تنسيق النصوص أو تحشيدها
صفحة 1 من اصل 1
تنسيق النصوص أو تحشيدها
مأساة الزهراء عليها السلام ج 1 - العلامة السيد جعفر مرتضى العاملي - ص 82
تنسيق النصوص أو تحشيدها
ومما أخذه البعض على الكتاب أنه اهتم بتحشيد ! النصوص ، وتحشيد مصادرها ! . ونقول : كما قال أمير المؤمنين عليه السلام في إحدى رسائله لمعاوية بن أبي سفيان : " لعمرو الله لقد أردت أن تذم فمدحت ، وأن تفضح فافتضحت " ( 1 ) .
فإن المقصود من حشد النصوص هو إثبات المعنى الذي توافقت عليه ، بصورة علمية ، عن طريق إظهار وجود تواتر ، يستغني معه الباحث عن التدقيق في الأسانيد ، لأن التدقيق إنما يحتاج إليه في صورة عدم ثبوت الأمر وعدم وضوحه ، وعدم صيرورته بهذا التواتر من القطعيات ، وذلك حين يتكفل كل واحد من النصوص الكثيرة بإضافة درجة من الاحتمال . . ثم تتزايد . . الاحتمالات ، كلما انضم نص جديد إلى سوابقه فنصل إلى درجة من الظن ، ثم إلى ظن قوي ، ثم إلى ما هو أقوى منه ، وهكذا
( 1 ) راجع نهج البلاغة : قسم الكتب والرسائل : الكتاب رقم 58 . ( * )
- ص 83 -
تتراكم الاحتمالات إلى أن يسقط الاحتمال المخالف ويتلاشى ، وينصرف العقل عن الإعتداد به ، ويحصل بذلك التواتر والقطع بصحة المعنى المراد إثباته . . ويساعد على هذا الأمر عوامل مختلفة ، وظروف متنوعة فمثلا : كلما كانت المصادر موثوقة وقريبة من زمن صدور النصوص ، أو زمن الحادثة ازدادت فرص إثبات هذا المعنى وقلت الحاجة إلى هذا التكثير .
ويساعد على ذلك أيضا : أن تكون المسألة من الأمور التي لا تنسجم مع سياسات الحكام أو توجهات المؤرخين ، فإن إفلات نصوص كثيرة لها هذه الصفة ، يزيد من فرص تقوي هذه الاحتمالات ، ويكون تراكم الظنون معها أسرع وأوفر ، خصوصا إذا كانت هذه الكثرة بحيث لا يعارضها ما يكذبها من قبل أعوان الحكام ، ومن الذين يهمهم تبرئة الفريق الذي هو مصدر الحدث .
وإذا اختلفت الروايات في التفاصيل الجزئية ، أو في ذكر بعضها لخصوصيات أهملها أو لم يطلع عليها البعض الآخر ، فإن ذلك لا يضر في تراكم الظنون بحصول أصل الحادثة ، حيث يراد لها أن تنتهي إلى العلم والقطع بالقدر الجامع بين كل هذه الروايات .
- ص 84 -
ولعل من أنكر علينا ذكر النصوص بدون تحقيق في أسانيدها ، لم يلتفت إلى هذه المسألة لأن من تصدى للإنكار ليس ممن له باع يذكر في هذه الأمور .
أضف إلى ذلك: أن ذكر المصادر التي ألفت عبر القرون اللاحقة والمتلاحقة لا يعني بالضرورة أن اللاحق قد نقل عن خصوص سابقه الموجود كتابه بين أيدينا ، إذ كثيرا ما يكون قد نقل ذلك عن مصدر آخر معاصر له ، أو سابق عليه .
كما أن اهتمام العلماء بتدوين هذا الأمر وتناقله في مصنفاتهم الكثيرة يدل على أنهم لم يمروا على هذا الحدث مرور الكرام ، ولا نظروا إليه بلا مبالاة .
وقد رأينا : أن الجرأة على الزهراء ( ع ) ، والإساءة إليها ، ودخول بيتها بالقهر والغلبة وإخراج علي عليه السلام للبيعة عنوة وقهرا . قد روي عن النبي ( ص ) ، وعن معظم أئمة أهل البيت ، وعن الزهراء نفسها في روايات كثيرة . كما أن هذا الحديث قد رواه بالإجمال أو بالتفصيل الكثيرون من المؤرخين في مختلف الطبقات ، ومن مختلف الاتجاهات .
ولهج به الشعراء ، واستدل به المتكلمون وأكده العلماء على تعدد ميولهم ، وتضاربها ، واختلاف مراتبهم العلمية. وكل ذلك ينصب في اتجاه تحصيل العلم بوجود نقلة هذا الخبر من أناس يمتنع تواطؤهم على هذا المعنى الواحد ، بسبب
- ص 85 -
اختلاف مذاهبهم ، وأهوائهم وميولهم ، واختصاصاتهم على مدى العصور والدهور .
فلا يبقى مجال لدعوى البعض أنه لم يحدث شئ على الزهراء ( ع ) ، وعلى بيتها ، وفيه ، سوى التهديد بالإحراق ، مع التشكيك بجدية هذا التهديد أيضا باعتبار أن قلوب المهاجمين كانت مملؤة بحب الزهراء وأن موقعها الاجتماعي يمنعهم من الإقدام على أي عمل من هذا القبيل .
إلا إذا كان المعترضون على تحشيد النصوص يرفضون حتى التواتر ، وحجيته ، وآثاره ، خلافا لما يعلنون به أمام الملأ ؟ !
وخلاصة الأمر : أنه إنما يحتاج للبحث في الأسانيد في ما لم يثبت معه الأمر . بصورة ظاهرة ومتواترة ، أو في صورة عدم قيام قرائن الصدق على ذلك الأمر . ولو أريد الاقتصار في التاريخ على ما صح سنده - حسب المصطلح الرجالي - فلا يمكن إثبات أية حقيقة تاريخية إلا ما شذ وندر .
ولو كان الباحث من غير المسلمين ، ولا يلتزم في توثيق الرجال بما يلتزم به المسلمون ، فهو لا يستطيع إثبات أية حقيقة تاريخية على الإطلاق حتى ذلك الشاذ النادر أيضا ، إذا لم يعتمد الطريقة التي ابتغاها وأشار إليها الشهيد السعيد آية الله السيد الصدر رحمه الله تعالى ، فقد قال رحمه الله وهو يتحدث عن حصول القطع بالتواتر على أساس حساب الاحتمالات :
- ص 86 -
" كل خبر حسي يحتمل في شأنه - بما هو خبر - الموافقة للواقع والمخالفة له .
واحتمال المخالفة يقوم على أساس احتمال الخطأ في المخبر أو احتمال تعمد الكذب لمصلحة معينة له تدعوه إلى إخفاء الحقيقة ، فإذا تعدد الإخبار عن محور واحد ، تضاءل احتمال المخالفة للواقع ، لأن احتمال الخطأ أو تعمد الكذب في كل مخبر بصورة مفتعلة إذا كان موجودا بدرجة ما ، فاحتمال الخطأ أو تعمد الكذب في مخبرين عن واقعة واحدة معا أقل درجة ، لأن درجة احتمال ذلك ناتج ضرب قيمة احتمال الكذب في أحد المخبرين ، بقيمة احتماله في المخبر الآخر ، وكلما ضربنا قيمة احتمال بقيمة احتمال آخر ، تضاءل الاحتمال ، لأن قيمة الاحتمال تمثل دائما كسرا محددا من رقم اليقين فإذا رمزنا إلى رقم اليقين بواحد ، فقيمة الاحتمال هي 1 / 2 أو 1 / 3 أو أي كسر آخر من هذا القبيل ، وكلما ضربنا كسرا بكسر آخر خرجنا بكسر أشد ضآلة كما هو واضح .
وفي حالة وجود مخبرين كثيرين لا بد من تكرار الضرب بعدد إخبارات المخبرين ، لكي نصل إلى قيمة احتمال كذبهم جميعا ، ويصبح هذا الاحتمال ضئيلا جدا ، ويزداد ضآلة كلما ازداد المخبرون ، حتى يزول علميا بل واقعيا لضآلته ، وعدم إمكان احتفاظ الذهن البشري بالاحتمالات الضئيلة جدا . ويسمى حينئذ ذلك العدد من الإخبارات التي يزول معها هذا الاحتمال علميا أو واقعيا بالتواتر ، ويسمى الخبر بالخبر المتواتر .
- ص 87 -
ولا توجد هناك درجة معينة للعدد الذي يحصل به ذلك . لأن هذا يتأثر إلى جانب الكم بنوعية المخبرين ، ومدى وثاقتهم ونباهتهم وسائر العوامل الداخلية في تكوين الاحتمال . وبهذا يظهر أن الاحراز في الخبر المتواتر يقوم على أساس حساب الاحتمالات .
والتواتر تارة يكون لفظيا ، وأخرى معنويا ، وثالثة إجماليا ، وذلك أن المحور المشترك لكل الإخبارات إن كان لفظا محددا ، فهذا من الأول ، وإن كان قضية معنوية محددة ، فهذا من الثاني ، وإن كان لازما منتزعا ، فهذا من الثالث .
وكلما كان المحور أكثر تحديدا كان حصول التواتر الموجب لليقين بحساب الاحتمالات أسرع إذ يكون افتراض تطابق مصالح المخبرين جميعا بتلك الدرجة من الدقة رغم اختلاف أحوالهم وأوضاعهم أبعد من منطق حساب الاحتمالات .
وكما تدخل خصائص المخبرين من الناحية الكمية والكيفية في تقييم الاحتمال ، كذلك تدخل خصائص المخبر عنه - أي مفاد الخبر - وهي على نحوين : خصائص عامة ، وخصائص نسبية .
والمراد بالخصائص العامة ، كل خصوصية في المعنى تشكل بحساب الاحتمال عاملا مساعدا على كذب الخبر أو صدقة ، بقطع النظر عن نوعية المخبر .
- ص 88 -
ومثال ذلك : غرابة القضية المخبر عنها ، فإنها عامل مساعد على الكذب في نفسه ، فيكون موجبا لتباطؤ حصول اليقين بالتواتر ، وعلى عكس ذلك كون القضية اعتيادية ومتوقعة ومنسجمة مع سائر القضايا الأخرى المعلومة ، فإن ذلك عامل مساعد على الصدق ، ويكون حصول اليقين حينئذ أسرع .
والمراد بالخصائص النسبية : كل خصوصية في المعنى تشكل بحساب الاحتمال عاملا مساعدا على صدق الخبر أو كذبه ، فيه إذا لو حظ نوعية الشخص الذي جاء بالخبر .
ومثال ذلك : غير الشيعي إذا نقل ما يدل على إمامة أهل البيت عليهم السلام ، فإن مفاد الخبر نفسه يعتبر بلحاظ خصوصية المخبر عاملا مساعدا لإثبات صدقة بحساب الاحتمال ، لأن افتراض مصلحة خاصة تدعوه إلى الافتراء بعيد . وقد تجمع خصوصية عامة وخصوصية نسبية معا لصالح صدق الخبر ، كما في المثال المذكور ، إذا فرضنا صدور الخبر في ظل حكم بني أمية ، وأمثالهم ممن كانوا يحاولون المنع من أمثال هذه الأخبار ، ترهيبا وترغيبا .
فإن خصوصية المضمون بقطع النظر عن مذهب المخبر شاهد قوي على الصدق ، وخصوصية المضمون مع أخذ مذهب المخبر بعين الاعتبار أقوى شهادة على ذلك . ( 1 ) .
( 1 ) راجع : دروس في علم الأصول : ج 1 الحلقة الثانية : ص 108 - 110 . ( * )
تنسيق النصوص أو تحشيدها
ومما أخذه البعض على الكتاب أنه اهتم بتحشيد ! النصوص ، وتحشيد مصادرها ! . ونقول : كما قال أمير المؤمنين عليه السلام في إحدى رسائله لمعاوية بن أبي سفيان : " لعمرو الله لقد أردت أن تذم فمدحت ، وأن تفضح فافتضحت " ( 1 ) .
فإن المقصود من حشد النصوص هو إثبات المعنى الذي توافقت عليه ، بصورة علمية ، عن طريق إظهار وجود تواتر ، يستغني معه الباحث عن التدقيق في الأسانيد ، لأن التدقيق إنما يحتاج إليه في صورة عدم ثبوت الأمر وعدم وضوحه ، وعدم صيرورته بهذا التواتر من القطعيات ، وذلك حين يتكفل كل واحد من النصوص الكثيرة بإضافة درجة من الاحتمال . . ثم تتزايد . . الاحتمالات ، كلما انضم نص جديد إلى سوابقه فنصل إلى درجة من الظن ، ثم إلى ظن قوي ، ثم إلى ما هو أقوى منه ، وهكذا
( 1 ) راجع نهج البلاغة : قسم الكتب والرسائل : الكتاب رقم 58 . ( * )
- ص 83 -
تتراكم الاحتمالات إلى أن يسقط الاحتمال المخالف ويتلاشى ، وينصرف العقل عن الإعتداد به ، ويحصل بذلك التواتر والقطع بصحة المعنى المراد إثباته . . ويساعد على هذا الأمر عوامل مختلفة ، وظروف متنوعة فمثلا : كلما كانت المصادر موثوقة وقريبة من زمن صدور النصوص ، أو زمن الحادثة ازدادت فرص إثبات هذا المعنى وقلت الحاجة إلى هذا التكثير .
ويساعد على ذلك أيضا : أن تكون المسألة من الأمور التي لا تنسجم مع سياسات الحكام أو توجهات المؤرخين ، فإن إفلات نصوص كثيرة لها هذه الصفة ، يزيد من فرص تقوي هذه الاحتمالات ، ويكون تراكم الظنون معها أسرع وأوفر ، خصوصا إذا كانت هذه الكثرة بحيث لا يعارضها ما يكذبها من قبل أعوان الحكام ، ومن الذين يهمهم تبرئة الفريق الذي هو مصدر الحدث .
وإذا اختلفت الروايات في التفاصيل الجزئية ، أو في ذكر بعضها لخصوصيات أهملها أو لم يطلع عليها البعض الآخر ، فإن ذلك لا يضر في تراكم الظنون بحصول أصل الحادثة ، حيث يراد لها أن تنتهي إلى العلم والقطع بالقدر الجامع بين كل هذه الروايات .
- ص 84 -
ولعل من أنكر علينا ذكر النصوص بدون تحقيق في أسانيدها ، لم يلتفت إلى هذه المسألة لأن من تصدى للإنكار ليس ممن له باع يذكر في هذه الأمور .
أضف إلى ذلك: أن ذكر المصادر التي ألفت عبر القرون اللاحقة والمتلاحقة لا يعني بالضرورة أن اللاحق قد نقل عن خصوص سابقه الموجود كتابه بين أيدينا ، إذ كثيرا ما يكون قد نقل ذلك عن مصدر آخر معاصر له ، أو سابق عليه .
كما أن اهتمام العلماء بتدوين هذا الأمر وتناقله في مصنفاتهم الكثيرة يدل على أنهم لم يمروا على هذا الحدث مرور الكرام ، ولا نظروا إليه بلا مبالاة .
وقد رأينا : أن الجرأة على الزهراء ( ع ) ، والإساءة إليها ، ودخول بيتها بالقهر والغلبة وإخراج علي عليه السلام للبيعة عنوة وقهرا . قد روي عن النبي ( ص ) ، وعن معظم أئمة أهل البيت ، وعن الزهراء نفسها في روايات كثيرة . كما أن هذا الحديث قد رواه بالإجمال أو بالتفصيل الكثيرون من المؤرخين في مختلف الطبقات ، ومن مختلف الاتجاهات .
ولهج به الشعراء ، واستدل به المتكلمون وأكده العلماء على تعدد ميولهم ، وتضاربها ، واختلاف مراتبهم العلمية. وكل ذلك ينصب في اتجاه تحصيل العلم بوجود نقلة هذا الخبر من أناس يمتنع تواطؤهم على هذا المعنى الواحد ، بسبب
- ص 85 -
اختلاف مذاهبهم ، وأهوائهم وميولهم ، واختصاصاتهم على مدى العصور والدهور .
فلا يبقى مجال لدعوى البعض أنه لم يحدث شئ على الزهراء ( ع ) ، وعلى بيتها ، وفيه ، سوى التهديد بالإحراق ، مع التشكيك بجدية هذا التهديد أيضا باعتبار أن قلوب المهاجمين كانت مملؤة بحب الزهراء وأن موقعها الاجتماعي يمنعهم من الإقدام على أي عمل من هذا القبيل .
إلا إذا كان المعترضون على تحشيد النصوص يرفضون حتى التواتر ، وحجيته ، وآثاره ، خلافا لما يعلنون به أمام الملأ ؟ !
وخلاصة الأمر : أنه إنما يحتاج للبحث في الأسانيد في ما لم يثبت معه الأمر . بصورة ظاهرة ومتواترة ، أو في صورة عدم قيام قرائن الصدق على ذلك الأمر . ولو أريد الاقتصار في التاريخ على ما صح سنده - حسب المصطلح الرجالي - فلا يمكن إثبات أية حقيقة تاريخية إلا ما شذ وندر .
ولو كان الباحث من غير المسلمين ، ولا يلتزم في توثيق الرجال بما يلتزم به المسلمون ، فهو لا يستطيع إثبات أية حقيقة تاريخية على الإطلاق حتى ذلك الشاذ النادر أيضا ، إذا لم يعتمد الطريقة التي ابتغاها وأشار إليها الشهيد السعيد آية الله السيد الصدر رحمه الله تعالى ، فقد قال رحمه الله وهو يتحدث عن حصول القطع بالتواتر على أساس حساب الاحتمالات :
- ص 86 -
" كل خبر حسي يحتمل في شأنه - بما هو خبر - الموافقة للواقع والمخالفة له .
واحتمال المخالفة يقوم على أساس احتمال الخطأ في المخبر أو احتمال تعمد الكذب لمصلحة معينة له تدعوه إلى إخفاء الحقيقة ، فإذا تعدد الإخبار عن محور واحد ، تضاءل احتمال المخالفة للواقع ، لأن احتمال الخطأ أو تعمد الكذب في كل مخبر بصورة مفتعلة إذا كان موجودا بدرجة ما ، فاحتمال الخطأ أو تعمد الكذب في مخبرين عن واقعة واحدة معا أقل درجة ، لأن درجة احتمال ذلك ناتج ضرب قيمة احتمال الكذب في أحد المخبرين ، بقيمة احتماله في المخبر الآخر ، وكلما ضربنا قيمة احتمال بقيمة احتمال آخر ، تضاءل الاحتمال ، لأن قيمة الاحتمال تمثل دائما كسرا محددا من رقم اليقين فإذا رمزنا إلى رقم اليقين بواحد ، فقيمة الاحتمال هي 1 / 2 أو 1 / 3 أو أي كسر آخر من هذا القبيل ، وكلما ضربنا كسرا بكسر آخر خرجنا بكسر أشد ضآلة كما هو واضح .
وفي حالة وجود مخبرين كثيرين لا بد من تكرار الضرب بعدد إخبارات المخبرين ، لكي نصل إلى قيمة احتمال كذبهم جميعا ، ويصبح هذا الاحتمال ضئيلا جدا ، ويزداد ضآلة كلما ازداد المخبرون ، حتى يزول علميا بل واقعيا لضآلته ، وعدم إمكان احتفاظ الذهن البشري بالاحتمالات الضئيلة جدا . ويسمى حينئذ ذلك العدد من الإخبارات التي يزول معها هذا الاحتمال علميا أو واقعيا بالتواتر ، ويسمى الخبر بالخبر المتواتر .
- ص 87 -
ولا توجد هناك درجة معينة للعدد الذي يحصل به ذلك . لأن هذا يتأثر إلى جانب الكم بنوعية المخبرين ، ومدى وثاقتهم ونباهتهم وسائر العوامل الداخلية في تكوين الاحتمال . وبهذا يظهر أن الاحراز في الخبر المتواتر يقوم على أساس حساب الاحتمالات .
والتواتر تارة يكون لفظيا ، وأخرى معنويا ، وثالثة إجماليا ، وذلك أن المحور المشترك لكل الإخبارات إن كان لفظا محددا ، فهذا من الأول ، وإن كان قضية معنوية محددة ، فهذا من الثاني ، وإن كان لازما منتزعا ، فهذا من الثالث .
وكلما كان المحور أكثر تحديدا كان حصول التواتر الموجب لليقين بحساب الاحتمالات أسرع إذ يكون افتراض تطابق مصالح المخبرين جميعا بتلك الدرجة من الدقة رغم اختلاف أحوالهم وأوضاعهم أبعد من منطق حساب الاحتمالات .
وكما تدخل خصائص المخبرين من الناحية الكمية والكيفية في تقييم الاحتمال ، كذلك تدخل خصائص المخبر عنه - أي مفاد الخبر - وهي على نحوين : خصائص عامة ، وخصائص نسبية .
والمراد بالخصائص العامة ، كل خصوصية في المعنى تشكل بحساب الاحتمال عاملا مساعدا على كذب الخبر أو صدقة ، بقطع النظر عن نوعية المخبر .
- ص 88 -
ومثال ذلك : غرابة القضية المخبر عنها ، فإنها عامل مساعد على الكذب في نفسه ، فيكون موجبا لتباطؤ حصول اليقين بالتواتر ، وعلى عكس ذلك كون القضية اعتيادية ومتوقعة ومنسجمة مع سائر القضايا الأخرى المعلومة ، فإن ذلك عامل مساعد على الصدق ، ويكون حصول اليقين حينئذ أسرع .
والمراد بالخصائص النسبية : كل خصوصية في المعنى تشكل بحساب الاحتمال عاملا مساعدا على صدق الخبر أو كذبه ، فيه إذا لو حظ نوعية الشخص الذي جاء بالخبر .
ومثال ذلك : غير الشيعي إذا نقل ما يدل على إمامة أهل البيت عليهم السلام ، فإن مفاد الخبر نفسه يعتبر بلحاظ خصوصية المخبر عاملا مساعدا لإثبات صدقة بحساب الاحتمال ، لأن افتراض مصلحة خاصة تدعوه إلى الافتراء بعيد . وقد تجمع خصوصية عامة وخصوصية نسبية معا لصالح صدق الخبر ، كما في المثال المذكور ، إذا فرضنا صدور الخبر في ظل حكم بني أمية ، وأمثالهم ممن كانوا يحاولون المنع من أمثال هذه الأخبار ، ترهيبا وترغيبا .
فإن خصوصية المضمون بقطع النظر عن مذهب المخبر شاهد قوي على الصدق ، وخصوصية المضمون مع أخذ مذهب المخبر بعين الاعتبار أقوى شهادة على ذلك . ( 1 ) .
( 1 ) راجع : دروس في علم الأصول : ج 1 الحلقة الثانية : ص 108 - 110 . ( * )
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى