن النبي دعاهم جميعا فأجابوا : " وهو أكثر من أربعة آلاف رجل " ( 2 ) ، فإن المدينة لم يكن فيها نصف هذا العدد .
ويدل على عدم صحة هذا الرقم : أن رواية أخرى قد تحدثت عن نفس هذه القضية . وذكرت أن الذين حضروا كانوا ثلاثة آلاف
( 1 ) إعلام الورى : ص 55 والبحار : ج 43 ص 8 و 9 و 10 .
( 2 ) عوالم العلوم : ج 11 ص 298 و 340 ، وراجع : البحار : ج 43 ص 114 ، و 94 ، وأمالي الطوسي : ج 1 ص 39 .( * )
- ص 240 -
وثلاث مئة في مجموع ثلاثة أيام ( 1 ) .
فالقول بالأربعة آلاف ، لعله يريد هذا المعنى أيضا . فالمدينة التي بهذا الحجم حين يموت فيها أي إنسان عادي فسيكون فيها ما يشبه حالة طوارئ ، حيث سيتوافد أهلها لتعزية وتسلية أصحاب المصاب ، وسيهتمون بالتخفيف عنهم ، وإبعادهم عن أجواء الحزن ، فإذا كان المتوفى له موقع اجتماعي ، فإن الاهتمام سيكون أعظم ، فكيف إذا كان المتوفى هو أعظم إنسان خلقه الله ، وأفضل موجود ، وأكرم نبي ، وهو الذي أخرجهم من الظلمات إلى النور ، فإن البلد سينقلب ، وسيعطل الناس أعمالهم وزراعتهم ، ويعيشون جوا مشحونا بالعاطفة ، والترقب والخوف ، وسيكون مركز التجمع والقرار ، وكل التحركات هو المسجد ، منه الانطلاق إلى الحرب ، وفيه تحل المشاكل ، وتستقبل فيه الوفود ، ومنه يكون السفر ، وإليه العودة . .
فالمسجد مركز الحكم ، والقيادة ، والقضاء الخ . . ومنبر الرسول هو موقع الحاكم ، وهو على بعد أمتار يسيرة من مدفن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
وفي أجواء وفاة النبي ( ص ) سيتضاعف الذهاب والاياب إلى المسجد ، وحين يأتي الناس إلى المسجد ، فإن أول ما يبدأون به هو زيارة قبر نبيهم ، والسلام عليه وعلى من في البيت ، حيث إنه ( ص ) قد دفن في بيت فاطمة ( 2 ) ، وكانت كل الأبواب قد سدت سوى بابها ، وسيسألون الصديقة الطاهرة عن حالها ، وهم يعلمون أنها كانت
( 1 ) عوالم العلوم : ج 11 ص 345 ، ودلائل الإمامة : 21 .
( 2 ) راجع : مقالنا في دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام : ج 1 ص 169 فما بعدها . ( * )
- ص 341 -
البنت الوحيدة لأعظم نبي ، وهي ليست امرأة عادية ، بل هي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين ، يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها ، ولسوف تذكرهم أجواء الحزن ، والانكسار المهيمنة على جو ذلك البيت وعلى الزهراء عليها السلام بما ارتكبه الحكام وأعوانهم في حقها فور دفن أبيها الذي لم يحضر المهاجمون دفنه ، ولم يهتموا بتجهيزه ، وهو الذي أخرجهم من الظلمات إلى النور ، ومن الموت إلى الحياة ، فقد قال لهم علي ( ع ) : " كنتم على شر دين وفي شر دار ، تشربون الكدر ، وتأكلون الجشب ( 1 ) " ، فهم بدلا من تعزيتها ، والتكريم والتعظيم لها ، واجهوها لا بالكلمة اللاذعة وحسب ، بل بالقول وبالفعل الكاسر والجارح ، إذن ، فلن تكون رؤية الناس للزهراء في كل يوم حزينة منكسرة في صالح الهيئة الحاكمة في أي حال حتى ولو سكتت الزهراء ، ولم تبك ولم تندد بمن ظلمها ، وهتك حرمتها .
إن كل من يأتي إلى المسجد فيراها مكبوتة ومتألمة ، وغير مرتاحة ومنزعجة ، ثم يذهب ليجلس في مجلس الخليفة على بعد أمتار يسيرة منها سيبقى يشعر بأذاها وبمأساتها ، وبما جرى عليها ، وسوف يستيقظ ضميره في نهاية الأمر .
إذن فجلوسها الحزين ومرارتها عليها السلام ستقض مضاجع هؤلاء الحكام ، وسيربكهم ذلك إلى درجة كبيرة وخطيرة وسيندم الكثيرون على ما فرط منهم من تقصير في حقها عليها السلام ، لأن بكاءها ومرارتها وحزنها يوقظ الضمائر ويثير المشاعر ، ويهيج بلابل الناس ، وللناس عواطفهم وأحاسيسهم ، وسيضعف ذلك من سلطة الحكام ونفوذهم ، وهم إنما يحكمون الناس باسم أبيها ، ومن خلال
( 1 ) نهج البلاغة : خطبة رقم 26 . ( * )
- ص 342 -
تعاليمه فيما يزعمون . وإذا كان عمر بن سعد قد بكى حين كلمته الحوراء الزينب ، وهو كان قد قتل الحسين ( ع ) قبل لحظات ، فكيف اللواتي لم تكن قلوبهم قاسية كما هو الحال في قلب حرملة والشمر بن ذي الجوشن ( قاتل الحسين ) وابن سعد ، وإن كانت درجات إيمانهم تتفاوت بحسب الفكر والوعي والعمل ، وهم وإن لم يتكلموا حين الحدث المفجع لسبب أو لآخر لكن قد تأتي ساعة الصحوة ، وقد يجدون الفرصة للتعبير عن حقيقة مشاعرهم ، وما يدور في خلدهم ، فكان لا بد من إخراج الزهراء من هذا الموقع وإبعادها عن أعين الناس ، الذين سوف يزداد وعيهم وسيشتد ندمهم بعد أن تهدأ الأمور ، ويعودوا إلى أنفسهم ، ويفكروا بما جرى ، ويتذكروا أقوال الرسول الله ( ص ) لهم في حق الزهراء وعلي عليهما سلام الله . . فلا حاجة إذن إلى صراخها عليها السلام في الشوارع ، ولا إلى إزعاج الناس بذلك .
وليس من البعيد أن يكونوا قد دفعوا بعض الناس لمطالبة الزهراء بالخروج من بيتها متذرعين بأكثر من ذريعة ، ثم استولوا على البيت بعد ذلك بصورة نهائية .
بين الأحزان أضرهم ولم ينفعهم : ولكن هل كان بيت الأحزان هذا في صالح الحكام ؟ !
وهل استطاع أن يحقق بعض ما أرادوا تحقيقه أو ظنوا أنه سيتحقق ؟ !
إن الإجابة الصريحة والواضحة على هذا السؤال ستكون بالنفي ، فإنه كان في الحقيقة وبالا عليهم أكثر مما توقعوه ، فلم يكن من
- ص 343 -
السهل أن يقبل الناس بإخراج الزهراء من بيتها ، ومنعها من إظهار الحزن ، ومن الجهر بالمظلومية ، لأن ذلك ظلم آخر أشد أذى ، وأعظم تأثيرا وخطرا ، وأصرح دلالة على مدى الظلم الذي تعاني منه عليها السلام .
ومما يزيد في وضوح ذلك أن الناس سيرون : أن كل ما جرى عليها إنما كان بمجرد وفاة أبيها ، فبدلا من المواساة ، ومحاولة تخفيف المصاب عليها وهي الوحيدة لأبيها وسيدة نساء العالمين ، تجد نفسها أمام مصاب أمر وأدهى ، وهو أن من يعتبرون أنفسهم من اتباع هذا الدين ، ويعترفون بنبوة أبيها ، ويفترض فيهم أن يعظموه ويوقروه ، ويقدسوه إن هؤلاء قد بلغ بهم الظلم حدا ضيقوا فيه حتى على أقرب الناس إليه وهي ابنته وهي امرأة لها عواطفها ، ومنعوها من إظهار الحزن على أب فقدته حرصا على عدم الجهر بظلمهم لها .
النهي عن النوح بالباطل لا عن البكاء :
قال ابن إسحاق في غزوة أحد : ومر رسول الله ( ص ) - حين رجع إلى المدينة - بدور من الأنصار ، فسمع بكاء النوائح على قتلاهم ، فذرفت عينا رسول الله ( ص ) ثم قال : لكن حمزة لا بواكي له . فأمر سعد بن معاذ ، ويقال : وأسيد بن حضير نساء بني عبد الأشهل : أن يذهبن ويبكين حمزة أولا ، ثم يبكين قتلاهن . فلما سمع ( ص ) بكاءهن ، وهن على باب مسجده أمرهن بالرجوع ، ونهى ( ص ) حينئذ عن النوح ، فبكرت إليه نساء الأنصار ، وقلن : بلغنا يا رسول الله ، أنك نهيت عن النوح ، وإنما هو شئ نندب
- ص 344 -
به موتانا ، ونجد بعض الراحة ، فأذن لنا فيه . فقال : إن فعلتن فلا تلطمن ، ولا تخمشن ، ولا تحلقن شعرا ، ولا تشققن جيبا ( 1 ) . قالت أم سعد بن معاذ : فما بكت منا امرأة قط إلا بدأت بحمزة إلى يومنا هذا .
وفي نص آخر : إن النساء بكين حين وفاة رقية ، فجعل عمر يضربهن بسوطه ، فأخذ ( ص ) بيده وقال : دعهن يا عمر . وقال : " وإياكن ونعيق الشيطان . . إلى أن قال : فبكت فاطمة على شفير القبر ، فجعل النبي ( ص ) يمسح الدموع عن عينيها بطرف ثوبه ( 2 ) " .
المنع من البكاء على الميت :
لقد بكى النبي ( ص ) على حمزة ، وقال : أما حمزة فلا بواكي له . وبعد ذلك بكى على جعفر ، وقال : على مثل جعفر فلتبك البواكي . وبكى على ولده إبراهيم ، وقال : تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول إلا ما يرضي الرب .
وبكى كذلك على عثمان بن مظعون ، وسعد بن معاذ ، وزيد بن حارثة ، وبكى الصحابة ، وبكى جابر على
( 1 ) السيرة الحلبية : ج 2 ص 254 ، وتاريخ الخميس ج 1 ص 444 عن المنتقى ، وليراجع كامل ابن الأثير : ج 2 ص 167 ، وتاريخ الطبري : ج 2 ص 210 ، والعقد الفريد ، والبداية والنهاية : ج 4 ص 48 ، ومسند أحمد : ج 2 ص 40 و 84 و 92 ، والاستيعاب ترجمة حمزة . ومسند أبي يعلى ج 6 ص 272 ، و 293 / 294 ، وفي هامشه عن المصادر التالية : مجمع الزوائد : ج 6 ص 120 ، وعن الطبقات الكبرى : ج 3 قسم 1 ص 10 ، وعن سنن ابن ماجة : ج 3 ص 94 ، وفي السيرة وفي الجنائز الحديث : رقم 1591 ، ومستدرك الحاكم : ج 3 ص 195 ، وعن سيرة ابن هشام ج 2 ص 95 ، و 99 .
( 2 ) تاريخ المدينة لابن شبة : ج 1 ص 103 والإصابة ج 4 ترجمة رقية . ( * )
- ص 345 -
أبيه ، وبشير بن عفراء على أبيه أيضا ، إلى غير ذلك مما هو كثير في الحديث والتاريخ ( 1 ) .
فكل ذلك فضلا عن أنه يدل على عدم المنع من البكاء ، فإنه يدل على مطلوبية البكاء ، وعلى رغبته ( ص ) في صدوره منهم . ولكننا نجد في المقابل : أن عمر بن الخطاب يمنع من البكاء على الميت ويضرب عليه ، ويفعل ما شاءت له قريحته في سبيل المنع عنه .
ويروي حديثا عن النبي ( ص ) مفاده : إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه ( 2 ) . بل هو يضرب حتى أم فروة بنت أبي بكر ، حينما مات أبوها ( 3 ) مع إننا نجد أنه هو نفسه قد أمر بالبكاء على خالد بن الوليد ( 4 )
( 1 ) راجع : النص والاجتهاد : ص 230 - 234 ، والغدير : ج 6 ص 159 - 167 ، ودلائل الصدق : ج 3 قسم 1 ص 134 / 136 ، عن عشرات المصادر الموثوقة ، والاستيعاب ( بهامش الإصابة ) ترجمة جعفر : ج 1 ص 211 ، ومنحة المعبود : ج 1 ص 159 ، وكشف الأستار : ج 1 ص 381 و 383 و 382 ، والإصابة : ج 2 ص 464 ، والمجروحون : ج 2 ص 92 ، والسيرة الحلبية : ج 2 ص 89 ، وراجع ص 251 ، ووفاء الوفاء : ج 3 ص 894 و 895 ، وراجع ص 932 و 933 ، وحياة الصحابة : ج 1 ص 571 ، وطبقات ابن سعد : ج 3 ص 396 و ج 2 ص 313 .
( 2 ) راجع : العقد الفريد : ج 4 ص 264 ، وغيره .
( 3 ) راجع المصادر المتقدمة والغدير وغيره عن عشرات المصادر ، وكذا منحة المعبود : ج 1 ص 158 ، وفي ذكر أخبار أصبهان ج 1 ص 61 ، عن ابن موسى ، والطبقات لابن سعد : ج 3 ص 209 و 346 و 362 . وراجع : تأويل مختلف الحديث : ص 245 .
( 4 ) التراتيب الإدارية : ج 2 ص 375 ، والإصابة : ج 1 ص 415 ، وصفة الصفوة : ج 1 ص 655 ، وأسد الغابة : ج 2 ص 96 ، وحياة الصحابة : ج 1 ص 465 عن الإصابة ، والمصنف ج 3 ص 559 ، وفي هامشه عن البخاري وابن سعد وابن =>
- ص 346 -
وقد بكت عائشة على إبراهيم ( 1 ) وبكى أبو هريرة على عثمان ، والحجاج على ولده ( 2 ) وبكى صهيب على عمر ( 3 ) ، وهم يحتجون بما يفعله هؤلاء . وبكى عمر نفسه على النعمان بن مقرن ، وعلى غيره ( 4 ) ، وقد نهاه النبي ( ص ) عن التعرض للذين يبكون موتاهم ( 5 ) . كما أن عائشة قد أنكرت عليه وعلى ولده عبد الله هذا الحديث الذي تمسك به ، ونسبته إلى النسيان ، وقالت : يرحم الله عمر ، والله ، ما حدث رسول الله : إن الله ليعذب
=> أبي شيبة ، وتاريخ الخميس : ج 2 ص 247 ، وفتح الباري : ج 7 ص 79 ، والفائق : ج 4 ص 19 ، وربيع الأبرار : ج 3 ص 330 ، وراجع : تاريخ الخلفاء : ص 88 ، وراجع : لسان العرب : ج 8 ص 363 .
( 1 ) منحة المعبود : ج 1 ص 159 .
( 2 ) راجع : طبقات ابن سعد : ج 3 ( ط صادر ) ص 81 ، وفي الثاني ربيع الأبرار : ج 2 ص 586 .
( 3 ) طبقات ابن سعد : ج 3 ص 362 ، ومنحة المعبود ج 1 ص 159 .
( 4 ) الغدير : ج 1 ص 164 و 54 و 155 ، وعن الإستيعاب ترجمة النعمان بن مقرن والرياض النضرة المجلد الثاني : ج 2 ص 328 و 329 ، حول بكاء عمر على ابن ذلك الأعرابي حتى بل لحيته .
( 5 ) راجع الغدير عن المصادر التالية : مسند أحمد : ج 1 ص 237 و 235 و ج 2 ص 333 و 408 ، ومستدرك الحاكم : ج 3 ص 190 و 381 ، وصححه هو والذهبي في تلخيصه ، ومجمع الزوائد : ج 3 ص 17 ، والاستيعاب ترجمة عثمان بن مظعون ، ومسند الطيالسي ص 351 ، وسنن البيهقي : ج 4 ص 70 ، وعمدة القاري ج 4 ص 87 ، عن النسائي ، وابن ماجة ، وسنن ابن ماجة : ج 1 ص 481 ، وكنز العمال : ج 1 ص 117 ، وأنساب الأشراف : ج 1 ص 157 ، وطبقات ابن سعد : ج 3 ص 399 ، و 429 ، ومنحة المعبود : ج 1 ص 159 . ( * )
- ص 347 -
المؤمن ببكاء أهله عليه ، لكن رسول الله ( ص ) قال : إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه . قالت : حسبكم القرآن : ولا تزر وازرة وزر أخرى " ( 1 ) .
وفي نص آخر : إنها قالت : إنما مر رسول الله ( ص ) على يهودية يبكي عليها أهلها ، فقال : إنهم يبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها ( 2 ) " . وأنكر ذلك عليه : ابن عباس أيضا ، وأنكره أيضا أئمة أهل البيت " عليهم السلام " ومن أراد المزيد ، فعليه بمراجعة المصادر ( 3 ) .
التوراة ، والمنع من البكاء على الميت : ويبدو لنا : أن المنع من البكاء على الميت مأخوذ من أهل الكتاب ، فإن عمر كان يحاول هذا المنع في زمن النبي ( ص ) بالذات ، ولم يرتدع بردع النبي له إلا ظاهرا .
فلما توفي ( ص ) ولم يبق ما يحذر منه ، وصار الموقف السياسي يتطلب الرجوع إلى ما عند أهل الكتاب ،
( 1 ) راجع صحيح البخاري : ج 1 ص 146 ( ط سنة 1039 ) ، ومستدرك الحاكم ج 3 ص 381 ، واختلاف الحديث للشافعي هامش الأم ج 7 ص 266 ، وجامع بيان العلم : ج 2 ص 105 ، ومنحة المعبود : ج 1 ص 158 ، وطبقات ابن سعد : ج 3 ص 346 ، ومختصر المزني : هامش الأم ج 1 ص 187 ، والغدير : ج 6 ص 163 عمن تقدم ، وعن صحيح مسلم : ج 1 ص 342 و 344 و 343 ، ومسند أحمد : ج 1 ص 41 ، وسنن النسائي : ج 4 ص 17 و 18 ، وسنن البيهقي : ج 4 ص 73 و 72 ، وسنن أبي داود : ج 2 ص 95 ، وموطأ مالك : ج 1 ص 96 .
( 2 ) صحيح البخاري : ج 1 ص 147 .
( 3 ) راجع الغدير ، ودلائل الصدق ، والنص والاجتهاد ، وغير ذلك . ( * )
- ص 348 -
فكان منع الزهراء عن ذلك ، كما قدمنا . وقد جاء هذا موافقا للميول وللدفاع الديني والسياسي على حد سواء . ومما يدل على أن ذلك مأخوذ من أهل الكتاب : أنه قد جاء في التوراة : " يا ابن آخذ عنك شهوة عينيك بضربة ، فلا تنح ولا تبك ، ولا تنزل دموعك ، تنهد ساكتا ، لا تعمل مناحة على أموات " ( 1 ) .
السياسة وما أدراك ما السياسة ؟ :
ونشير هنا إلى كلمة للإمام شرف الدين رحمه الله تعالى قال : " وهنا نلفت أولي الألباب إلى البحث عن السبب في تنحي الزهراء عن البلد في نياحتها على أبيها ( ص ) ، وخروجها بولديها في لمة من نسائها إلى البقيع يندبن رسول الله ، في ظل أراكة كانت هناك ، فلما قطعت بنى لها علي ( ع ) بيتا في البقيع كانت تأوي إليه للنياحة ، يدعى : بيت الأحزان ، وكان هذا البيت يزار في كل خلف من هذه الأمة " ( 2 ) .
وأقول : إن من القريب جدا : أن يكون الحديث : " إن الميت ليعذب ببكاء الحي " قد حرف عن حديث " البكاء على اليهودية المتقدم " ، لدوافع سياسية لا تخفى ، فإن السلطة كانت تهتم بمنع فاطمة عليها السلام من البكاء على أبيها .
( 1 ) حزقيال . الإصحاح 24 الفقرة 16 - 18 . ( 2 ) النص والاجتهاد : ص 234 . ( * )
- ص 349 -
فيظهر : أن هذا المنع قد استمر إلى حين استقر الأمر لصالح الهيئة الحاكمة ، ولذلك لم يعتن عمر بغضب عائشة ، ومنعها إياه من دخول بيتها حين وفاة أبي بكر ، فضرب أم فروة أخت أبي بكر بدرته ، وقد فعل هذا رغم أن البكاء والنوح كان على صديقه أبي بكر ، وكان هجومه على بيت عائشة ، وكان ضربه لأخت أبي بكر .
وهو الذي كان يهتم بعائشة ويحترمها ، وهي المعززة المكرمة عنده ، وهو الذي يقدر أبا بكر ومن يلوذ به ، ويحترم بيته بما لا مزيد عليه .
نعم لقد فعل كل هذا لأن الناس لم ينسوا بعد منع السلطة لفاطمة ( ع ) من النوح والبكاء على أبيها وما أصابها بعده . ولنفرض أن البكاء كان فقط على أبيها ، فما أشده من موقف ، وناهيك بهذا الإجراء جفاء وقسوة : أن يمنع الإنسان من البكاء على أبيه ، فكيف إذا كان هذا الأب هو النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، أعظم وأكمل ، وأفضل إنسان على وجه الأرض .
ثم لما ارتفع المانع ، ومضت مدة طويلة وسنين عديدة على وفاة سيدة النساء ( ع ) ، ونسي الناس أو كادوا ، أو بالأحرى ما عادوا يهتمون بهذا الأمر ، ارتفع هذا المنع على يد عمر نفسه ، وبكى على النعمان بن مقرن الذي توفي سنة 21 ه وعلى شيخ آخر ، وسمح بالبكاء على خالد بن الوليد ، الذي توفي سنة 21 أو 22 حسبما تقدم .
والنهي عن البكاء على الأموات يختلف ما ورد عن مصادر كثيرة من النهي عن خمش الوجوه ، وشق الثياب ، واللطم ، والنوح بالباطل . فإنه غير البكاء وهياج العواطف الإنسانية الطبيعية . وذلك لأن الأول ينافي الخضوع لله عز وجل والتسليم لقضائه ، أما الثاني فهو من مقتضيات الجبلة الإنسانية ، ودليل اعتدال سجية الإنسان ، وشتان ما بينهما .
هل كان بكاء الزهراء ( ع ) جزعا ؟ !
ويقول البعض : إنه لا يتصور أن تكون الزهراء ، المنفتحة على قضاء الله وقدره إنسانة ينزعج أهل المدينة من بكائها ( 1 ) - كما يقرأ قراء التعزية - حتى لو كان الفقيد على مستوى رسول الله .
والجواب : إننا لا نتصور أن بكاءها على أبيها هو الذي أزعج المعترضين ، وأثار حفيظتهم ، وإنما الذي أحفظهم وأزعجهم هو ما يثيره وجود الزهراء إلى جانب قبر أبيها على حالة من الحزن والكآبة والانكسار الذي يذكر الناس بالمأساة التي تعرضت لها عليها السلام فور وفاة أبيها ، حيث إن ذلك يمثل حالة إثارة مستمرة للناس الطيبين والمؤمنين والمخلصين ، وهو إدانة لكل ذلك الخط الذي لم يتوقف عن فعل أي شئ في سبيل ما يريده .
فلم يكن البكاء على شخص الرسول ، بقدر ما كان تجسيدا للمأساة التي حاقت بالإسلام وبرموزه بمجرد وفاته وفقده صلوات الله وسلامه عليه .
( 1 ) راجع عن تأذي أهل المدينة ببكاء الزهراء ( ع ) : الخصال : ج 1 ص 272 ، وأمالي الصدوق : ص 121 ، والعوالم : ج 11 ص 449 . وفي هامشه عمن تقدم وعن البحار : ج 43 ص 155 و 177 و 35 و ج 46 ص 109 و ج 11 ص 311 و 204 و ج 12 ص 264 و ج 82 ص 86 ، وإرشاد القلوب : ص 95 ، وتفسير العياشي : ج 2 ص 188 ، وروضة الواعظين : ص 520 ، ومكارم الأخلاق : ص 335 ، ومناقب آل أبي طالب : ( ط المطبعة العلمية ) ج 3 ص 322 ، وكشف الغمة : ج 2 ص 124 . ( * )
- ص 336 -
فالبكاء إذن لم يكن بكاء الجزع من المصاب ، واستعظام فقد الشخص ، لكي يتنافى ذلك مع الانفتاح على قضاء الله وقدره . كما يريد هذا القائل أن يوحي به .
إلا إذا كان هذا القائل يعتبر الاستسلام للقضاء والقدر والسكوت عن وعلى الظلم انفتاحا على القضاء والقدر .
" بيت الأحزان " وإزعاج الناس بالبكاء :
ولا يجد البعض حاجة إلى بيت الأحزان ، لتبكي الزهراء فيه ، فهو لا يتصورها تبكي على أبيها بحيث تزعج أهل المدينة حتى يطلبوا منها السكوت ؟ لأن ذلك يعني أنها كانت تصرخ بصوت عال في الطرقات ؟ ! وهذا الصراخ والازعاج لا يتناسب مع مكانتها عليها السلام ؟ !
ونقول في الجواب :
أولا : هناك رواية ذكرها المجلسي ( 1 ) ، مضعفا لها ، لأنه لم ينقلها - كما قال - عن أصل يعول عليه ، وهي عن فضة ، وفيها : أن فاطمة ( ع ) قد خرجت ليلا في اليوم الثاني لوفاة أبيها ، وبكت ، وبكى معها الناس ، ولما رأى أهل المدينة مدى حزنها طلبوا من علي ( ع ) أن تبكي إما ليلا أو نهارا ، فبنى لها بيت الأحزان في البقيع . وقد تقدمت الإشارة إلى مصادر أخرى لهذه المقولة .
( 1 ) البحار ج 43 ص 174 / 180 . ( * )
- ص 337 -
ومن الواضح : أن رواية فضة لا يصح الاعتماد عليها كما ذكره المقدسي رحمه الله . لا من حيث السند ، ولا من حيث المضمون كما يظهر لمن راجعها .
أما بالنسبة لبيت الأحزان ، فهو " باق إلى هذا الزمان ، وهو الموضع المعروف بمسجد فاطمة ، في جهة قبة مشهد الحسن والعباس ، وإليه أشار ابن جبير بقوله : ويلي القبة العباسية بيت فاطمة بنت رسول الله ( ص ) ، ويعرف ببيت الحزن ، يقال : إنه هو الذي آوت إليه ، والتزمت الحزن فيه منذ وفاة أبيها ( ص ) " ( 1 ) .
ثانيا : إن بكاءها ( ع ) في الليل أكثر إزعاجا للناس الذين يتفرقون في النهار إلى متابعة أعمالهم في مزارعهم ، والاهتمام بمواشيهم ، وقضاء حوائجهم ، فكان الأولى أن تقيم في بيت الأحزان في الليل دون النهار .
ثالثا : إن الحقيقة هي أن بكاء الزهراء لم يزعج أهل المدينة ، وإنما ازعج الهيئة الحاكمة التي كانت بحاجة إلى أن تتواجد في مسجد الرسول ( ص ) إلى جانب منبره الشريف ، الذي يبتعد أمتارا يسيرة تكاد لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة . فكان أن منعها الحكام من ذلك ( 2 ) .
وكان الناس يتوافدون إلى هذا المسجد بالذات ، ويتواجدون فيه
( 1 ) أهل البيت ص 167 - 168 ، تأليف توفيق أبو علم . وراجع : وفاء الوفاء ج 3 ص 918 ، وراجع هامش ص 489 من كتاب عوالم العلوم : ج 11 ، وإحقاق الحق قسم الملحقات : ج 10 ص 476 ، وفاطمة الزهراء في الأحاديث القدسية : ص 184 / 185
( 2 ) ضياء العالمين ( مخطوط ) : ج 2 ق 3 ص 140 . ( * )
- ص 338 -
منذ الفجر إلى وقت متأخر من الليل ، من أجل الصلاة ، ومن أجل متابعة ما يجري من أحداث . فالمسجد هو مركز البلد ، الذي كان صغيرا نسبيا ، حيث قد لا يصل عدد سكانه إلى بضعة آلاف ، لأن مكة التي هي أكبر من المدينة بكثير ، وكانت تسمى أم القرى كانت تجند أربعة آلاف مقاتل على الأكثر ، حسبما ظهر في غزوة الأحزاب ، التي جندت فيها مكة كل طاقاتها ( 1 ) .
وكان النفر للحرب يطال كل قادر على حمل السلاح من سن المراهقة إلى سن الشيخوخة . أما المدينة فغاية ما جندته في حرب الأحزاب هو ما يقرب من ألف مقاتل ، بل أقل من ذلك أيضا ( 2 ) .
وقد أحصي عدد المسلمين في سنة ست للهجرة ، وهو الوقت الذي لم يعد فيه لغير المسلمين في المدينة أية قواعد بشرية تذكر ، فكان عددهم ألفا وخمس مئة أو ألفا وست مئة .
وفي رواية أخرى : ونحن ما بين الألف والست مئة إلى السبع مئة ، وذلك حينما قال لهم رسول الله ( ص ) : اكتبوا لي كل من تلفظ بالإسلام ، قال الدماميني : قيل كان هذا عام الحديبية ( 3 ) .
ولنفرض أن جميع الذي أحصوهم كانوا رجالا ، وأنهم كلهم
( 1 ) راجع : كتابنا الصحيح من سيرة النبي الأعظم ( ص ) ج 9 .
( 2 ) راجع المصدر السابق .
( 3 ) راجع : صحيح البخاري : ج 2 ص 116 ، وصحيح مسلم : ج 1 ص 91 ، ومسند أحمد : ج 5 ص 384 ، وسنن ابن ماجة : ج 2 ص 1337 ، والتراتيب الإدارية ج 2 ص 251 / 252 ، و ج 1 ص 220 - 223 . وعن المصنف لابن أبي شيبة : ج 15 ، ص 69 . ( * )
- ص 339 -
متزوجون ! ! وكلهم له أولاد ، فكم يا ترى يكون عدد أهل المدينة بكل أفرادها .
وقد كان كل أهل المدينة يأتون إلى المسجد للصلاة خلف رسول الله ( ص ) صباحا ، وظهرا ومساء . بل كان الناس يأتون للصلاة من خارج المدينة ، من مسافة أميال مشيا على الإقدام ، وكان المسجد يستوعبهم ، ثم وسعه رسول الله ( ص ) في الفترة الأخيرة . فالمسجد هو مركز هذا البلد الصغير ، الذي كانت شوارعه عبارة عن أزقة ضيقة ، وأبنية متقاربة ، لا سعة ولا انتشار فيها ، لأن ذلك هو ما تقتضيه حالة الأمن للناس ، الذي كانوا بسبب الحروب الداخلية لا يضعون السلاح لا بالليل ولا بالنهار ( 1 ) .
وقد أقام سكان المدينة حول شطر كبير من هذا البلد خندقا منع المشركين في حرب الأحزاب من الوصول إليهم ، وقد استغرق حفره ستة أيام رغم سعته وعمقه . وذلك كله يدل على عدم صحة ما ذكره ابن مردويه وهو يتحدث عن زواج فاطمة عليها السلام : أن النبي دعاهم جميعا فأجابوا : " وهو أكثر من أربعة آلاف رجل " ( 2 ) ، فإن المدينة لم يكن فيها نصف هذا العدد .
ويدل على عدم صحة هذا الرقم : أن رواية أخرى قد تحدثت عن نفس هذه القضية . وذكرت أن الذين حضروا كانوا ثلاثة آلاف
( 1 ) إعلام الورى : ص 55 والبحار : ج 43 ص 8 و 9 و 10 .
( 2 ) عوالم العلوم : ج 11 ص 298 و 340 ، وراجع : البحار : ج 43 ص 114 ، و 94 ، وأمالي الطوسي : ج 1 ص 39 .( * )
- ص 240 -
وثلاث مئة في مجموع ثلاثة أيام ( 1 ) .
فالقول بالأربعة آلاف ، لعله يريد هذا المعنى أيضا . فالمدينة التي بهذا الحجم حين يموت فيها أي إنسان عادي فسيكون فيها ما يشبه حالة طوارئ ، حيث سيتوافد أهلها لتعزية وتسلية أصحاب المصاب ، وسيهتمون بالتخفيف عنهم ، وإبعادهم عن أجواء الحزن ، فإذا كان المتوفى له موقع اجتماعي ، فإن الاهتمام سيكون أعظم ، فكيف إذا كان المتوفى هو أعظم إنسان خلقه الله ، وأفضل موجود ، وأكرم نبي ، وهو الذي أخرجهم من الظلمات إلى النور ، فإن البلد سينقلب ، وسيعطل الناس أعمالهم وزراعتهم ، ويعيشون جوا مشحونا بالعاطفة ، والترقب والخوف ، وسيكون مركز التجمع والقرار ، وكل التحركات هو المسجد ، منه الانطلاق إلى الحرب ، وفيه تحل المشاكل ، وتستقبل فيه الوفود ، ومنه يكون السفر ، وإليه العودة . .
فالمسجد مركز الحكم ، والقيادة ، والقضاء الخ . . ومنبر الرسول هو موقع الحاكم ، وهو على بعد أمتار يسيرة من مدفن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
وفي أجواء وفاة النبي ( ص ) سيتضاعف الذهاب والاياب إلى المسجد ، وحين يأتي الناس إلى المسجد ، فإن أول ما يبدأون به هو زيارة قبر نبيهم ، والسلام عليه وعلى من في البيت ، حيث إنه ( ص ) قد دفن في بيت فاطمة ( 2 ) ، وكانت كل الأبواب قد سدت سوى بابها ، وسيسألون الصديقة الطاهرة عن حالها ، وهم يعلمون أنها كانت
( 1 ) عوالم العلوم : ج 11 ص 345 ، ودلائل الإمامة : 21 .
( 2 ) راجع : مقالنا في دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام : ج 1 ص 169 فما بعدها . ( * )
- ص 341 -
البنت الوحيدة لأعظم نبي ، وهي ليست امرأة عادية ، بل هي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين ، يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها ، ولسوف تذكرهم أجواء الحزن ، والانكسار المهيمنة على جو ذلك البيت وعلى الزهراء عليها السلام بما ارتكبه الحكام وأعوانهم في حقها فور دفن أبيها الذي لم يحضر المهاجمون دفنه ، ولم يهتموا بتجهيزه ، وهو الذي أخرجهم من الظلمات إلى النور ، ومن الموت إلى الحياة ، فقد قال لهم علي ( ع ) : " كنتم على شر دين وفي شر دار ، تشربون الكدر ، وتأكلون الجشب ( 1 ) " ، فهم بدلا من تعزيتها ، والتكريم والتعظيم لها ، واجهوها لا بالكلمة اللاذعة وحسب ، بل بالقول وبالفعل الكاسر والجارح ، إذن ، فلن تكون رؤية الناس للزهراء في كل يوم حزينة منكسرة في صالح الهيئة الحاكمة في أي حال حتى ولو سكتت الزهراء ، ولم تبك ولم تندد بمن ظلمها ، وهتك حرمتها .
إن كل من يأتي إلى المسجد فيراها مكبوتة ومتألمة ، وغير مرتاحة ومنزعجة ، ثم يذهب ليجلس في مجلس الخليفة على بعد أمتار يسيرة منها سيبقى يشعر بأذاها وبمأساتها ، وبما جرى عليها ، وسوف يستيقظ ضميره في نهاية الأمر .
إذن فجلوسها الحزين ومرارتها عليها السلام ستقض مضاجع هؤلاء الحكام ، وسيربكهم ذلك إلى درجة كبيرة وخطيرة وسيندم الكثيرون على ما فرط منهم من تقصير في حقها عليها السلام ، لأن بكاءها ومرارتها وحزنها يوقظ الضمائر ويثير المشاعر ، ويهيج بلابل الناس ، وللناس عواطفهم وأحاسيسهم ، وسيضعف ذلك من سلطة الحكام ونفوذهم ، وهم إنما يحكمون الناس باسم أبيها ، ومن خلال
( 1 ) نهج البلاغة : خطبة رقم 26 . ( * )
- ص 342 -
تعاليمه فيما يزعمون . وإذا كان عمر بن سعد قد بكى حين كلمته الحوراء الزينب ، وهو كان قد قتل الحسين ( ع ) قبل لحظات ، فكيف اللواتي لم تكن قلوبهم قاسية كما هو الحال في قلب حرملة والشمر بن ذي الجوشن ( قاتل الحسين ) وابن سعد ، وإن كانت درجات إيمانهم تتفاوت بحسب الفكر والوعي والعمل ، وهم وإن لم يتكلموا حين الحدث المفجع لسبب أو لآخر لكن قد تأتي ساعة الصحوة ، وقد يجدون الفرصة للتعبير عن حقيقة مشاعرهم ، وما يدور في خلدهم ، فكان لا بد من إخراج الزهراء من هذا الموقع وإبعادها عن أعين الناس ، الذين سوف يزداد وعيهم وسيشتد ندمهم بعد أن تهدأ الأمور ، ويعودوا إلى أنفسهم ، ويفكروا بما جرى ، ويتذكروا أقوال الرسول الله ( ص ) لهم في حق الزهراء وعلي عليهما سلام الله . . فلا حاجة إذن إلى صراخها عليها السلام في الشوارع ، ولا إلى إزعاج الناس بذلك .
وليس من البعيد أن يكونوا قد دفعوا بعض الناس لمطالبة الزهراء بالخروج من بيتها متذرعين بأكثر من ذريعة ، ثم استولوا على البيت بعد ذلك بصورة نهائية .
بين الأحزان أضرهم ولم ينفعهم : ولكن هل كان بيت الأحزان هذا في صالح الحكام ؟ !
وهل استطاع أن يحقق بعض ما أرادوا تحقيقه أو ظنوا أنه سيتحقق ؟ !
إن الإجابة الصريحة والواضحة على هذا السؤال ستكون بالنفي ، فإنه كان في الحقيقة وبالا عليهم أكثر مما توقعوه ، فلم يكن من
- ص 343 -
السهل أن يقبل الناس بإخراج الزهراء من بيتها ، ومنعها من إظهار الحزن ، ومن الجهر بالمظلومية ، لأن ذلك ظلم آخر أشد أذى ، وأعظم تأثيرا وخطرا ، وأصرح دلالة على مدى الظلم الذي تعاني منه عليها السلام .
ومما يزيد في وضوح ذلك أن الناس سيرون : أن كل ما جرى عليها إنما كان بمجرد وفاة أبيها ، فبدلا من المواساة ، ومحاولة تخفيف المصاب عليها وهي الوحيدة لأبيها وسيدة نساء العالمين ، تجد نفسها أمام مصاب أمر وأدهى ، وهو أن من يعتبرون أنفسهم من اتباع هذا الدين ، ويعترفون بنبوة أبيها ، ويفترض فيهم أن يعظموه ويوقروه ، ويقدسوه إن هؤلاء قد بلغ بهم الظلم حدا ضيقوا فيه حتى على أقرب الناس إليه وهي ابنته وهي امرأة لها عواطفها ، ومنعوها من إظهار الحزن على أب فقدته حرصا على عدم الجهر بظلمهم لها .
النهي عن النوح بالباطل لا عن البكاء :
قال ابن إسحاق في غزوة أحد : ومر رسول الله ( ص ) - حين رجع إلى المدينة - بدور من الأنصار ، فسمع بكاء النوائح على قتلاهم ، فذرفت عينا رسول الله ( ص ) ثم قال : لكن حمزة لا بواكي له . فأمر سعد بن معاذ ، ويقال : وأسيد بن حضير نساء بني عبد الأشهل : أن يذهبن ويبكين حمزة أولا ، ثم يبكين قتلاهن . فلما سمع ( ص ) بكاءهن ، وهن على باب مسجده أمرهن بالرجوع ، ونهى ( ص ) حينئذ عن النوح ، فبكرت إليه نساء الأنصار ، وقلن : بلغنا يا رسول الله ، أنك نهيت عن النوح ، وإنما هو شئ نندب
- ص 344 -
به موتانا ، ونجد بعض الراحة ، فأذن لنا فيه . فقال : إن فعلتن فلا تلطمن ، ولا تخمشن ، ولا تحلقن شعرا ، ولا تشققن جيبا ( 1 ) . قالت أم سعد بن معاذ : فما بكت منا امرأة قط إلا بدأت بحمزة إلى يومنا هذا .
وفي نص آخر : إن النساء بكين حين وفاة رقية ، فجعل عمر يضربهن بسوطه ، فأخذ ( ص ) بيده وقال : دعهن يا عمر . وقال : " وإياكن ونعيق الشيطان . . إلى أن قال : فبكت فاطمة على شفير القبر ، فجعل النبي ( ص ) يمسح الدموع عن عينيها بطرف ثوبه ( 2 ) " .
المنع من البكاء على الميت :
لقد بكى النبي ( ص ) على حمزة ، وقال : أما حمزة فلا بواكي له . وبعد ذلك بكى على جعفر ، وقال : على مثل جعفر فلتبك البواكي . وبكى على ولده إبراهيم ، وقال : تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول إلا ما يرضي الرب .
وبكى كذلك على عثمان بن مظعون ، وسعد بن معاذ ، وزيد بن حارثة ، وبكى الصحابة ، وبكى جابر على
( 1 ) السيرة الحلبية : ج 2 ص 254 ، وتاريخ الخميس ج 1 ص 444 عن المنتقى ، وليراجع كامل ابن الأثير : ج 2 ص 167 ، وتاريخ الطبري : ج 2 ص 210 ، والعقد الفريد ، والبداية والنهاية : ج 4 ص 48 ، ومسند أحمد : ج 2 ص 40 و 84 و 92 ، والاستيعاب ترجمة حمزة . ومسند أبي يعلى ج 6 ص 272 ، و 293 / 294 ، وفي هامشه عن المصادر التالية : مجمع الزوائد : ج 6 ص 120 ، وعن الطبقات الكبرى : ج 3 قسم 1 ص 10 ، وعن سنن ابن ماجة : ج 3 ص 94 ، وفي السيرة وفي الجنائز الحديث : رقم 1591 ، ومستدرك الحاكم : ج 3 ص 195 ، وعن سيرة ابن هشام ج 2 ص 95 ، و 99 .
( 2 ) تاريخ المدينة لابن شبة : ج 1 ص 103 والإصابة ج 4 ترجمة رقية . ( * )
- ص 345 -
أبيه ، وبشير بن عفراء على أبيه أيضا ، إلى غير ذلك مما هو كثير في الحديث والتاريخ ( 1 ) .
فكل ذلك فضلا عن أنه يدل على عدم المنع من البكاء ، فإنه يدل على مطلوبية البكاء ، وعلى رغبته ( ص ) في صدوره منهم . ولكننا نجد في المقابل : أن عمر بن الخطاب يمنع من البكاء على الميت ويضرب عليه ، ويفعل ما شاءت له قريحته في سبيل المنع عنه .
ويروي حديثا عن النبي ( ص ) مفاده : إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه ( 2 ) . بل هو يضرب حتى أم فروة بنت أبي بكر ، حينما مات أبوها ( 3 ) مع إننا نجد أنه هو نفسه قد أمر بالبكاء على خالد بن الوليد ( 4 )
( 1 ) راجع : النص والاجتهاد : ص 230 - 234 ، والغدير : ج 6 ص 159 - 167 ، ودلائل الصدق : ج 3 قسم 1 ص 134 / 136 ، عن عشرات المصادر الموثوقة ، والاستيعاب ( بهامش الإصابة ) ترجمة جعفر : ج 1 ص 211 ، ومنحة المعبود : ج 1 ص 159 ، وكشف الأستار : ج 1 ص 381 و 383 و 382 ، والإصابة : ج 2 ص 464 ، والمجروحون : ج 2 ص 92 ، والسيرة الحلبية : ج 2 ص 89 ، وراجع ص 251 ، ووفاء الوفاء : ج 3 ص 894 و 895 ، وراجع ص 932 و 933 ، وحياة الصحابة : ج 1 ص 571 ، وطبقات ابن سعد : ج 3 ص 396 و ج 2 ص 313 .
( 2 ) راجع : العقد الفريد : ج 4 ص 264 ، وغيره .
( 3 ) راجع المصادر المتقدمة والغدير وغيره عن عشرات المصادر ، وكذا منحة المعبود : ج 1 ص 158 ، وفي ذكر أخبار أصبهان ج 1 ص 61 ، عن ابن موسى ، والطبقات لابن سعد : ج 3 ص 209 و 346 و 362 . وراجع : تأويل مختلف الحديث : ص 245 .
( 4 ) التراتيب الإدارية : ج 2 ص 375 ، والإصابة : ج 1 ص 415 ، وصفة الصفوة : ج 1 ص 655 ، وأسد الغابة : ج 2 ص 96 ، وحياة الصحابة : ج 1 ص 465 عن الإصابة ، والمصنف ج 3 ص 559 ، وفي هامشه عن البخاري وابن سعد وابن =>
- ص 346 -
وقد بكت عائشة على إبراهيم ( 1 ) وبكى أبو هريرة على عثمان ، والحجاج على ولده ( 2 ) وبكى صهيب على عمر ( 3 ) ، وهم يحتجون بما يفعله هؤلاء . وبكى عمر نفسه على النعمان بن مقرن ، وعلى غيره ( 4 ) ، وقد نهاه النبي ( ص ) عن التعرض للذين يبكون موتاهم ( 5 ) . كما أن عائشة قد أنكرت عليه وعلى ولده عبد الله هذا الحديث الذي تمسك به ، ونسبته إلى النسيان ، وقالت : يرحم الله عمر ، والله ، ما حدث رسول الله : إن الله ليعذب
=> أبي شيبة ، وتاريخ الخميس : ج 2 ص 247 ، وفتح الباري : ج 7 ص 79 ، والفائق : ج 4 ص 19 ، وربيع الأبرار : ج 3 ص 330 ، وراجع : تاريخ الخلفاء : ص 88 ، وراجع : لسان العرب : ج 8 ص 363 .
( 1 ) منحة المعبود : ج 1 ص 159 .
( 2 ) راجع : طبقات ابن سعد : ج 3 ( ط صادر ) ص 81 ، وفي الثاني ربيع الأبرار : ج 2 ص 586 .
( 3 ) طبقات ابن سعد : ج 3 ص 362 ، ومنحة المعبود ج 1 ص 159 .
( 4 ) الغدير : ج 1 ص 164 و 54 و 155 ، وعن الإستيعاب ترجمة النعمان بن مقرن والرياض النضرة المجلد الثاني : ج 2 ص 328 و 329 ، حول بكاء عمر على ابن ذلك الأعرابي حتى بل لحيته .
( 5 ) راجع الغدير عن المصادر التالية : مسند أحمد : ج 1 ص 237 و 235 و ج 2 ص 333 و 408 ، ومستدرك الحاكم : ج 3 ص 190 و 381 ، وصححه هو والذهبي في تلخيصه ، ومجمع الزوائد : ج 3 ص 17 ، والاستيعاب ترجمة عثمان بن مظعون ، ومسند الطيالسي ص 351 ، وسنن البيهقي : ج 4 ص 70 ، وعمدة القاري ج 4 ص 87 ، عن النسائي ، وابن ماجة ، وسنن ابن ماجة : ج 1 ص 481 ، وكنز العمال : ج 1 ص 117 ، وأنساب الأشراف : ج 1 ص 157 ، وطبقات ابن سعد : ج 3 ص 399 ، و 429 ، ومنحة المعبود : ج 1 ص 159 . ( * )
- ص 347 -
المؤمن ببكاء أهله عليه ، لكن رسول الله ( ص ) قال : إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه . قالت : حسبكم القرآن : ولا تزر وازرة وزر أخرى " ( 1 ) .
وفي نص آخر : إنها قالت : إنما مر رسول الله ( ص ) على يهودية يبكي عليها أهلها ، فقال : إنهم يبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها ( 2 ) " . وأنكر ذلك عليه : ابن عباس أيضا ، وأنكره أيضا أئمة أهل البيت " عليهم السلام " ومن أراد المزيد ، فعليه بمراجعة المصادر ( 3 ) .
التوراة ، والمنع من البكاء على الميت : ويبدو لنا : أن المنع من البكاء على الميت مأخوذ من أهل الكتاب ، فإن عمر كان يحاول هذا المنع في زمن النبي ( ص ) بالذات ، ولم يرتدع بردع النبي له إلا ظاهرا .
فلما توفي ( ص ) ولم يبق ما يحذر منه ، وصار الموقف السياسي يتطلب الرجوع إلى ما عند أهل الكتاب ،
( 1 ) راجع صحيح البخاري : ج 1 ص 146 ( ط سنة 1039 ) ، ومستدرك الحاكم ج 3 ص 381 ، واختلاف الحديث للشافعي هامش الأم ج 7 ص 266 ، وجامع بيان العلم : ج 2 ص 105 ، ومنحة المعبود : ج 1 ص 158 ، وطبقات ابن سعد : ج 3 ص 346 ، ومختصر المزني : هامش الأم ج 1 ص 187 ، والغدير : ج 6 ص 163 عمن تقدم ، وعن صحيح مسلم : ج 1 ص 342 و 344 و 343 ، ومسند أحمد : ج 1 ص 41 ، وسنن النسائي : ج 4 ص 17 و 18 ، وسنن البيهقي : ج 4 ص 73 و 72 ، وسنن أبي داود : ج 2 ص 95 ، وموطأ مالك : ج 1 ص 96 .
( 2 ) صحيح البخاري : ج 1 ص 147 .
( 3 ) راجع الغدير ، ودلائل الصدق ، والنص والاجتهاد ، وغير ذلك . ( * )
- ص 348 -
فكان منع الزهراء عن ذلك ، كما قدمنا . وقد جاء هذا موافقا للميول وللدفاع الديني والسياسي على حد سواء . ومما يدل على أن ذلك مأخوذ من أهل الكتاب : أنه قد جاء في التوراة : " يا ابن آخذ عنك شهوة عينيك بضربة ، فلا تنح ولا تبك ، ولا تنزل دموعك ، تنهد ساكتا ، لا تعمل مناحة على أموات " ( 1 ) .
السياسة وما أدراك ما السياسة ؟ :
ونشير هنا إلى كلمة للإمام شرف الدين رحمه الله تعالى قال : " وهنا نلفت أولي الألباب إلى البحث عن السبب في تنحي الزهراء عن البلد في نياحتها على أبيها ( ص ) ، وخروجها بولديها في لمة من نسائها إلى البقيع يندبن رسول الله ، في ظل أراكة كانت هناك ، فلما قطعت بنى لها علي ( ع ) بيتا في البقيع كانت تأوي إليه للنياحة ، يدعى : بيت الأحزان ، وكان هذا البيت يزار في كل خلف من هذه الأمة " ( 2 ) .
وأقول : إن من القريب جدا : أن يكون الحديث : " إن الميت ليعذب ببكاء الحي " قد حرف عن حديث " البكاء على اليهودية المتقدم " ، لدوافع سياسية لا تخفى ، فإن السلطة كانت تهتم بمنع فاطمة عليها السلام من البكاء على أبيها .
( 1 ) حزقيال . الإصحاح 24 الفقرة 16 - 18 . ( 2 ) النص والاجتهاد : ص 234 . ( * )
- ص 349 -
فيظهر : أن هذا المنع قد استمر إلى حين استقر الأمر لصالح الهيئة الحاكمة ، ولذلك لم يعتن عمر بغضب عائشة ، ومنعها إياه من دخول بيتها حين وفاة أبي بكر ، فضرب أم فروة أخت أبي بكر بدرته ، وقد فعل هذا رغم أن البكاء والنوح كان على صديقه أبي بكر ، وكان هجومه على بيت عائشة ، وكان ضربه لأخت أبي بكر .
وهو الذي كان يهتم بعائشة ويحترمها ، وهي المعززة المكرمة عنده ، وهو الذي يقدر أبا بكر ومن يلوذ به ، ويحترم بيته بما لا مزيد عليه .
نعم لقد فعل كل هذا لأن الناس لم ينسوا بعد منع السلطة لفاطمة ( ع ) من النوح والبكاء على أبيها وما أصابها بعده . ولنفرض أن البكاء كان فقط على أبيها ، فما أشده من موقف ، وناهيك بهذا الإجراء جفاء وقسوة : أن يمنع الإنسان من البكاء على أبيه ، فكيف إذا كان هذا الأب هو النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، أعظم وأكمل ، وأفضل إنسان على وجه الأرض .
ثم لما ارتفع المانع ، ومضت مدة طويلة وسنين عديدة على وفاة سيدة النساء ( ع ) ، ونسي الناس أو كادوا ، أو بالأحرى ما عادوا يهتمون بهذا الأمر ، ارتفع هذا المنع على يد عمر نفسه ، وبكى على النعمان بن مقرن الذي توفي سنة 21 ه وعلى شيخ آخر ، وسمح بالبكاء على خالد بن الوليد ، الذي توفي سنة 21 أو 22 حسبما تقدم .
والنهي عن البكاء على الأموات يختلف ما ورد عن مصادر كثيرة من النهي عن خمش الوجوه ، وشق الثياب ، واللطم ، والنوح بالباطل . فإنه غير البكاء وهياج العواطف الإنسانية الطبيعية . وذلك لأن الأول ينافي الخضوع لله عز وجل والتسليم لقضائه ، أما الثاني فهو من مقتضيات الجبلة الإنسانية ، ودليل اعتدال سجية الإنسان ، وشتان ما بينهما .
مواضيع مماثلة
» الباب الأول : الزهراء ومأساتها
» قيمة الزهراء عليها السلام
» هل رضيت الزهراء على الشيخين ؟
» هل ضرب الزهراء ( ع ) مسألة شخصية ؟ !
» مأساة الزهراء عليها السلام
» قيمة الزهراء عليها السلام
» هل رضيت الزهراء على الشيخين ؟
» هل ضرب الزهراء ( ع ) مسألة شخصية ؟ !
» مأساة الزهراء عليها السلام
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى