السباب والشتائم
صفحة 1 من اصل 1
السباب والشتائم
مأساة الزهراء عليها السلام ج 1 - العلامة السيد جعفر مرتضى العاملي - ص 56
السباب والشتائم
ومن الأمور التي أخذت على الكتاب وخصوصا التمهيد منه : أنه - كما يدعون - يشتمل على شتائم وتهجمات شخصية على البعض :
ونقول :
1 - إننا لا نجد لهذا القول مبررا معقولا أو مقبولا ، فالتمهيد إنما عالج مقولات أطلقها البعض في سياق استدلالاته - على القضية التي هي موضوع كتاب مأساة الزهراء - لتكون جزءا منها تارة ولتخلق حالة من الحصانة والقوة والثبات لتلك الأدلة في أذهان الناس العاديين تارة أخرى .
وعلى سبيل المثال نقول : لماذا يقال للناس العاديين : أنه أنما يطرح تساؤلات حول الزهراء ، أو أن انتقاد مقولاته حول الزهراء يعتبر تشهيرا به ، أو أن كلامه في هذا الأمر اجتهاد ؟ ! بل هو يقول : " ناقشت كل العلماء في إيران وغيرها الخ . . . " أليس قوله هذا لأجل خلق حالة من الإذعان والانبهار بالأمر لدى الناس العاديين ، حتى يتم اعتباره في أذهانهم في عداد الأمور المحققة اليقينية ؟
- ص 57 -
ولعل من لم يكن يتابع ما يصدر عن البعض من تصريحات مذاعة أو مكتوبة حول موضوع الكتاب وغيرها من الموضوعات الهامة والتي طرحت أخيرا - لعله - يعذر في تصوره أن في التمهيد بعض القسوة . لكن من واكب ، وسمع ، وقرأ ، وعرف وشاهد ، فمن الصعب أن تجد له عذرا في إطلاق دعوى غرابة ما في تمهيد الكتاب عن الموضوعات المطروحة فيه ، لأنه سيجد ما يرتفع به استغرابه واستهجانه في نفس كلمات ذلك البعض في موضوع الزهراء بالذات فضلا عن غيره من المواضيع الحساسة .
2 - وعدا عن ذلك كله ، فهل يستطيع أحد أن يقدم لنا مفردة يصح أن يطلق عليها : أنه سباب أو شتائم ؟ ! . أو حتى ما هو أقل من ذلك بكثير ؟ !
3 - ولا أدري ، ما ذا سيكون موقف هؤلاء الناس ممن يدأب على إظهار نفسه بأنه لا يريد أن يجيب أحدا ، من موقع التسامح والترفع عن الدخول في هذه الأمور ، فإنه مشغول بما هو أهم ونفعه أعم ؟ !
ثم يواصل وصف الآخرين ، وكل من يعترض عليه من العلماء حتى مراجع الدين بأوصاف لعل أهونها : التخلف في الذهنية ، والعقد النفسية ، والتحرك من منطلق الغرائز ، وعدم التثبت ، ثم يصف بعض العلماء - الذين لا يقبلون بمقولاته - عبر الإذاعة : أنه لا يملك إلا أن يقول عنهم أنهم بلا دين ، هذا
- ص 58 -
فضلا عن اتهامات خطيرة جدا لم يزل يرددها ويشيعها في كل اتجاه . . ونحن نفضل أن لا نثقف أحدا بهذه المفردات ، فإننا نربأ بالناس عن تعلمها فضلا عن استعمالها .
أما ردود الفعل المكتوبة ، التي يسخر كل ما لديه من إمكانات لترويجها ونشرها رغم ما اشتملت عليه من زخرف القول ، ومن أضاليل وأباطيل ، وحتى أكاذيب ، فضلا عن التحريف أو التزوير المتعمد . واشتمالها على أفانين من الشتائم فقد غدت أوضح من الشمس ، وأبين من الأمس ، وقد أشرنا إليها في هذه المقدمة في الموضع المناسب .
صيغة الرد لماذا ؟ ! ! ويحاول البعض أن يثير تساؤلا آخرا يرى أنه جدير بالإهتمام وبالاحترام ، وهو : ألم يكن من الأفضل الابتعاد عن صيغة الرد ، التي تحمل في طياتها احتمالات التخطئة والتجهيل ، بل هي في الحقيقة من صيغ التحدي للقائل ، الذي يفترض صونه عن أمر كهذا ؟ ! ألم يكن من الأفضل أن يؤلف هذا الكتاب بطريقة أخرى ، بأن يطرح الموضوع مجردا عن أية إشارة إلى أن البعض يقول كذا ، أو يقول كذا ؟ !
- ص 59 -
ونقول :
أولا : لا ندري ما إذا كان النقد الموضوعي والعلمي يحمل في طياته صفة التحدي المزعومة ! ! ولو صح ذلك ، لكن الأجدر أن يقفل الناس باب أي نقاش علمي مع أي شخص بعينه ، بل كان الأجدر أن لا يجري نقاش بين اثنين في أية مسألة علمية فكرية ، أو حياتية على الإطلاق .
ثانيا : إن السؤال بل الاعتراض يتوجه على ذلك البعض نفسه حين يتصدى لنقد وتفنيد آراء بل اعتقادات طائفة بأسرها ، بل هو يستعمل كثيرا من عبارات التجريح لها ولعلمائها ويتهمهم بأنواع التهم القاسية مستعملا لذلك كلمات قوية وقاذعة أيسرها عدم الوعي والتأثر بالمحيط المتخلف ، والجمود ، والتحجر ، والعيش في الماضي وعدم الوعي - لا سيما المرجعي منه - ثم عدم العصرنة وما إلى ذلك .
ثالثا : إنا نستغرب كثيرا طرح هذا الموضوع بهذه الطريقة ، لأننا إنما تحدثنا بصيغة تجنبنا فيها التصريح باسم أحد ، وذلك تحاشيا لإحراج أي كان من الناس في أن يجد نفسه في موقع لا يرغب هو بأن يرى نفسه فيه .
- ص 60 -
فإذا كان ثمة حالة أسهم ذلك البعض نفسه في نشوئها بل في استمرارها لأنه لم يزل يصر على متابعة تحريك عوامل الإثارة ولا ندري سر ذلك ولا نعرف غاياته ، أو أهدافه ؟ حتى بات واضحا لدى الكثيرين من هو صاحب تلك المقولات - إذا كان الأمر كذلك - فما هو ذنبنا نحن يا ترى ؟ ! على أن من الواضح : أننا حين آثرنا تجنب التصريح بالأسماء لم يرتض بعض الناس ذلك فاعتبروه تنكيرا وتجهيلا وإهانة ، فأثاروا بذلك أجواء اتجهوا فيها نحو تولي الإعلان والتصريح بالأسماء حيث لم يرضهم التلويح أو التلميح . ونحن تعليقا على عملهم هذا لا نملك إلا أن نأسف ونأمل أن يوفقنا الله لمعرفة وجه الحكمة في صنيعهم هذا .
رابعا : إننا من جهة لم نزل نسمع ونرى البعض يقدمون أنفهسم على أنهم دعاة حوار ، ورواد انفتاح على الآخرين ، ولكنهم - مع ذلك - يقمعون محاوريهم من الداخل ، فلا انفتاح ولا حوار ؟ ! ثم يرفضون الحوار مع من لا يتمكنون من ممارسة القمع ضدهم بصورة ظاهرة .
ومن جهة أخرى نراهم يدعون إلى طرح القضايا على الناس بصراحة وبوضوح ، لأن العلم والفكر ليس حكرا على فريق دون فريق ، بل نجدهم يستثيرون شهية الكثيرين للحوار بقولهم : " نحن نعتبر النقد أفضل هدية تقدم إلينا . . " ثم في
- ص 61 -
المقابل نجدهم يواجهون هذا الكتاب المبني على الحقيقة العلمية الصريحة والواضحة بأشد حالات الغضب والانزعاج منه ومن مؤلفه . . ثم نجدهم يمارسون سياسة المحاصرة للكتاب ، ويبذلون جهدا كبيرا لمنع الناس من تداوله وحتى من بيعه وشرائه بطريقة أو بأخرى .
حتى بات حكمه أسوأ من حكم كتب الضلال التي جوز هذا البعض مؤخرا تداولها والاطلاع عليها ؟ ! ولعل أيسر ذلك محاولاتهم تحريك غرائز الناس ، باعتبار : أن هذا الكتاب هو ضد فلان أو يهدف إلى إسقاط هذا البعض ، أو ذاك . هذا كله . . عدا عن محاولات التشويه ، والتجني ، والتجريح التي لم وربما لن تقف عند حد . .
خامسا : إن الهدف من الكتاب إنما هو مناقشة علمية وموضوعية لمقولات معينة ، اجتمعت لدى البعض في موضوعات بعينها بهدف تصحيح النظرة لدى الذين يمكن أن يتأثروا بما يقال لهم ليقبلوه ، ويعملوا على أساسه .
ولو كان البحث المجرد عن الإشارة يكفي ، لكفت عشرات المؤلفات التي ذكرت تلك الموضوعات ، وحشدت لها الأدلة الكثيرة ، ولم يكن ثمة حاجة لكتابة " مأساة الزهراء ( ع ) " من الأساس .
- ص 62 -
وتلك الكتب الكثيرة والمعتمدة رغم أنها حافلة بالنصوص المزيلة لكل شبهة ، والقاطعة لأي عذر ، إلا أنها لم تمنع من تأثر هؤلاء الناس بمقولات هذا البعض ، في أمر اتفقت عليه كلمة شيعة أهل البيت ( ع ) ، وتضافرت ( 1 ) به النصوص عن المعصومين ( ع ) ، وتواترت عنهم وعن المؤرخين والمحدثين على اختلاف ميولهم ومذاهبهم .
لعل مراد القائل غير ما فهم منه : ومن الإعتراضات التي وجهت إلينا : أن من الممكن أن يكون مقصود القائل هو غير ما فهمتم من كلامه ، فلا بد من التأكد من ذلك بسؤال نفس صاحب تلك المقولات عن مقصوده .
ونقول :
1 - إن هذا البعض إنما يطرح مقولاته على الملأ العام ولعامة الناس ، فما فهمناه هو ما فهمه الناس من ظواهر كلماته ، ونحن لم ننسب إليه شيئا خارج نطاق دلالات الألفاظ التي
( 1 ) كما صرح به في خطبته في قم ، في حسينية الشهيد الصدر في 21 شعبان 1414 ه . وقد تقدمت الإشارة إلى تحريف النص ، فراجع فقرة : " التنازع في جنس الملائكة " متنا وهامشا . ( * )
- ص 63 -
استخدمها للتعبير عن مقاصده ، وفق ما يفهم كل أهل اللغة ومن ينطق بها ، وطبق قواعد محاوراتهم ، وأساليبهم في تفهيم مقاصدهم .
2 - إنه إذا لم يستطع من قضى عدة عقود من الزمن في الدراسة والجهد العلمي أن يفهم مراد هذا البعض ، فمن ذا الذي يخاطبه هذا البعض بكلامه ، ويمكنه أن يفهمها ؟ ! ولنا أن نتساءل ما الذي فهمه أولئك الناس العاديون ، الذين حضروا مجلسه ، وسمعوا منه مباشرة أو عبر الإذاعة وغيرها ، وفيهم المرأة والرجل ، والكبير والصغير ، والشاب ، والمثقف ، وغير المثقف والعامل والفلاح .
3 - ولنفترض جدلا وجود خطأ في فهم بعض تلك الموارد ، فكم يمكن أن نتصور حجمه ومقداره إلى جانب عشرات الموارد التي فهمت كما يفهمها الناس المخاطبون بها بصورة سليمة وقويمة ؟ ! وماذا يمكن أن نفعل فيما اتفقت فيه أفهام العلماء الكبار ، ومراجع الدين ، وكثير من المثقفين ، وفيهم جماعة من غير مذهبنا أو ملتنا ؟ حتى أن البعض منهم بات يحتج على أهل هذا المذهب بكلامه ! وليدلنا صاحب الاعتراض على تلك الموارد التي تحتاج إلى التوضيح والتصحيح لنعرف كيف ؟ ولماذا أخطأنا في فهم المراد منها ؟ !
- ص 64 -
ثم للنظر فيما يطرح ويدعى أنه توضيح تنقيح هل يصلح لأن يوصف بذلك حقا وصدقا ، أو أنه غير صالح له ؟ ! المصطادون في الماء العكر : ومن الأمور التي لم نزل نسمعها من أكثر من جهة : أن هذا الكتاب قد أفسح المجال لفئات متناثرة هنا وهناك ، لتصطاد في الماء العكر - على حد تعبيرهم - وتتحرك باتجاه تحقيق أهداف أخرى لا ربط لها بما توخاه كتاب " مأساة الزهراء ( ع ) " .
ونقول : نخشى أن يكون المقصود : أن طرح الموضوعات المثيرة إذا كان من جانب واحد - هو جانب ذلك البعض - فليس ثمة من مشكلة ، حتى لو أدت إلى زعزعة ثوابت عقيدية وإيمانية ، بل إن الساحة سوف تبقى صافية كصفاء عين الديك حينئذ ، لكن إذا ما أراد أحد أن ينتصر للحق ، ويعترض على مقولات ذلك البعض ، بهدف تحصين الناس من الانسياق وراء هذه المقولات ، متلقيا لها بحسن نية وسلامة طوية ، ومن دون مناقشة فإن ذلك يعد جريمة كبرى ، لأنه ربما يمثل عقبة في طريق المشروع الذي قد يكون البعض يعمل له منذ أربعين أو خمسين سنة ، وهل ثمة جريمة أعظم من إلفات نظر الناس إلى ما يراد لهم وبهم ؟ ! ألا يعتبر ذلك إرباكا للواقع الإسلامي كله ، على حد تعبيرهم ؟
- ص 65 -
وبعد ما تقدم نقول :
1 - حبذا لو قيل هذا للكلام لأولئك الذين أثاروا هذه القضايا وأصروا على إشاعتها وتثبيتها بين الناس ، في مناسبات عديدة لمدة مديدة . وكنا نحن وكان كتابنا أيضا ضحية هذا الإصرار منهم ، حيث أديرت مفردات تأكيده وتجسيده بدراية وأناة ؟ وبالاستعانة بقدرات إعلامية كبيرة وأساليب " بديعة ومؤثرة " ، لطالما وجهت إلينا التحذيرات منها ، لكننا لم نلتفت لها ، ولم نأبه بها ، لأننا وجدنا أن واجبنا الشرعي يفرض علينا أن نعالج ما يمكن معالجته ، وأن رضى الله هو المطلوب .
2 - إن ثمة درجة عالية من التهويل والتضخيم لشأن من أسموهم بالمصطادين في الماء العكر ، لا سيما مع ملاحظة ما ذكرناه آنفا .
3 - من الواضح : أن طرح فكرة ما للناس لتصبح جزءا من عقيدتهم أو ثقافتهم ، وليكون لها تأثير بشكل أو بآخر في حياتهم ، يتطلب المبادرة إلى طرح الفكرة المغايرة التي تظهر أوجه الخلل فيها في نفس الفضاء ، وبنفس الكيفية التي طرحت فيها الفكرة الأولى ، ولا يصح الانتظار سنين متمادية ، لأن التصدي بعد تجذر ذلك سيكون - أصعب ، وأكثر تعقيدا ، وأقل نتيجة ، حيث تكون الفكرة قد تجذرت في نفوس الناس وعقولهم لتصير جزءا من عقيدتهم ، ومفاهيمهم ، وحياتهم .
- ص 66 -
4 - إنه سواء طرحت الفكرة الصحيحة اليوم أو غدا ، أو بعد عشرات السنين فليس ثمة ما يمنع من وجود مستفيدين ، في كل زمان ومكان ، ونحن نرى أنه لا يجوز أن يكون وجودهم مانعا من التصدي للتصحيح أو التوضيح ، وإلا فإننا لو أردنا أن نتقيد بهذا الأمر إلى هذا الحد ، فلن نتمكن من الرد على أية فكرة ، ولن نستطيع مواجهة أي مشروع ، لا سيما إذا كان يستهدف مفردات كثيرة ، من بينها ما هو على درجة كبيرة من الخطورة والحساسية ، مما يستدعي الإسراع في المبادرة إلى عملية التصحيح هذه .
السباب والشتائم
ومن الأمور التي أخذت على الكتاب وخصوصا التمهيد منه : أنه - كما يدعون - يشتمل على شتائم وتهجمات شخصية على البعض :
ونقول :
1 - إننا لا نجد لهذا القول مبررا معقولا أو مقبولا ، فالتمهيد إنما عالج مقولات أطلقها البعض في سياق استدلالاته - على القضية التي هي موضوع كتاب مأساة الزهراء - لتكون جزءا منها تارة ولتخلق حالة من الحصانة والقوة والثبات لتلك الأدلة في أذهان الناس العاديين تارة أخرى .
وعلى سبيل المثال نقول : لماذا يقال للناس العاديين : أنه أنما يطرح تساؤلات حول الزهراء ، أو أن انتقاد مقولاته حول الزهراء يعتبر تشهيرا به ، أو أن كلامه في هذا الأمر اجتهاد ؟ ! بل هو يقول : " ناقشت كل العلماء في إيران وغيرها الخ . . . " أليس قوله هذا لأجل خلق حالة من الإذعان والانبهار بالأمر لدى الناس العاديين ، حتى يتم اعتباره في أذهانهم في عداد الأمور المحققة اليقينية ؟
- ص 57 -
ولعل من لم يكن يتابع ما يصدر عن البعض من تصريحات مذاعة أو مكتوبة حول موضوع الكتاب وغيرها من الموضوعات الهامة والتي طرحت أخيرا - لعله - يعذر في تصوره أن في التمهيد بعض القسوة . لكن من واكب ، وسمع ، وقرأ ، وعرف وشاهد ، فمن الصعب أن تجد له عذرا في إطلاق دعوى غرابة ما في تمهيد الكتاب عن الموضوعات المطروحة فيه ، لأنه سيجد ما يرتفع به استغرابه واستهجانه في نفس كلمات ذلك البعض في موضوع الزهراء بالذات فضلا عن غيره من المواضيع الحساسة .
2 - وعدا عن ذلك كله ، فهل يستطيع أحد أن يقدم لنا مفردة يصح أن يطلق عليها : أنه سباب أو شتائم ؟ ! . أو حتى ما هو أقل من ذلك بكثير ؟ !
3 - ولا أدري ، ما ذا سيكون موقف هؤلاء الناس ممن يدأب على إظهار نفسه بأنه لا يريد أن يجيب أحدا ، من موقع التسامح والترفع عن الدخول في هذه الأمور ، فإنه مشغول بما هو أهم ونفعه أعم ؟ !
ثم يواصل وصف الآخرين ، وكل من يعترض عليه من العلماء حتى مراجع الدين بأوصاف لعل أهونها : التخلف في الذهنية ، والعقد النفسية ، والتحرك من منطلق الغرائز ، وعدم التثبت ، ثم يصف بعض العلماء - الذين لا يقبلون بمقولاته - عبر الإذاعة : أنه لا يملك إلا أن يقول عنهم أنهم بلا دين ، هذا
- ص 58 -
فضلا عن اتهامات خطيرة جدا لم يزل يرددها ويشيعها في كل اتجاه . . ونحن نفضل أن لا نثقف أحدا بهذه المفردات ، فإننا نربأ بالناس عن تعلمها فضلا عن استعمالها .
أما ردود الفعل المكتوبة ، التي يسخر كل ما لديه من إمكانات لترويجها ونشرها رغم ما اشتملت عليه من زخرف القول ، ومن أضاليل وأباطيل ، وحتى أكاذيب ، فضلا عن التحريف أو التزوير المتعمد . واشتمالها على أفانين من الشتائم فقد غدت أوضح من الشمس ، وأبين من الأمس ، وقد أشرنا إليها في هذه المقدمة في الموضع المناسب .
صيغة الرد لماذا ؟ ! ! ويحاول البعض أن يثير تساؤلا آخرا يرى أنه جدير بالإهتمام وبالاحترام ، وهو : ألم يكن من الأفضل الابتعاد عن صيغة الرد ، التي تحمل في طياتها احتمالات التخطئة والتجهيل ، بل هي في الحقيقة من صيغ التحدي للقائل ، الذي يفترض صونه عن أمر كهذا ؟ ! ألم يكن من الأفضل أن يؤلف هذا الكتاب بطريقة أخرى ، بأن يطرح الموضوع مجردا عن أية إشارة إلى أن البعض يقول كذا ، أو يقول كذا ؟ !
- ص 59 -
ونقول :
أولا : لا ندري ما إذا كان النقد الموضوعي والعلمي يحمل في طياته صفة التحدي المزعومة ! ! ولو صح ذلك ، لكن الأجدر أن يقفل الناس باب أي نقاش علمي مع أي شخص بعينه ، بل كان الأجدر أن لا يجري نقاش بين اثنين في أية مسألة علمية فكرية ، أو حياتية على الإطلاق .
ثانيا : إن السؤال بل الاعتراض يتوجه على ذلك البعض نفسه حين يتصدى لنقد وتفنيد آراء بل اعتقادات طائفة بأسرها ، بل هو يستعمل كثيرا من عبارات التجريح لها ولعلمائها ويتهمهم بأنواع التهم القاسية مستعملا لذلك كلمات قوية وقاذعة أيسرها عدم الوعي والتأثر بالمحيط المتخلف ، والجمود ، والتحجر ، والعيش في الماضي وعدم الوعي - لا سيما المرجعي منه - ثم عدم العصرنة وما إلى ذلك .
ثالثا : إنا نستغرب كثيرا طرح هذا الموضوع بهذه الطريقة ، لأننا إنما تحدثنا بصيغة تجنبنا فيها التصريح باسم أحد ، وذلك تحاشيا لإحراج أي كان من الناس في أن يجد نفسه في موقع لا يرغب هو بأن يرى نفسه فيه .
- ص 60 -
فإذا كان ثمة حالة أسهم ذلك البعض نفسه في نشوئها بل في استمرارها لأنه لم يزل يصر على متابعة تحريك عوامل الإثارة ولا ندري سر ذلك ولا نعرف غاياته ، أو أهدافه ؟ حتى بات واضحا لدى الكثيرين من هو صاحب تلك المقولات - إذا كان الأمر كذلك - فما هو ذنبنا نحن يا ترى ؟ ! على أن من الواضح : أننا حين آثرنا تجنب التصريح بالأسماء لم يرتض بعض الناس ذلك فاعتبروه تنكيرا وتجهيلا وإهانة ، فأثاروا بذلك أجواء اتجهوا فيها نحو تولي الإعلان والتصريح بالأسماء حيث لم يرضهم التلويح أو التلميح . ونحن تعليقا على عملهم هذا لا نملك إلا أن نأسف ونأمل أن يوفقنا الله لمعرفة وجه الحكمة في صنيعهم هذا .
رابعا : إننا من جهة لم نزل نسمع ونرى البعض يقدمون أنفهسم على أنهم دعاة حوار ، ورواد انفتاح على الآخرين ، ولكنهم - مع ذلك - يقمعون محاوريهم من الداخل ، فلا انفتاح ولا حوار ؟ ! ثم يرفضون الحوار مع من لا يتمكنون من ممارسة القمع ضدهم بصورة ظاهرة .
ومن جهة أخرى نراهم يدعون إلى طرح القضايا على الناس بصراحة وبوضوح ، لأن العلم والفكر ليس حكرا على فريق دون فريق ، بل نجدهم يستثيرون شهية الكثيرين للحوار بقولهم : " نحن نعتبر النقد أفضل هدية تقدم إلينا . . " ثم في
- ص 61 -
المقابل نجدهم يواجهون هذا الكتاب المبني على الحقيقة العلمية الصريحة والواضحة بأشد حالات الغضب والانزعاج منه ومن مؤلفه . . ثم نجدهم يمارسون سياسة المحاصرة للكتاب ، ويبذلون جهدا كبيرا لمنع الناس من تداوله وحتى من بيعه وشرائه بطريقة أو بأخرى .
حتى بات حكمه أسوأ من حكم كتب الضلال التي جوز هذا البعض مؤخرا تداولها والاطلاع عليها ؟ ! ولعل أيسر ذلك محاولاتهم تحريك غرائز الناس ، باعتبار : أن هذا الكتاب هو ضد فلان أو يهدف إلى إسقاط هذا البعض ، أو ذاك . هذا كله . . عدا عن محاولات التشويه ، والتجني ، والتجريح التي لم وربما لن تقف عند حد . .
خامسا : إن الهدف من الكتاب إنما هو مناقشة علمية وموضوعية لمقولات معينة ، اجتمعت لدى البعض في موضوعات بعينها بهدف تصحيح النظرة لدى الذين يمكن أن يتأثروا بما يقال لهم ليقبلوه ، ويعملوا على أساسه .
ولو كان البحث المجرد عن الإشارة يكفي ، لكفت عشرات المؤلفات التي ذكرت تلك الموضوعات ، وحشدت لها الأدلة الكثيرة ، ولم يكن ثمة حاجة لكتابة " مأساة الزهراء ( ع ) " من الأساس .
- ص 62 -
وتلك الكتب الكثيرة والمعتمدة رغم أنها حافلة بالنصوص المزيلة لكل شبهة ، والقاطعة لأي عذر ، إلا أنها لم تمنع من تأثر هؤلاء الناس بمقولات هذا البعض ، في أمر اتفقت عليه كلمة شيعة أهل البيت ( ع ) ، وتضافرت ( 1 ) به النصوص عن المعصومين ( ع ) ، وتواترت عنهم وعن المؤرخين والمحدثين على اختلاف ميولهم ومذاهبهم .
لعل مراد القائل غير ما فهم منه : ومن الإعتراضات التي وجهت إلينا : أن من الممكن أن يكون مقصود القائل هو غير ما فهمتم من كلامه ، فلا بد من التأكد من ذلك بسؤال نفس صاحب تلك المقولات عن مقصوده .
ونقول :
1 - إن هذا البعض إنما يطرح مقولاته على الملأ العام ولعامة الناس ، فما فهمناه هو ما فهمه الناس من ظواهر كلماته ، ونحن لم ننسب إليه شيئا خارج نطاق دلالات الألفاظ التي
( 1 ) كما صرح به في خطبته في قم ، في حسينية الشهيد الصدر في 21 شعبان 1414 ه . وقد تقدمت الإشارة إلى تحريف النص ، فراجع فقرة : " التنازع في جنس الملائكة " متنا وهامشا . ( * )
- ص 63 -
استخدمها للتعبير عن مقاصده ، وفق ما يفهم كل أهل اللغة ومن ينطق بها ، وطبق قواعد محاوراتهم ، وأساليبهم في تفهيم مقاصدهم .
2 - إنه إذا لم يستطع من قضى عدة عقود من الزمن في الدراسة والجهد العلمي أن يفهم مراد هذا البعض ، فمن ذا الذي يخاطبه هذا البعض بكلامه ، ويمكنه أن يفهمها ؟ ! ولنا أن نتساءل ما الذي فهمه أولئك الناس العاديون ، الذين حضروا مجلسه ، وسمعوا منه مباشرة أو عبر الإذاعة وغيرها ، وفيهم المرأة والرجل ، والكبير والصغير ، والشاب ، والمثقف ، وغير المثقف والعامل والفلاح .
3 - ولنفترض جدلا وجود خطأ في فهم بعض تلك الموارد ، فكم يمكن أن نتصور حجمه ومقداره إلى جانب عشرات الموارد التي فهمت كما يفهمها الناس المخاطبون بها بصورة سليمة وقويمة ؟ ! وماذا يمكن أن نفعل فيما اتفقت فيه أفهام العلماء الكبار ، ومراجع الدين ، وكثير من المثقفين ، وفيهم جماعة من غير مذهبنا أو ملتنا ؟ حتى أن البعض منهم بات يحتج على أهل هذا المذهب بكلامه ! وليدلنا صاحب الاعتراض على تلك الموارد التي تحتاج إلى التوضيح والتصحيح لنعرف كيف ؟ ولماذا أخطأنا في فهم المراد منها ؟ !
- ص 64 -
ثم للنظر فيما يطرح ويدعى أنه توضيح تنقيح هل يصلح لأن يوصف بذلك حقا وصدقا ، أو أنه غير صالح له ؟ ! المصطادون في الماء العكر : ومن الأمور التي لم نزل نسمعها من أكثر من جهة : أن هذا الكتاب قد أفسح المجال لفئات متناثرة هنا وهناك ، لتصطاد في الماء العكر - على حد تعبيرهم - وتتحرك باتجاه تحقيق أهداف أخرى لا ربط لها بما توخاه كتاب " مأساة الزهراء ( ع ) " .
ونقول : نخشى أن يكون المقصود : أن طرح الموضوعات المثيرة إذا كان من جانب واحد - هو جانب ذلك البعض - فليس ثمة من مشكلة ، حتى لو أدت إلى زعزعة ثوابت عقيدية وإيمانية ، بل إن الساحة سوف تبقى صافية كصفاء عين الديك حينئذ ، لكن إذا ما أراد أحد أن ينتصر للحق ، ويعترض على مقولات ذلك البعض ، بهدف تحصين الناس من الانسياق وراء هذه المقولات ، متلقيا لها بحسن نية وسلامة طوية ، ومن دون مناقشة فإن ذلك يعد جريمة كبرى ، لأنه ربما يمثل عقبة في طريق المشروع الذي قد يكون البعض يعمل له منذ أربعين أو خمسين سنة ، وهل ثمة جريمة أعظم من إلفات نظر الناس إلى ما يراد لهم وبهم ؟ ! ألا يعتبر ذلك إرباكا للواقع الإسلامي كله ، على حد تعبيرهم ؟
- ص 65 -
وبعد ما تقدم نقول :
1 - حبذا لو قيل هذا للكلام لأولئك الذين أثاروا هذه القضايا وأصروا على إشاعتها وتثبيتها بين الناس ، في مناسبات عديدة لمدة مديدة . وكنا نحن وكان كتابنا أيضا ضحية هذا الإصرار منهم ، حيث أديرت مفردات تأكيده وتجسيده بدراية وأناة ؟ وبالاستعانة بقدرات إعلامية كبيرة وأساليب " بديعة ومؤثرة " ، لطالما وجهت إلينا التحذيرات منها ، لكننا لم نلتفت لها ، ولم نأبه بها ، لأننا وجدنا أن واجبنا الشرعي يفرض علينا أن نعالج ما يمكن معالجته ، وأن رضى الله هو المطلوب .
2 - إن ثمة درجة عالية من التهويل والتضخيم لشأن من أسموهم بالمصطادين في الماء العكر ، لا سيما مع ملاحظة ما ذكرناه آنفا .
3 - من الواضح : أن طرح فكرة ما للناس لتصبح جزءا من عقيدتهم أو ثقافتهم ، وليكون لها تأثير بشكل أو بآخر في حياتهم ، يتطلب المبادرة إلى طرح الفكرة المغايرة التي تظهر أوجه الخلل فيها في نفس الفضاء ، وبنفس الكيفية التي طرحت فيها الفكرة الأولى ، ولا يصح الانتظار سنين متمادية ، لأن التصدي بعد تجذر ذلك سيكون - أصعب ، وأكثر تعقيدا ، وأقل نتيجة ، حيث تكون الفكرة قد تجذرت في نفوس الناس وعقولهم لتصير جزءا من عقيدتهم ، ومفاهيمهم ، وحياتهم .
- ص 66 -
4 - إنه سواء طرحت الفكرة الصحيحة اليوم أو غدا ، أو بعد عشرات السنين فليس ثمة ما يمنع من وجود مستفيدين ، في كل زمان ومكان ، ونحن نرى أنه لا يجوز أن يكون وجودهم مانعا من التصدي للتصحيح أو التوضيح ، وإلا فإننا لو أردنا أن نتقيد بهذا الأمر إلى هذا الحد ، فلن نتمكن من الرد على أية فكرة ، ولن نستطيع مواجهة أي مشروع ، لا سيما إذا كان يستهدف مفردات كثيرة ، من بينها ما هو على درجة كبيرة من الخطورة والحساسية ، مما يستدعي الإسراع في المبادرة إلى عملية التصحيح هذه .
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى