مع السيد محسن الأمين في رأيه حول دفن الإمام السجاد لأبيه الحسين (ع)
alzahra2 :: الفئة الأولى :: قسم السيره :: مقالات مقتبسة
صفحة 1 من اصل 1
مع السيد محسن الأمين في رأيه حول دفن الإمام السجاد لأبيه الحسين (ع)
ذكر السيد محسن الأمين – رحمه الله - في "رسالة التنزيه" التي كتبها لتنزيه الشعائر الحسينية والمنبر الحسيني مما عده وزعمه من المحرمات أن من جملة الأمور التي تعد من الكذب الصراح ويذكرها خطباء المنبر قصة مجيء الإمام السجاد (ع) من الكوفة إلى كربلاء لدفن أبيه سيد الشهداء (ع) وبقية الشهداء من أهل بيته وأصحابه. (أعيان الشيعة ج10 ص375)
وقد أقر السيد الأمين في نفس رسالته – وكما يرى ذلك بقية العلماء – أن هناك فرقا بين الخبر الضعيف وبين الخبر المكذوب، إذ الحديث المكذوب هو الحديث المختلق الموضوع والذي يعلم على نحو القطع عدم نسبته إلى قائله، ويثبت على نحو اليقين عدم حجيته، بينما الحديث الضعيف هو الذي لم تثبت حجيته بسبب ضعف سنده أو مستنده أي الكتاب الذي ينقل منه وإن كان السند الوارد في الكتاب معتبرا.
والحديث الضعيف قد يكون موضوعا وقد لايكون موضوعا، ومن ثم فإن العلاقة بين الحديث الموضوع والحديث الضعيف هي علاقة العموم والخصوص المطلق، فكل خبر مختلق ضعيف ومعلوم عدم حجيته، وليس كل خبر ضعيف مختلق ومعلوم عدم حجيته، و بناء عليه فالخبر الضعيف قد يكون في الواقع حجة وقد لايكون حجة، وذلك لأننا في الخبر الضعيف نحتمل أن يكون صادرا عن المعصوم (ع) إلا أن الأدلة لم تساعد على ذلك.
فمثلا لو جاء حديث بسند ضعيف يقول: «لا تستح من إعطاء القليل فإن الحرمان أقل منه» فهذا الحديث قد يكون صادرا عن أمير المؤمنين (ع) وقد لايكون صادرا، وعدم علمنا بصدوره لايسمح لأحد بالجزم بكذبه، إذ النفي كالإثبات يحتاج إلى دليل، وقد ورد النهي عن أهل البيت (ع) في رد الحديث لمجرد الاستحسانات والظنون.
وكثيرا ما يتفق أن الحديث الواحد قد ينقله من هو موثق ومن هو متهم بالكذب، فنعلم من نقله بواسطة الثقات أن المتهم بالكذب قد يصدق أحيانا، فلا يصح أن نحكم على الناقل بالكذب قبل التثبت والتأكد عملا بقوله تعالى: ﴿ يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ﴾ (الحجرات/6)
وفي مقام الإثبات فقد اعتمد العلماء على القرائن المصححة لمضمون الخبر ومنها نفس المضمون، فإن مضمون الحديث السابق مثلا صحيح مهما كان قائله ولكنه إلى كلمات أهل البيت وأمير المؤمنين عليهم السلام أقرب لمن لاحظ أساليبهم ومعالي معارفهم، وهناك قرائن أخرى كثيرة مدونة في كتبهم، وقد أشرت إلى بعضها في كتاب: "حوار مع فضل الله حول الزهراء".
وأسباب الحكم على الخبر بأنه موضوع إما تعود للعلم بكذب الراوي وإما للعلم بكذب المضمون.
أما في الجهة الأولى فإن العلم بكذب الراوي يحصل بأمور منها لو علم عدم إدراك شخص لآخر بسبب فارق العمر مثلا، وادعاء الأول السماع من الثاني مشافهة، أو فيما إذا صرح بنفسه باختلاق الخبر، فهذا الخبر يعد من الموضوع وإن كان مضمونه صحيحا.
فلو افترى شخص ونسب إلى أن الله عز وجل قال في القرآن الكريم: "إن الإسلام خاتم الديانات والرسالات"، فهذا الكلام وإن صحيحا في معناه، ولكن حيث أنه لم يصدر عن الله عز وجل فإن الرواية تعد موضوعة ويعد الراوي وضاعا.
أما في الجهة الثانية (العلم بكذب المضمون) فإن العلم بالوضع من خلال بطلان المضمون، إما أن يكون لمخالفته للعقل القطعي لا الظني والاستحسانات (وهذا بحث مستقل ليس هذا موضعه) أو لمخالفته المعلوم من الدين والمذهب كالمتواتر.
ولكن يشترط في الجهة الثانية أن نعلم ونتأكد بان الخبر لم يصدر عن الإمام (ع) تقية، إذ ما دام الاحتمال قائما بصدور الخبر تقية فلا يصح اتهام الرواي بالكذب والاختلاق، وخصوصا إذا كان من الثقات المعروفين، وفي هذه الحال فإننا نقول أن الرواية غير معتبرة لعدم تمامية جهة الصدور.
هذه أسس مسلمة لايمكن لمن يريد أن يتناول النصوص بالدراسة أن يقفز عليها ويتجاوزها.
وإذا ما رجعنا إلى رواية مجيء الإمام السجاد (ع) لدفن الإمام الحسين (ع) فإننا نقطع بانتفاء الجهة الثانية ، إذ ليس في مضمون الرواية ما يخالف العقل القطعي، فالعقل لا يمنع من جهة الثبوت إمكان انتقال الإمام السجاد (ع) بما منحه الله من قدرة إلهية عبر طي الأرض.
وقد ثبتت هذه المعجزة للأئمة في روايات كثيرة تفوق حد الاستفاضة وفيها ما هو معتبر كما في الرواية التي أوردها الصفار في الحديث الأخير من الباب الثاني عشر من الجزء الثامن من كتابه عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيوب (وهو الخزاز)، عن أبان بن تغلب، قال: «كنت عند أبي عبد الله (ع) فدخل عليه رجل من أهل اليمن فقال له: يا أخا أهل اليمن عندكم علماء؟ فقال: نعم، قال: فما يبلغ من علم عالمكم؟ قال: يسير في ليلة مسيرة شهرين، يزجر الطير ويقفو الأثر، فقال أبو عبد الله (ع): عالم أهل المدينة أعلم من عالمكم، قال: فما بلغ من علم عالم المدينة؟ قال: يسير في ساعة من النهار مسيرة الشمس سنة حتى يقطع اثني عشر ألف عالم مثل عالمكم هذا». (بصائر الدرجات ج2 ص270 من الطبعة المحققة من قبل السيد محمد السيد حسين المعلم)
ويكفي في هذا الصدد ما أثبته القرآن الكريم من طي الأرض لعفريت من الجن أو لمن عنده علم من الكتاب، ولا أظن أن شيعيا يزعم أن قدرتهما أكثر من قدرة الإمام المعصوم (ع).
كما أنه ليس في مضمون الخبر ما يتنافى مع المعلوم كالضروري والمتواتر، إذ لم يتواتر عدم دفن الإمام السجاد لأبيه (ع)، بل إن دفنه لأبيه هو الموافق للباب الذي عقده الكليني في الكافي ج1 ص384 بعنوان: "باب أن الإمام لا يغسله إلا إمام من الأئمة عليهم السلام" وأورد فيه ثلاثة أحاديث عن الإمام الرضا (ع) أنه قال: «الإمام لا يغسله إلا الإمام».
وروايات الباب مؤيدة بروايات أخرى:
منها: ما رواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا (ع) ج1 ص276 ح1، وعنه المجلسي في البحار ج49 ص239 ح8.
ومنها: ما رواه الصدوق أيضا قصة مجيء الإمام الجواد إلى طوس لتجهيز أبيه، وهي مروية بسند صحيح عن محمد بن علي بن ماجيلويه ومحمد بن موسى المتوكل وأحمد بن زياد بن جعفر الهمداني وأحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم والحسين بن إبراهيم بن تاتانه والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب وعلي بن عبد الله الوراق رضي الله عنهم قالوا: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن أبي الصلت الهروي، وجاء في الرواية:
«فدخلت الخزانة فإذا فيها مغتسل وماء فأخرجته وشمرت ثيابي لأغسله معه، فقال لي: تنح فإن لي من يعينني غيرك، فغسله». (عيون أخبار الرضا ج1 ص271 ح1، عنه البحار ج49 ص302 ح10)
فإذا بطل احتمال تأثر الحديث بالوضع من جهة المضمون فإن المتعين أن يكون منشأ الوضع الموهوم المدعى من قبل السيد الأمين راجعا إلى الجهة الأولى أي اختلاق الخطباء أو من ينقلون عنه للقصة.
ولكن هذه الدعوى تكشف عن قلة اطلاع وتتبع في المصادر واستعجال في الحكم وأخذ بالظنون، فإن حديث مجيء الإمام السجاد (ع) (ع) إلى كربلاء قد ورد في بعض أمهات الكتب الرجالية التي عليها المعتمد والمعول أي "رجال الكشي" والذي لخصه الشيخ الطوسي في كتاب "اختيار معرفة الرجال".
فقد جاء في الكتاب ضمن ترجمة جملة من الواقفة الذين أنكروا إمامة الإمام الرضا عليه السلام (وهم: ابن السراج وابن المكاري وعلي بن أبي حمزة البطائني) حوار جرى بينهم وبين الإمام الرضا (ع)، ومن جملة ما نقله الراوي قي ذلك الحوار ما يلي:
«فقال له علي (أي البطائني): إنا روينا عن آبائك أن الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله؟
فقال له أبو الحسن (ع): فأخبرني عن الحسين بن علي (ع) كان إماما أو كان غير إمام؟
قال: كان إماما.
قال (ع): فمن ولي أمره؟
قال: علي بن الحسين (ع).
قال الإمام الرضا (ع): وأين كان علي بن الحسين (ع)؟
قال: كان محبوسا بالكوفة في يد عبيد الله بن زياد، قال: خرج وهم لا يعلمون حتى ولي أمر أبيه ثم انصرف.
فقال له أبو الحسن (ع): إن الذي أمكن علي بن الحسين (ع) أن يأتي كربلاء فيلي أمر أبيه فهو يمكن صاحب هذا الأمر أن يأتي بغداد فيلي أمر أبيه ثم ينصرف، وليس في حبس ولا أسار». (اختيار معرفة الرجال ص464)
وروى الصفار عن أبي عبد الله الصادق (ع) أنه قال:
«لما قبض رسول الله (ص) هبط جبرائيل ومعه الملائكة والروح الذين كانوا يهبطون في ليلة القدر، قال: ففتح لأمير المؤمنين (ع) بصره فرآهم في منتهى السماوات إلى الأرض يغسلون النبي (ص) معه ويصلون معه عليه ويحفرون له، والله ما حفر له غيرهم، حتى إذا وضع في قبره نزلوا مع من نزل فوضعوه فتكلم، وفتح لأمير المؤمنين سمعه فسمعه يوصيهم به فبكى، وسمعهم يقولون: لا نألوه جهدا، وإنما هو صاحبنا بعدك، إلا أنه ليس يعايننا ببصره بعد مرتنا هذه، حتى إذا مات أمير المؤمنين (ع) رأى الحسن والحسين مثل ذلك الذي رأى، ورأيا النبي (ص) يعين الملائكة مثل الذي صنعوا بالنبي (ص)، حتى إذا مات الحسن (ع) رأى منه الحسين (ع) مثل ذلك، ورأى النبي (ص) وعليا (ع) يعينان الملائكة، حتى إذا مات الحسين (ع) رأى علي بن الحسين منه مثل ذلك، ورأى النبي (ص) وعليا والحسن يعينون الملائكة ....الخ». (بصائر الدرجات الجزء الخامس الباب3 الحديث 17، عنه البحار ج22 ص513)
أما ما ذكره بعض علمائنا كالشيخ المفيد في الإرشاد ج2 ص114 والسيد ابن طاووس في الملهوف ص190 وغيرهما من أن بني أسد هم الذين تولوا دفن الإمام الحسين (ع) من دون التعرض لذكر الإمام السجاد (ع) فليس في ذلك منافاة لخبر دفن الإمام السجاد لأبيه (ع)، لأن إثبات شيء لا ينفي ما عداه، ومن الممكن اشتراك أكثر من طرف في الدفن، ويشهد لذلك بعض الروايات الأخرى الدالة على دفن النبي (ص) للإمام الحسين (ع):
منها: ما رواه الشيخ الصدوق في الأمالي المجلس 29 ح1.
ومنها: ما رواه الشيخ الطوسي في أماليه المجلس 11 الحديث 87، وأيضا في المجلس 3 الحديث49.
ومقتضى الجمع بين تلك الأخبار أن نقول أن الإمام السجاد (ع) مع رسول الله (ص) هم الذين باشروا الدفن، وقد شاركهم أو أعانهم في ذلك بنو أسد والملائكة.
وقد أقر السيد الأمين في نفس رسالته – وكما يرى ذلك بقية العلماء – أن هناك فرقا بين الخبر الضعيف وبين الخبر المكذوب، إذ الحديث المكذوب هو الحديث المختلق الموضوع والذي يعلم على نحو القطع عدم نسبته إلى قائله، ويثبت على نحو اليقين عدم حجيته، بينما الحديث الضعيف هو الذي لم تثبت حجيته بسبب ضعف سنده أو مستنده أي الكتاب الذي ينقل منه وإن كان السند الوارد في الكتاب معتبرا.
والحديث الضعيف قد يكون موضوعا وقد لايكون موضوعا، ومن ثم فإن العلاقة بين الحديث الموضوع والحديث الضعيف هي علاقة العموم والخصوص المطلق، فكل خبر مختلق ضعيف ومعلوم عدم حجيته، وليس كل خبر ضعيف مختلق ومعلوم عدم حجيته، و بناء عليه فالخبر الضعيف قد يكون في الواقع حجة وقد لايكون حجة، وذلك لأننا في الخبر الضعيف نحتمل أن يكون صادرا عن المعصوم (ع) إلا أن الأدلة لم تساعد على ذلك.
فمثلا لو جاء حديث بسند ضعيف يقول: «لا تستح من إعطاء القليل فإن الحرمان أقل منه» فهذا الحديث قد يكون صادرا عن أمير المؤمنين (ع) وقد لايكون صادرا، وعدم علمنا بصدوره لايسمح لأحد بالجزم بكذبه، إذ النفي كالإثبات يحتاج إلى دليل، وقد ورد النهي عن أهل البيت (ع) في رد الحديث لمجرد الاستحسانات والظنون.
وكثيرا ما يتفق أن الحديث الواحد قد ينقله من هو موثق ومن هو متهم بالكذب، فنعلم من نقله بواسطة الثقات أن المتهم بالكذب قد يصدق أحيانا، فلا يصح أن نحكم على الناقل بالكذب قبل التثبت والتأكد عملا بقوله تعالى: ﴿ يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ﴾ (الحجرات/6)
وفي مقام الإثبات فقد اعتمد العلماء على القرائن المصححة لمضمون الخبر ومنها نفس المضمون، فإن مضمون الحديث السابق مثلا صحيح مهما كان قائله ولكنه إلى كلمات أهل البيت وأمير المؤمنين عليهم السلام أقرب لمن لاحظ أساليبهم ومعالي معارفهم، وهناك قرائن أخرى كثيرة مدونة في كتبهم، وقد أشرت إلى بعضها في كتاب: "حوار مع فضل الله حول الزهراء".
وأسباب الحكم على الخبر بأنه موضوع إما تعود للعلم بكذب الراوي وإما للعلم بكذب المضمون.
أما في الجهة الأولى فإن العلم بكذب الراوي يحصل بأمور منها لو علم عدم إدراك شخص لآخر بسبب فارق العمر مثلا، وادعاء الأول السماع من الثاني مشافهة، أو فيما إذا صرح بنفسه باختلاق الخبر، فهذا الخبر يعد من الموضوع وإن كان مضمونه صحيحا.
فلو افترى شخص ونسب إلى أن الله عز وجل قال في القرآن الكريم: "إن الإسلام خاتم الديانات والرسالات"، فهذا الكلام وإن صحيحا في معناه، ولكن حيث أنه لم يصدر عن الله عز وجل فإن الرواية تعد موضوعة ويعد الراوي وضاعا.
أما في الجهة الثانية (العلم بكذب المضمون) فإن العلم بالوضع من خلال بطلان المضمون، إما أن يكون لمخالفته للعقل القطعي لا الظني والاستحسانات (وهذا بحث مستقل ليس هذا موضعه) أو لمخالفته المعلوم من الدين والمذهب كالمتواتر.
ولكن يشترط في الجهة الثانية أن نعلم ونتأكد بان الخبر لم يصدر عن الإمام (ع) تقية، إذ ما دام الاحتمال قائما بصدور الخبر تقية فلا يصح اتهام الرواي بالكذب والاختلاق، وخصوصا إذا كان من الثقات المعروفين، وفي هذه الحال فإننا نقول أن الرواية غير معتبرة لعدم تمامية جهة الصدور.
هذه أسس مسلمة لايمكن لمن يريد أن يتناول النصوص بالدراسة أن يقفز عليها ويتجاوزها.
وإذا ما رجعنا إلى رواية مجيء الإمام السجاد (ع) لدفن الإمام الحسين (ع) فإننا نقطع بانتفاء الجهة الثانية ، إذ ليس في مضمون الرواية ما يخالف العقل القطعي، فالعقل لا يمنع من جهة الثبوت إمكان انتقال الإمام السجاد (ع) بما منحه الله من قدرة إلهية عبر طي الأرض.
وقد ثبتت هذه المعجزة للأئمة في روايات كثيرة تفوق حد الاستفاضة وفيها ما هو معتبر كما في الرواية التي أوردها الصفار في الحديث الأخير من الباب الثاني عشر من الجزء الثامن من كتابه عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيوب (وهو الخزاز)، عن أبان بن تغلب، قال: «كنت عند أبي عبد الله (ع) فدخل عليه رجل من أهل اليمن فقال له: يا أخا أهل اليمن عندكم علماء؟ فقال: نعم، قال: فما يبلغ من علم عالمكم؟ قال: يسير في ليلة مسيرة شهرين، يزجر الطير ويقفو الأثر، فقال أبو عبد الله (ع): عالم أهل المدينة أعلم من عالمكم، قال: فما بلغ من علم عالم المدينة؟ قال: يسير في ساعة من النهار مسيرة الشمس سنة حتى يقطع اثني عشر ألف عالم مثل عالمكم هذا». (بصائر الدرجات ج2 ص270 من الطبعة المحققة من قبل السيد محمد السيد حسين المعلم)
ويكفي في هذا الصدد ما أثبته القرآن الكريم من طي الأرض لعفريت من الجن أو لمن عنده علم من الكتاب، ولا أظن أن شيعيا يزعم أن قدرتهما أكثر من قدرة الإمام المعصوم (ع).
كما أنه ليس في مضمون الخبر ما يتنافى مع المعلوم كالضروري والمتواتر، إذ لم يتواتر عدم دفن الإمام السجاد لأبيه (ع)، بل إن دفنه لأبيه هو الموافق للباب الذي عقده الكليني في الكافي ج1 ص384 بعنوان: "باب أن الإمام لا يغسله إلا إمام من الأئمة عليهم السلام" وأورد فيه ثلاثة أحاديث عن الإمام الرضا (ع) أنه قال: «الإمام لا يغسله إلا الإمام».
وروايات الباب مؤيدة بروايات أخرى:
منها: ما رواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا (ع) ج1 ص276 ح1، وعنه المجلسي في البحار ج49 ص239 ح8.
ومنها: ما رواه الصدوق أيضا قصة مجيء الإمام الجواد إلى طوس لتجهيز أبيه، وهي مروية بسند صحيح عن محمد بن علي بن ماجيلويه ومحمد بن موسى المتوكل وأحمد بن زياد بن جعفر الهمداني وأحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم والحسين بن إبراهيم بن تاتانه والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب وعلي بن عبد الله الوراق رضي الله عنهم قالوا: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن أبي الصلت الهروي، وجاء في الرواية:
«فدخلت الخزانة فإذا فيها مغتسل وماء فأخرجته وشمرت ثيابي لأغسله معه، فقال لي: تنح فإن لي من يعينني غيرك، فغسله». (عيون أخبار الرضا ج1 ص271 ح1، عنه البحار ج49 ص302 ح10)
فإذا بطل احتمال تأثر الحديث بالوضع من جهة المضمون فإن المتعين أن يكون منشأ الوضع الموهوم المدعى من قبل السيد الأمين راجعا إلى الجهة الأولى أي اختلاق الخطباء أو من ينقلون عنه للقصة.
ولكن هذه الدعوى تكشف عن قلة اطلاع وتتبع في المصادر واستعجال في الحكم وأخذ بالظنون، فإن حديث مجيء الإمام السجاد (ع) (ع) إلى كربلاء قد ورد في بعض أمهات الكتب الرجالية التي عليها المعتمد والمعول أي "رجال الكشي" والذي لخصه الشيخ الطوسي في كتاب "اختيار معرفة الرجال".
فقد جاء في الكتاب ضمن ترجمة جملة من الواقفة الذين أنكروا إمامة الإمام الرضا عليه السلام (وهم: ابن السراج وابن المكاري وعلي بن أبي حمزة البطائني) حوار جرى بينهم وبين الإمام الرضا (ع)، ومن جملة ما نقله الراوي قي ذلك الحوار ما يلي:
«فقال له علي (أي البطائني): إنا روينا عن آبائك أن الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله؟
فقال له أبو الحسن (ع): فأخبرني عن الحسين بن علي (ع) كان إماما أو كان غير إمام؟
قال: كان إماما.
قال (ع): فمن ولي أمره؟
قال: علي بن الحسين (ع).
قال الإمام الرضا (ع): وأين كان علي بن الحسين (ع)؟
قال: كان محبوسا بالكوفة في يد عبيد الله بن زياد، قال: خرج وهم لا يعلمون حتى ولي أمر أبيه ثم انصرف.
فقال له أبو الحسن (ع): إن الذي أمكن علي بن الحسين (ع) أن يأتي كربلاء فيلي أمر أبيه فهو يمكن صاحب هذا الأمر أن يأتي بغداد فيلي أمر أبيه ثم ينصرف، وليس في حبس ولا أسار». (اختيار معرفة الرجال ص464)
وروى الصفار عن أبي عبد الله الصادق (ع) أنه قال:
«لما قبض رسول الله (ص) هبط جبرائيل ومعه الملائكة والروح الذين كانوا يهبطون في ليلة القدر، قال: ففتح لأمير المؤمنين (ع) بصره فرآهم في منتهى السماوات إلى الأرض يغسلون النبي (ص) معه ويصلون معه عليه ويحفرون له، والله ما حفر له غيرهم، حتى إذا وضع في قبره نزلوا مع من نزل فوضعوه فتكلم، وفتح لأمير المؤمنين سمعه فسمعه يوصيهم به فبكى، وسمعهم يقولون: لا نألوه جهدا، وإنما هو صاحبنا بعدك، إلا أنه ليس يعايننا ببصره بعد مرتنا هذه، حتى إذا مات أمير المؤمنين (ع) رأى الحسن والحسين مثل ذلك الذي رأى، ورأيا النبي (ص) يعين الملائكة مثل الذي صنعوا بالنبي (ص)، حتى إذا مات الحسن (ع) رأى منه الحسين (ع) مثل ذلك، ورأى النبي (ص) وعليا (ع) يعينان الملائكة، حتى إذا مات الحسين (ع) رأى علي بن الحسين منه مثل ذلك، ورأى النبي (ص) وعليا والحسن يعينون الملائكة ....الخ». (بصائر الدرجات الجزء الخامس الباب3 الحديث 17، عنه البحار ج22 ص513)
أما ما ذكره بعض علمائنا كالشيخ المفيد في الإرشاد ج2 ص114 والسيد ابن طاووس في الملهوف ص190 وغيرهما من أن بني أسد هم الذين تولوا دفن الإمام الحسين (ع) من دون التعرض لذكر الإمام السجاد (ع) فليس في ذلك منافاة لخبر دفن الإمام السجاد لأبيه (ع)، لأن إثبات شيء لا ينفي ما عداه، ومن الممكن اشتراك أكثر من طرف في الدفن، ويشهد لذلك بعض الروايات الأخرى الدالة على دفن النبي (ص) للإمام الحسين (ع):
منها: ما رواه الشيخ الصدوق في الأمالي المجلس 29 ح1.
ومنها: ما رواه الشيخ الطوسي في أماليه المجلس 11 الحديث 87، وأيضا في المجلس 3 الحديث49.
ومقتضى الجمع بين تلك الأخبار أن نقول أن الإمام السجاد (ع) مع رسول الله (ص) هم الذين باشروا الدفن، وقد شاركهم أو أعانهم في ذلك بنو أسد والملائكة.
alzahra2 :: الفئة الأولى :: قسم السيره :: مقالات مقتبسة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى