الفصل السابع : لماذا تفتح الزهراء ( ع ) الباب
صفحة 1 من اصل 1
الفصل السابع : لماذا تفتح الزهراء ( ع ) الباب
مأساة الزهراء عليها السلام ج 1 - العلامة السيد جعفر مرتضى العاملي - ص 264
الفصل السابع : لماذا تفتح الزهراء ( ع ) الباب
----------------------------------- ص 265 -------------------------------------
ماذا في هذا الفصل : سنقرأ في هذا الفصل مناقشات ترتبط بالنقاط التالية :
1 - غيرة علي ( ع ) وحميته تأبى عليه أن يدع الزهراء تفتح الباب للمهاجمين .
2 - شجاعة علي ( ع ) تأبى عليه أن يدع الزهراء تواجه الخطر ، نتيجة لفتحها الباب أمام القوم .
3 - الزهراء ( ع ) مخدرة ، فكيف تواجه الرجال ؟ ! .
4 - لماذا لا يفتح الباب الحسنان ، أو فضة ، أو علي ( ع ) ، أو الزبير أو واحد من بني هاشم الذين كانوا داخل البيت ؟ !
5 - المتحصنون في البيت كانوا مسلحين ، فكيف يخشون من المواجهة ؟ .
6 - الزهراء ( ع ) وديعة الرسول ( ص ) ، فكيف يعرضها أمير المؤمنين ( ع ) للخطر ؟ .
7 - ضرب الزهراء مسألة شخصية ، لا ربط لها بالخلافة ، ولم يوص النبي عليا بعدم الدفاع عن نفسه وعن عياله في المسائل
- ص 266 -
الشخصية ، بل أوصاه أن لا يفتح معركة من أجل الخلافة التي هي قضية عامة تتعلق بالواقع الإسلامي كله .
8 - كيف يسمع الحاضرون ما يجري على الزهراء ( ع ) ثم لا ينجدونها ؟ .
هذه هي النقاط التي سنتعرض لها في هذا الفصل ، وعلى الله نتوكل ، ومنه العون والسداد نطلب ونسأل .
أين هي غيرة علي ( ع ) وحميته ؟
قد رأى البعض : إن جلوس علي عليه السلام في داخل البيت ، وتركه زوجته تبادر لفتح الباب ، يتنافى مع الغيرة والحمية ، وهل يمكن أن يصدر مثل ذلك من علي عليه الصلاة والسلام ! ؟
ونقول في الجواب :
أولا : إنه لا شك في أن عليا عليه السلام هو إمام الغيارى ، وهو صاحب النجدة والحمية ، والحسين ( ع ) أيضا إمام الغيارى كأبيه . . وقد حمل الحسين ( ع ) نساءه معه ، ومنهم العقيلة زينب ( ع ) ليواجهوا المحن والبلايا ، والمصائب والرزايا ، لأن الله سبحانه شاء أن يراهن سبايا فكن ينقلن من بلد إلى بلد ، يتصفح وجوههن القريب والبعيد ، في يد الأعداء الذين لا يتورعون عن ارتكاب أبشع الجرائم الموبقة ، حتى مثل قتل أوصياء الأنبياء وذبح الأطفال ، وسبي بنات الوحي . وإذا كانت الحوراء زينب ( ع ) قد قالت لابن زياد : رضا الله
- ص 267 -
رضانا أهل البيت ، فإن عليا عليه السلام أولى من ابنته زينب بأن يرضيه ما يرضي الله سبحانه . وبديهي أن الإمام أمير المؤمنين عليا عليه السلام ، يريد لهذا الدين أن يستمر قويا راسخا ، حتى ولو كلفه ذلك روحه التي بين جنبيه ، وهو على استعداد لتحمل أنواع الأذى في هذا السبيل . وليس في إجابة الزهراء ( ع ) للمهاجمين ما يتنافى مع الغيرة والحمية ، كما لم يكن حمل زينب والنساء إلى كربلاء مع العلم بسبيهم يتنافى مع ذلك .
ثانيا : لقد كان النبي ( ص ) يأمر بعض زوجاته وأم أيمن بأن تجيب من كان يطرق عليه الباب ( 1 ) حين يقتضي الأمر ذلك . وهل هناك أغير من رسول الله ( ص ) ؟ !
وثالثا : المهاجمون هم الذين اعتدوا وفعلوا ما يخالف الدين والشرع والغيرة ، والحمية ، وحتى العرف الجاهلي ، أما علي ( ع ) فلم يصدر منه شئ من ذلك ، بل هو قد عمل بتكليفه ، والزهراء ( ع ) عملت بتكليفها ، والخلاف والتعدي قد جاء من قبل المهاجمين .
( 1 ) راجع : الاحتجاج : ج 1 ص 470 / 471 ، وكشف اليقين : ص 260 / 305 ، والبحار : ج 32 ، ص 347 ، و ج 39 ص 267 و ج 90 من 272 و ج 37 ص 313 و ج 38 ص 349 ، 350 ، 152 ، 121 ، 121 ، 305 ، 126 ، 356 ، 357 ، والطرائف : ص 72 ، ومناقب الإمام علي لابن المغازلي والدعوات للراوندي : ص 47 ، ومشارق أنوار اليقين ، وكشف الغمة : ج 1 ص 91 ، ومناقب الخوارزمي : ص 86 و 87 ، وترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق ( بتحقيق المحمودي ) : ج 3 ص 164 ، وفرائد السمطين ، ج 1 ص 331 ، وكفاية الطالب : ص 312 . ( * )
- ص 268 -
أين هي شجاعة علي ( ع ) ؟ ! قال ابن روزبهان عن حديث الإحراق : " لو صح هذا دل على عجزه ، حاشاه عن ذلك ، فإن غاية عجز الرجل أن يحرق هو وأهل بيته ، وامرأته في داره ، وهو لا يقدر على الدفع الخ . . " ( 1 ) .
وقد أخذ البعض هذا المعنى ، فقال : إنه لا يستسيغ أن تفتح الزهراء ( ع ) الباب ، أو تجيب القوم ، مع كون علي ( ع ) موجودا معها داخل البيت .
ثم إن هذا البعض يحاول أن يثير العواطف ، ويحرك الأحاسيس حين يزيد على ما مر ويقول : هل يقبل أحد منكم أن تهاجم زوجته ، أو أمه ، أو أخته ، وهو قاعد في البيت يقول : لا حول ولا قوة إلا بالله ؟ ! .
ماذا يقول الناس عنه لو فعل ذلك ؟
هل يقول الناس عنه بطل ؟ ! أو هو جبان ؟
فكيف تنسبون لعلي عليه السلام مجندل الأبطال ما لا ترضونه لأنفسكم ؟ !
ثم يؤكد قوله هذا فيقول : لقد عقد في ( دبي ) مجلس عزاء حول الزهراء ، وذكر القارئ هذه القضية ، وكان أحد أهل السنة حاضرا ، فقال لرجل شيعي كان هناك : أنتم تقولون : إن عليا بطل شجاع وقد " دوخ " الأبطال ، فكيف لم يدافع عن زوجته ، وهي وديعة رسول الله عنده ؟ !
ونقول :
( 1 ) إبطال نهج البلاغة ( مطبوع مع دلائل الصدق ) ج 3 قسم 1 ص 47 . ( * )
- ص 269 -
أولا : هذا الكلام ليس جديدا ، وقد أجاب عنه العلماء ، وكذلك علماء الزيدية ، فقال ابن حمزة : " هو ( ع ) مع شجاعته لم يخل من النظر في أمر الأمة ، وطلب استقامة الدين وترك ما يخشى معه التفاقم " ( 1 ) .
ثانيا : قال ابن حمزة الزيدي أيضا وهو يرد على بعضهم : " إنه لا عار عليه في أن يغلب ، إذ ليست الغلبة دلالة على حق ، ولا باطل ، ولا على جبن . وهو إمام معصوم بالنص ، لا يفعل بالعصبية ، وإنما يفعل بالأمر ، وقد أمر بالصبر ، فكان يصبر امتثالا لأمر الله سبحانه ، وأمر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، لا يقدم غضبا ولا يحجم جنبا " ( 2 ) .
ثالثا : إن ضرب الزهراء ( ع ) ليس هو الوحيد في تاريخ علي ( ع ) مع هؤلاء القوم ، فقد ورد أن عليا نفسه قد تعرض للضرب أيضا . ، لكن لا من أبي بكر ، ولا من عمر ، بل ممن هو أقل منهما شأنا وأثرا ، وهو عثمان .
فقد روى الزبير بن بكار في كتابه : عن علي بن أبي طالب عليه السلام ، أرسل إلي عثمان في الهاجرة ، فتقنعت بثوبي ، وأتيته فدخلت عليه وهو على سريره ، وفي يده قضيب ، وبين يديه مال دثر : صبرتان من ورق وذهب ، فقال : دونك خذ من هذا حتى تملأ بطنك فقد أحرقتني . فقلت : وصلتك رحم ! إن كان هذا مال ورثته ، أو أعطاكه معط ، أو اكتسبته من تجارة ، كنت أحد رجلين : إما آخذ ، أو أشكر ، أو أوفر فأجهد ، وإن كان من مال الله وفيه حق المسلمين واليتيم وابن السبيل ، فوالله ، ما لك أن تعطينه ولا لي أن آخذه .
( 1 ) الشافي لابن حمزة : ج 4 ص 188 . ( 2 ) الشافي لابن حمزة : ج 4 ص 200 ، وراجع ص 201 . ( * )
- ص 270 -
فقال : أبيت والله إلا ما أبيت . ثم قام إلي بالقضيب فضربني ، والله ما أرد يده ، حتى قضى حاجته ، فتقنعت بثوبي ، ورجعت إلى منزلي ، وقلت : الله بيني وبينك إن كنت أمرتك بمعروف أو نهيت عن منكر ( 1 ) !
بل هو قد تعرض للقتل أيضا - وقد تحدثنا عن ذلك تحت عنوان " أخبار عن احترام الصحابة للزهراء ( ع ) " - وقد روي في الكافي بسند صحيح عن الإمام الصادق عليه السلام : أنه لما خطب عمر أم كلثوم ، وقال ( ع ) : إنها صبية ، قال عمر للعباس : خطبت إلى ابن أخيك فردني ، أما والله ، لأعورن زمزم ، ولا أدع لكم مكرمة إلا هدمتها ، ولأقيمن عليه شاهدين بأنه سرق ، ولأقطعن يمينه . فأتى العباس فأخبره ، وسأله أن يجعل الأمر إليه فجعله إليه . ( 2 ) فهذه الرواية تدل على مدى جرأتهم عليه صلوات الله وسلامه عليه .
رابعا : إنه لا شك في أن أحدا منا لا يقبل بأن تهاجم زوجته ، أو أمه ، أو أخته ، وهو قاعد في البيت يقول : لا حول ولا قوة إلا بالله . . ولو فعل ذلك لقال الناس عنه : إنه جبان قطعا ، ولقلنا نحن عنه ذلك أيضا .
ولكن إذا كان المهاجمون يريدون استدراجنا لمعركة ، أو إثارة أحاسيسنا ، لكي نتشنج ، ونتصرف بردة الفعل ، ومن دون وعي لنتائج
( 1 ) شرح نهج البلاغة للمعتزلي الشافعي : ج 9 ص 10 . ( 2 ) الكافي : ج 5 ص 346 . ( * )
- ص 271 -
تصرفاتنا ، فإن الكل سوف يلومنا إذا استجبنا لاستدراج هؤلاء المهاجمين ، وحققنا لهم أهدافهم .
والمهاجمون كانوا يريدون ذلك من علي عليه السلام ، ولو أن عليا استجاب لهم ، لضاعت فرصة معرفة الحق ، ولأمكنهم أن يمتلكوا كل الأسهم الرابحة وكل إمكانات التشويه ، والتزييف للحقيقة ، كما سنوضحه إنشاء الله تعالى .
فبطولة علي ( ع ) هنا هي بصبره على الأذى ، وعدم استجابته للاستفزاز الذي مارسوه ضده ، فعلي ( ع ) هو الذي يضحي بكل شئ في سبيل حفظ هذا الدين ، ويعتبر أن هذه هي مسؤوليته وواجبه الشرعي ، ولم يكن ليفرط في دينه في سبيل أي شئ آخر .
خامسا : ولنفرض جدلا صحة ما يقوله هذا البعض من أن القوم كانوا يحترمون الزهراء ( ع ) ويقدرونها ، فلماذا لا يفترض أيضا أن يكون الهدف من إجابة الزهراء ( ع ) لهم على الباب هو الاستفادة من مكانتها وموقعها لدفعهم بأسهل الطرق وأيسرها ؟ ! وهل ترى أن مكانتها واحترامها دفع عنها هجوم القوم وأذاهم ؟ !
الفصل السابع : لماذا تفتح الزهراء ( ع ) الباب
----------------------------------- ص 265 -------------------------------------
ماذا في هذا الفصل : سنقرأ في هذا الفصل مناقشات ترتبط بالنقاط التالية :
1 - غيرة علي ( ع ) وحميته تأبى عليه أن يدع الزهراء تفتح الباب للمهاجمين .
2 - شجاعة علي ( ع ) تأبى عليه أن يدع الزهراء تواجه الخطر ، نتيجة لفتحها الباب أمام القوم .
3 - الزهراء ( ع ) مخدرة ، فكيف تواجه الرجال ؟ ! .
4 - لماذا لا يفتح الباب الحسنان ، أو فضة ، أو علي ( ع ) ، أو الزبير أو واحد من بني هاشم الذين كانوا داخل البيت ؟ !
5 - المتحصنون في البيت كانوا مسلحين ، فكيف يخشون من المواجهة ؟ .
6 - الزهراء ( ع ) وديعة الرسول ( ص ) ، فكيف يعرضها أمير المؤمنين ( ع ) للخطر ؟ .
7 - ضرب الزهراء مسألة شخصية ، لا ربط لها بالخلافة ، ولم يوص النبي عليا بعدم الدفاع عن نفسه وعن عياله في المسائل
- ص 266 -
الشخصية ، بل أوصاه أن لا يفتح معركة من أجل الخلافة التي هي قضية عامة تتعلق بالواقع الإسلامي كله .
8 - كيف يسمع الحاضرون ما يجري على الزهراء ( ع ) ثم لا ينجدونها ؟ .
هذه هي النقاط التي سنتعرض لها في هذا الفصل ، وعلى الله نتوكل ، ومنه العون والسداد نطلب ونسأل .
أين هي غيرة علي ( ع ) وحميته ؟
قد رأى البعض : إن جلوس علي عليه السلام في داخل البيت ، وتركه زوجته تبادر لفتح الباب ، يتنافى مع الغيرة والحمية ، وهل يمكن أن يصدر مثل ذلك من علي عليه الصلاة والسلام ! ؟
ونقول في الجواب :
أولا : إنه لا شك في أن عليا عليه السلام هو إمام الغيارى ، وهو صاحب النجدة والحمية ، والحسين ( ع ) أيضا إمام الغيارى كأبيه . . وقد حمل الحسين ( ع ) نساءه معه ، ومنهم العقيلة زينب ( ع ) ليواجهوا المحن والبلايا ، والمصائب والرزايا ، لأن الله سبحانه شاء أن يراهن سبايا فكن ينقلن من بلد إلى بلد ، يتصفح وجوههن القريب والبعيد ، في يد الأعداء الذين لا يتورعون عن ارتكاب أبشع الجرائم الموبقة ، حتى مثل قتل أوصياء الأنبياء وذبح الأطفال ، وسبي بنات الوحي . وإذا كانت الحوراء زينب ( ع ) قد قالت لابن زياد : رضا الله
- ص 267 -
رضانا أهل البيت ، فإن عليا عليه السلام أولى من ابنته زينب بأن يرضيه ما يرضي الله سبحانه . وبديهي أن الإمام أمير المؤمنين عليا عليه السلام ، يريد لهذا الدين أن يستمر قويا راسخا ، حتى ولو كلفه ذلك روحه التي بين جنبيه ، وهو على استعداد لتحمل أنواع الأذى في هذا السبيل . وليس في إجابة الزهراء ( ع ) للمهاجمين ما يتنافى مع الغيرة والحمية ، كما لم يكن حمل زينب والنساء إلى كربلاء مع العلم بسبيهم يتنافى مع ذلك .
ثانيا : لقد كان النبي ( ص ) يأمر بعض زوجاته وأم أيمن بأن تجيب من كان يطرق عليه الباب ( 1 ) حين يقتضي الأمر ذلك . وهل هناك أغير من رسول الله ( ص ) ؟ !
وثالثا : المهاجمون هم الذين اعتدوا وفعلوا ما يخالف الدين والشرع والغيرة ، والحمية ، وحتى العرف الجاهلي ، أما علي ( ع ) فلم يصدر منه شئ من ذلك ، بل هو قد عمل بتكليفه ، والزهراء ( ع ) عملت بتكليفها ، والخلاف والتعدي قد جاء من قبل المهاجمين .
( 1 ) راجع : الاحتجاج : ج 1 ص 470 / 471 ، وكشف اليقين : ص 260 / 305 ، والبحار : ج 32 ، ص 347 ، و ج 39 ص 267 و ج 90 من 272 و ج 37 ص 313 و ج 38 ص 349 ، 350 ، 152 ، 121 ، 121 ، 305 ، 126 ، 356 ، 357 ، والطرائف : ص 72 ، ومناقب الإمام علي لابن المغازلي والدعوات للراوندي : ص 47 ، ومشارق أنوار اليقين ، وكشف الغمة : ج 1 ص 91 ، ومناقب الخوارزمي : ص 86 و 87 ، وترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق ( بتحقيق المحمودي ) : ج 3 ص 164 ، وفرائد السمطين ، ج 1 ص 331 ، وكفاية الطالب : ص 312 . ( * )
- ص 268 -
أين هي شجاعة علي ( ع ) ؟ ! قال ابن روزبهان عن حديث الإحراق : " لو صح هذا دل على عجزه ، حاشاه عن ذلك ، فإن غاية عجز الرجل أن يحرق هو وأهل بيته ، وامرأته في داره ، وهو لا يقدر على الدفع الخ . . " ( 1 ) .
وقد أخذ البعض هذا المعنى ، فقال : إنه لا يستسيغ أن تفتح الزهراء ( ع ) الباب ، أو تجيب القوم ، مع كون علي ( ع ) موجودا معها داخل البيت .
ثم إن هذا البعض يحاول أن يثير العواطف ، ويحرك الأحاسيس حين يزيد على ما مر ويقول : هل يقبل أحد منكم أن تهاجم زوجته ، أو أمه ، أو أخته ، وهو قاعد في البيت يقول : لا حول ولا قوة إلا بالله ؟ ! .
ماذا يقول الناس عنه لو فعل ذلك ؟
هل يقول الناس عنه بطل ؟ ! أو هو جبان ؟
فكيف تنسبون لعلي عليه السلام مجندل الأبطال ما لا ترضونه لأنفسكم ؟ !
ثم يؤكد قوله هذا فيقول : لقد عقد في ( دبي ) مجلس عزاء حول الزهراء ، وذكر القارئ هذه القضية ، وكان أحد أهل السنة حاضرا ، فقال لرجل شيعي كان هناك : أنتم تقولون : إن عليا بطل شجاع وقد " دوخ " الأبطال ، فكيف لم يدافع عن زوجته ، وهي وديعة رسول الله عنده ؟ !
ونقول :
( 1 ) إبطال نهج البلاغة ( مطبوع مع دلائل الصدق ) ج 3 قسم 1 ص 47 . ( * )
- ص 269 -
أولا : هذا الكلام ليس جديدا ، وقد أجاب عنه العلماء ، وكذلك علماء الزيدية ، فقال ابن حمزة : " هو ( ع ) مع شجاعته لم يخل من النظر في أمر الأمة ، وطلب استقامة الدين وترك ما يخشى معه التفاقم " ( 1 ) .
ثانيا : قال ابن حمزة الزيدي أيضا وهو يرد على بعضهم : " إنه لا عار عليه في أن يغلب ، إذ ليست الغلبة دلالة على حق ، ولا باطل ، ولا على جبن . وهو إمام معصوم بالنص ، لا يفعل بالعصبية ، وإنما يفعل بالأمر ، وقد أمر بالصبر ، فكان يصبر امتثالا لأمر الله سبحانه ، وأمر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، لا يقدم غضبا ولا يحجم جنبا " ( 2 ) .
ثالثا : إن ضرب الزهراء ( ع ) ليس هو الوحيد في تاريخ علي ( ع ) مع هؤلاء القوم ، فقد ورد أن عليا نفسه قد تعرض للضرب أيضا . ، لكن لا من أبي بكر ، ولا من عمر ، بل ممن هو أقل منهما شأنا وأثرا ، وهو عثمان .
فقد روى الزبير بن بكار في كتابه : عن علي بن أبي طالب عليه السلام ، أرسل إلي عثمان في الهاجرة ، فتقنعت بثوبي ، وأتيته فدخلت عليه وهو على سريره ، وفي يده قضيب ، وبين يديه مال دثر : صبرتان من ورق وذهب ، فقال : دونك خذ من هذا حتى تملأ بطنك فقد أحرقتني . فقلت : وصلتك رحم ! إن كان هذا مال ورثته ، أو أعطاكه معط ، أو اكتسبته من تجارة ، كنت أحد رجلين : إما آخذ ، أو أشكر ، أو أوفر فأجهد ، وإن كان من مال الله وفيه حق المسلمين واليتيم وابن السبيل ، فوالله ، ما لك أن تعطينه ولا لي أن آخذه .
( 1 ) الشافي لابن حمزة : ج 4 ص 188 . ( 2 ) الشافي لابن حمزة : ج 4 ص 200 ، وراجع ص 201 . ( * )
- ص 270 -
فقال : أبيت والله إلا ما أبيت . ثم قام إلي بالقضيب فضربني ، والله ما أرد يده ، حتى قضى حاجته ، فتقنعت بثوبي ، ورجعت إلى منزلي ، وقلت : الله بيني وبينك إن كنت أمرتك بمعروف أو نهيت عن منكر ( 1 ) !
بل هو قد تعرض للقتل أيضا - وقد تحدثنا عن ذلك تحت عنوان " أخبار عن احترام الصحابة للزهراء ( ع ) " - وقد روي في الكافي بسند صحيح عن الإمام الصادق عليه السلام : أنه لما خطب عمر أم كلثوم ، وقال ( ع ) : إنها صبية ، قال عمر للعباس : خطبت إلى ابن أخيك فردني ، أما والله ، لأعورن زمزم ، ولا أدع لكم مكرمة إلا هدمتها ، ولأقيمن عليه شاهدين بأنه سرق ، ولأقطعن يمينه . فأتى العباس فأخبره ، وسأله أن يجعل الأمر إليه فجعله إليه . ( 2 ) فهذه الرواية تدل على مدى جرأتهم عليه صلوات الله وسلامه عليه .
رابعا : إنه لا شك في أن أحدا منا لا يقبل بأن تهاجم زوجته ، أو أمه ، أو أخته ، وهو قاعد في البيت يقول : لا حول ولا قوة إلا بالله . . ولو فعل ذلك لقال الناس عنه : إنه جبان قطعا ، ولقلنا نحن عنه ذلك أيضا .
ولكن إذا كان المهاجمون يريدون استدراجنا لمعركة ، أو إثارة أحاسيسنا ، لكي نتشنج ، ونتصرف بردة الفعل ، ومن دون وعي لنتائج
( 1 ) شرح نهج البلاغة للمعتزلي الشافعي : ج 9 ص 10 . ( 2 ) الكافي : ج 5 ص 346 . ( * )
- ص 271 -
تصرفاتنا ، فإن الكل سوف يلومنا إذا استجبنا لاستدراج هؤلاء المهاجمين ، وحققنا لهم أهدافهم .
والمهاجمون كانوا يريدون ذلك من علي عليه السلام ، ولو أن عليا استجاب لهم ، لضاعت فرصة معرفة الحق ، ولأمكنهم أن يمتلكوا كل الأسهم الرابحة وكل إمكانات التشويه ، والتزييف للحقيقة ، كما سنوضحه إنشاء الله تعالى .
فبطولة علي ( ع ) هنا هي بصبره على الأذى ، وعدم استجابته للاستفزاز الذي مارسوه ضده ، فعلي ( ع ) هو الذي يضحي بكل شئ في سبيل حفظ هذا الدين ، ويعتبر أن هذه هي مسؤوليته وواجبه الشرعي ، ولم يكن ليفرط في دينه في سبيل أي شئ آخر .
خامسا : ولنفرض جدلا صحة ما يقوله هذا البعض من أن القوم كانوا يحترمون الزهراء ( ع ) ويقدرونها ، فلماذا لا يفترض أيضا أن يكون الهدف من إجابة الزهراء ( ع ) لهم على الباب هو الاستفادة من مكانتها وموقعها لدفعهم بأسهل الطرق وأيسرها ؟ ! وهل ترى أن مكانتها واحترامها دفع عنها هجوم القوم وأذاهم ؟ !
مواضيع مماثلة
» المخدرة لا تفتح الباب
» الباب الأول : الزهراء ومأساتها
» لماذا ؟ ! كتاب مأساة الزهراء عليها السلام
» * الفصل الثاني : الزهراء عليها السلام والغيب *
» الامر السابع
» الباب الأول : الزهراء ومأساتها
» لماذا ؟ ! كتاب مأساة الزهراء عليها السلام
» * الفصل الثاني : الزهراء عليها السلام والغيب *
» الامر السابع
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى