الفصل التاسع : ولست أدري خبر المسمار
صفحة 1 من اصل 1
الفصل التاسع : ولست أدري خبر المسمار
مأساة الزهراء عليها السلام ج 1 - العلامة السيد جعفر مرتضى العاملي - ص 351
الفصل التاسع : ولست أدري خبر المسمار
-------------------------------------- ص 352 ----------------------------------------
....
-------------------------------------- ص 353 ----------------------------------------
خبر المسمار
قد جاء في كتاب منسوب إلى شبل الدولة مقاتل بن عطية ، عرف باسم : " مؤتمر علماء بغداد " الفقرة التالية : " . . . ولما جاءت فاطمة خلف الباب ، لترد عمر وحزبه ، عصر عمر فاطمة بين الحائط والباب عصرة شديدة ، حتى أسقطت جنينها ونبت مسمار الباب في صدرها ، وصاحت فاطمة : يا أبتاه ، يا رسول الله . . . ( 1 ) " .
وقال الفيلسوف المحقق آية الله العظمى الشيخ محمد حسين الأصفهاني قدس الله سره :
ولست أدري خبر المسمار * سل صدرها خزانة الأسرار
ونحن لا نستطيع تأكيد أو نفي هذا الأمر ، رغم أننا نناقش في نسبة كتاب مؤتمر علماء بغداد إلى شبل الدولة ، ونحتمل أنه كتاب وضعه بعض من تأخر عنه ولكن ذلك لا يعني : أن ما ورد فيه من معلومات تاريخية أو غيرها غير صحيح أيضا .
( 1 ) مؤتمر علماء بغداد : ص 135 . ( * )
- ص 354 -
إذن ، فقد يكون مؤلف هذا الكتاب قد أستقي معلوماته من مصادر لم تصل إلينا ، ومناقشتنا في صحة نسبته إلى من ينسب إليه ، لا تعني أن جميع ما ورد فيه أيضا محل مناقشة وريب ، ففيه كثير من المعلومات الصحيحة ، التي تؤيدها الروايات الثابتة والصحيحة بصورة قطعية ، فلا بد من تمييز الغث من السمين ، والصحيح من غيره وفق معايير البحث العلمي وأصوله . .
ونحن نذكر هنا ما نستند إليه في شكنا في نسبة هذا الكتاب ، فنقول . . كتاب مؤتمر علماء بغداد في الميزان : وقد ذكر مؤلف كتاب مؤتمر علماء بغداد : أن كتابه ، أو كتيبه هذا هو خلاصة مناظرة دينية ، يقول : إنها جرت بين عشرة من كبار علماء السنة ، وكبار علماء الشيعة في بغداد بدعوة من السلطان ملك شاه السلجوقي ، ووزيره نظام الملك ، وحضورهما ، ومشاركتهما .
وقد ظهر في هذه المحاورة : التي دامت ثلاثة أيام أن مذهب التشيع هو الحق ، فتشيع السلطان ملك شاه ، وأعلن وزيره نظام الملك تشيعه أيضا ، ولحق بهما عدد من القواد ، وأركان الدولة .
ويطرح هنا سؤال هو : هل هذه المناظرة ، واقعية أم افتراضية ؟ ! وهو ينتظر الجواب الصحيح والصريح . وإذا جاز لنا أن ندلي بدلونا هنا ، فإننا نقول : إن ما نميل إليه هو الخيار الثاني . أي أنها قضية افتراضية .
ونستند في حكمنا هذا إلى عدة أمور ، وإن لم يمكن اعتبار كل واحد منها بمفرده دليلا قاطعا ، ولكنها بمجموعها تمنحنا الجرأة على
- ص 355 -
تسجيل استبعادنا هذا ، الذي يرقى إلى درجة الاطمئنان بكونها قضية افتراضية ، قد أراد مؤلفها أن ينتصر لمذهب بعينه ، ويصوغ الأدلة المذهبية المستندة إلى وقائع تاريخية مشهورة في كتب المسلمين ، وروايات يعترف بصحتها وبصحة الاستناد إليها المتخاصمون - يصوغها بطريقة مثيرة ، وملفتة ، تثير اهتمام القارئ ، وتأخذ بمشاعره .
والأمور التي نستند إليها في رأينا هذا هي التالية : الأسلوب التعبيري : إن أول ما يلفت نظر القارئ لذلك الكتاب " أو الكتيب " هو أسلوبه التعبيري ، حيث إن كثيرا من الموارد قد استعملت فيها تعابير لم تكن متداولة في تلك الفترة من الزمن .
ونحن نذكر هنا جملة منها مع الإشارة إلى رقم صفحة الكتاب المطبوع في سنة 1415 ه . ق . 1994 م . دار الإرشاد الإسلامي ، بيروت - لبنان . تحقيق وتعليق الشيخ محمد جميل حمود .
فنقول : كلمة " مؤتمر " التي وردت في عنوان الكتاب ، وفي ص 17 و 25 و 26 و 28 و 37 . " لم يكن رجلا متعصبا أعمى " ص 17 . " كان شابا منفتحا " ص 17 . " ألفت فيها كتب وموسوعات " ص 25 . " ونرى نحن من خلال المحادثات والمناقشات " ص 26 ، وراجع
- ص 356 -
ص 32 و 34 . " وأن يكون طلب الحق هو رائد الجميع " ص 37 . " إن الذين يسبون لهم منطقهم " ص 46 . " هذا العمل اللا إنساني " ص 96 . " إن بعض رواة السوء ، وبائعي الضمائر " ص 98 . " واعتبر إيمانه إيمانا مثاليا " ص 101 . " يتصورهم أناسا طيبين مؤمنين " ص 111 . " مزق السيد العلوي ستار الصمت " ص 109 . " ولكن المؤهلات في علي بن أبي طالب كانت قليلة " ص 116 . وثمة مورد آخر في نفس الصفحة أيضا . "
الواقع : إن مؤهلات الخلافة والإمامة كانت متوفرة كاملا في علي " ص 116 وراجع ص 117 . " وأقضي غالب أوقاتي بالصيد ، والشؤون الإدارية " ص 153 . " وأخذوا يحيكون المؤامرات ضد الملك ، ونظام الملك ، وحملوه تبعة هذا الأمر ، إذ كان هو العقل المدبر للبلاد ، حتى امتدت إليه يد أثيمة " ص 154 و 155 . " وكان لها نتائج سلبية " ، " وأعطت نتائج سلبية معكوسة " ص 127 . " أليست المتعة هي الحل الوحيد لهم للخلاص من القوة الجنسية
- ص 357 -
الطائشة ، وللوقاية من الفسق والميوعة ؟ ! أليست المتعة أفضل من الزنا الفاحش ، واللواط ، والعادة السرية " ص 124 . ركاكة التعابير : وقد تضمن الكتاب أيضا طائفة من التعابير التي تظهر عليها الركاكة ، والضعف ، وذلك مثل قوله : " رجلا متعصبا أعمى " ص 17 . " كانت متوفرة كاملا في علي " ص 116 . " وكان يحب أهل البيت حبا جما كثيرا " ص 17 . "
ثانيا : رواتها وأسنادها غير صحيحة " ص 76 . " استهزأ به بعض الحاضرين ، وغمزه " ص 18 . " كان صغير العمر ، بينما كان أبو بكر كبير العمر " . ص 113 . " قد كنت أنا حاضر المجلس والمحاورة " ص 156 . " دين التشيع حق لا مراء له " ص 156 . أخطاء نحوية : ووردت في الكتاب أيضا أخطاء نحوية عديدة ، كالموارد التالية : " وإنما انتخبه ثلاثة أو اثنين " ص 61 مع أن الصحيح : اثنان .
- ص 358 -
" إن الرسول يفعل ما لا يفعله حتى الناس العاديين " ص 93 . والصحيح : العاديون . " حتى يأتي بعض الناس الجهال ، فيختاروا الأصلح " ص 115 ، والصحيح : فيختارون . " وكان يحضر مجلسه أربعة آلاف تلميذا " ، ص 151 ، والصحيح : تلميذ . " إلى غيرها من بدعكم أنتم أيها السنة التابعين لعمر " ص 149 ، والصحيح : التابعون .
ولتلاحظ الفقرات التالية : " وأمره - أي أمر أبو بكر خالدا - أن يقتل مالك وقومه " ص 131 . " ووزعت واردها الكثير ، ( مئة وعشرون ألف دينار ذهب ، على قول بعض التواريخ في الناس " ص 145 . " علما بأن فدك لو بقيت " . " غصبا فدك " . " غصبا ملكها فدك " . " ورد فدك على أولاد فاطمة " ص 144 و 145 .
تصحيح خطأ : ووقع فيه سهو آخر في آية قرآنية كريمة ، حيث قال : * ( إنا هديناه النجدين ) * ص 89 . والصحيح : وهديناه النجدين . بالإضافة إلى كلمة " وأخذوا يحيكون المؤامرات " والصحيح :
- ص 359 -
يحوكون . ملك شاه : الجاهل المحب للعلم : وقد وصف ملك شاه السلجوقي بأنه " كان شابا ، منفتحا ، محبا للعلم والعلماء " ص 17 .
مع أن هذا المحب للعلم والعلماء ، لم ينتفع من حبه هذا ، حيث إنه - كما يظهره الكتاب الذي هو مورد البحث - من أجهل الناس حتى بأبسط الأمور ، وبأبده البديهيات الإسلامية والتاريخية ، وكأنه قد عاش في جزيرة ثم دخل بلاد الإسلام لتوه .
حتى أنه لا يعرف بوجود طائفة اسمها الشيعة ، هي نصف المسلمين الذين يحكمهم ، ص 25 و 26 ، بل هو لا يعرف حتى معنى كلمة شيعي ، فضلا عما سوى ذلك من قضايا تاريخية وغيرها .
ولا ندري لماذا أهمل أبوه السلطان ألب ارسلان تأديبه وإعداده للمنصب الذي سيتصدى له ؟
ولماذا لم يحشد له من العلماء والمتخصصين ، أفضلهم ، وأعلمهم ، وأبعدهم صيتا ، وأكثرهم خبرة ؟ . مع أن الملوك والخلفاء كانوا يهتمون بتأديب وتعليم أولادهم ، ولا سيما الذين يرشحونهم لخلافتهم في المناصب لإدارة شؤون البلاد والعباد .
رعونة وطيش : وقد ذكر أيضا : أن ملك شاه السلجوقي يكاد يتخذ قرارا بقتل الشيعة جميعا ، إن لم يقبلوا بالتمذهب بمذهب أهل السنة ، رغم أن وزيره كان قد أخبره بأنهم " يشكلون نصف المسلمين تقريبا " ص 25 . ( * )
- ص 360 -
ولكن وزيره أخبره بأن قتل نصف المسلمين غير ممكن ، ص 27 . وليس ثمة من رعونة وطيش أعظم من هذا ، فكيف يذكرون عنه ما يدل على الاستقامة والعدل ، وعلى الحنكة والعقل ؟ اغتيال الملك ووزيره وقد ذكر هذا الكتاب : أن نظام الملك قد اغتيل بإيعاز من أهل السنة ، ثم اغتالوا ملك شاه السلجوقي بعد ذلك أيضا . والمذكور في التاريخ : أن قتل نظام الملك كان على يد غلام ديلمي من الباطنية . وذكر ابن الأثير قصة تشير إلى أن الذي دبر قتله هو ملكشاه نفسه . أما ملكشاه ، فيذكرون أنه مرض ومات ( 1 ) .
الملك لا يثق إلا بوزيره : ورغم أن المجتمعين قد كانوا كبار علماء أهل السنة في بغداد ، لكننا نجد : أن هذا الملك لا يزال يستفهم وزيره عن كل شئ ، وهذا الوزير بدوره قد دأب على الإجابة بقوله : هكذا ذكر المفسرون ، أو المؤرخون ، أو الرواة ، أو نحو ذلك . فلماذا لا يثق بكبار علماء الإسلام ، ولا يقبل منهم ما ينقلونه ويتداولونه ؟
( 1 ) راجع ذلك في : الكامل في التاريخ : ج 10 ص 204 - 205 وص 210 . ( * )
- ص 361 -
من هم المجتمعون ؟ ! والذي زاد في تحيرنا : أنه رغم أن بغداد كانت تعج بالعلماء المعروفين في تلك الفترة ، سواء من الشيعة ، أو من أهل السنة ، فإن هذا الكتاب لم يذكر لنا اسم أي من هؤلاء العلماء العشرين المشاركين في المناظرة الذين وصفهم بأنهم كبار العلماء في بغداد من الفريقين .
نعم ، وردت أربعة أسماء ادعى المؤلف أنها أسماء علماء هي : الحسين بن علي ، الملقب بالعلوي . أحمد عثمان . السيد جمال الدين . الشيخ حسن القاسمي . ولم نستطع أن نحصل على أي معلومات عن أصحاب هذه الأسماء ، وعن درجاتهم العلمية ، وعن دورهم وأثرهم في البلاد والعباد .
فكيف غاب مشاهير علماء بغداد من سنة وشيعة عن هذه المناظرة الحساسة والمصيرية ، أو فقل : كيف لم يعلن أسماء أي من هؤلاء المشاهير .
مفارقة أخرى لا مبرر لها :
وقد ذكر الكتاب : أن الوزير نظام الملك ، وكذلك العباسي ، الذي كان يناظر عن أهل السنة ، وكذلك العلماء الذين كانوا معه ، قد سكتوا ، وأحجموا عن الإجابة على سؤال حول سعي طلحة والزبير في قتل عثمان . وعلق المؤلف على ذلك بقوله : " ماذا يقولون ؟ ! أيقولون الحق ؟ !
- ص 362 -
وهل الشيطان يسمح بالاعتراف بالحق ؟ ! وهل ترضى النفس الأمارة بالسوء أن تخضع للحق والواقع ؟ ! أتظن أن الاعتراف بالحق أم سهل وبسيط ؟ ! . كلا ، إنه صعب جدا ، لأنه يستدعي سحق العصبية الجاهلية ، ومخالفة الهوى ، والناس أتباع الهوى وبالباطل ، إلا المؤمنين ، وقليل ما هم ؟ ! " ص 109 .
ونقول : إننا ندعو القارئ الكريم للتأمل فيما يلي :
أ : إن المؤلف نفسه قد وصف نظام الملك في أول الكتاب بقوله : " كان رجلا حكيما فاضلا ، زاهدا ، عازفا في الدنيا ، قوي الإرادة ، يحب الخير وأهله ، يتحرى الحقيقة دائما " ص 17 .
ب : إن الوزير نظام الملك كان قد أجاب على جميع الأسئلة التقريرية للملك ، مع أن الكثير منها كان أشد إحراجا له من هذا السؤال العادي جدا ، حيث إن بعضها يتعلق بالخليفتين الأولين أبي بكر ، وعمر بالذات .
ج : إن نظام الملك قد عاد واعترف للملك بصحة استدلال العلوي ، فلما سأله عن سبب سكوته في بادئ الأمر ، قال : " لأني أكره أن أطعن في أصحاب رسول الله ( ص ) " ص 11 . مع أنه هو نفسه قد أجاب بالايجاب حين طعن العلوي في إيمان عمر ( رض ) . وعمر عنده قد كان أعظم بكثير من طلحة ، ومن عثمان أيضا ، فراجع ص 100 .
- ص 363 -
خلافة أم إمامة ؟
ونلاحظ : أن هذا العلوي قد خلط في حديثه عن أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، بين مفهومي الإمامة والخلافة ، وهو يتحدث عن الخلافة بطريقة الحديث عن الإمامة ، فراجع ما ذكره ص 111 حينما قال : " لم يتخذهم كل المسلمين خلفاء ، وإنما أهل السنة فقط " .
فإن هذه العبارة تعني : إن الحديث عن الإمامة لا عن الخلافة ، لأن خلافتهم وحكومتهم إنما هي حدث تاريخي لا يمكن إنكاره من شيعي أو سني . ولكن الكلام والجدل إنما هو في أن هذه الحكومة هل هي مشروعة أم لا ؟ كما أن الكلام إنما هو في إمامة علي ( ع ) ، التي تكون الحكومة أحد مظاهرها ، فغصب الحكومة إنما هو تعد على الإمام في بعض شؤون إمامته . تناقضات لا مبرر لها : ونجده يقع أحيانا في تناقضات لا مبرر لها ، وقد حصل له ذلك في موردين :
الأول : نفاق الذين انتخبوا عثمان : فنجده في حين يصف الذين تحيزوا إلى عثمان في الشورى ، وبايعوه . بالمنافقين . راجع ص 106 . يعود في الصفحة نفسها ليذكر ما يشير إلى عدم كونهم من المنافقين ، بل هم من الأتقياء المؤمنين ، فيقول : إنهم " عدلوا عن عثمان
- ص 364 -
عندما رأوا طغيانه ، وهتكه لأصحاب رسول الله ، ومشورته في أمور المسلمين مع كعب الأحبار ، وتوزيعه أموال المسلمين بين بني مروان ، فبدأ هؤلاء الثلاثة بتحريض الناس على قتل عثمان " .
ويقصد بهؤلاء الثلاثة : طلحة ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف ، وقد كنا نود أن نراه يضيف إلى الأسباب التي ذكرها : أنهم لم يجدوا عند عثمان ما كانوا أملوه من إشراكهم في الأمر ، حيث آثر أقاربه بكل شئ دونهم . والكل يعلم : أن طلحة قد حارب عليا أيضا بسبب أنه لم يستجب لمطالبه التي تغذي طموحاته ، ولسعد بن أبي وقاص ، موقف من علي بسبب ذلك أيضا .
الثاني : من الذين انتخبوا عثمان : وفي حين نجده يقول : " إن عثمان لم يأت إلى الحكم إلا بوصية من عمر ، وانتخاب ثلاثة من المنافقين فقط وفقط ، وهم : طلحة : وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف " ص 106 . فإننا نجده يشكك في هؤلاء الثلاثة ويقول : " إنما انتخبه ثلاثة ، أو اثنين ( كذا ) منهم " ص 61 . مع العلم بأن عمر لم يوص بالخلافة إلى عثمان كما زعم . كما أن قوله : إنه جاء بوصية من عمر ، وبانتخاب ثلاثة غير منسجم ولا متوازن . إلا أن يكون مراده : أن عمر قد ركب الشورى بحيث يصبح انتخاب عثمان حتميا . فاعتبر ذلك بمثابة وصية بالخلافة له .
- ص 365 -
موارد تعوزها الدقة التاريخية :
ثم إن هناك العديد من الموارد التي تعوزها الدقة التاريخية ، ونذكر منها :
1 - قوله عن معاوية : أنه كان يسب عليا أمير المؤمنين ( ع ) ، " إلى أربعين سنة ، وقد امتد سب الإمام إلى سبعين سنة " ص 48 . ونقول : أما بالنسبة للنقطة الأولى ، فنقول : إن معاوية قد أعلن بسب علي ( عليه السلام ) حوالي 23 سنة . وهو يقل عن العدد الذي ذكره بـ 17 سنة . وأما بالنسبة للنقطة الثانية ، فقد امتد سبهم لعلي ( ع ) أكثر من ثمانين سنة ، فراجع كتب التاريخ .
2 - قال : " أبو حنيفة ، ومالك بن أنس ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل لم يكونوا في عصر النبي ( ص ) بل جاؤا بعده بمائتي سنة تقريبا سنة تقريبا " ص 150 . مع أن أبا حنيفة قد ولد سنة 80 للهجرة ، ومات سنة 150 ه . أما مالك فولد سنة 93 ومات سنة 170 ه . والشافعي ولد سنة 150 ومات سنة 204 ه . وأحمد بن حنبل ولد سنة 164 ومات سنة 233 ه .
3 - وذكر " أن عمر منع أبا هريرة عن نقل الحديث لكذبه على رسول الله . ولكن العلماء يأخذون بأحاديثه الكاذبة " ص 82 .
- ص 366 -
ومن المعلوم : أن سياسة الخليفة الثاني كانت تقضي بمنع نقل الحديث عن رسول الله ( ص ) . وقد ضرب أبا هريرة لأجل ذلك ، فإنه أكثر من نقل الحديث كما صرح به نفسه ، لا لأجل كذبه على رسول الله ( ص ) كما زعم المستدل .
4 - جمع القرآن : وقد جاء في هذا الكتاب ما يلي : " قال العلوي : بل من بدعكم أنتم السنة أنكم لا تعترفون بالقرآن . والدليل على ذلك أنكم تقولون : إن القرآن جمعه عثمان ، فهل كان الرسول جاهلا بما عمله عثمان ؟ ! " ص 48 .
ثم يستمر في كلامه الذي يهدف من خلاله إلى إبطال جمع عثمان للقرآن ، وإثبات أنه قد جمع في عهد رسول الله ( ص ) .
ونقول :
أ - إن من الواضح : إن حديث جمع عثمان للقرآن ، لا يعني عدم الاعتراف بالقرآن . فالاستدلال بالأول على الثاني في غير محله .
ب : إن عثمان لم يجمع القرآن ، وإنما جمع الناس على قراءة واحدة ، وذلك حينما عبر له حذيفة بن اليمان عن تخوفه من اختلاف قراءات الناس . وقد أيده أمير المؤمنين علي ( ع ) في ذلك ، أي في جمع الناس على قراءة واحدة ، وقال - حسبما روي - لو وليت لفعلت مثلما فعل ( 1 ) .
ولعل هذا المستدل يقصد : أن القرآن قد جمع على عهد رسول
( 1 ) راجع كتابنا : حقائق هامة حول القرآن الكريم . ( * )
- ص 367 -
الله ( ص ) ، ولكن الخليفتين الأول والثاني قد رفضا مصحف رسول الله ( ص ) ، لأنه كان يتضمن التنزيل ، والتأويل وأسباب النزول والتفسير . وغير ذلك مما كان من شأنه أن يحرج الكثيرين ممن لا يرضى الحكام بإحراجهم ، ولا بإشاعة حقائق ترتبط بهم . وجمعوا هم آيات القرآن في مصحف واحد ، بعد أن أسقطوا التفسير والتأويل وأسباب النزول منه ، كما هو معلوم .
طريقة الاستدلال أحيانا :
وإن معظم الاستدلالات الواردة في الكتاب . وإن كانت جيدة وصحيحة . ولكن ثمة موارد في الكتاب لم يكن الاستدلال فيها صالحا . رغم أنه قد كان بالامكان أن تكون هي الأخرى على درجة عالية من القوة والصحة ، لو استبدلت بعناصر تجعلها أكثر دقة ، وأبعد أثرا .
والموارد التي لاحظناها هي التالية :
1 - السب واللعن : قد حصل خلط في الكتاب بين السب واللعن ، حيث ادعى الكتاب جواز سب الصحابي المنحرف ، ولكنه استدل بما يثبت جواز اللعن لا السب ، فراجع ص 47 و 48 .
ومن الواضح : أن عليا ( ع ) قد نهى في صفين أصحابه عن سب معاوية وأصحابه ، وطلب منهم بدلا من سبهم أن يصفوا أعمالهم .
- ص 368 -
كما أن الإمام الصادق ( ع ) قد أمر أصحابه بأن ينزهوه عن السب ، ولا يكونوا قوما سبابين ، ليقال : رحم الله جعفرا قد أدب أصحابه فأحسن تأديبهم . أما اللعن الذي معناه الدعاء على الشخص بأن يبعده الله عن رحمته ، فهو شأن آخر ، وقد لعن الله سبحانه في كتابه الكريم فئات كثيرة .
كما أنه سبحانه قد أظهر الرضى عن لعن المؤمنين لبعض الفئات ، حين قال : * ( أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ) * . ولعل سبب ذلك هو أن اللعن يستبطن إعلان البراءة والإدانة للانحراف الذي اختاروه ، ولكل سلوك عدواني ، أو عمل إجرامي اقترفوه . ولا يستهدف الانتقاص الشخصي منهم ، كما هو الحال بالنسبة للسب .
2 - شك النبي في نبوته : وذكر أيضا : " إن السنة يقولون : إن رسول الله كان شاكا في نبوته " . واستدل على ذلك بما رووه عن النبي ( ص ) : أنه قال : " ما أبطأ علي جبرائيل مرة إلا وظننته أنه نزل على ابن الخطاب " ص 91.
وقد كان بإمكان المستدل أن يضيف إلى ما ذكره الآية القرآنية الدالة على أنه ( ص ) خاتم النبيين ، والحديث الصريح بأنه ( ص ) لا نبي بعده . ليتم الاستدلال بذلك . إذ بدون ذلك قد يجاب عنه بأنه لا مانع من اجتماع نبيين في آن واحد ، مثل موسى وهارون ( ع ) ، وغيرهما من الأنبياء .
- ص 369 -
3 - أهل السنة وتحريف القرآن : ويقول : " أما السنة فيقولون : إن القرآن زيد فيه ونقص عنه " ص 51 و 52 ، وراجع ص 92 . وقال : " بل المشهور عندكم أيها السنة : إنكم تقولون بتحريف القرآن . قال العباسي : هذا كذب صريح . قال العلوي : ألم ترووا في كتبكم : أنها نزلت على رسول الله آيات حول الغرانيق ، ثم نسخت تلك الآيات ، وحذفت من القرآن " ص 72 وراجع ص 76 .
ونسجل هنا :
أ : لقد أجمعت الأمة على عدم الزيادة في القرآن الكريم .
ب : إن نسبة القول بالزيادة والنقيصة إلى أهل السنة أو إلى المشهور فيهم بعنوان كونهم طائفة ، ليس دقيقا أيضا . ولو أنه قال لهم : إن هناك روايات رواها أهل السنة في صحاحهم الستة وكتبهم المعتبرة ، لو التزم أهل السنة بمضمونها لانتهوا إلى القول بالتحريف الذي دلت الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة على عدمه لكان صحيحا ومتينا جدا .
ج : إن الرواية التي تتحدث عن مدح الغرانيق ، التي هي الأصنام قد ردها وفندها كثير من علماء السنة . وإن كان يظهر من البخاري أنه لا يأبى عن قبولها .
- ص 370 -
د : إن الحديث الغرانيق ليس فيه أن عبارة : " تلك الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لترتجى " . آية قرآنية ، وليس فيه ولا في غيره : أن هناك من يدعي : أنها كانت في القرآن ثم نسخت ! ! وحذفت منه ! ! . بل تدعي تلك الرواية المكذوبة : إن الشيطان هو الذي ألقى تلك العبارة على لسان النبي ( ص ) . ثم جاءه جبرائيل فأطلعه على حقيقة الحال .
4 - عبس وتولى : وقال عن آية : عبس وتولى : " الأحاديث الصحيحة الواردة عن أهل بيت النبي ، الذي نزل القرآن في بيوتهم تقول : إنها نزلت في عثمان بن عفان " . ص 97 . وهو كلام غير دقيق ، فإن الرواية إنما ذكرها القمي في تفسيره ، وذكرها الطبرسي في مجمع البيان ، فلا يوجد أحاديث ( بصيغة الجمع ) ، بل إن رواية الطبرسي عن الإمام الصادق ( ع ) لم تصرح باسم عثمان ، بل قالت : نزلت في رجل من بني أمية .
كما أن وصف هذه الرواية بالصحة الظاهر بالصحة من حيث السند ، قد يعد تساهلا في التعبير . مع التذكير بأن عدم توفر سند يتصف بالصحة بالمصطلح المعروف لا يعني : أن مضمون الرواية باطل ومكذوب . ومهما يكن من أمر ، فقد حقق هذا الموضوع الأخ العلامة الشيخ رضوان شرارة في كتاب مستقل بعنوان : " عبس وتولى في من نزلت " فليراجع .
- ص 371 -
5 - إيمان الخلفاء الثلاثة : وزعم الكتاب : أن " الشيعة يعتقدون أنهم - أي الثلاثة - كانوا غير مؤمنين قلبا وباطنا ، وإن أظهروا الإسلام لسانا وظاهرا " . ثم فرع على إسلامهم الظاهري صحة " مصاهرة النبي لهم ، ومصاهرتهم للنبي " ص 98 و 99 .
ولنا على هذا الأمر عدة مؤاخذات ، نذكر منها :
أ : إن هذا الاعتقاد لم يسجله الشيعة - كطائفة - في كتبهم الاعتقادية ، ولا وقفوا عنده في تكوين البنية العقيدية ، وبلورة مفرداتها .
ب : إن مصاهرة النبي لهم إنما تستند إلى إيمان بناتهم ، ولا ربط لها بإيمان ولا حتى بإسلام والد البنت ، إذ لا ضير في زواج المسلم بل وحتى النبي ( ص ) بابنة غير المسلم ، فكيف بمن يظهر الإسلام والإيمان ؟ ! ج : أما بالنسبة لمصاهرة عثمان للنبي ( ص ) ، فلم تثبت ، لأننا قد أثبتنا أن عثمان إنما تزوج ربيبتي النبي ، ولم يتزوج بنتيه ( 1 ) .
6 - خيانة أبي بكر كيف تثبت : وقد استدل في الكتاب على خيانة أبي بكر للنبي ( ص )
أولا : بقوله تعالى : * ( لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ) * .
ثانيا : بلعن النبي ( ص ) من تخلف عن جيش أسامة ، وأبو بكر
( 1 ) راجع كتابنا : بنات النبي أم ربائبه . ( * )
- ص 372 -
ممن تخلف ، راجع ص 99 . وهو استدلال غير موفق ، لأن الآية المباركة لا ربط لها بخيانتهم للنبي ( ص ) . نعم هي تدل على عدم إيمان من لا يرضى بحكم النبي ( ص ) ، إلا إذا كانوا يظهرون القبول ، ثم إذا خلوا إلى أنفسهم غمزوا في حكمه ( ص ) . كما أن لعن النبي للمتخلف لا يدل على خيانة المتخلف . بل يدل على عصيانه ومخالفته لأمر النبي ( ص ) .
ويدل أيضا على عدم إيمان من يلعنه النبي ( ص ) . وقد يكون مقصود المستدل : أنهم حين رفضوا حكم النبي ، وعصوا أمره ، لم يفعلوا ذلك بصورة علنية بل بصورة خيانية فيها التفاف وتملص واحتيال ، وإظهار خلاف الواقع ، ظهر منه أن ما يظهرونه من إيمان وطاعة وحرص عليه في مرضه لم يكن على حقيقته .
7 - شك عمر في النبوة : واستدل على أن أن عمر كان شاكا دائما في نبوة النبي بقول عمر في الحديبية : " ما شككت في نبوة محمد مثل شكي يوم الحديبية " ص 100 .
ونقول : إن قول عمر هذا لا يدل على أنه كان شاكا دائما في نبوة نبينا ( ص ) ، وإنما يدل على أنه كان يشك كثيرا في النبوة ، وأن ذلك قد حصل له مرارا عديدة ، لكن شكه في الحديبية كان أشدها وأعمقها .
- ص 373 -
8 - لا تجتمع أمتي على خطأ ، وقتل عثمان : إنه استدل بقول النبي ( ص ) : " لا تجتمع أمتي على خطأ " على صحة قتل الناس عثمان بن عفان . وجعل ذلك دليلا على عدم إيمانه ص 103 .
وغني عن البيان : إن الإجماع على قتل من ارتكب جريمة يستحق لأجلها القتل ، لا يعني الإجماع على سلب صفة الإيمان عنه ، لأن الإيمان شئ ، وارتكاب الجرائم الموجبة للقتل شئ آخر ، قد يجتمعان ، وقد يختلفان . والحديث الشريف إنما يدل على استحقاقه للعقوبة ، ولا يدل على إجماعهم على عدم إيمانه . وعدم إيمانه إنما يثبت بدلائل أخرى ، لا بد من تلمسها ، والتأمل فيها . هذا كله بالإضافة إلى أن عليا ، وكثيرا ممن كانوا معه لم يشاركوا في قتله . وذلك معروف ومشهور . وإن كان قتله لم يسر عليا ولم يسؤه كما روي عنه ( ع ) .
9 - حديث العشرة المبشرة : وقد حكم العلوي ببطلان حديث العشرة المبشرة بالجنة ، واستدل على ذلك بعدة أدلة : منها : إن طلحة قد آذى النبي ( ص ) حين ذكر أنه سينكح زوجته من بعده ، فنزل قوله تعالى : * ( وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا ) * الأحزاب 53 .
- ص 374 -
ومنها : إن طلحة والزبير قد سعيا في قتل عثمان ، وقد قال رسول الله ( ص ) القاتل والمقتول في النار ، ص 107 .
ونقول : إننا وإن كنا نؤيد ما ذكره من نزول الآية في طلحة ، وإيذائه للنبي ( ص ) ، وندفع ما يدعيه البعض من أن طلحة قد تاب بعد ذلك ، وعمل صالحا ، ثم جاء حديث بشارة العشرة ، فبشره بالجنة . ندفعه بأن إثبات توبة طلحة دونه خرط القتاد .
كما أن بشارته بالجنة تصطدم بخروجه على إمام زمانه علي : ( ع ) ، بعد ذلك والخارج على إمام زمانه في النار .
كما أنها تصطدم بنكثه بيعة أمير المؤمنين ( ع ) . نعم ، إننا وإن كنا نؤيد ذلك ، ولكننا نقول : إن الاستدلال بحديث القاتل والمقتول في النار ، لا يصح في كل مورد ، فلا يصح في مورد خروج طلحة على إمام زمانه المنصوص على إمامته من رسول الله ( ص ) .
وأما خروجه على عثمان ، فقد يدعى أنه مبرر ، من حيث أن خلافة عثمان جاءت مستندة إلى صحة خلافة عمر ، وخلافة عمر مستندة في صحتها إلى خلافة أبي بكر ، وهي غير شرعية ، لأنها جاءت إبطالا للتدبير الإلهي الحاسم ، الذي قرر إمامة وخلافة علي دون سواه ، فخروجه على عثمان ، بعد أن أحدث ، له حكم ، وخروجه على علي المنصوص على إمامته وخلافته له حكم آخر .
- ص 375 -
10 - المتعة لأجل الحصول على المال : ونستغرب كثيرا قوله في الكتاب : أليس بالمتعة يحصلن على مقدار من المال لمصارف أنفسهن وأطفالهن اليتامى " ص 124 . فإن هذا الكلام قد يوهم أن تشريع المتعة إنما هو لتكون سببا في الحصول على المال والمتاجرة بالأعراض ، وهذا أمر غير معقول ولا مقبول . فإن المهر في المتعة كالمهر في الزواج الدائم . وللمتعة أهدافها النبيلة ومبرراتها الموضوعية ، كما للزواج الدائم . حيث إنه يتضمن حلا شرعيا وصحيا لمعضلات يواجهها هذا الإنسان . فراجع كتابنا : " الزواج المؤقت في الإسلام " .
11 - أقيلوني فلست بخيركم : ثم إننا نجده يقول : " إنه ( ع ) كان مستغنيا عن غيره ، وغيره كان محتاجا إليه . ألم يقل أبو بكر : أقيلوني فلست بخير فيكم ، وعلي فيكم " ص 119 .
والذي يلفت نظرنا هنا :
أولا : إن النص المتداول والمعروف هو قوله : أقيلوني فلست بخيركم وعلي فيكم ، وهي تفيد معنى يختلف عن قوله : لست بخير فيكم .
ثانيا : إن قول أبي بكر : أقيلوني الخ . . لا ربط له بالاستغناء والحاجة إلى علي ( ع ) . فإن أعلم العلماء قد لا يكون هو خير الناس ، لأن الخيرية ، أمر ، الاستغناء والحاجة أمر آخر . . . .
الفصل التاسع : ولست أدري خبر المسمار
-------------------------------------- ص 352 ----------------------------------------
....
-------------------------------------- ص 353 ----------------------------------------
خبر المسمار
قد جاء في كتاب منسوب إلى شبل الدولة مقاتل بن عطية ، عرف باسم : " مؤتمر علماء بغداد " الفقرة التالية : " . . . ولما جاءت فاطمة خلف الباب ، لترد عمر وحزبه ، عصر عمر فاطمة بين الحائط والباب عصرة شديدة ، حتى أسقطت جنينها ونبت مسمار الباب في صدرها ، وصاحت فاطمة : يا أبتاه ، يا رسول الله . . . ( 1 ) " .
وقال الفيلسوف المحقق آية الله العظمى الشيخ محمد حسين الأصفهاني قدس الله سره :
ولست أدري خبر المسمار * سل صدرها خزانة الأسرار
ونحن لا نستطيع تأكيد أو نفي هذا الأمر ، رغم أننا نناقش في نسبة كتاب مؤتمر علماء بغداد إلى شبل الدولة ، ونحتمل أنه كتاب وضعه بعض من تأخر عنه ولكن ذلك لا يعني : أن ما ورد فيه من معلومات تاريخية أو غيرها غير صحيح أيضا .
( 1 ) مؤتمر علماء بغداد : ص 135 . ( * )
- ص 354 -
إذن ، فقد يكون مؤلف هذا الكتاب قد أستقي معلوماته من مصادر لم تصل إلينا ، ومناقشتنا في صحة نسبته إلى من ينسب إليه ، لا تعني أن جميع ما ورد فيه أيضا محل مناقشة وريب ، ففيه كثير من المعلومات الصحيحة ، التي تؤيدها الروايات الثابتة والصحيحة بصورة قطعية ، فلا بد من تمييز الغث من السمين ، والصحيح من غيره وفق معايير البحث العلمي وأصوله . .
ونحن نذكر هنا ما نستند إليه في شكنا في نسبة هذا الكتاب ، فنقول . . كتاب مؤتمر علماء بغداد في الميزان : وقد ذكر مؤلف كتاب مؤتمر علماء بغداد : أن كتابه ، أو كتيبه هذا هو خلاصة مناظرة دينية ، يقول : إنها جرت بين عشرة من كبار علماء السنة ، وكبار علماء الشيعة في بغداد بدعوة من السلطان ملك شاه السلجوقي ، ووزيره نظام الملك ، وحضورهما ، ومشاركتهما .
وقد ظهر في هذه المحاورة : التي دامت ثلاثة أيام أن مذهب التشيع هو الحق ، فتشيع السلطان ملك شاه ، وأعلن وزيره نظام الملك تشيعه أيضا ، ولحق بهما عدد من القواد ، وأركان الدولة .
ويطرح هنا سؤال هو : هل هذه المناظرة ، واقعية أم افتراضية ؟ ! وهو ينتظر الجواب الصحيح والصريح . وإذا جاز لنا أن ندلي بدلونا هنا ، فإننا نقول : إن ما نميل إليه هو الخيار الثاني . أي أنها قضية افتراضية .
ونستند في حكمنا هذا إلى عدة أمور ، وإن لم يمكن اعتبار كل واحد منها بمفرده دليلا قاطعا ، ولكنها بمجموعها تمنحنا الجرأة على
- ص 355 -
تسجيل استبعادنا هذا ، الذي يرقى إلى درجة الاطمئنان بكونها قضية افتراضية ، قد أراد مؤلفها أن ينتصر لمذهب بعينه ، ويصوغ الأدلة المذهبية المستندة إلى وقائع تاريخية مشهورة في كتب المسلمين ، وروايات يعترف بصحتها وبصحة الاستناد إليها المتخاصمون - يصوغها بطريقة مثيرة ، وملفتة ، تثير اهتمام القارئ ، وتأخذ بمشاعره .
والأمور التي نستند إليها في رأينا هذا هي التالية : الأسلوب التعبيري : إن أول ما يلفت نظر القارئ لذلك الكتاب " أو الكتيب " هو أسلوبه التعبيري ، حيث إن كثيرا من الموارد قد استعملت فيها تعابير لم تكن متداولة في تلك الفترة من الزمن .
ونحن نذكر هنا جملة منها مع الإشارة إلى رقم صفحة الكتاب المطبوع في سنة 1415 ه . ق . 1994 م . دار الإرشاد الإسلامي ، بيروت - لبنان . تحقيق وتعليق الشيخ محمد جميل حمود .
فنقول : كلمة " مؤتمر " التي وردت في عنوان الكتاب ، وفي ص 17 و 25 و 26 و 28 و 37 . " لم يكن رجلا متعصبا أعمى " ص 17 . " كان شابا منفتحا " ص 17 . " ألفت فيها كتب وموسوعات " ص 25 . " ونرى نحن من خلال المحادثات والمناقشات " ص 26 ، وراجع
- ص 356 -
ص 32 و 34 . " وأن يكون طلب الحق هو رائد الجميع " ص 37 . " إن الذين يسبون لهم منطقهم " ص 46 . " هذا العمل اللا إنساني " ص 96 . " إن بعض رواة السوء ، وبائعي الضمائر " ص 98 . " واعتبر إيمانه إيمانا مثاليا " ص 101 . " يتصورهم أناسا طيبين مؤمنين " ص 111 . " مزق السيد العلوي ستار الصمت " ص 109 . " ولكن المؤهلات في علي بن أبي طالب كانت قليلة " ص 116 . وثمة مورد آخر في نفس الصفحة أيضا . "
الواقع : إن مؤهلات الخلافة والإمامة كانت متوفرة كاملا في علي " ص 116 وراجع ص 117 . " وأقضي غالب أوقاتي بالصيد ، والشؤون الإدارية " ص 153 . " وأخذوا يحيكون المؤامرات ضد الملك ، ونظام الملك ، وحملوه تبعة هذا الأمر ، إذ كان هو العقل المدبر للبلاد ، حتى امتدت إليه يد أثيمة " ص 154 و 155 . " وكان لها نتائج سلبية " ، " وأعطت نتائج سلبية معكوسة " ص 127 . " أليست المتعة هي الحل الوحيد لهم للخلاص من القوة الجنسية
- ص 357 -
الطائشة ، وللوقاية من الفسق والميوعة ؟ ! أليست المتعة أفضل من الزنا الفاحش ، واللواط ، والعادة السرية " ص 124 . ركاكة التعابير : وقد تضمن الكتاب أيضا طائفة من التعابير التي تظهر عليها الركاكة ، والضعف ، وذلك مثل قوله : " رجلا متعصبا أعمى " ص 17 . " كانت متوفرة كاملا في علي " ص 116 . " وكان يحب أهل البيت حبا جما كثيرا " ص 17 . "
ثانيا : رواتها وأسنادها غير صحيحة " ص 76 . " استهزأ به بعض الحاضرين ، وغمزه " ص 18 . " كان صغير العمر ، بينما كان أبو بكر كبير العمر " . ص 113 . " قد كنت أنا حاضر المجلس والمحاورة " ص 156 . " دين التشيع حق لا مراء له " ص 156 . أخطاء نحوية : ووردت في الكتاب أيضا أخطاء نحوية عديدة ، كالموارد التالية : " وإنما انتخبه ثلاثة أو اثنين " ص 61 مع أن الصحيح : اثنان .
- ص 358 -
" إن الرسول يفعل ما لا يفعله حتى الناس العاديين " ص 93 . والصحيح : العاديون . " حتى يأتي بعض الناس الجهال ، فيختاروا الأصلح " ص 115 ، والصحيح : فيختارون . " وكان يحضر مجلسه أربعة آلاف تلميذا " ، ص 151 ، والصحيح : تلميذ . " إلى غيرها من بدعكم أنتم أيها السنة التابعين لعمر " ص 149 ، والصحيح : التابعون .
ولتلاحظ الفقرات التالية : " وأمره - أي أمر أبو بكر خالدا - أن يقتل مالك وقومه " ص 131 . " ووزعت واردها الكثير ، ( مئة وعشرون ألف دينار ذهب ، على قول بعض التواريخ في الناس " ص 145 . " علما بأن فدك لو بقيت " . " غصبا فدك " . " غصبا ملكها فدك " . " ورد فدك على أولاد فاطمة " ص 144 و 145 .
تصحيح خطأ : ووقع فيه سهو آخر في آية قرآنية كريمة ، حيث قال : * ( إنا هديناه النجدين ) * ص 89 . والصحيح : وهديناه النجدين . بالإضافة إلى كلمة " وأخذوا يحيكون المؤامرات " والصحيح :
- ص 359 -
يحوكون . ملك شاه : الجاهل المحب للعلم : وقد وصف ملك شاه السلجوقي بأنه " كان شابا ، منفتحا ، محبا للعلم والعلماء " ص 17 .
مع أن هذا المحب للعلم والعلماء ، لم ينتفع من حبه هذا ، حيث إنه - كما يظهره الكتاب الذي هو مورد البحث - من أجهل الناس حتى بأبسط الأمور ، وبأبده البديهيات الإسلامية والتاريخية ، وكأنه قد عاش في جزيرة ثم دخل بلاد الإسلام لتوه .
حتى أنه لا يعرف بوجود طائفة اسمها الشيعة ، هي نصف المسلمين الذين يحكمهم ، ص 25 و 26 ، بل هو لا يعرف حتى معنى كلمة شيعي ، فضلا عما سوى ذلك من قضايا تاريخية وغيرها .
ولا ندري لماذا أهمل أبوه السلطان ألب ارسلان تأديبه وإعداده للمنصب الذي سيتصدى له ؟
ولماذا لم يحشد له من العلماء والمتخصصين ، أفضلهم ، وأعلمهم ، وأبعدهم صيتا ، وأكثرهم خبرة ؟ . مع أن الملوك والخلفاء كانوا يهتمون بتأديب وتعليم أولادهم ، ولا سيما الذين يرشحونهم لخلافتهم في المناصب لإدارة شؤون البلاد والعباد .
رعونة وطيش : وقد ذكر أيضا : أن ملك شاه السلجوقي يكاد يتخذ قرارا بقتل الشيعة جميعا ، إن لم يقبلوا بالتمذهب بمذهب أهل السنة ، رغم أن وزيره كان قد أخبره بأنهم " يشكلون نصف المسلمين تقريبا " ص 25 . ( * )
- ص 360 -
ولكن وزيره أخبره بأن قتل نصف المسلمين غير ممكن ، ص 27 . وليس ثمة من رعونة وطيش أعظم من هذا ، فكيف يذكرون عنه ما يدل على الاستقامة والعدل ، وعلى الحنكة والعقل ؟ اغتيال الملك ووزيره وقد ذكر هذا الكتاب : أن نظام الملك قد اغتيل بإيعاز من أهل السنة ، ثم اغتالوا ملك شاه السلجوقي بعد ذلك أيضا . والمذكور في التاريخ : أن قتل نظام الملك كان على يد غلام ديلمي من الباطنية . وذكر ابن الأثير قصة تشير إلى أن الذي دبر قتله هو ملكشاه نفسه . أما ملكشاه ، فيذكرون أنه مرض ومات ( 1 ) .
الملك لا يثق إلا بوزيره : ورغم أن المجتمعين قد كانوا كبار علماء أهل السنة في بغداد ، لكننا نجد : أن هذا الملك لا يزال يستفهم وزيره عن كل شئ ، وهذا الوزير بدوره قد دأب على الإجابة بقوله : هكذا ذكر المفسرون ، أو المؤرخون ، أو الرواة ، أو نحو ذلك . فلماذا لا يثق بكبار علماء الإسلام ، ولا يقبل منهم ما ينقلونه ويتداولونه ؟
( 1 ) راجع ذلك في : الكامل في التاريخ : ج 10 ص 204 - 205 وص 210 . ( * )
- ص 361 -
من هم المجتمعون ؟ ! والذي زاد في تحيرنا : أنه رغم أن بغداد كانت تعج بالعلماء المعروفين في تلك الفترة ، سواء من الشيعة ، أو من أهل السنة ، فإن هذا الكتاب لم يذكر لنا اسم أي من هؤلاء العلماء العشرين المشاركين في المناظرة الذين وصفهم بأنهم كبار العلماء في بغداد من الفريقين .
نعم ، وردت أربعة أسماء ادعى المؤلف أنها أسماء علماء هي : الحسين بن علي ، الملقب بالعلوي . أحمد عثمان . السيد جمال الدين . الشيخ حسن القاسمي . ولم نستطع أن نحصل على أي معلومات عن أصحاب هذه الأسماء ، وعن درجاتهم العلمية ، وعن دورهم وأثرهم في البلاد والعباد .
فكيف غاب مشاهير علماء بغداد من سنة وشيعة عن هذه المناظرة الحساسة والمصيرية ، أو فقل : كيف لم يعلن أسماء أي من هؤلاء المشاهير .
مفارقة أخرى لا مبرر لها :
وقد ذكر الكتاب : أن الوزير نظام الملك ، وكذلك العباسي ، الذي كان يناظر عن أهل السنة ، وكذلك العلماء الذين كانوا معه ، قد سكتوا ، وأحجموا عن الإجابة على سؤال حول سعي طلحة والزبير في قتل عثمان . وعلق المؤلف على ذلك بقوله : " ماذا يقولون ؟ ! أيقولون الحق ؟ !
- ص 362 -
وهل الشيطان يسمح بالاعتراف بالحق ؟ ! وهل ترضى النفس الأمارة بالسوء أن تخضع للحق والواقع ؟ ! أتظن أن الاعتراف بالحق أم سهل وبسيط ؟ ! . كلا ، إنه صعب جدا ، لأنه يستدعي سحق العصبية الجاهلية ، ومخالفة الهوى ، والناس أتباع الهوى وبالباطل ، إلا المؤمنين ، وقليل ما هم ؟ ! " ص 109 .
ونقول : إننا ندعو القارئ الكريم للتأمل فيما يلي :
أ : إن المؤلف نفسه قد وصف نظام الملك في أول الكتاب بقوله : " كان رجلا حكيما فاضلا ، زاهدا ، عازفا في الدنيا ، قوي الإرادة ، يحب الخير وأهله ، يتحرى الحقيقة دائما " ص 17 .
ب : إن الوزير نظام الملك كان قد أجاب على جميع الأسئلة التقريرية للملك ، مع أن الكثير منها كان أشد إحراجا له من هذا السؤال العادي جدا ، حيث إن بعضها يتعلق بالخليفتين الأولين أبي بكر ، وعمر بالذات .
ج : إن نظام الملك قد عاد واعترف للملك بصحة استدلال العلوي ، فلما سأله عن سبب سكوته في بادئ الأمر ، قال : " لأني أكره أن أطعن في أصحاب رسول الله ( ص ) " ص 11 . مع أنه هو نفسه قد أجاب بالايجاب حين طعن العلوي في إيمان عمر ( رض ) . وعمر عنده قد كان أعظم بكثير من طلحة ، ومن عثمان أيضا ، فراجع ص 100 .
- ص 363 -
خلافة أم إمامة ؟
ونلاحظ : أن هذا العلوي قد خلط في حديثه عن أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، بين مفهومي الإمامة والخلافة ، وهو يتحدث عن الخلافة بطريقة الحديث عن الإمامة ، فراجع ما ذكره ص 111 حينما قال : " لم يتخذهم كل المسلمين خلفاء ، وإنما أهل السنة فقط " .
فإن هذه العبارة تعني : إن الحديث عن الإمامة لا عن الخلافة ، لأن خلافتهم وحكومتهم إنما هي حدث تاريخي لا يمكن إنكاره من شيعي أو سني . ولكن الكلام والجدل إنما هو في أن هذه الحكومة هل هي مشروعة أم لا ؟ كما أن الكلام إنما هو في إمامة علي ( ع ) ، التي تكون الحكومة أحد مظاهرها ، فغصب الحكومة إنما هو تعد على الإمام في بعض شؤون إمامته . تناقضات لا مبرر لها : ونجده يقع أحيانا في تناقضات لا مبرر لها ، وقد حصل له ذلك في موردين :
الأول : نفاق الذين انتخبوا عثمان : فنجده في حين يصف الذين تحيزوا إلى عثمان في الشورى ، وبايعوه . بالمنافقين . راجع ص 106 . يعود في الصفحة نفسها ليذكر ما يشير إلى عدم كونهم من المنافقين ، بل هم من الأتقياء المؤمنين ، فيقول : إنهم " عدلوا عن عثمان
- ص 364 -
عندما رأوا طغيانه ، وهتكه لأصحاب رسول الله ، ومشورته في أمور المسلمين مع كعب الأحبار ، وتوزيعه أموال المسلمين بين بني مروان ، فبدأ هؤلاء الثلاثة بتحريض الناس على قتل عثمان " .
ويقصد بهؤلاء الثلاثة : طلحة ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف ، وقد كنا نود أن نراه يضيف إلى الأسباب التي ذكرها : أنهم لم يجدوا عند عثمان ما كانوا أملوه من إشراكهم في الأمر ، حيث آثر أقاربه بكل شئ دونهم . والكل يعلم : أن طلحة قد حارب عليا أيضا بسبب أنه لم يستجب لمطالبه التي تغذي طموحاته ، ولسعد بن أبي وقاص ، موقف من علي بسبب ذلك أيضا .
الثاني : من الذين انتخبوا عثمان : وفي حين نجده يقول : " إن عثمان لم يأت إلى الحكم إلا بوصية من عمر ، وانتخاب ثلاثة من المنافقين فقط وفقط ، وهم : طلحة : وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف " ص 106 . فإننا نجده يشكك في هؤلاء الثلاثة ويقول : " إنما انتخبه ثلاثة ، أو اثنين ( كذا ) منهم " ص 61 . مع العلم بأن عمر لم يوص بالخلافة إلى عثمان كما زعم . كما أن قوله : إنه جاء بوصية من عمر ، وبانتخاب ثلاثة غير منسجم ولا متوازن . إلا أن يكون مراده : أن عمر قد ركب الشورى بحيث يصبح انتخاب عثمان حتميا . فاعتبر ذلك بمثابة وصية بالخلافة له .
- ص 365 -
موارد تعوزها الدقة التاريخية :
ثم إن هناك العديد من الموارد التي تعوزها الدقة التاريخية ، ونذكر منها :
1 - قوله عن معاوية : أنه كان يسب عليا أمير المؤمنين ( ع ) ، " إلى أربعين سنة ، وقد امتد سب الإمام إلى سبعين سنة " ص 48 . ونقول : أما بالنسبة للنقطة الأولى ، فنقول : إن معاوية قد أعلن بسب علي ( عليه السلام ) حوالي 23 سنة . وهو يقل عن العدد الذي ذكره بـ 17 سنة . وأما بالنسبة للنقطة الثانية ، فقد امتد سبهم لعلي ( ع ) أكثر من ثمانين سنة ، فراجع كتب التاريخ .
2 - قال : " أبو حنيفة ، ومالك بن أنس ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل لم يكونوا في عصر النبي ( ص ) بل جاؤا بعده بمائتي سنة تقريبا سنة تقريبا " ص 150 . مع أن أبا حنيفة قد ولد سنة 80 للهجرة ، ومات سنة 150 ه . أما مالك فولد سنة 93 ومات سنة 170 ه . والشافعي ولد سنة 150 ومات سنة 204 ه . وأحمد بن حنبل ولد سنة 164 ومات سنة 233 ه .
3 - وذكر " أن عمر منع أبا هريرة عن نقل الحديث لكذبه على رسول الله . ولكن العلماء يأخذون بأحاديثه الكاذبة " ص 82 .
- ص 366 -
ومن المعلوم : أن سياسة الخليفة الثاني كانت تقضي بمنع نقل الحديث عن رسول الله ( ص ) . وقد ضرب أبا هريرة لأجل ذلك ، فإنه أكثر من نقل الحديث كما صرح به نفسه ، لا لأجل كذبه على رسول الله ( ص ) كما زعم المستدل .
4 - جمع القرآن : وقد جاء في هذا الكتاب ما يلي : " قال العلوي : بل من بدعكم أنتم السنة أنكم لا تعترفون بالقرآن . والدليل على ذلك أنكم تقولون : إن القرآن جمعه عثمان ، فهل كان الرسول جاهلا بما عمله عثمان ؟ ! " ص 48 .
ثم يستمر في كلامه الذي يهدف من خلاله إلى إبطال جمع عثمان للقرآن ، وإثبات أنه قد جمع في عهد رسول الله ( ص ) .
ونقول :
أ - إن من الواضح : إن حديث جمع عثمان للقرآن ، لا يعني عدم الاعتراف بالقرآن . فالاستدلال بالأول على الثاني في غير محله .
ب : إن عثمان لم يجمع القرآن ، وإنما جمع الناس على قراءة واحدة ، وذلك حينما عبر له حذيفة بن اليمان عن تخوفه من اختلاف قراءات الناس . وقد أيده أمير المؤمنين علي ( ع ) في ذلك ، أي في جمع الناس على قراءة واحدة ، وقال - حسبما روي - لو وليت لفعلت مثلما فعل ( 1 ) .
ولعل هذا المستدل يقصد : أن القرآن قد جمع على عهد رسول
( 1 ) راجع كتابنا : حقائق هامة حول القرآن الكريم . ( * )
- ص 367 -
الله ( ص ) ، ولكن الخليفتين الأول والثاني قد رفضا مصحف رسول الله ( ص ) ، لأنه كان يتضمن التنزيل ، والتأويل وأسباب النزول والتفسير . وغير ذلك مما كان من شأنه أن يحرج الكثيرين ممن لا يرضى الحكام بإحراجهم ، ولا بإشاعة حقائق ترتبط بهم . وجمعوا هم آيات القرآن في مصحف واحد ، بعد أن أسقطوا التفسير والتأويل وأسباب النزول منه ، كما هو معلوم .
طريقة الاستدلال أحيانا :
وإن معظم الاستدلالات الواردة في الكتاب . وإن كانت جيدة وصحيحة . ولكن ثمة موارد في الكتاب لم يكن الاستدلال فيها صالحا . رغم أنه قد كان بالامكان أن تكون هي الأخرى على درجة عالية من القوة والصحة ، لو استبدلت بعناصر تجعلها أكثر دقة ، وأبعد أثرا .
والموارد التي لاحظناها هي التالية :
1 - السب واللعن : قد حصل خلط في الكتاب بين السب واللعن ، حيث ادعى الكتاب جواز سب الصحابي المنحرف ، ولكنه استدل بما يثبت جواز اللعن لا السب ، فراجع ص 47 و 48 .
ومن الواضح : أن عليا ( ع ) قد نهى في صفين أصحابه عن سب معاوية وأصحابه ، وطلب منهم بدلا من سبهم أن يصفوا أعمالهم .
- ص 368 -
كما أن الإمام الصادق ( ع ) قد أمر أصحابه بأن ينزهوه عن السب ، ولا يكونوا قوما سبابين ، ليقال : رحم الله جعفرا قد أدب أصحابه فأحسن تأديبهم . أما اللعن الذي معناه الدعاء على الشخص بأن يبعده الله عن رحمته ، فهو شأن آخر ، وقد لعن الله سبحانه في كتابه الكريم فئات كثيرة .
كما أنه سبحانه قد أظهر الرضى عن لعن المؤمنين لبعض الفئات ، حين قال : * ( أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ) * . ولعل سبب ذلك هو أن اللعن يستبطن إعلان البراءة والإدانة للانحراف الذي اختاروه ، ولكل سلوك عدواني ، أو عمل إجرامي اقترفوه . ولا يستهدف الانتقاص الشخصي منهم ، كما هو الحال بالنسبة للسب .
2 - شك النبي في نبوته : وذكر أيضا : " إن السنة يقولون : إن رسول الله كان شاكا في نبوته " . واستدل على ذلك بما رووه عن النبي ( ص ) : أنه قال : " ما أبطأ علي جبرائيل مرة إلا وظننته أنه نزل على ابن الخطاب " ص 91.
وقد كان بإمكان المستدل أن يضيف إلى ما ذكره الآية القرآنية الدالة على أنه ( ص ) خاتم النبيين ، والحديث الصريح بأنه ( ص ) لا نبي بعده . ليتم الاستدلال بذلك . إذ بدون ذلك قد يجاب عنه بأنه لا مانع من اجتماع نبيين في آن واحد ، مثل موسى وهارون ( ع ) ، وغيرهما من الأنبياء .
- ص 369 -
3 - أهل السنة وتحريف القرآن : ويقول : " أما السنة فيقولون : إن القرآن زيد فيه ونقص عنه " ص 51 و 52 ، وراجع ص 92 . وقال : " بل المشهور عندكم أيها السنة : إنكم تقولون بتحريف القرآن . قال العباسي : هذا كذب صريح . قال العلوي : ألم ترووا في كتبكم : أنها نزلت على رسول الله آيات حول الغرانيق ، ثم نسخت تلك الآيات ، وحذفت من القرآن " ص 72 وراجع ص 76 .
ونسجل هنا :
أ : لقد أجمعت الأمة على عدم الزيادة في القرآن الكريم .
ب : إن نسبة القول بالزيادة والنقيصة إلى أهل السنة أو إلى المشهور فيهم بعنوان كونهم طائفة ، ليس دقيقا أيضا . ولو أنه قال لهم : إن هناك روايات رواها أهل السنة في صحاحهم الستة وكتبهم المعتبرة ، لو التزم أهل السنة بمضمونها لانتهوا إلى القول بالتحريف الذي دلت الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة على عدمه لكان صحيحا ومتينا جدا .
ج : إن الرواية التي تتحدث عن مدح الغرانيق ، التي هي الأصنام قد ردها وفندها كثير من علماء السنة . وإن كان يظهر من البخاري أنه لا يأبى عن قبولها .
- ص 370 -
د : إن الحديث الغرانيق ليس فيه أن عبارة : " تلك الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لترتجى " . آية قرآنية ، وليس فيه ولا في غيره : أن هناك من يدعي : أنها كانت في القرآن ثم نسخت ! ! وحذفت منه ! ! . بل تدعي تلك الرواية المكذوبة : إن الشيطان هو الذي ألقى تلك العبارة على لسان النبي ( ص ) . ثم جاءه جبرائيل فأطلعه على حقيقة الحال .
4 - عبس وتولى : وقال عن آية : عبس وتولى : " الأحاديث الصحيحة الواردة عن أهل بيت النبي ، الذي نزل القرآن في بيوتهم تقول : إنها نزلت في عثمان بن عفان " . ص 97 . وهو كلام غير دقيق ، فإن الرواية إنما ذكرها القمي في تفسيره ، وذكرها الطبرسي في مجمع البيان ، فلا يوجد أحاديث ( بصيغة الجمع ) ، بل إن رواية الطبرسي عن الإمام الصادق ( ع ) لم تصرح باسم عثمان ، بل قالت : نزلت في رجل من بني أمية .
كما أن وصف هذه الرواية بالصحة الظاهر بالصحة من حيث السند ، قد يعد تساهلا في التعبير . مع التذكير بأن عدم توفر سند يتصف بالصحة بالمصطلح المعروف لا يعني : أن مضمون الرواية باطل ومكذوب . ومهما يكن من أمر ، فقد حقق هذا الموضوع الأخ العلامة الشيخ رضوان شرارة في كتاب مستقل بعنوان : " عبس وتولى في من نزلت " فليراجع .
- ص 371 -
5 - إيمان الخلفاء الثلاثة : وزعم الكتاب : أن " الشيعة يعتقدون أنهم - أي الثلاثة - كانوا غير مؤمنين قلبا وباطنا ، وإن أظهروا الإسلام لسانا وظاهرا " . ثم فرع على إسلامهم الظاهري صحة " مصاهرة النبي لهم ، ومصاهرتهم للنبي " ص 98 و 99 .
ولنا على هذا الأمر عدة مؤاخذات ، نذكر منها :
أ : إن هذا الاعتقاد لم يسجله الشيعة - كطائفة - في كتبهم الاعتقادية ، ولا وقفوا عنده في تكوين البنية العقيدية ، وبلورة مفرداتها .
ب : إن مصاهرة النبي لهم إنما تستند إلى إيمان بناتهم ، ولا ربط لها بإيمان ولا حتى بإسلام والد البنت ، إذ لا ضير في زواج المسلم بل وحتى النبي ( ص ) بابنة غير المسلم ، فكيف بمن يظهر الإسلام والإيمان ؟ ! ج : أما بالنسبة لمصاهرة عثمان للنبي ( ص ) ، فلم تثبت ، لأننا قد أثبتنا أن عثمان إنما تزوج ربيبتي النبي ، ولم يتزوج بنتيه ( 1 ) .
6 - خيانة أبي بكر كيف تثبت : وقد استدل في الكتاب على خيانة أبي بكر للنبي ( ص )
أولا : بقوله تعالى : * ( لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ) * .
ثانيا : بلعن النبي ( ص ) من تخلف عن جيش أسامة ، وأبو بكر
( 1 ) راجع كتابنا : بنات النبي أم ربائبه . ( * )
- ص 372 -
ممن تخلف ، راجع ص 99 . وهو استدلال غير موفق ، لأن الآية المباركة لا ربط لها بخيانتهم للنبي ( ص ) . نعم هي تدل على عدم إيمان من لا يرضى بحكم النبي ( ص ) ، إلا إذا كانوا يظهرون القبول ، ثم إذا خلوا إلى أنفسهم غمزوا في حكمه ( ص ) . كما أن لعن النبي للمتخلف لا يدل على خيانة المتخلف . بل يدل على عصيانه ومخالفته لأمر النبي ( ص ) .
ويدل أيضا على عدم إيمان من يلعنه النبي ( ص ) . وقد يكون مقصود المستدل : أنهم حين رفضوا حكم النبي ، وعصوا أمره ، لم يفعلوا ذلك بصورة علنية بل بصورة خيانية فيها التفاف وتملص واحتيال ، وإظهار خلاف الواقع ، ظهر منه أن ما يظهرونه من إيمان وطاعة وحرص عليه في مرضه لم يكن على حقيقته .
7 - شك عمر في النبوة : واستدل على أن أن عمر كان شاكا دائما في نبوة النبي بقول عمر في الحديبية : " ما شككت في نبوة محمد مثل شكي يوم الحديبية " ص 100 .
ونقول : إن قول عمر هذا لا يدل على أنه كان شاكا دائما في نبوة نبينا ( ص ) ، وإنما يدل على أنه كان يشك كثيرا في النبوة ، وأن ذلك قد حصل له مرارا عديدة ، لكن شكه في الحديبية كان أشدها وأعمقها .
- ص 373 -
8 - لا تجتمع أمتي على خطأ ، وقتل عثمان : إنه استدل بقول النبي ( ص ) : " لا تجتمع أمتي على خطأ " على صحة قتل الناس عثمان بن عفان . وجعل ذلك دليلا على عدم إيمانه ص 103 .
وغني عن البيان : إن الإجماع على قتل من ارتكب جريمة يستحق لأجلها القتل ، لا يعني الإجماع على سلب صفة الإيمان عنه ، لأن الإيمان شئ ، وارتكاب الجرائم الموجبة للقتل شئ آخر ، قد يجتمعان ، وقد يختلفان . والحديث الشريف إنما يدل على استحقاقه للعقوبة ، ولا يدل على إجماعهم على عدم إيمانه . وعدم إيمانه إنما يثبت بدلائل أخرى ، لا بد من تلمسها ، والتأمل فيها . هذا كله بالإضافة إلى أن عليا ، وكثيرا ممن كانوا معه لم يشاركوا في قتله . وذلك معروف ومشهور . وإن كان قتله لم يسر عليا ولم يسؤه كما روي عنه ( ع ) .
9 - حديث العشرة المبشرة : وقد حكم العلوي ببطلان حديث العشرة المبشرة بالجنة ، واستدل على ذلك بعدة أدلة : منها : إن طلحة قد آذى النبي ( ص ) حين ذكر أنه سينكح زوجته من بعده ، فنزل قوله تعالى : * ( وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا ) * الأحزاب 53 .
- ص 374 -
ومنها : إن طلحة والزبير قد سعيا في قتل عثمان ، وقد قال رسول الله ( ص ) القاتل والمقتول في النار ، ص 107 .
ونقول : إننا وإن كنا نؤيد ما ذكره من نزول الآية في طلحة ، وإيذائه للنبي ( ص ) ، وندفع ما يدعيه البعض من أن طلحة قد تاب بعد ذلك ، وعمل صالحا ، ثم جاء حديث بشارة العشرة ، فبشره بالجنة . ندفعه بأن إثبات توبة طلحة دونه خرط القتاد .
كما أن بشارته بالجنة تصطدم بخروجه على إمام زمانه علي : ( ع ) ، بعد ذلك والخارج على إمام زمانه في النار .
كما أنها تصطدم بنكثه بيعة أمير المؤمنين ( ع ) . نعم ، إننا وإن كنا نؤيد ذلك ، ولكننا نقول : إن الاستدلال بحديث القاتل والمقتول في النار ، لا يصح في كل مورد ، فلا يصح في مورد خروج طلحة على إمام زمانه المنصوص على إمامته من رسول الله ( ص ) .
وأما خروجه على عثمان ، فقد يدعى أنه مبرر ، من حيث أن خلافة عثمان جاءت مستندة إلى صحة خلافة عمر ، وخلافة عمر مستندة في صحتها إلى خلافة أبي بكر ، وهي غير شرعية ، لأنها جاءت إبطالا للتدبير الإلهي الحاسم ، الذي قرر إمامة وخلافة علي دون سواه ، فخروجه على عثمان ، بعد أن أحدث ، له حكم ، وخروجه على علي المنصوص على إمامته وخلافته له حكم آخر .
- ص 375 -
10 - المتعة لأجل الحصول على المال : ونستغرب كثيرا قوله في الكتاب : أليس بالمتعة يحصلن على مقدار من المال لمصارف أنفسهن وأطفالهن اليتامى " ص 124 . فإن هذا الكلام قد يوهم أن تشريع المتعة إنما هو لتكون سببا في الحصول على المال والمتاجرة بالأعراض ، وهذا أمر غير معقول ولا مقبول . فإن المهر في المتعة كالمهر في الزواج الدائم . وللمتعة أهدافها النبيلة ومبرراتها الموضوعية ، كما للزواج الدائم . حيث إنه يتضمن حلا شرعيا وصحيا لمعضلات يواجهها هذا الإنسان . فراجع كتابنا : " الزواج المؤقت في الإسلام " .
11 - أقيلوني فلست بخيركم : ثم إننا نجده يقول : " إنه ( ع ) كان مستغنيا عن غيره ، وغيره كان محتاجا إليه . ألم يقل أبو بكر : أقيلوني فلست بخير فيكم ، وعلي فيكم " ص 119 .
والذي يلفت نظرنا هنا :
أولا : إن النص المتداول والمعروف هو قوله : أقيلوني فلست بخيركم وعلي فيكم ، وهي تفيد معنى يختلف عن قوله : لست بخير فيكم .
ثانيا : إن قول أبي بكر : أقيلوني الخ . . لا ربط له بالاستغناء والحاجة إلى علي ( ع ) . فإن أعلم العلماء قد لا يكون هو خير الناس ، لأن الخيرية ، أمر ، الاستغناء والحاجة أمر آخر . . . .
مواضيع مماثلة
» * الفصل الخامس *
» الفصل الثامن : من هنا وهناك
» * الفصل السادس : الحب والاحترام يردعهم *
» الفصل الرابع ما أدب به آل البيت شيعتهم - عقيدتنا في الدعاء
» * الفصل الثاني : الزهراء عليها السلام والغيب *
» الفصل الثامن : من هنا وهناك
» * الفصل السادس : الحب والاحترام يردعهم *
» الفصل الرابع ما أدب به آل البيت شيعتهم - عقيدتنا في الدعاء
» * الفصل الثاني : الزهراء عليها السلام والغيب *
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى