alzahra2
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

بداية وتوطئة - نقاط لابد من ملاحظتها

اذهب الى الأسفل

بداية وتوطئة - نقاط لابد من ملاحظتها Empty بداية وتوطئة - نقاط لابد من ملاحظتها

مُساهمة  جند المرجعية الثلاثاء يونيو 01, 2010 12:06 am

مأساة الزهراء عليها السلام ج 1 - العلامة السيد جعفر مرتضى العاملي - ص 9



تمهيد بداية وتوطئة

قد تعرض هذا الكتاب إلى أمور أثيرت في الآونة الأخيرة ، حول مأساة الزهراء ( عليها السلام ) ، وما جرى عليها بعد وفاة رسول الله ( ص ) ، وحول أمور أخرى لها نوع ارتباط بها صلوات الله وسلامه عليها - أثيرت - بطريقة تطلبت منا توضيحا ، أو تنقيحا .

وقد أحببنا قبل الدخول في ما هو المهم : أن نذكر القارئ العزيز بأمور وبنقاط ، يرتبط أكثرها بإثارات في دائرة البحث العلمي لا بد له من الإطلاع عليها ، كنا قد أوردنا قسما منها في مقال لنا نشر قبل أشهر بعنوان : " لست بفوق أن أخطئ " .

ونعيد عرض بعضها للقارئ الكريم في هذا التمهيد أيضا لأهميتها ، ولأنه قد لا يتيسر له المراجعة إليها في ذلك المقال ، فإلى ما يلي من نقاط معادة أو مزادة ، والله ولي التوفيق : نقاط لا بد من ملاحظتها :

1 - لقد وردت النقاط التي ألمحنا إليها وناقشناها في هذا الكتاب في مؤلفات ، ومقالات ، ومحاضرات ، ومقابلات صحافية ، أو إذاعية ، أو تلفزيونية .

- ص 10 -


وقد حرصنا على أن لا نصرح باسم قائلها من أجل الحفاظ على المشاعر ، حيث لم نرد أن نتسبب بأدنى دغدغة للخواطر ، وقد كنا ولا نزال نحرص على صداقتنا مع الجميع ، وحبنا لهم ، وإرادة الخير لكل الناس .

ولولا أننا رأينا أن من واجبنا المبادرة إلى توضيح بعض الأمور ، لكنا أعرضنا عن نشر هذه المطالعة من الأساس . فإذا ما أراد شخص أن يعتبر أن ما يرد في هذا الكتاب يعنيه دون سواه ، على قاعدة : " كاد المريب أن يقول : خذوني " ، فذلك شأنه ، ولكننا نسدي له النصح بأن لا يفعل ذلك ، لأننا ، إنما نقصد بذلك نفس القول من أي قائل كان .

2 - قد تصادف في حياتك العلمية بعض المتطفلين على الثقافة والمعرفة ، ممن قد يحملون بعض الألقاب أو العناوين يشن حملة تشهيرية ضد من يخالفه في الرأي أو يناقشه فيه ، ولو على القاعدة التي أطلقها بعض هؤلاء بالذات منتصرا ليزيد بن معاوية ، حين اعتبر لعنه سقوطا ، فقال : " ولكن تلك المحافل سقطت في جوانب منها إلى السباب واللعن ، فلم تكتف بالشمر اللعين ، بل طالت فيمن طالت معاوية ويزيد وبني أمية " ( 1 ) .

فإذا واجهنا نحن أيضا هذا النوع من الناس ، فإن ذلك لن يرهبنا ، ولن يمنعنا من اتباع هذا الكتاب بنظائر له ، تناقش شتى الموضوعات المطروحة بطريقة علمية وموضوعية ، وهادئة ، إذا كان ثمة ضرورة لمناقشتها ، أو إذا تبلور لدينا شعور بالتكليف الشرعي الملزم باتخاذ موقف تجاهها ، إذ قد بات من الواضح : أنه لا مجال للمجاملة أو المهادنة في أمر الدين ، وقضايا العقيدة ، وما يتعلق بأهل البيت ( ع ) .

( 1 ) جريدة السفير : 27 / 6 / 1996 م من مقال لأحد الأساتذة . ( * )

- ص 11 -


ولن نلتفت إلى مهاترات بعض هؤلاء ، أو أولئك . فما ذلك إلا كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء . وليحق الله الحق بكلماته ، ويبطل كيد الخائنين .

3 - وبعد . . فقد يقول البعض : إن مناقشة الأفكار ونقدها يعتبر تشهيرا بصاحب الفكرة ، مع أن اللازم هو حفظه ، والتستر على أخطائه ، وعدم الاعلان بها .

ونقول :
أولا : إذا كانت مناقشة الأفكار ونقدها تشهيرا ، فاللازم هو إغلاق أبواب المعرفة والعلم ، ومنع النقد البناء من الأساس ، مع أن نقد أفكار حتى كبار العلماء عبر التاريخ هو الصفة المميزة لأهل الفكر والعلم ، خصوصا أتباع مدرسة أهل البيت ( ع ) .

ثانيا : إن التشهير الممنوع هو ذلك الذي يتناول الأمور الشخصية ، وليس النقد البناء والموضوعي وتصحيح الخطأ في الأمور العقيدية ، والإيمانية والفكرية ، معدودا في جملة ما يجب فيه حفظ الأشخاص ، ليكون محظورا وممنوعا . لا سيما إذا كان هذا الخطأ سينعكس خطأ أيضا في عقائد الناس ، وفي قضاياهم الدينية ومفاهيمهم الإيمانية ، فإنها تبقى القضية الأكثر إلحاحا ، وإن حفظ الناس في دينهم هو الأولى والأوجب من حفظ من يتسبب بالمساس بذلك ، أو يتطاول إليه . ولا بد للإنسان أن يعرف حده فيقف عنده ، ولا يحاول النيل من قضايا وثوابت الدين والعقيدة ، والإيمان .

- ص 12 -


3 - وثالثا : إن المبادرة إلى نقد الفكرة ليس تجنيا ولا تشهيرا ، بل إن الإصرار على طرح الأمور التي تمس الثوابت الدينية أو المذهبية أو التاريخية ، أو غيرها بطريقة خالية من الدقة العلمية ، وتجاوز الحدود الطبيعية هو الذي يؤدي إلى التشهير بصاحبها .

4 - قد يرى البعض إن التعرض إلى بعض الثوابت يمثل نوعا من التجديد في الفكر ، أو في الثقافة الإسلامية أو التاريخية ، وما إلى ذلك .

ولكن الحقيقة هي أن ما قد اعتبر من هذا القبيل هو - على العموم - يمثل عودة إلى طرح أمور سبق الآخرون إلى طرحها في عصور سلفت ، بل لا يزال كثير منهم يذكرون أبعاضا منها في مناقشاتهم مع الشيعة الإمامية إلى يومنا هذا ، وهو مبثوث في ثنايا كلماتهم ، واحتجاجاتهم الكلامية والمذهبية في مؤلفاتهم . . كما لا يخفى على المتتبع الخبير . وقد أجاب عنها الشيعة الإمامية ولا يزالون ، بكل وضوح ودقة ، ومسؤولية ، ووعي ، ولله الحمد .

5 - هناك مقولة سمعناها وقرأناها أكثر من مرة تفيد : أن علينا أن لا نخشى من طرح القضايا على الناس ، فإن القرآن قد نقل لنا أفكار المشككين في النبي : " وكيف لنا أن نعرف ما قالوه فيه ( ص ) من أنه مجنون ، وساحر ، وكاذب لو لم يستعرض القرآن مواقفهم المعادية " .

ونقول :
أولا : إن قولهم : ساحر ، وكاذب ، ومجنون ، ليس أفكارا للمشككين ، بل هو مجرد سببا وشتائم ، وإهانات منهم لرسول الله

- ص 13 -


( ص ) ، في نطاق الحرب الاعلامية ضد الرسول ( ص ) ، والذين قالوا ذلك أنفسهم كانوا يعرفون كذبها وزيفها أكثر من غيرهم .

ثانيا : إن إثارة التساؤلات وإلقاء التشكيكات والسباب ، وكيل التهم للنبي ( ص ) أو لغيره لا يعتبر فكرا ، فضلا عن أن يكون تجديدا في الفكر ، أو حياة له وفيه .

ثالثا : إن القرآن حين تحدث عن مقولات هؤلاء فإنما تحدث عنها في سياق الرد عليها ، وتهجينها فلم يكتف بمجرد إثارتها ولا تركها معلقة في الهواء ، لتتغلغل وتستحكم في نفوس الناس الذين لا يملكون من أسباب المعرفة ما يمكنهم من محاكمتها بدقة ووعي وعمق .

6 - يقول البعض : إن مسؤولية العالم أن يظهر علمه إذا ظهرت البدع في داخل الواقع الإسلامي وخارجه ، وإذا لم يفعل ذلك " فعليه لعنة الله " كما يقول النبي ( ص ) ، والله تعالى قال : * ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ) * ( 1 ) .

ونقول : إننا عملا بهذه المقولة بالذات ، قد ألزمنا أنفسنا في كل حياتنا العلمية بالتصدي العلمي لأي تساؤل يثار في داخل الواقع الإسلامي وخارجه ، إذا كان يمثل إدخالا لشئ جديد في تراثنا الفكري ، أو في الدين الحنيف ، أو في المذهب الحق الذي حقق حقائقه رموز الإسلام ، ورواد التشيع الأصيل ، وأساطين العلم وجهابذته ، بالأدلة الواضحة والبراهين اللائحة .

( 1 ) سورة البقرة : 159 . ( * )

- ص 14 -


7 - قد يجعل بعض الناس دعواه هي نفسها دليله القاطع عليها ، فليتأمل المتأمل في ذلك ، وليلتفت إليه .

8 - إذا كان ثمة من يحاول هدم الأدلة التي أقامها العلماء على قضية عقيدية أو غيرها ، فبقطع النظر عن فشله أو نجاحه في ذلك ، فإنه حين لا يقدم الدليل البديل ، فإنه يكون بذلك قد قرر التخلي عن تلك العقيدة التي زعم أنه هدم دليلها ، حيث لا يمكنه أن يلتزم بعقيدة ليس له دليل عليها ، إلا إذا كان مقلدا في الأمور العقائدية ، وهو أمر غير مقبول من أحد من الناس .

9 - وقد يقول البعض : إنه ليس من حق أحد أن ينصحه ، بأن لا يطرح على الناس العاديين بعض آرائه وتساؤلاته حول الأمور العقيدية ، والإيمانية ، والتاريخية التي يخالف فيها ما أجمع عليه علماء المذهب ، ورموزه وجهابذته ، حتى لو كانت هذه النصيحة تهدف إلى صيانته عن الوقوع في المحذور الكبير إذا كان ما سيطرحه يمثل خروجا خطيرا ، يفرض على العلماء الذين يحرم عليهم كتمان العلم والبينات مواجهته بالدليل القاطع ، وبالحجة البالغة ، وبالأسلوب المماثل ، بل بأي أسلوب مشروع يجدي في التوضيح والتصحيح .

هذا عدا عن أنه يستتبع أيضا أمورا خطيرة فيما يرتبط بآثار هذه المخالفات وتبعاتها ، وما يفرضه على الآخرين من طريقة تعامل معه ، وأسلوب التعرض لتساؤلاته وآرائه وطروحاته .

10 - ويقول أيضا : " يخاف البعض أن يؤدي طرح المسائل الفكرية والعقائدية إلى مس أفكار متوارثة قد تكون صحيحة ، وقد لا تكون " .

- ص 15 -


ثم يتوجه إلى الناس بقوله : " لا تبيعوا عقولكم لأحد ، ولا تبقوا على جمودكم على غرار ما ذكرته الآية الكريمة : * ( إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ ) * ( 1 ) ، لأن كل جيل يجب أن ينفتح على الحقيقة وفق ما عقله ، وفكر به " . ثم يستدل على لزوم طرح أفكاره وتساؤلاته بحديث : إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه وإلا فعليه لعنة الله ، وبالآية الكريمة المتقدمة * ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى . . . ) * الخ . . .

ونقول : إننا لا ندري ما هو المبرر لهذا التصريح الخطير الذي ضمنه اتهاما بأن بعض أفكار وعقائد مذهبنا الحق قد لا تكون صحيحة ! ! وما كنا نظن أن اتباع هذا المذهب يتوارثون أفكارهم وعقائدهم من دون دليل وحجة ، وإنما لمجرد التقليد الأعمى غير المقبول ولا المعقول ! ! ولم نكن نحسب أن أتباع هذا المذهب قد أصبحوا موردا لقوله تعالى : إنا وجدنا آبائنا على أمة الخ . . ! !

والأدهى من ذلك كله : تصنيف عقائدنا ( المتوارثة ! ! ) على حد تعبيره في عداد البدع التي ظهرت . فاحتاج إلى إظهار علمه انطلاقا من حديث : إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه ! !

11 - وربما يلجأ البعض إلى إظهار أية معالجة علمية للمقولات التي تصدر عنه ، على أنها تتصل بدوافع شخصية ، ثم تبدأ التحليلات ،

( 1 ) سورة الزخرف : 13 . ( * )

- ص 16 -


والتكهنات ، وتصاغ التهم ، فينشغل الناس بها ، وينسوا ما وراء ذلك .

ونحن لا نريد أن نفرض على أحد أن يحسن ظنه بأي كان ، وإن كنا نعتقد : أن إحسان الظن - خصوصا - على المستوى العلمي هو ما تدعو إليه الأخوة الإسلامية والإيمانية .

ولكننا نذكر المشتغلين بالشأن العلمي بأمر يوجبه الله سبحانه وتعالى على الجميع ، وهو أن عليهم أن ينأوا بأنفسهم على التكهنات ، والتهم والرجم بالغيب ، مع ما يتضمن ذلك من تعد على كرامات الناس من دون إثبات له بالطرق الشرعية . وهذا التعدي مرفوض ، ويعد مخالفة لأحكام الشرع والدين ، وللضمير والوجدان .

ثم إننا نذكر أيضا بأمرين :

أحدهما : إن هذا النوع من الفهم للأمور ، لا يقلل من قيمة الطرح العلمي أو الفكري الذي تقدمه تلك المعالجة ، التي ربما يراد حجب تأثيرها بأساليب كهذه ، بل تبقى الروح العلمية ، ومتانة الدليل هي المعيار والميزان في الرد أو في القبول ، إذا اقتضى الأمر أيا من هذين الأمرين في أي مسألة من المسائل التي هي في صلب اهتماماتنا ، وتقع في سلم الأولويات عندنا .

الثاني : إننا قد لا نجد مبررا لإساءة الظن هذه ، لأن المعابير الشرعية هي التي يجب أن تحكم أي موقف أو سلوك ، لا سيما إذا كانت العلاقة فيما بين طرفي الحوار حميمة وسليمة على مدى حين طويل من الدهر ، لولا هذه المعارضة للأفكار ، يريد أن يروج لها ، ويستظهر بها ، وينتصر لها بقوة وبحماس ، فحرك الطرف الآخر شعوره بالمسؤولية العلمية أو الشرعية لبيان ما يراه حقا وصدقا ، ولا حرج ولا غضاضة في ذلك ، بل إنه لو لم يفعل ذلك لكان للريب في صلاحه

- ص 17 -


واستقامته مجال ومبرر ، مقبول ومعقول .

12 - يقول البعض : إن ما يصدر عنه من مقولات هو مجرد اجتهاد ، ويحق لكل أحد أن يمارس الاجتهاد ، ويخالف الآخرين في آرائهم . .

ونقول : لا حرج في أن يجتهد فلان من الناس ، ويخالف الآخرين في آرائهم أو يوافقهم . . إذا كان الأمر يقتصر عليه هو ، وينحصر به ، ويمثل عقيدة شخصية له ، لا تتعداه إلى غيره .

أما إذا كان هذا الشخص يريد أن ينشر بين الناس اجتهاده المخالف لثوابت المذهب التي قامت عليها ، البراهين القاطعة ، ودلت عليها النصوص الصريحة والصحيحة والمتواترة ، فيدعوا الناس إلى مقالاته المخالفة لها ، فالموقف منه لا بد أن يختلف عن الموقف من ذاك ، حيث لا بد من التصدي له ، وتحصين الناس عن الانسياق معه ، في أفكاره التي تخالف حقائق الدين وثوابته التي حققها رموز المذهب وأعلامه ، ولا بد من وضع النقاط على الحروف ، وتوضيح التفاوت والاختلاف فيها بينه وبينهم .

ويتأكد لزوم مواجهة طروحاته حين نجده يقدمها للناس بعنوان أنها هي الفكر المنسجم مع ما تسالم عليه علماؤنا تحت شعار التجديد والعصرنة ، ولا يعترف أبدا بأنها تختلف مع كثير من الحقائق الثابتة في النواحي العقيدية والإيمانية ، الأمر الذي لا ينسجم مع الأمانة الفكرية ولا مع خلقية الإنسان الناقل والناقد .

13 - قد يلاحظ على البعض إيغاله في الاعتماد على عقله ،

- ص 18 -


وفي إعطائه الدور الرئيس ، والقرار الحاسم ، حتى في أمور ليس للعقل القدرة على الانطلاق في رحابها ، بل ربما جعل من عقله هذا معيارا ومقياسا ، مدعيا أنه يدرك علل الأحكام ، فيعرض النصوص عليه ، فإن أدرك مغزاها ، وانسجم مع محتواها قبلها ورضيها ، وإلا فلا يرى في رفضها ، والحكم عليها بالوضع والدس أي حرج أو جناح . ونوضح ذلك في ضمن فرضيتين يظهر منهما موضع الخلل :

إحداهما : إن ظاهر النص قد يتناقض مع حكم العقل ، تناقضا ظاهرا وصريحا في أمر هو من شؤون العقل ، ويكون للعقل فيه مجال ، وله عليه إشراف . ففي هذه الحالة لا بد من تأويل النص بما يتوافق مع العقل ، وينسجم مع قواعد التعبير . فإن لم يمكن ذلك فلا بد من رده ، ورفضه ، وهذه الفرضية هي الصحيحة والمقبولة لدى العلماء .

الثانية : إن يعجز عقل الفرد عن إدراك وجه الحكمة أو العلة في ما تحدث عنه النص ، كما لو تحدث النص عن أن المرأة الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ، أو تحدث عن أن الله سبحانه سيرجع في آخر الزمان أناسا من الأولياء ، وأناسا من الأشقياء ، فينال الأولياء الكرامة والزلفى ، ويعاقب الأشقياء ببعض ما اقترفوه ، ويشفي بذلك صدور المؤمنين .

فإذا عجز عقله عن تفسير ذلك الحكم ، أو هذا الحدث الذي أخبر عنه النص ، رأيته يبادر إلى رفضه ، أو يطالب بتأويله ، ويقول : إن المراد هو رجعة الدولة والنفوذ مثلا. مع أنه لا مورد لذلك الرفض ، ولا لتلك المطالبة بالتأويل.

- ص 19 -


إذ ليس من المفترض أن يدرك عقل هذا الشخص جميع العلل والحكم لكل ما صدر أو يصدر عن الله سبحانه .

كما أنه إذا لم يستطع عقله أن يدرك بعض الأمور والأسرار اليوم ، فقد يدرك ذلك غدا ، بل قد لا يتمكن الآن أحدا من إدراكها ، ثم تدركها أجيال سوف تأتي بعد مئات السنين ، كما هو الحال بالنسبة لكثير مما تحدث عنه القرآن من أسرار الكون والحياة التي عرفنا بعضها في هذا القرن .

وحتى لو لم ندرك ذلك ، وبقي في دائرة من استأثر الله لنفسه بمعرفته ، وربما علمه أنبياءه وأولياءه ، فما هو الإشكال في ذلك ؟ ! ويبدو لنا أن الإسراف في تقديس العقل ، باعتباره هو مصدر المعرفة الأوحد ، وجعله مقياسا لرد أو قبول النصوص حتى في هذه الفرضية الأخيرة - إن ذلك - مأخوذ من المعتزلة ، وقد كان هو الداء الدوي لهم ، ومن أسباب انحسار تيارهم ، وخمود نارهم في العصور السالفة .

وما هو التاريخ يعيد نفسه ، حيث نشهد العودة إلى نفس مقولتهم ، التي أثبت الدليل بطلانها ، كما عادت مقولات أخرى أكل الدهر عليها وشرب لتطلع رأسها من خبايا التاريخ وزواياه ، لتطرح من جديد باسم التجديد ، تارة ، وباسم العصرنة والفكر الجديد أخرى ، والله هو الذي يبدئ ويعيد ، وهو الفعال لما يريد .

14 - قد يحاول البعض أن يدعي : أن السبب في نقد أفكار هذا الشخص أو ذاك هو إرادة إثارة الأجواء ضده ، لأنه يحتل موقعا متميزا ، فتحركت العصبيات في هذا الاتجاه أو ذاك ، بهدف إسقاطه . .

- ص 20 -


ونقول :
أولا : إن من الواضح : أن الكثيرين ممن أعلنوا رفضهم لتلك الأقاويل ويناقشونها لا يعيشون فكرة أو هاجس " المقامات ، والعناوين " ، حتى ولو كان هو عنوان أو فكرة المرجعية بالذات ، ولا يقع ذلك كله في دائرة اهتماماتهم .

ثانيا : إننا قد نجد أن أصحاب تلك الأقاويل المتهمة نفسها هم الذين يبادرون إلى طرح الأمور المثيرة ، ويعيشون هاجس نشر طروحاتهم بكل الوسائل ، ويرفعون من مستوى التوتر والحماس تارة ، ويخفضونه أخرى . وقد أثبتت الوقائع ذلك .

ثالثا : عدا عن ذلك كله ، فإن المعيار والميزان في الفكرة المطروحة هو عناصر الاقناع فيها ، وحظها في ميزان الخطأ والصواب ، ومدى قربها وبعدها عن حقائق الدين والمذهب . وليس لأحد أن يدعي علم الغيب بما في ضمائر الناس ، وحقيقة دوافعهم ، فلتكن دوافعهم هذه أو تلك ، فإن ذلك لا يؤثر في تصحيح أو تخطئة الفكرة ، ولا يقلل أو يزيد من خطورتها .

15 - ما زلنا نسمع البعض يطرح مسائل في مجالات مختلفة ، لا تلتقي مع ما قرره العلماء ، ولا تنسجم مع كثير مما تسالموا عليه استنادا إلى ما توفر لديهم من أدلة قاطعة تستند إلى قطعي العقل ، أو صريح النقل أو ظاهره . . وقد بذلت محاولة تهدف إلى بحث هذه الأمور مع نفس أولئك الذين بادروا إلى إثارتها ، وطلب منهم في أكثر من رسالة ، وعبر أزيد من رسول الدخول في حوار علمي مكتوب وصريح ، توضع فيه

- ص 21 -


النقاط على الحروف ، ويميز فيه الحق من الباطل بالدليل القاطع وبالحجة الدامغة . وذلك على أمل أن يؤدي ذلك لو حصل إلى أن تجنب الساحة سلبيات إعلانهم المستمر بما لا يحسن الاعلان به ، قبل التثبت واليقين ، وسد جميع الثغرات فيه .

ولكن - للأسف الشديد - قد جاءنا الجواب منهم برفض الحوار ، إلا أن يكون ذلك بين جدران أربع ، وخلف الأبواب ، وهذا ما يسمونه بالحوار ! ! لقد أبوا أن يكتبوا لنا ولو كلمة واحدة تفيد في وضع النقاط على الحروف ، متذرعين بعدم توفر الوقت لديهم ، للكتابة ، رغم أنهم قد كتبوا وما زالوا يكتبون حتى هذه المسائل بالذات ، ويوزعون ذلك في أكثر من اتجاه ، لأناس بأعيانهم تارة ، وللناس عامة أخرى . . . وفي مقالاتهم ، وخطاباتهم ، ومحاضراتهم عبر وسائل الإعلام المختلفة ثالثة . وحين لمسوا منا الإصرار على موقفنا ، لم يتحرجوا من العودة إلى قواميسهم ليتحفونا بما راق لهم منها ، مما له لون ، وطعم ، ورائحة ، من قواذع القول ، وعوار الكلم ، وتوجيه سهام الاتهام .

وكأن طلبنا للحوار العلمي كان كفرا بالله العظيم . أو ربما أقبح لو كان ثمة ما هو أقبح . ولعل أيسر ما سمعناه وأخفه وأهونه هو أننا نتحرك بالغرائز ، أو نعاني من التخلف والعقد ، والوقوع تحت تأثير هذا وذاك ، هذا عدا عن وصفنا بالذهنية الايرانية ، وبالتعصب .

وهذه هي التهمة المحببة إلينا ، لأننا إنما نتعصب للحق ، وندافع عنه ، وهو أمر ممدوح ومرضي عند الله

- ص 22 -


ورسله ، وعند أوليائه وأصفيائه صلوات الله عليهم أجمعين .

هذا ، مع العلم : أننا كنا وما زلنا إلى ما قبل أشهر يسيرة من تاريخ كتابة هذه الكلمات من خير الأحباب والأصحاب لهم ومعهم ، ولم يعكر صفو هذه المحبة والمودة إلا أننا اكتشفنا في هذه الآونة الأخيرة ما رأينا أن تكليفنا الشرعي يفرض علينا أن نطلب منهم الحوار العلمي الهادئ والرصين لحل معضلته .

16 - إن هذا الكتاب الماثل أمام القارئ الكريم يقدم قدرا كبيرا من النصوص المأخوذة من عشرات بل مئات المصادر ، رغم أنه أنجز في أشهر لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة ، وهي مدة قصيرة ، لا تسمح بكثير من التنقيب والتقصي ، لا سيما مع وجود كثير من الصوارف عن القيام بأدنى جهد في الأيام ذات العدد ، خلال تلك المدة .

وجدنا بحاجة إلى تذكير القارئ الكريم ، بأن المصادر الموضوعة في هوامش الكتاب كانت كثيرة إلى درجة بتنا نخشى معها أن نكون قد وقعنا في أخطاء في أرقام الأجزاء والصفحات ، كما أننا أخذنا في موارد كثيرة من طبعات عدة للكتاب الواحد فليلاحظ ذلك . . هذا . . وإن اهتمامنا بالمصادر - كما هو ديدننا - يأتي على قاعدة وضع القارئ أمام أدق جزئيات الحدث وتفاصيله ليكون هو الذي يوازن ، ويفكر ، ثم يستنتج ويقرر ، من خلال تشبثه بأسباب المعرفة ، وإشرافه المباشر على الأمور المطروحة ، واطلاعه على ما لها من مناخات وظروف وأحوال ، لتكون نظرته إلى الأمور - من ثم تتسم بالدقة ، والعمق ، ومن منطلق الوعي والإحاطة ، وتمتاز

- ص 23 -


بالأصالة والثبات .

وهذه الطريقة قد لا يستسيغها بعض الناس ، الذين قد تقرأ لهم مئات بل آلاف الصفحات ، فتجدهم يستغرقون بالإنشائيات ، التي تعتمد على الكلمة الرنانة ، وعلى الدعاوى العريضة ، من دون أن يوثق ذلك بالنص الصريح ، أو أن يفتح لك آفاق المعرفة المباشرة والشاملة ، إلا نزرا يسيرا مما يتداوله عامة الناس أو خصوص ما يؤيد فكرته منها ! ! إنه يكتم عنك الكثير مما يرى أن من المصلحة أن لا تهتدي إليه ، أو أن تطلع عليه ، وإن أردت شيئا من ذلك فلن تجد في نفسك معطيات التفكير فيه ، حيث لن تملك من وسائله شيئا ، ولن يجعلك - إن استطاع - تحصل على شئ يمكنك أن تمسك به ، وتطبق يدك عليه .

إنه يريد منك أن تقرأ ثقافته هو ، وتجربته كفرد ، وتهوم في آفاقه ، وتتلمس آلامه ، وآماله ، وأحلامه ، وحتى تخيلاته وأوهامه ، وليس ثمة شئ وراء ذلك إلا السراب ، والسراب فقط .

17 - وبعد ، إننا نأسف كل الأسف إذا قلنا : إن هذا الكتاب لم يقدر له أن يعالج موضوعا محددا له بداية ونهاية ، وعناصر لها ما يجمع بين متفرقاتها ، ويؤلف بين مختلفاتها ، بل هو يعالج شتاتا من المسائل المختلفة ، استخدمها البعض للتشكيك في أحداث جرت على الزهراء ( ع ) ، أو أثارها في مناسبة الحديث عنها ( ع ) ، لسبب أو لآخر .
جند المرجعية
جند المرجعية
Admin

عدد المساهمات : 294
تاريخ التسجيل : 30/05/2010

https://alzahra2.hooxs.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى