النقاط المعادة
صفحة 1 من اصل 1
النقاط المعادة
مأساة الزهراء عليها السلام ج 1 - العلامة السيد جعفر مرتضى العاملي - ص 24
النقاط المعادة
ومن النقاط التي ذكرناها في مقال سابق ، ونشرناها ، نختار ما يلي :
1 - إن طرح الأحاديث المتشابهة ، أو التي يصعب فهمها على الناس ، ثم الإصرار على الاستمرار في هذا الطرح ، من دون تقديم التفسير المعقول والمقبول ، ليس بالأمر المرضي ، ولا هو محمود العواقب ، خصوصا إذا كان ذلك من قبل أناس يتوقع الناس منهم حل المشكلات ، وتوضيح المبهمات .
وعلى الأخص إذا كانت هذه الأحاديث ، أو القضايا المشكلة لا تطرح على أهل الاختصاص من أهل الفكر ، وإنما على الناس السذج والبسطاء ، بمن فيهم الصغير والكبير ، والمرأة والرجل ، والعالم والجاهل . وذلك عبر وسائل الإعلام العامة ، وفي الهواء الطلق .
2 - إن إثارة المسائل الحساسة ، وطرح التساؤلات على أولئك الذين لا يملكون من أسباب المعرفة ما يمكنهم من حل العقدة بصورة سليمة وقويمة . ومن دون تقديم إجابات كافية ، أو حتى من دون إجابات أصلا ، إن ذلك يفرض على العلماء المخلصين أن يبادروا إلى رفع النقيصة ، وسد الثغرات ، وتقديم الأجوبة الصحيحة ، بكل ما يتوافر لديهم من وسائل ، لئلا يقع الناس الأبرياء الغافلون في الخطأ الكبير والخطير .
مع الحرص الأكيد على الاقتصار على نقد الفكرة ، ودون أن تصدر أية إساءة ، أو تجريح شخصي ، أو انتقاص لأي كان من الناس .
- ص 25 -
وإنما مع حفظ الكرامة والسؤدد ، وبالأسلوب العلمي المهذب والرصين . مع التذكير والإلماح إلى أن تبعة إثارة هذا المواضيع تقع على عائق مثيرها الأول . لا على الذين تصدوا للتصحيح والتوضيح . وليس من الإنصاف أن تثار هذه الأمور في الهواء الطلق ، ثم يطلب من الآخرين أن يسكتوا عن التعرض لها ، إلا في الخفاء ، وبين جدران أربع ، وخلف أبواب مغلقة أو مفتوحة ، فإن طلبا كهذا لا بد أن يفهم على أنه أمر بالسكوت ، بصورة جبرية ، بل هو ابتزاز وحصر لحق الكلام بصاحب السيادة أو السماحة دون سواه .
3 - إنه لا مجاملة في قضايا الدين والعقيدة ، فلا يتوقعن ذلك أحد من أي كان من الناس ، حتى لو كان قريبا وحبيبا ، ومهما كان موقعه ودوره ، فإن الحق والدين فوق كل الاعتبارات .
4 - إن قضايا الدين والعقيدة ليست حكرا على فريق بعينه ، بل هي تعني كل الناس على اختلاف حالاتهم ومستوياتهم ، فمن حق كل أحد أن يظهر حساسية تجاه أي مقولة تمس هذه القضايا ، ولا بد أن يلاحق ذلك باهتمام بالغ ومسؤول ، ليحدد موقفه . ولكن ضمن حدود الاتزان ، وبالأسلوب العلمي الموضوعي والرصين والمسؤول .
ويتأكد هذا الأمر إذا عرفنا :
أ - إن قضايا العقيدة لا يجوز التقليد فيها ، بل لا بد لكل فرد من الناس أن يلتمس الدليل المقنع والمقبول . . فليست مسائل العقيدة على حد مسائل الفقه التي يرجع فيها الجاهل إلى العالم ليأخذ الفتوى . استنادا إلى الأدلة العامة على لزوم التقليد .
- ص 26 -
وليس من الجائز منع الناس من التعرض لمثل هذه القضايا ، ولا يصح أن يطلب منهم مجرد الأخذ الأعمى لها ، وتقليد الآباء والأجداد ، أو هذا العالم أو ذاك بها . كما لا يصح ، بل لا يجوز استغلال غفلتهم ، وطهرهم وعرض هذه القضايا لهم بصورة ناقصة ، وغير متوازنة ، فإن ذلك لا يتوافق مع الأمانة العلمية والشرعية التي لا بد من مراعاتها .
ب - إن تحسس الناس لقضايا الدين والعقيدة ، ومتابعتهم لها بحيوية وحماس لهو من علامات العافية ، ودلائل السلامة ، ومن المفترض تشجيعه وتنميته فضلا عن لزوم الحفاظ عليه .
ولا يصح مهاجمته ، ومواجهته بالاتهامات الكبيرة ، والخطيرة ، بهدف كبته والقضاء عليه ، بل اللازم هو تأكيده ، وتحصينه ، وتوجيهه بصورة قويمة وسليمة ، لتصبح تلك العقيدة أكثر رسوخا ، وأعمق تأثيرا في السلوك وفي الموقف ، لا سيما في مواجهة التحديات .
5 - إن العلوم الإسلامية كثيرة ، وفيها سعة وشمولية ظاهرة ، بالإضافة إلى أنها بالغة الدقة في كثير من تفاصيلها ، فلا غضاضة على العالم أن يتريث في الإجابة على كثير من الأسئلة التي توجه إليه في كافة العلوم ، إذ ليس بمقدوره الإجابة على جميع الأسئلة ، إلا أن يكون في مستوى الأنبياء والأئمة .
وقد قيل : رحم الله امرءا عرف حده فوقف عنده . فإذا كان المسئول لم ينجز بحث تلك المسائل وتحقيقها ، ودراستها بصورة دقيقة ووافية ، تمكنه بعد ذلك من أن يعرضها على الناس بدقة وشمولية فليس له أن يصدر فيها أحكاما قاطعة . ولا يجوز له أن يتصدى للإجابة عنها ، وإن كان لا بد من ذلك ، فعليه أن يلتزم
- ص 27 -
حدود العرض والبراءة من العهدة ، وتقديم العذر بعدم التوفر على دراستها وتمحيصها . ولا غضاضة عليه لو اكتفى بعرض ما توافق عليه أعاظم علماء المذهب وأساطينه ، من دون التفات إلى ما تفرد به هذا العالم أو ذاك ، حيث لا يمكن التزام الشاذ ، وترك المشهور والمنصور .
أما أن يثير كل ما يخطر على باله ، أو يجيب على كل سؤال بطريقة تشكيكية ، تحقق له الهروب ( 1 ) ، وتوحي للناس بأنه عالم بكل تفاصيل القضايا ، وبأنه يثير التساؤلات حولها من موقع الخبرة ، والمسؤولية ، والاطلاع الدقيق ، والفكر العميق ، مع أنه ربما لم يطلع على النص أصلا ، فضلا عن أن يكون قد درسه أو حقق فيه - إن هذا الأسلوب - غير مقبول ، وغير منطقي ولا معقول .
6 - إنه ليس من حق أحد أن يطلب من الناس أن يقتصروا في ما يثيرونه من قضايا على ما ورد عن النبي ( ص ) والأئمة ( ع ) بأسانيد صحيحة ، وفق المعايير الرجالية في توثيق رجال السند . . . لأن ذلك معناه أن يسكت الناس كلهم عن الحديث في جل القضايا والمسائل ، دينية كانت أو تاريخية أو غيرها .
بل إن هذا الذي يطلب ذلك من الناس ، لو أراد هو أن يقتصر في كلامه على خصوص القضايا التي وردت بأسانيد صحيحة عن المعصومين ، فسيجد نفسه مضطرا إلى السكوت ، والجلوس في بيته ، لأنه لن يجد إلا النزر اليسير الذي سيستنفده خلال أيام أو أقل من ذلك .
( 1 ) كقوله : إذا سئل عن أمر ورد في نص : هذا غير ثابت . أو صحة الرواية غير معلومة . أو يوجد أحاديث لم تثبت صحتها .
- ص 28 -
على أننا نقول ، وهو أيضا يقول : إن ثبوت القضايا لا يتوقف على توفر سند صحيح لها برواية عن المعصومين ، فثمة قرائن أخرى تقوي من درجة الاعتماد أحيانا ، ككون الرواية الضعيفة قد عمل بها المشهور ، واستندوا إليها مع وجود ذات السند الصحيح أمام أعينهم ، ثم لم يلتفتوا إليها وكذا لو كان النص يمثل إقرارا من فاسق بأمر يدينه أو يناقض توجهاته ، فإنه لا يصح أن يقال : إن هذا فاسق فلا يقبل قوله .
وعلى هذا ، فلا بد من ملاحظة القرائن المختلفة في قضايا الفقه ، والأصول ، والعقيدة والتاريخ وغيرها من قبل أهل الاختصاص ، حيث يستفيدون منها في تقوية الضعيف سندا ، أو تضعيف القوي ، بحسب الموارد وتوفر الشواهد .
7 - إنه ليس أسهل على الناس من أن يقف موقف المشكك والنافي للثبوت ، والمتملص من الالتزام بالقضايا ، والهروب من تحمل مسؤولياتها . وليس ذلك دليل علمية ولا يشير إلى عالمية في شئ . والعالم المتبحر ، والناقد ، والمحقق هو الذي يبذل جهده في تأصيل الأصول ، وتأكيد الحقائق . وإثبات الثابت منها ، وإبعاد المزيف .
8 - إن نسبة أي قول إلى فئة أو طائفة ، إنما تصح إذا كان ذلك القول هو ما ذهب إليه ، وصرح به رموزها الكبار ، وعلماؤها على مر الأعصار ، أو أكثرهم ، وعليه استقرت آراؤهم ، وعقدوا عليه قلوبهم . ويعلم ذلك بالمراجعة إلى مجاميعهم ، ومؤلفاتهم ، وكتب عقائدهم ، وتواريخهم .
أما لو كان ثمة شخص ، أو حتى أشخاص من طائفة ، قد شذوا في بعض آرائهم ، فلا يصح نسبة ما شذوا به إلى الطائفة بأسرها ، أو
- ص 29 -
إلى فقهائها ، وعلمائها . فكيف إذا كان هؤلاء الذين شذوا بأقوالهم من غير الطليعة المعترف بها في تحقيق مسائل المذهب .
وكذا الحال لو فهم بعض الناس قضية من القضايا بصورة خاطئة وغير واقعية ولا سليمة ، فلا يصح نسبة هذا الفهم إلى الآخرين بطريقة التعميم ، لكي تبدأ عملية التشنيع بالكلام الملمع والمزوق والمرصع والمنمق ، مع تضخيم له وتعظيم ، وتبجيل وتفخيم ، يؤدي إلى احتقار علماء المذهب وتسخيف عقولهم ، بلا مبرر أو سبب . ثم هو يقدم البديل الذي أعده ومهد له بالكلام المعسول مهما كان ذلك البديل ضعيفا وهزيلا .
9 - إن طرح القضايا التي يطلب فيها الوضوح ، على الناس العاديين بأساليب غائمة ، وإن كان ربما يسهل على من يفعل ذلك التخلص والتملص من تبعة طروحاته إلى حد ما . . ولكنه لا يعفيه من مسؤولية تلقي الناس العاديين للفكرة على أنها هي كل الحقيقة ، وهي الرأي الصواب الناشئ عن البحث والدراسة ، وما عداه خطأ .
نعم ، لا يعفيه من مسؤولية ذلك ، ما دام أن الكل يعلم : أن الناس يفهمون الأمور ببساطة ، فلا يلتفتون إلى كلمة : ربما ، لعل ، لنا أن نتصور ، يمكن أن نفهم ، نستوحي ، علينا أن ندرس ، وما إلى ذلك . . وبعد . . فإننا نحترم ونقدر جهور العاملين والمخلصين ، وندعو لهم بالتوفيق والتسديد ، ونشكر كل الأخوة العاملين المخلصين الذين بذلوا جهدا في سبيل إنجاح هذا الكتاب ، وأخص منهم بالذكر الأخ العلامة
- ص 30 -
الجليل الشيخ رضوان شرارة ، فشكر الله سعي الجميع ، وحفظهم ورعاهم .
ووفقنا وإياهم لسداد الرأي ، وخلوص العمل . وهو ولينا ، وهو الهادي إلى الرشاد والسداد .
النقاط المعادة
ومن النقاط التي ذكرناها في مقال سابق ، ونشرناها ، نختار ما يلي :
1 - إن طرح الأحاديث المتشابهة ، أو التي يصعب فهمها على الناس ، ثم الإصرار على الاستمرار في هذا الطرح ، من دون تقديم التفسير المعقول والمقبول ، ليس بالأمر المرضي ، ولا هو محمود العواقب ، خصوصا إذا كان ذلك من قبل أناس يتوقع الناس منهم حل المشكلات ، وتوضيح المبهمات .
وعلى الأخص إذا كانت هذه الأحاديث ، أو القضايا المشكلة لا تطرح على أهل الاختصاص من أهل الفكر ، وإنما على الناس السذج والبسطاء ، بمن فيهم الصغير والكبير ، والمرأة والرجل ، والعالم والجاهل . وذلك عبر وسائل الإعلام العامة ، وفي الهواء الطلق .
2 - إن إثارة المسائل الحساسة ، وطرح التساؤلات على أولئك الذين لا يملكون من أسباب المعرفة ما يمكنهم من حل العقدة بصورة سليمة وقويمة . ومن دون تقديم إجابات كافية ، أو حتى من دون إجابات أصلا ، إن ذلك يفرض على العلماء المخلصين أن يبادروا إلى رفع النقيصة ، وسد الثغرات ، وتقديم الأجوبة الصحيحة ، بكل ما يتوافر لديهم من وسائل ، لئلا يقع الناس الأبرياء الغافلون في الخطأ الكبير والخطير .
مع الحرص الأكيد على الاقتصار على نقد الفكرة ، ودون أن تصدر أية إساءة ، أو تجريح شخصي ، أو انتقاص لأي كان من الناس .
- ص 25 -
وإنما مع حفظ الكرامة والسؤدد ، وبالأسلوب العلمي المهذب والرصين . مع التذكير والإلماح إلى أن تبعة إثارة هذا المواضيع تقع على عائق مثيرها الأول . لا على الذين تصدوا للتصحيح والتوضيح . وليس من الإنصاف أن تثار هذه الأمور في الهواء الطلق ، ثم يطلب من الآخرين أن يسكتوا عن التعرض لها ، إلا في الخفاء ، وبين جدران أربع ، وخلف أبواب مغلقة أو مفتوحة ، فإن طلبا كهذا لا بد أن يفهم على أنه أمر بالسكوت ، بصورة جبرية ، بل هو ابتزاز وحصر لحق الكلام بصاحب السيادة أو السماحة دون سواه .
3 - إنه لا مجاملة في قضايا الدين والعقيدة ، فلا يتوقعن ذلك أحد من أي كان من الناس ، حتى لو كان قريبا وحبيبا ، ومهما كان موقعه ودوره ، فإن الحق والدين فوق كل الاعتبارات .
4 - إن قضايا الدين والعقيدة ليست حكرا على فريق بعينه ، بل هي تعني كل الناس على اختلاف حالاتهم ومستوياتهم ، فمن حق كل أحد أن يظهر حساسية تجاه أي مقولة تمس هذه القضايا ، ولا بد أن يلاحق ذلك باهتمام بالغ ومسؤول ، ليحدد موقفه . ولكن ضمن حدود الاتزان ، وبالأسلوب العلمي الموضوعي والرصين والمسؤول .
ويتأكد هذا الأمر إذا عرفنا :
أ - إن قضايا العقيدة لا يجوز التقليد فيها ، بل لا بد لكل فرد من الناس أن يلتمس الدليل المقنع والمقبول . . فليست مسائل العقيدة على حد مسائل الفقه التي يرجع فيها الجاهل إلى العالم ليأخذ الفتوى . استنادا إلى الأدلة العامة على لزوم التقليد .
- ص 26 -
وليس من الجائز منع الناس من التعرض لمثل هذه القضايا ، ولا يصح أن يطلب منهم مجرد الأخذ الأعمى لها ، وتقليد الآباء والأجداد ، أو هذا العالم أو ذاك بها . كما لا يصح ، بل لا يجوز استغلال غفلتهم ، وطهرهم وعرض هذه القضايا لهم بصورة ناقصة ، وغير متوازنة ، فإن ذلك لا يتوافق مع الأمانة العلمية والشرعية التي لا بد من مراعاتها .
ب - إن تحسس الناس لقضايا الدين والعقيدة ، ومتابعتهم لها بحيوية وحماس لهو من علامات العافية ، ودلائل السلامة ، ومن المفترض تشجيعه وتنميته فضلا عن لزوم الحفاظ عليه .
ولا يصح مهاجمته ، ومواجهته بالاتهامات الكبيرة ، والخطيرة ، بهدف كبته والقضاء عليه ، بل اللازم هو تأكيده ، وتحصينه ، وتوجيهه بصورة قويمة وسليمة ، لتصبح تلك العقيدة أكثر رسوخا ، وأعمق تأثيرا في السلوك وفي الموقف ، لا سيما في مواجهة التحديات .
5 - إن العلوم الإسلامية كثيرة ، وفيها سعة وشمولية ظاهرة ، بالإضافة إلى أنها بالغة الدقة في كثير من تفاصيلها ، فلا غضاضة على العالم أن يتريث في الإجابة على كثير من الأسئلة التي توجه إليه في كافة العلوم ، إذ ليس بمقدوره الإجابة على جميع الأسئلة ، إلا أن يكون في مستوى الأنبياء والأئمة .
وقد قيل : رحم الله امرءا عرف حده فوقف عنده . فإذا كان المسئول لم ينجز بحث تلك المسائل وتحقيقها ، ودراستها بصورة دقيقة ووافية ، تمكنه بعد ذلك من أن يعرضها على الناس بدقة وشمولية فليس له أن يصدر فيها أحكاما قاطعة . ولا يجوز له أن يتصدى للإجابة عنها ، وإن كان لا بد من ذلك ، فعليه أن يلتزم
- ص 27 -
حدود العرض والبراءة من العهدة ، وتقديم العذر بعدم التوفر على دراستها وتمحيصها . ولا غضاضة عليه لو اكتفى بعرض ما توافق عليه أعاظم علماء المذهب وأساطينه ، من دون التفات إلى ما تفرد به هذا العالم أو ذاك ، حيث لا يمكن التزام الشاذ ، وترك المشهور والمنصور .
أما أن يثير كل ما يخطر على باله ، أو يجيب على كل سؤال بطريقة تشكيكية ، تحقق له الهروب ( 1 ) ، وتوحي للناس بأنه عالم بكل تفاصيل القضايا ، وبأنه يثير التساؤلات حولها من موقع الخبرة ، والمسؤولية ، والاطلاع الدقيق ، والفكر العميق ، مع أنه ربما لم يطلع على النص أصلا ، فضلا عن أن يكون قد درسه أو حقق فيه - إن هذا الأسلوب - غير مقبول ، وغير منطقي ولا معقول .
6 - إنه ليس من حق أحد أن يطلب من الناس أن يقتصروا في ما يثيرونه من قضايا على ما ورد عن النبي ( ص ) والأئمة ( ع ) بأسانيد صحيحة ، وفق المعايير الرجالية في توثيق رجال السند . . . لأن ذلك معناه أن يسكت الناس كلهم عن الحديث في جل القضايا والمسائل ، دينية كانت أو تاريخية أو غيرها .
بل إن هذا الذي يطلب ذلك من الناس ، لو أراد هو أن يقتصر في كلامه على خصوص القضايا التي وردت بأسانيد صحيحة عن المعصومين ، فسيجد نفسه مضطرا إلى السكوت ، والجلوس في بيته ، لأنه لن يجد إلا النزر اليسير الذي سيستنفده خلال أيام أو أقل من ذلك .
( 1 ) كقوله : إذا سئل عن أمر ورد في نص : هذا غير ثابت . أو صحة الرواية غير معلومة . أو يوجد أحاديث لم تثبت صحتها .
- ص 28 -
على أننا نقول ، وهو أيضا يقول : إن ثبوت القضايا لا يتوقف على توفر سند صحيح لها برواية عن المعصومين ، فثمة قرائن أخرى تقوي من درجة الاعتماد أحيانا ، ككون الرواية الضعيفة قد عمل بها المشهور ، واستندوا إليها مع وجود ذات السند الصحيح أمام أعينهم ، ثم لم يلتفتوا إليها وكذا لو كان النص يمثل إقرارا من فاسق بأمر يدينه أو يناقض توجهاته ، فإنه لا يصح أن يقال : إن هذا فاسق فلا يقبل قوله .
وعلى هذا ، فلا بد من ملاحظة القرائن المختلفة في قضايا الفقه ، والأصول ، والعقيدة والتاريخ وغيرها من قبل أهل الاختصاص ، حيث يستفيدون منها في تقوية الضعيف سندا ، أو تضعيف القوي ، بحسب الموارد وتوفر الشواهد .
7 - إنه ليس أسهل على الناس من أن يقف موقف المشكك والنافي للثبوت ، والمتملص من الالتزام بالقضايا ، والهروب من تحمل مسؤولياتها . وليس ذلك دليل علمية ولا يشير إلى عالمية في شئ . والعالم المتبحر ، والناقد ، والمحقق هو الذي يبذل جهده في تأصيل الأصول ، وتأكيد الحقائق . وإثبات الثابت منها ، وإبعاد المزيف .
8 - إن نسبة أي قول إلى فئة أو طائفة ، إنما تصح إذا كان ذلك القول هو ما ذهب إليه ، وصرح به رموزها الكبار ، وعلماؤها على مر الأعصار ، أو أكثرهم ، وعليه استقرت آراؤهم ، وعقدوا عليه قلوبهم . ويعلم ذلك بالمراجعة إلى مجاميعهم ، ومؤلفاتهم ، وكتب عقائدهم ، وتواريخهم .
أما لو كان ثمة شخص ، أو حتى أشخاص من طائفة ، قد شذوا في بعض آرائهم ، فلا يصح نسبة ما شذوا به إلى الطائفة بأسرها ، أو
- ص 29 -
إلى فقهائها ، وعلمائها . فكيف إذا كان هؤلاء الذين شذوا بأقوالهم من غير الطليعة المعترف بها في تحقيق مسائل المذهب .
وكذا الحال لو فهم بعض الناس قضية من القضايا بصورة خاطئة وغير واقعية ولا سليمة ، فلا يصح نسبة هذا الفهم إلى الآخرين بطريقة التعميم ، لكي تبدأ عملية التشنيع بالكلام الملمع والمزوق والمرصع والمنمق ، مع تضخيم له وتعظيم ، وتبجيل وتفخيم ، يؤدي إلى احتقار علماء المذهب وتسخيف عقولهم ، بلا مبرر أو سبب . ثم هو يقدم البديل الذي أعده ومهد له بالكلام المعسول مهما كان ذلك البديل ضعيفا وهزيلا .
9 - إن طرح القضايا التي يطلب فيها الوضوح ، على الناس العاديين بأساليب غائمة ، وإن كان ربما يسهل على من يفعل ذلك التخلص والتملص من تبعة طروحاته إلى حد ما . . ولكنه لا يعفيه من مسؤولية تلقي الناس العاديين للفكرة على أنها هي كل الحقيقة ، وهي الرأي الصواب الناشئ عن البحث والدراسة ، وما عداه خطأ .
نعم ، لا يعفيه من مسؤولية ذلك ، ما دام أن الكل يعلم : أن الناس يفهمون الأمور ببساطة ، فلا يلتفتون إلى كلمة : ربما ، لعل ، لنا أن نتصور ، يمكن أن نفهم ، نستوحي ، علينا أن ندرس ، وما إلى ذلك . . وبعد . . فإننا نحترم ونقدر جهور العاملين والمخلصين ، وندعو لهم بالتوفيق والتسديد ، ونشكر كل الأخوة العاملين المخلصين الذين بذلوا جهدا في سبيل إنجاح هذا الكتاب ، وأخص منهم بالذكر الأخ العلامة
- ص 30 -
الجليل الشيخ رضوان شرارة ، فشكر الله سعي الجميع ، وحفظهم ورعاهم .
ووفقنا وإياهم لسداد الرأي ، وخلوص العمل . وهو ولينا ، وهو الهادي إلى الرشاد والسداد .
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى