عندما يعجز الفكر يتخبط القلم
alzahra2 :: الفئة الأولى :: قسم الشبهات والردود :: مقالات العلماء :: مقالات سماحة السيد هاشم الهاشمي
صفحة 1 من اصل 1
عندما يعجز الفكر يتخبط القلم
وجه لبعض من جند نفسه للتشكيك في كل ما يرتبط بعزاء الإمام الحسين (ع) في موقعه على الانترنت المسمى بـ "بينات" ضمن الخانة "أنت تسأل ونحن نجيب" ، وفي خصوص أحد مفردات القائمة وهو: "السيرة الحسينية وما يتعلق بها" سؤال هذا نصه:
سمعنا من أحد خطباء مجلس التعزية الحسيني لمناسبة أربعين سيد الشهداء عليه السلام ما يأتي: «إن من زار الحسين عليه السلام في قبره كمن زار الله في عرشه»، لقد أثارت هذه العبارات جدلاً طويلاً بيننا، وقال البعض منا إن مساواة منـزلة الحسين(ع) بمنـزلة الله سبحانه وتعالى غير جائزة، كما إن القول بزيارة الإنسان لله في عرشه يتناقض مع الفقه الجعفري الذي ينفي التشبيه عن ذات الله تعالى نفيا قاطعاً، وقال الخطيب إن ذلك من باب المجاز. نرجو من سماحتكم تنويرنا برأيكم في هذه المسألة وشكراً.
ومن المؤسف القول أن مسؤولية نشر الأباطيل لا تقع على عاتق المجيب فقط بل تقع أحيانا على عاتق السائل المستفتي الذي يريد رفع الإبهام في موضوع ما عند من يعيش الإبهام والجهل في داخله فيسأل من يحتاج إلى تنوير ولا يسأل أهل العلم والمراجع الأجلاء، وقد قال تعالى: ﴿ أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون ﴾(يونس: 35)
"هذا كلام يتنافى مع أبسط عقائدنا التوحيدية التي تؤكد أن الله سبحانه هو فوق الزمان والمكان، وأن العرش ليس هو المكان الذي يضم الله سبحانه، مع ملاحظة أخرى، وهي أن مساواة زيارة الحسين(ع) بزيارة الله في عرشه لا ينسجم مع العقيدة التي ترتفع بعظمة الله عن خلقه حتى المقربين إليه، وإننا ندعو الخطباء والعلماء إلى التدقيق في صحة هذه الأحاديث أولاً، وإلى دراسة تأثيراتها السلبية على مصداقية مذهب الإمامية ثانياً. حتى إنه لا يجوز أن نلقي على الناس كلاماً لا نلتزم بظاهره ثم ندخل في تأويله بعنوان المجاز أو غيره، بل إن الواجب هو التحدث عن العقيدة ورموزها بوضوح تام لا يثير أية شبهة أو إشكال".
وتعليقا على هذا الجواب الذي لا يصدر من أقل طلبة العلم نقول:
1 – مما لا شك فيه أن مذهب الإمامية قائم على نفي التجسيم والتشبيه، وأن ما ورد في القرآن والسنة مما ظاهره ذلك لابد أن يأول بوجه يليق بساحته سبحانه وتعالى، ومن الواضح على هذا أن الله عز وجل فوق المكان وأن العرش ليس هو المكان الذي يحدد الله سبحانه، ولكن ما نحن فيه هو مدى دلالة الحديث الذي نقله أحد خطباء المنبر الحسيني في منافاة عقيدة الشيعة، فهل الأمر كما زعمه المجيب من أنه يتنافى مع أبسط العقائد التوحيدية؟!
الكل يعلم أن القرآن الكريم الذي لا يختلف اثنان أنه صادر عن الله عز وجل يتضمن آيات ظاهرها التشبيه أو التجسيم من قبيل قوله تعالى : ﴿ كل شيء هالك إلا وجهه ﴾(القصص: 88)، ﴿ يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ﴾(ص: 75)، ﴿ وجاء ربك والملك صفا صفا ﴾(الفجر: 22)، ﴿ الرحمن على العرش استوى ﴾(طه: 5) ..... الخ، وقد جاء أئمة أهل البيت عليهم السلام وعلى إثرهم علماء الإمامية وفسروها وأولوها بما يرفع عنها شبهة التجسيم، ولم يجرأ أحد من الشيعة أو غيرهم أن ينفي كون هذه الآيات من القرآن الكريم بحجة أنها تتنافى مع أبسط عقائدنا التوحيدية التي تؤكد أن الله عز وجل لا يستوي على العرش ولا يضمه العرش!!! فهل يريد هذا البعض أن يكون أول المتجرئين؟ هل حقيقة الأمر هو وجود إشكال على مضمون الحديث (الذي يشاركه القرآن الكريم أيضا في الظاهر بهذا الإشكال) أم أن المسألة هي التعامل باستخفاف مع أحاديث أهل البيت (ع) وعدم التورع في ردها لأدنى شبهة سقيمة وبعقلية سطحية ساذجة جدا، وإلا لو كان الأمر غير ذلك فلماذا لم يتعامل بنفس الطريقة مع الآيات القرآنية بالرغم من أن الإشكال والاعتراض فيهما من باب واحد فما يجاب عنه في القرآن بالتأويل يجاب عنه في الحديث.
2 – أقر المجيب بالاعتراض المذكور في سؤال السائل من أن الحديث الذي أورده الخطيب الحسيني يتضمن مساواة منزلة الإمام الحسين (ع) بمنزلة الله سبحانه وتعالى، واعتبر أن ذلك " لا ينسجم مع العقيدة التي ترتفع بعظمة الله عن خلقه حتى المقربين إليه".
وهذا فهم مقلوب آخر يكشف عن سذاجة وسطحية غير طبيعية عند المجيب، فليس في الحديث أي إشارة إلى أن منزلة الحسين (ع) كمنزلة الله سبحانه، بل الحديث يؤكد على أن الله سيكتب الأجر لمن يزور الحسين بنفس المقدار الذي سيكتبه فيما لو زار الله سبحانه وتعالى، وأن زائر الحسين له حظ من القرب والمنزلة والحظوة كمن زار الله عز وجل في عرشه، لا أن الله سبحانه له مكان يقصد له بل هو تشبيه للقرب المعنوي بالقرب المادي، فالإنسان عندما يزور ملكا من الملوك فإن العادة جرت أن يكون الملك جالسا على كرسيه والزائر واقفا عن بعد بين يديه، فإذا اقترب الزائر من الملك حتى أجلسه على عرشه وكرسيه فهذا يدلل على كمال وغاية العناية والمنزلة، وهكذا الأمر بالنسبة لزائر الحسين (ع) فإنه سيحظى بمنزلة خاصة من القرب والاهتمام الرباني، فالحديث من قبيل قوله تعالى ﴿ ثم دنا فتدلى * فكان قاب قوسين أو أدنى ﴾. (الرحمن /
وقد روى الشيخ الصدوق بسند صحيح عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن إبراهيم بن هاشم، عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: قلت لعلي بن موسى الرضا (ع): يا بن رسول الله، ما تقول في الحديث الذي يرويه أهل الحديث أن المؤمنين يزورون ربهم من منازلهم في الجنة؟ فقال (ع): «يا أبا الصلت، إن الله تبارك وتعالى فضل نبيه محمدا (ص) على جميع خلقه من النبيين والملائكة، وجعل طاعته طاعته ومتابعته متابعته، وزيارته في الدنيا والآخرة زيارته، فقال عز وجل»:﴿ من يطع الرسول فقد أطاع الله ﴾«، وقال: »﴿ إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم ﴾«،وقال النبي (ص): »«من زارني في حياتي أو بعد موتي فقد زار الله" درجة النبي في الجنة أرفع الدرجات، فمن زاره إلى درجته في الجنة من منزله فقد زار الله تبارك وتعالى». (التوحيد باب ما جاء في الرؤية ص117 ح21)
ونلاحظ على هذا الحديث الشريف أن الإمام الرضا (ع) لم ينف صدور حديث زيارة المؤمنين لربهم في الجنة، ولكنه فسره بأن المراد به زيارة النبي (ص)، كما أنه بين أن منشأ هذه الفضيلة للنبي (ص) أن الله عز وجل هو الذي فضل نبيه على جميع خلقه، فمنحه هذا الحكم في الأجر والمنزلة، ولايمكن بأي حال أن يكون النبي (ص) المفضل (بفتح الضاد) أفضل من المفضل (بكسر الضاد) أي الله سبحانه.
3 – دعا المجيب أولا الخطباء والعلماء إلى التدقيق في صحة هذه الأحاديث، وكان الأجدر به أن يوجه الدعوة لنفسه ويكون أول الممتثلين كي لا ينطبق عليه قوله تعالى: ﴿ يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ﴾. (الصف: 2-3)
فالحديث الذي ذكره الخطيب قد ورد بسند صحيح أورده الشيخ الطوسي في كتاب المزار – باب فضل زيارة أبي عبد الله (ع) عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه، قال: حدثني محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عن زيد الشحام، عن أبي عبد الله (ع) قال:
«من زار قبر أبي عبد الله (ع) يوم عاشوراء كان كمن زار الله تعالى في عرشه»
ورواة السند من الثقاة الأجلاء. (راجع معجم رجال الحديث ج4 ص106، ج16 ص233، ج10 ص139، ج20 ص147، ج14 ص279، ج7 ص361)
علما بأن طريق الشيخ الطوسي إلى ابن قولويه صحيح. (معجم رجال الحديث ج4 ص107)
هذا وقد نص العلامة المجلسي على صحة الحديث في كتابه "ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار" ج9 ص124.
4 – زعم المجيب وجود تأثيرات سلبية على مصداقية مذهب الإمامية داعيا إلى دراستها، ونحن في الحقيقة لم نجد تأثيرا سلبيا على مذهب الإمامية أشد من تدخل من لايفقه في الدين في أمر الدين، فلو سكت من لايعلم لكان الناس في راحة من أمرهم.
إن مذهب أهل البيت مذهب رصين قائم على الاستدلال، وقد قيض الله عز وجل له علماء فحول يدفعون عنه كل وهم ويزيحون أي شبهة، ويفسرون القرآن والحديث بما يملكونه من خلفية علمية راسخة، ومن جملة أولئك الأعلام العلامة المجلسي الذي فسر حديثا مشابها للحديث الذي ذكره الخطيب الحسيني، وقال في شرح عبارة «كمن زار الله فوق عرشه» ما يلي:
«أي عبد الله هناك، أو لاقى الأنبياء والأوصياء هناك، فإن زيارتهم كزيارة الله، أو يحصل له مرتبة من القرب كمن صعد عرش ملك وزاره». (ملاذ الأخيار ج9 ص119)
5 – ادعى المجيب أنه "لا يجوز أن نلقي على الناس كلاماً لا نلتزم بظاهره ثم ندخل في تأويله بعنوان المجاز أو غيره، بل إن الواجب هو التحدث عن العقيدة ورموزها بوضوح تام لا يثير أية شبهة أو إشكال"، وهذا من أغرب الأقوال، إذ المجيب يفرض لنفسه وصاية على الله عز وجل والنبي (ص) والأئمة (ع)، فيما ينبغي أن يقولوه وما لا يقولوه، فالله عز وجل صرح في القرآن الكريم بوجود آيات متشابهات تحتاج إلى تأويل وأن تأويل تلك الآيات بيد الراسخين في العلم، قال تعالى: ﴿ وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم ﴾ (آل عمران: 7)، مع أن المجيب نفسه قد اعترف في أكثر من موطن أن الله عز وجل ألقى إلى الناس كلاما لايمكن الالتزام بظاهره بل لابد من تفسيره بتفسير آخر، كقوله تعالى ﴿ الرحمن على العرش استوى ﴾ (طه: 5) حيث فسر بأن المقصود منه الإمساك بالقدرة والسلطة، (الندوة ج1 ص161)، وقوله تعالى ﴿ وجاء ربك والملك صفا صفا ﴾ حيث فسره بمجيء الرحمة والقوة. (الندوة ج2 ص338)
فهل يريد هذا المجيب أن ينسف باب المجاز في القرآن والحديث، وهو الذي قامت عليه محاورات الناس؟!
وكأن المجيب يريد من الخطيب الحسيني أن يقول للحضور: الله عز وجل واحد ليس له شريك وليس له شبيه ثم ينزل من المنبر حتى يحقق طلبه بالتحدث عن العقيدة بوضوح تام!! أليس دور الخطيب في عصر انتشار الكتب والمحاضرات وسماعهم لعشرات الشبهات على الأحاديث ومنها الشبهة التي طرأت على ذهن بعض الحاضرين على الحديث الذي تناوله أن يشرح ويجيب عما قد يوجب اللبس في أذهانهم.
لقد فسر هذا المجيب في تفسيره الذي زعم أنه استوحاه من القرآن العديد من الآيات بطريقة المجاز، وعلى سبيل المثال: فإنه في تفسير الآيات 28 – 30 من سورة آل عمران رفض ظاهر الآية الدالة على نظرية تجسيم الأعمال متذرعا بأن هذا من قبيل التقيد بالنص الحرفي للقرآن، مع أن هناك بابا آخر يصح معه تفسير القرآن أي باب المجاز والاستعارة.
فلماذا يسمح لنفسه بهذا النحو من التفسير للقرآن ويرفضه مع غيره، أم أن المسألة تمثل حالة يعيشها المجيب مع الأحاديث فقط؟ أو مع خطباء المنبر الحسيني الذين أظهر - وفي أكثر من مناسبة - استخفافه بهم.
6 – وأخيرا قال المجيب في كتابه "حديث عاشوراء" ص43:
"في الحديث القدسي المعروف : «لم يسعني سمائي ولا أرضي» فالله ليس موجودا في مكان هو فوق المكان، «ووسعني قلب عبدي المؤمن». قلبك عرش الله إذا عشت الوعي لله".
فلماذا لايكون قلب الحسين (ع) هو عرش الله الذي يسع الله، فتهفو لذلك القلب الطاهر قلوب المؤمنين؟
﴿ يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ﴾ (التوبة: 32)
اللهم اكتبنا في زوار الحسين عليه السلام.
سمعنا من أحد خطباء مجلس التعزية الحسيني لمناسبة أربعين سيد الشهداء عليه السلام ما يأتي: «إن من زار الحسين عليه السلام في قبره كمن زار الله في عرشه»، لقد أثارت هذه العبارات جدلاً طويلاً بيننا، وقال البعض منا إن مساواة منـزلة الحسين(ع) بمنـزلة الله سبحانه وتعالى غير جائزة، كما إن القول بزيارة الإنسان لله في عرشه يتناقض مع الفقه الجعفري الذي ينفي التشبيه عن ذات الله تعالى نفيا قاطعاً، وقال الخطيب إن ذلك من باب المجاز. نرجو من سماحتكم تنويرنا برأيكم في هذه المسألة وشكراً.
ومن المؤسف القول أن مسؤولية نشر الأباطيل لا تقع على عاتق المجيب فقط بل تقع أحيانا على عاتق السائل المستفتي الذي يريد رفع الإبهام في موضوع ما عند من يعيش الإبهام والجهل في داخله فيسأل من يحتاج إلى تنوير ولا يسأل أهل العلم والمراجع الأجلاء، وقد قال تعالى: ﴿ أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون ﴾(يونس: 35)
"هذا كلام يتنافى مع أبسط عقائدنا التوحيدية التي تؤكد أن الله سبحانه هو فوق الزمان والمكان، وأن العرش ليس هو المكان الذي يضم الله سبحانه، مع ملاحظة أخرى، وهي أن مساواة زيارة الحسين(ع) بزيارة الله في عرشه لا ينسجم مع العقيدة التي ترتفع بعظمة الله عن خلقه حتى المقربين إليه، وإننا ندعو الخطباء والعلماء إلى التدقيق في صحة هذه الأحاديث أولاً، وإلى دراسة تأثيراتها السلبية على مصداقية مذهب الإمامية ثانياً. حتى إنه لا يجوز أن نلقي على الناس كلاماً لا نلتزم بظاهره ثم ندخل في تأويله بعنوان المجاز أو غيره، بل إن الواجب هو التحدث عن العقيدة ورموزها بوضوح تام لا يثير أية شبهة أو إشكال".
وتعليقا على هذا الجواب الذي لا يصدر من أقل طلبة العلم نقول:
1 – مما لا شك فيه أن مذهب الإمامية قائم على نفي التجسيم والتشبيه، وأن ما ورد في القرآن والسنة مما ظاهره ذلك لابد أن يأول بوجه يليق بساحته سبحانه وتعالى، ومن الواضح على هذا أن الله عز وجل فوق المكان وأن العرش ليس هو المكان الذي يحدد الله سبحانه، ولكن ما نحن فيه هو مدى دلالة الحديث الذي نقله أحد خطباء المنبر الحسيني في منافاة عقيدة الشيعة، فهل الأمر كما زعمه المجيب من أنه يتنافى مع أبسط العقائد التوحيدية؟!
الكل يعلم أن القرآن الكريم الذي لا يختلف اثنان أنه صادر عن الله عز وجل يتضمن آيات ظاهرها التشبيه أو التجسيم من قبيل قوله تعالى : ﴿ كل شيء هالك إلا وجهه ﴾(القصص: 88)، ﴿ يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ﴾(ص: 75)، ﴿ وجاء ربك والملك صفا صفا ﴾(الفجر: 22)، ﴿ الرحمن على العرش استوى ﴾(طه: 5) ..... الخ، وقد جاء أئمة أهل البيت عليهم السلام وعلى إثرهم علماء الإمامية وفسروها وأولوها بما يرفع عنها شبهة التجسيم، ولم يجرأ أحد من الشيعة أو غيرهم أن ينفي كون هذه الآيات من القرآن الكريم بحجة أنها تتنافى مع أبسط عقائدنا التوحيدية التي تؤكد أن الله عز وجل لا يستوي على العرش ولا يضمه العرش!!! فهل يريد هذا البعض أن يكون أول المتجرئين؟ هل حقيقة الأمر هو وجود إشكال على مضمون الحديث (الذي يشاركه القرآن الكريم أيضا في الظاهر بهذا الإشكال) أم أن المسألة هي التعامل باستخفاف مع أحاديث أهل البيت (ع) وعدم التورع في ردها لأدنى شبهة سقيمة وبعقلية سطحية ساذجة جدا، وإلا لو كان الأمر غير ذلك فلماذا لم يتعامل بنفس الطريقة مع الآيات القرآنية بالرغم من أن الإشكال والاعتراض فيهما من باب واحد فما يجاب عنه في القرآن بالتأويل يجاب عنه في الحديث.
2 – أقر المجيب بالاعتراض المذكور في سؤال السائل من أن الحديث الذي أورده الخطيب الحسيني يتضمن مساواة منزلة الإمام الحسين (ع) بمنزلة الله سبحانه وتعالى، واعتبر أن ذلك " لا ينسجم مع العقيدة التي ترتفع بعظمة الله عن خلقه حتى المقربين إليه".
وهذا فهم مقلوب آخر يكشف عن سذاجة وسطحية غير طبيعية عند المجيب، فليس في الحديث أي إشارة إلى أن منزلة الحسين (ع) كمنزلة الله سبحانه، بل الحديث يؤكد على أن الله سيكتب الأجر لمن يزور الحسين بنفس المقدار الذي سيكتبه فيما لو زار الله سبحانه وتعالى، وأن زائر الحسين له حظ من القرب والمنزلة والحظوة كمن زار الله عز وجل في عرشه، لا أن الله سبحانه له مكان يقصد له بل هو تشبيه للقرب المعنوي بالقرب المادي، فالإنسان عندما يزور ملكا من الملوك فإن العادة جرت أن يكون الملك جالسا على كرسيه والزائر واقفا عن بعد بين يديه، فإذا اقترب الزائر من الملك حتى أجلسه على عرشه وكرسيه فهذا يدلل على كمال وغاية العناية والمنزلة، وهكذا الأمر بالنسبة لزائر الحسين (ع) فإنه سيحظى بمنزلة خاصة من القرب والاهتمام الرباني، فالحديث من قبيل قوله تعالى ﴿ ثم دنا فتدلى * فكان قاب قوسين أو أدنى ﴾. (الرحمن /
وقد روى الشيخ الصدوق بسند صحيح عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن إبراهيم بن هاشم، عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: قلت لعلي بن موسى الرضا (ع): يا بن رسول الله، ما تقول في الحديث الذي يرويه أهل الحديث أن المؤمنين يزورون ربهم من منازلهم في الجنة؟ فقال (ع): «يا أبا الصلت، إن الله تبارك وتعالى فضل نبيه محمدا (ص) على جميع خلقه من النبيين والملائكة، وجعل طاعته طاعته ومتابعته متابعته، وزيارته في الدنيا والآخرة زيارته، فقال عز وجل»:﴿ من يطع الرسول فقد أطاع الله ﴾«، وقال: »﴿ إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم ﴾«،وقال النبي (ص): »«من زارني في حياتي أو بعد موتي فقد زار الله" درجة النبي في الجنة أرفع الدرجات، فمن زاره إلى درجته في الجنة من منزله فقد زار الله تبارك وتعالى». (التوحيد باب ما جاء في الرؤية ص117 ح21)
ونلاحظ على هذا الحديث الشريف أن الإمام الرضا (ع) لم ينف صدور حديث زيارة المؤمنين لربهم في الجنة، ولكنه فسره بأن المراد به زيارة النبي (ص)، كما أنه بين أن منشأ هذه الفضيلة للنبي (ص) أن الله عز وجل هو الذي فضل نبيه على جميع خلقه، فمنحه هذا الحكم في الأجر والمنزلة، ولايمكن بأي حال أن يكون النبي (ص) المفضل (بفتح الضاد) أفضل من المفضل (بكسر الضاد) أي الله سبحانه.
3 – دعا المجيب أولا الخطباء والعلماء إلى التدقيق في صحة هذه الأحاديث، وكان الأجدر به أن يوجه الدعوة لنفسه ويكون أول الممتثلين كي لا ينطبق عليه قوله تعالى: ﴿ يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ﴾. (الصف: 2-3)
فالحديث الذي ذكره الخطيب قد ورد بسند صحيح أورده الشيخ الطوسي في كتاب المزار – باب فضل زيارة أبي عبد الله (ع) عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه، قال: حدثني محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عن زيد الشحام، عن أبي عبد الله (ع) قال:
«من زار قبر أبي عبد الله (ع) يوم عاشوراء كان كمن زار الله تعالى في عرشه»
ورواة السند من الثقاة الأجلاء. (راجع معجم رجال الحديث ج4 ص106، ج16 ص233، ج10 ص139، ج20 ص147، ج14 ص279، ج7 ص361)
علما بأن طريق الشيخ الطوسي إلى ابن قولويه صحيح. (معجم رجال الحديث ج4 ص107)
هذا وقد نص العلامة المجلسي على صحة الحديث في كتابه "ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار" ج9 ص124.
4 – زعم المجيب وجود تأثيرات سلبية على مصداقية مذهب الإمامية داعيا إلى دراستها، ونحن في الحقيقة لم نجد تأثيرا سلبيا على مذهب الإمامية أشد من تدخل من لايفقه في الدين في أمر الدين، فلو سكت من لايعلم لكان الناس في راحة من أمرهم.
إن مذهب أهل البيت مذهب رصين قائم على الاستدلال، وقد قيض الله عز وجل له علماء فحول يدفعون عنه كل وهم ويزيحون أي شبهة، ويفسرون القرآن والحديث بما يملكونه من خلفية علمية راسخة، ومن جملة أولئك الأعلام العلامة المجلسي الذي فسر حديثا مشابها للحديث الذي ذكره الخطيب الحسيني، وقال في شرح عبارة «كمن زار الله فوق عرشه» ما يلي:
«أي عبد الله هناك، أو لاقى الأنبياء والأوصياء هناك، فإن زيارتهم كزيارة الله، أو يحصل له مرتبة من القرب كمن صعد عرش ملك وزاره». (ملاذ الأخيار ج9 ص119)
5 – ادعى المجيب أنه "لا يجوز أن نلقي على الناس كلاماً لا نلتزم بظاهره ثم ندخل في تأويله بعنوان المجاز أو غيره، بل إن الواجب هو التحدث عن العقيدة ورموزها بوضوح تام لا يثير أية شبهة أو إشكال"، وهذا من أغرب الأقوال، إذ المجيب يفرض لنفسه وصاية على الله عز وجل والنبي (ص) والأئمة (ع)، فيما ينبغي أن يقولوه وما لا يقولوه، فالله عز وجل صرح في القرآن الكريم بوجود آيات متشابهات تحتاج إلى تأويل وأن تأويل تلك الآيات بيد الراسخين في العلم، قال تعالى: ﴿ وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم ﴾ (آل عمران: 7)، مع أن المجيب نفسه قد اعترف في أكثر من موطن أن الله عز وجل ألقى إلى الناس كلاما لايمكن الالتزام بظاهره بل لابد من تفسيره بتفسير آخر، كقوله تعالى ﴿ الرحمن على العرش استوى ﴾ (طه: 5) حيث فسر بأن المقصود منه الإمساك بالقدرة والسلطة، (الندوة ج1 ص161)، وقوله تعالى ﴿ وجاء ربك والملك صفا صفا ﴾ حيث فسره بمجيء الرحمة والقوة. (الندوة ج2 ص338)
فهل يريد هذا المجيب أن ينسف باب المجاز في القرآن والحديث، وهو الذي قامت عليه محاورات الناس؟!
وكأن المجيب يريد من الخطيب الحسيني أن يقول للحضور: الله عز وجل واحد ليس له شريك وليس له شبيه ثم ينزل من المنبر حتى يحقق طلبه بالتحدث عن العقيدة بوضوح تام!! أليس دور الخطيب في عصر انتشار الكتب والمحاضرات وسماعهم لعشرات الشبهات على الأحاديث ومنها الشبهة التي طرأت على ذهن بعض الحاضرين على الحديث الذي تناوله أن يشرح ويجيب عما قد يوجب اللبس في أذهانهم.
لقد فسر هذا المجيب في تفسيره الذي زعم أنه استوحاه من القرآن العديد من الآيات بطريقة المجاز، وعلى سبيل المثال: فإنه في تفسير الآيات 28 – 30 من سورة آل عمران رفض ظاهر الآية الدالة على نظرية تجسيم الأعمال متذرعا بأن هذا من قبيل التقيد بالنص الحرفي للقرآن، مع أن هناك بابا آخر يصح معه تفسير القرآن أي باب المجاز والاستعارة.
فلماذا يسمح لنفسه بهذا النحو من التفسير للقرآن ويرفضه مع غيره، أم أن المسألة تمثل حالة يعيشها المجيب مع الأحاديث فقط؟ أو مع خطباء المنبر الحسيني الذين أظهر - وفي أكثر من مناسبة - استخفافه بهم.
6 – وأخيرا قال المجيب في كتابه "حديث عاشوراء" ص43:
"في الحديث القدسي المعروف : «لم يسعني سمائي ولا أرضي» فالله ليس موجودا في مكان هو فوق المكان، «ووسعني قلب عبدي المؤمن». قلبك عرش الله إذا عشت الوعي لله".
فلماذا لايكون قلب الحسين (ع) هو عرش الله الذي يسع الله، فتهفو لذلك القلب الطاهر قلوب المؤمنين؟
﴿ يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ﴾ (التوبة: 32)
اللهم اكتبنا في زوار الحسين عليه السلام.
alzahra2 :: الفئة الأولى :: قسم الشبهات والردود :: مقالات العلماء :: مقالات سماحة السيد هاشم الهاشمي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى